مقابلات

المقابلة التي أجرتها معه صحيفة الوطن القطرية في 31/10/2010

لن نسلِّم رقبتنا لمحكمة مسيَّسة

كل المؤشرات جدلية في لبنان، فلا إشارات جدية توحي بحلول إيجابية للأزمة السياسية القائمة في البلاد، حول «المحكمة الدولية»، المكلفة بالتحقيق في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وخصوصًا بعد التصعيد الجديد في مسار هذه القضية، إثر مطالبة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد «حسن نصر الله» الشعب اللبناني إلى «مقاطعة المحكمة»، معتبـــرًا أن أي تعـــــــاون مع المحققين الدولييــن هــــو «اعتداء على المقاومة» !

.. وهكذا..... فلاتزال أجواء التأزيم مخيّمة على الأوضاع العامة في لبنان، والتي بلغت ذروتها بعد «الاشتباك اللفظي» الذي وقع في عيادة نسائية في «الضاحية الجنوبية»، يتردد عليها نساء من حزب الله اشتبكن مع ثلاثة من فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة، بعد طلبهم من صاحبة العيادة بيانات ومعلومات شخصية تتعلق بملفات عدد من مريضاتها !

يحدث هذا... في ظل الانقسام حول الملابسات والمجريات والحيثيات المرتبطة بالمحكمة الدولية و«قرارها الظني»، الذي يشاع أنه سيوجه أصابع الاتهام إلى عناصر غير منضبطة في «حزب الله» بارتكاب الجريمة، مع ما لهذه المسألة من حساسية وانعكاسات سلبية على الأمن والاستقرار اللبنانيين.

.. وعلى خلفية هذه القضية الجدلية، ليس من قبيل المبالغة القول إن لبنان يعيش لحظة داخلية معقدة، وصل فيها الخلاف بين مؤيدي المحكمة ومعارضيها إلى التهديد بالإطاحة بالوحدة الوطنية، وإعادة البلاد إلى دائرة الفتنة الطائفية.

فالمؤسف أن الوضع اللبناني الراهن يغلي، والضجيج يدوي، حول «القرار الظني» المرتقب صدوره عن «المحكمة الدولية» الخاصة بلبنان، ولا أحد يصغي للآخر، وكل طرف يتمسك بموقفه، ولا يتزحزح عنه قيد أنملة، بينما تلك «الدملة» المتعلقة بالمحكمة، وما يتفرع عنها من ملفات عالقة، خصوصًا ملف

«شهود الزور»، تكبر وتتحول إلى «قنبلة»!

وسط هذا المناخ القابل للانفجار في أي لحظة، والذي تغلفه طبقة سميكة من الغموض، وصلتُ إلى بيروت لمحاورة «الشيخ نعيم قاسم» نائب الأمين العام لـ «حزب الله»، وكان هدفي الوصول معه إلى إجابات واضحة، تبدد غموض التساؤلات، حول التداعيات التي سيخلفها «القرار الاتهامي» على الرقعة اللبنانية والمساحة الإقليمية.

كانت منطقة «الضاحية الجنوبية» في بيروت في ذروة نشاطها، تواصل حراكها البشري، فتعج بالبشر، وكأنها «خلية نحل»، عندما دخلت إليها لمحاورة الرجل الثاني في «حزب الله».

فهذه المنطقة تعد من أكثر المناطق اللبنانية اكتظاظًا بالسكان، وأكثرها ازدحاما بالبشر، حيث تشير التقديرات إلى أن عدد سكانها يفوق «المليون ونصف»، أي يشكلون ثلث سكان الدولة اللبنانية تقريبًا، يعيشون في عمارات متزاحمة، وبنايات مزدحمة.

أما الحديث عن ازدحام السيارات في شوارعها فهو أشبه بالكلام عن «قطعة مغناطيس» عملاقة، تجذب القطع المعدنية إليها، حيث تتزاحم السيارات فوق أرصفتها وفي طرقاتها الضيقة، فلا يوجد «شبر» في الشارع لا يزدحم بـ «البشر»، ولا يوجد فيه هيكل معدني متحرك !

في ذروة ذلك الازدحام المعدني، والاكتظاظ البشري، وصلت إلى «الضاحية» لمقابلة

«الشيخ نعيم قاسم».

كان التوقف في منطقة بئر العبد ضروريًا،بعد فترة «ترانزيت»، توقفنا فيها في مقر «المكتب الإعلامي» التابع للحزب، حيث قمنا بتغيير سيارتنا كإجراء أمني وقائي، قبل الانطلاق نحو المكان المخصص لمقابلة نائب السيد حسن نصر الله.

.. وبعد قضاء أقل من نصف ساعة في ذلك «المكتب»، أمضيناها في «دردشة» إعلامية عابرة، انطلقت بنا سيارة «جيب» سوداء إلى مكان آخر، وبعد أن سارت ودارت في شوارع «الضاحية»، توقفت أمام عمارة سكنية، لا يبدو مظهرها الخارجي أنها أحد مقرات «حزب الله» !

كان الدور الأرضي في العمارة عبارة عن محلات تجارية لبيع مختلف البضائع والسلع الرجالية والنسائية !

.. وبعد صعود «المصعد الآلي» انفتح باب إحدى الشقق، لنجد أنفسنا وسط أحد مقرات «الحزب»، الذي يتهمه خصومه بأنه يحتكر قرار «الحرب» في لبنان.

.. وفي الصالة الرئيسية لهذا المقر التي تعلوها صورتان للزعيمين الإيرانيين «الخميني» مفجّر الثورة الإيرانية، و«خامنئي» مرشدها العام، دار حواري مع الشيخ نعيم قاسم، المولود عام «1953» في «كفر فيلا»، بالجنوب اللبناني، والذي ساهم في تأسيس «حزب الله» عام «1982»، ويتولى موقعه القيادي في الحزب منذ خمس دورات متتالية.

.. والشيخ «نعيم» ليس جديدًا على منصبه الحزبي، فهو يتولاه منذ عام «1991»، أي أنه يشغل موقعه القيادي في «حزب الله» قبل وصول السيد «حسن نصر الله» إلى زعامة الحزب، مما يعني أن محدثي كان نائبًا للأمين العام السابق السيد «عباس الموسوي»، الذي اغتالته إسرائيل في السادس عشر من فبراير عام «1992» بإطلاق صاروخ على سيارته، وهو عائد مع أسرته من قرية «جبشيت» مسقط رأسه، في جنوب لبنان، وكان عمره لا يتجاوز الثالثة والثلاثين عامًا.

.. ومع تزايد التحديات والتهديدات الإسرائيلية المعلنة باغتيال «الأمين العام لحزب الله»، فقد خفف السيد «حسن نصر الله» ظهوره الإعلامي في وسائل الإعلام المختلفة، منذ العدوان الإسرائيلي على لبنان عام «2006»، باستثناء إطلالته من وقت لآخر في المناسبات الجماهيرية، عبر دائرة تليفزيونية مغلقة وغير مخترقة، إثر استهدافه بشكل مباشر ومعلن من الأجهزة الإسرائيلية.

.. ولهذا أصبح نائب الأمين العام «الشيخ نعيم قاسم» في الواجهة الإعلامية، بحكم مكانه القيادي، ومكانته في أوساط جمهور «حزب الله»، وصار التركيز الإعلامي عليه يتزايد، مع تزايد الدور الذي يلعبه الحزب في لبنان.

.. ولكل هذا فقد حرصت على محاورته، بعد استحالة الوصول إلى السيد «حسن نصر الله» المستهدف إسرائيليا، باعتباره المطلوب رقم «1» في قائمة الاغتيالات الإسرائيلية، المبرمجة على الساحة اللبنانية.

ووسط كل تلك التحديات التي يواجهها لبنان خارجيًا وداخليًا دار حواري مع الرجل الثاني في «حزب الله»، حول المحكمة والحكومة والحكمة اللبنانية المفقودة.

ولأن «القرار الاتهامي»، المتوقع صدوره عن «المحكمة الدولية»، لم يعد سرًا، بل إن جميع المعنيين فيه أصبحوا في أجوائه، كان لا بد أن أستهل الحوار به، لأعرف كيف سيتعامل «حزب الله» معه، خاصة أن أحدًا في لبنان حتى لو كان «قارئا للفنجان»، ليس قادرًا على تقديم «سيناريو» لما يمكن أن يفعله «حزب الله» لمواجهة «القرار الظني».

.. ولأن نائب السيد «حسن نصر الله» درس «الكيمياء» في بداية حياته وهو حاصل على «الليسانس» في هذا التخصص باللغة الفرنسية من الجامعة اللبنانية، فقد اخترت هذا المجال الحيوي للانتقال منه من محور إلى آخر في حوارنا، لتحليل الوضع اللبناني المعقد، الذي يشبه «معادلة كيميائية» صعبة، تحتاج إلى خبير يستطيع فك رموزها وطلاسمها.

.. ولأننا توقفنا عند الكثير من المواقف، وتناولنا بـ «التحليل الصحفي» أكثر من خبر، فهذه حصيلة الأسئلة والأجوبة التي تداولناها في حوارنا الذي يشبه في تفاعلاته تفاعلات «المختبر الكيميائي»..

وإليكم التفاصيل:

__ سماحة الشيخ .. باعتباركم أحد الدارسين المتخصصين في الكيمياء، سوف أبدأ معكم حواري بالكيمياء السياسية، لأعرف منكم كيف يمكن أن نحل رموز هذه المعادلة المعقدة، وهي قضية المحكمة الدولية، فما دام حزب الله بريئا من دم الرئيس رفيق الحريري، ويثق في سلامة موقفه، فلماذا يخشى من صدور القرار الاتهامي، ولماذا يشغل الدنيا ضجيجا ضد المحكمة وقرارها المرتقب؟

_ في البداية احيي صحيفة «الوطن» القطرية على اعمالها وانجازاتها، وأود ان أرسل تحية إلى الشعب القطري، على دعمه ودعم قيادته لأهلنا في الجنوب والبقاع ومختلف المناطق اللبنانية في عملية الإعمار.

أما قضية المحكمة فهي قضية معقدة لأنها تجاوزت عنوان كشف الحقيقة، إلى عناوين اخرى لها علاقة بتصفية حسابات دولية، لترجيح كفة إسرائيل السياسية، في طريقة المواجهة التي تخوضها المقاومة مع إسرائيل، ومن ورائها مع المشروع الاميركي، الذي يريد قهرنا في لبنان وفلسطين، ويريد ان يبطل مفعول وقدرة وحضور المقاومة في هذه المنطقة.

وللمحكمة قصة معنا، بدأت عندما كنا نريد ان نناقش مضمونها قبل ان تقرر، ولم يتسن لنا ذلك بحكم اصرار الحكومة في وقتها وخاصة رئيسها، بأن يتجاوز النقاش لمصلحة اصدار هذا القرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع، مرورا بالاتهامات الظالمة التي حصلت مع الضباط الاربعة، بحوالي أربع سنوات في السجن ظلما وعدوانا، وكذلك لاتهام سوريا الذي تبين فيما بعد انه لم يكن في محله، إلى ان أتت المرحلة الحساسة جدا بالنسبة إلينا، وهي صدور تسريبات عبر مجلة «دير شبيغل» الالمانية و«لوموند» الفرنسية، وما انتشر في وسائل الاعلام المختلفة، في ان حزب الله بأفراد منه متهم بجريمة القتل للرئيس الشهيد الحريري، وقد وصلنا ايضا من أوساط «تيار المستقبل» بطريقة أو بأخرى هذه المعطيات في دائرة شبه اليقين، ما جعلنا نقف أمام اتهام فيه افتراء وفيه ظلم بالنسبة إلينا.

__ لكن عفوا سماحة الشيخ.. هل تبنون مواقفكم ضد المحكمة على تسريبات صحفية؟

_ سأتابع.. وبطبيعة الحال نحن لا نبني على تسريبات صحفية وانما عندما تتوافق المعلومات بين الجهة المعنية في لبنان، والتي تحيط برئيس الحكومة ومن يتصل به، وبين التسريبات الصحفية وما ورد عن المحكمة الدولية بشكل أو بآخر، المحكمة الخاصة بلبنان، عندها علينا ان نتخذ موقفا واضحا هل نقبل بتهمة فيها افتراء أم لا نقبل؟

نحن أعلنا اننا لن نقبل بالافتراء، واذا لاحظت كل من دافع عن ضرورة استمرارية المحكمة والتسليم بما تقول، لم يقل بأنه يرفض اتهام حزب الله أو أفراد من حزب الله، وانما اعتبر ان المحكمة يجب ان تقر بأنها عادلة ومنصفة، وبعد ذلك من لديه ملاحظات أو دفاعات فليذهب ويدافع في هذه المحكمة.

نحن اعتبرنا ان أداء المحكمة في الفترة السابقة أثبت انه أداء مسيس، وبالتالي ليست هناك مهنية تؤدي إلى العدالة، وبالتالي لا يمكن ان نسلم أنفسنا لاتهام جائر، لننتظر بعد ذلك ما الذي يمكن ان يحصل، هل تبرئنا المحكمة أو لا تبرئنا المحكمة، لأن اصل الاتهام فيه افتراء، وإذا افترضنا ان المحكمة ستصدر قرارا ليس فيه اتهام لحزب الله، يكون الحزب فيما فعله قد قام بأمر احتياطي بالحد الأدنى كي لا يظلم. وأشار إلى الجهات المعنية أن التفتوا لا يمكن ان نكون جزءا من صفقة دولية بطريقة التعاطي مع الحزب ومقاومته، اما اذا كان ما تسرب صحيحا وثبتت الأمور، فهذا يؤكد أن ما قمنا به كان في محله، ونحن لا نستطيع ان نسلم رقبتنا لمحكمة مسيسة، ثم بعد ذلك لا نعلم أين تؤدي احكامها، وما سيحصل في لبنان بسبب هذه الأحكام.

سيناريوهات محتملة

__ أفهم من كلامكم ان ما تقومون به الآن هو اجراء وقائي، فهل لديكم معلومات أو معطيات عن هوية الأشخاص أو العناصر غير المنضبطة في حزبكم، التي يمكن ان توجه اليها أصابع الاتهام؟

_ (متسائلا) عناصر غير منضبطة من حزب الله؟

__ نعم من حزب الله؟

_ ليست لدينا معلومات دقيقة نهائية في هذا الأمر، لكن لدينا معطيات اجمالية، وبحسب ما سربت المحكمة بطريقة أو بأخرى او سرب عنها بـ «تطنيش» منها، او ما شابه ذلك لكن في كل الحالات الاسماء ليست مهمة، المهم هو الاتجاه الذي تذهب فيه قضية المحكمة، وهي ادانة أفراد من حزب الله أو اتهام افترائي على أفراد من حزب الله، هذا ما ننظر إليه ولا ننظر إلى الاسماء والتفاصيل.

__ ولكن هناك اطرافا لبنانية تتهم اللواء جميل السيد بتسريبه تلك المعلومات لمجلة «دير شبيغل» الالمانية؟

_ تستطيع ان تسأل المسؤول عن المقالة في «دير شبيغل» هو الذي قال في ما قاله، وأكد لاحقا أنه حصل على هذه المعطيات من داخل المحكمة.

__ سماحة الشيخ.. كثيرون يترقبون في الداخل والخارج ما سيكون عليه رد حزب الله في حال استهدفه القرار الظني؟

_ سأكون معك واضحا، هذا السؤال سأله كل الدبلوماسيين الأجانب، وسألته وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون، وسأله مساعدها جيفري فيلتمان للمسؤولين اللبنانيين، لأنهم يريدون معرفة ردة فعل حزب الله حتى يشخصوا اذا كانت ردة الفعل تستحق ان يغامروا بالاقدام على القرار الاتهامي، أو أن ردة الفعل تتطلب معالجة بطريقة أخرى، كي لا يكون هذا السيف المصلت علينا سببا لمشكلة لهم، بدل ان يكون مشكلة لنا، وفي حقيقة الأمر أنا لا استطيع الآن ان أتحدث عن رد الفعل الذي سيقوم به حزب الله، لأن الأمر مرتبط بظروف صدور هذا الاتهام، والأجواء السياسية المحيطة وطريقة التعاطي مع هذه التهمة من الاطراف المحليين والدوليين، والانعكاس الذي سيحصل بسبب هذه التهمة، أي ان هناك مجموعة من السيناريوهات محتملة لردة فعل حزب الله هذا لا يمكن حسمه الآن.

نحن في موقع الدفاع

__ لكن عفوا هل من بين السيناريوهات المطروحة لجوؤكم إلى الخيار العسكري، أو اللجوء إلى استخدام القوة لمواجهة هذا القرار؟

_ في كل الاحتمالات نحن كحزب الله في الموقع الدفاعي، ولسنا في موقع انشاء شيء ابتداء، وبالتالي لا نعلم كيف سيتصرف باقي الاطراف، لا نعرف ماذا ستفعل المخابرات الإسرائيلية ولا المخابرات الاميركية، ولا الأجهزة المختلفة المنتشرة في الساحة، لا نعلم كيف سيثيرون الوضع القائم، لذلك استطيع ان اقول لك بكل وضوح حزب الله في الموقف الدفاعي، هو متهم تهمة جائرة يريد ان يدافع عن نفسه، لا أعلم مدى هذا الدفاع وحدود هذا الدفاع، لكن بالتأكيد نحن لن نكون في يوم من الأيام سببا للاعتداء على أحد.

__ بصراحة وبكل صراحة هل تخشون عبر القرار الظني استهداف رأس الحزب وأمينه العام وعقله المفكر السيد حسن نصر الله؟

_ نحن لا نفكر بهذه الطريقة، ولا نعتبر انه اذا كان المقصود سماحة الأمين العام حفظه الله في نهاية المطاف هو الذي يحرك موقفنا السياسي، في الواقع نحن ما يحرك موقفنا السياسي ان يتهم اي شخص من حزب الله بمعزل عن موقعه وبمعزل عن رتبته، لأن الحزب حالة مترابطة وحزب متضامن، ولا يصح ان نتحدث عن عناصر غير منضبطة، وعن مسؤولين رفيعي المستوى في التمييز في الأحكام، لذلك بالنسبة إلينا الأمر واحد، أي شخص يتهم من الحزب نتعامل مع القرار الاتهامي بمنطق واحد، وهو رفض هذه التهمة الجائرة.

الحزب غير مخترق

__ ولكن هل تعتبرون جميع عناصر الحزب ملائكة، ولا يوجد في حزبكم عناصر أو كوادر لهم نزعة عدوانية أو شيطانية مثلا؟

_ إلى الآن ثبت بالتجربة ان حزب الله غير مخترق إسرائيليا وبالتالي كل الجواسيس الذين اعتقلوا لم يكن أي واحد منهم في تركيبة الحزب، وكل العمليات التي قامت بها المقاومة في مراحلها المختلفة كانت تحافظ على سريتها الكاملة، مما يعني ان قدرة إسرائيل على الاختراق الداخلي لم تكن متوفرة، بهذه المعطيات اضافة إلى معطى اساسي موجود عندنا وهو ثقتنا الكاملة بأن حزب الله غير مسؤول عن عملية الاغتيال، تجعلنا نقف هذا الموقف، المسألة لا ترتبط فقط فيما اذا كان حزب الله مخترقا أم لا، إنها ترتبط ايضا ما لدينا من معطيات تؤكد ان الحزب لا علاقة له، وقد قدم سماحة الأمين العام مجموعة من القرائن والمعطيات التي تشير إلى إسرائيل كأرجحية، لكن حتى الآن لم تقم المحكمة الخاصة بأي إجراء في هذا الشأن.

__.. ولكن سماحة السيد نصر الله قدّم هذه القرائن في عام «2010» والجريمة تمت في عام «2005»، لماذا كل هذا التأخير في تقديم هذه القرائن مادام الحزب مقتنعا بها ومتأكدا منها؟

_ الحزب ليس جهة قضائية وبالتالي لم يكن معنيا بأن يلاحق ويتابع ويحقق حتى يصل إلى نتيجة معينة، وليس بمقدوره ان يلعب دور القضاء الذي له امكاناته وله شبكة عمله وآليته المختلفة، التي يصل معها إلى حلول، لكن عندما وجدنا ان التهمة أتت إلينا فكرنا في البحث في دفاترنا القديمة في المعطيات المبعثرة الخام الموجودة لدينا، سواء بالتصوير الجوي الإسرائيلي أو في بعض التقارير التي كانت تصلنا، لكن ليست مؤشرا على توجيه الاتهام، فببعض العمل الدؤوب الذي استمر أشهرا في جمع هذه المعطيات المبعثرة، تمكنا من ان نوجد شكلا من الرابط الذي يشير بإصبع الاتهام، إلى احتمال ان تكون إسرائيل لها علاقة بعملية الاغتيال، ولذا سماها سماحة الأمين العام قرائن، ولم يسمها أدلة دامغة، وهذه القرائن تحتاج إلى متابعة والى تحقيق مع شهود ومع اسماء مسؤولة، ومع من وجه هذه الطائرة في حفلة الاستطلاع وما شابه ذلك، فإذن التأخير كان لأننا لم نكن نتابع عملية التحقيق، ولم نبحث في المواد الخام المتوفرة لدينا، أو التي توفرت فيما بعد اثناء البحث عن القرائن لتقديمها.

لا جدية حقيقية في المتابعة

__ سماحة الشيخ في اطار القرائن التي تتحدثون عنها، أعلنتم على لسان السيد نصر الله انه مازالت لديكم أدلة حول عملية الاغتيال، لماذا لا تزودون المحكمة بها كما طلبت منكم، وهل يمكن ان تكشفوا لنا بعض هذه الأدلة؟

_ لا استطيع الآن ان اثبت أو أن أنفي وجود أدلة تنفع أو لا تنفع، أو تؤدي إلى تقدم في التحقيق أم لا، لكن في بداية الأمر فليثبتوا لنا انهم اهتموا بالقرائن التي قدمت حتى الآن، فإذا لم يكن هناك اهتمام معنى ذلك ان أي جهد في هذا الاتجاه لا فائدة منه، ربما إذا بدأوا بما توفر من قرائن وانكشفت بعض الأمور، قد تكون لدينا اشياء تساعد مع مزيد من الانكشاف، لكن مع عدم السير في هذا المسار، لا ينفع اي دليل ولا ينفع اي قرينة، خاصة ان المحكمة الخاصة لا تحقق مع الإسرائيليين.

__ .. ولكن .. ألم يتم الاتصال بكم بشكل مباشر أو غير مباشر، بخصوص هذه الأدلة أو هذه القرائن عن طريق المحكمة؟

_ نحن قدمنا القرائن للمدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، وعلمنا انه قدمها في اليوم نفسه إلى المحكمة الخاصة بلبنان، وبحسب قوله هو لم يفتح ملف القرائن ولم يطلع عليه، وبحسب ما اعلن المحقق بلمار انه اطلع عليها، لكن لم يبدأ إلا بعد ان يحصل على المزيد، هذا يعني بأنه لا توجد جدية حقيقية في المتابعة.

__ هل تعتقدون ان مطالبتكم بإلغاء المحكمة أمر منطقي أو واقعي، في ظل اصرار مجلس الأمن على استمرار تفعيل المحكمة، أم أنكم تراهنون على شيء ما للوصول إلى هذه النتيجة؟

_ لم نعلن كحزب الله حتى الآن موقفا يتعلق بإلغاء المحكمة، كل ما أعلناه ان على المعنيين ان يبحثوا عن حل للمأزق الذي وقع فيه لبنان، بسبب مسار المحكمة الذي تتحكم في توجيهه اميركا بإرادتها السياسية، وبالتالي هناك مشاكل وعقبات وتعقيدات حقيقية تنذر بأخطار، من المفروض ان يتم البحث عن علاجها، وفي رأينا الشخص الأول المعني والمؤثر في هذا الأمر هو رئيس الوزراء السيد سعد الحريري، الذي بإمكانه أن يساعد في البحث عن مخرج، وفي إيجاد حل لهذا المأزق الذي يؤثر على الجميع.

تأثير الحريري

__ هل تعتقدون ان رئيس الحكومة يملك القدرة على إلغاء أو تعديل أو التأثير على قرار المحكمة؟

_ الرئيس سعد الحريري يملك القدرة على التأثير بشكل أو بآخر في مسألة المحكمة، فهو يعلم الحدود والضوابط، ويعرف كيف يصل إلى النتيجة الأفضل لمصلحة لبنان ولمصلحة الحقيقة، وبالتالي انا لا استطيع ان احسم الآن حدود ما يمكن ان يصل إليه، هو أدرى بذلك.

__ ولكن هناك من يرى انه لا توجد أي قوى اقليمية أو أي طرف عربي يمكنه تعطيل قرار المحكمة؟

_ أنا لا أؤيد الاستسلام للمنطق الدولي الذي لا يهمه إن وقعنا في فتنة أو تخرب بلدنا أو وصلنا إلى طريق مسدود، في النهاية نحن ابناء البلد، ونحن معنيون بما يجري في لبنان. على كل الأطراف المؤثرة ان تبذل اقصى جهدها، وهذا يمكن ان يبرز من خلال طريقة الأداء، لكن عندما يكون هناك رفض للبحث في الموضوع، والبحث عن حل لمسألة المحكمة، والتمسك بأن تبقى كما هي ونسلم بما تقول دون أي نقاش، هذا يعني انه لا تبذل جهود لمعالجة مشكلة المحكمة.

__ عفواً .. ولكن هذا الطلب الضاغط منكم على رئيس الحكومة، ألا يعني أنكم تحملونه المسؤولية المباشرة في حال صدور القرار الظني؟

_ نحن لا نتحدث الآن عن المسؤوليات، لكل مرحلة طريقتها في التعاطي معها، لكننا نقول اننا في مرحلة نستطيع فيها ان ننجز شيئا، وأن نريح البلد من الفتنة المحتملة، أو من أي أمر آخر يمكن ان يحصل، هناك اشخاص يؤثرون في هذا الأمر أبرزهم الرئيس سعد الحريري، وبالتالي نحن نطالب ببذل الجهد في هذا الأمر وبعد ذلك كل مرحلة لها معطياتها.

__ بالتحديد ما هو الجهد المضاعف الذي تطلبونه من سعد الحريري في اطار حل هذه الأزمة؟

_ هو يعرف أكثر مما نعرف نحن، لأن المداخل والمخارج تحت نظره، وبالتالي هو الذي له العلاقات الدولية والاقليمية المساعدة في هذا الأمر. لا نستطيع ان نتدخل ولا نرغب ان نتدخل في كيفية تحركه في هذا الأمر.

تسريبات جديدة

__ ظهرت مؤخرا تسريبات جديدة نقلتها إحدى الصحف الأردنية، نقلا عن أجهزة استخباراتية، بأن منفذي عملية اغتيال الحريري هم من الأصوليين. هل تعتقد أن هذه التسريبات الآن في هذا التوقيت ستأخذ القرار الظني نحو منحى مختلف عن السابق، وهل لهذه التسريبات الآن أبعاد اقليمية ودولية؟

_ ما هو مطروح حتى الآن في الافتراء الاتهامي هو ادانة أفراد من حزب الله، ليس لدينا أي معطى يقول غير ذلك في هذه المرحلة، أما ان تخرج أصوات في الأردن أو في أي مكان آخر تتحدث عن احتمالات أخرى فهذا أمر لا أعلم إذا كان جديا أم لا، وإذا كانت المحكمة الخاصة ستصل اليه أم لغيره أو انه سيكون فكرة من الأفكار المطروحة، التي لا تعطيها المحكمة الخاصة أهمية. هذا أمر غير واضح بالنسبة إلينا.

تأجيل القرار

__ سماحة الشيخ كيف تنظر إلى الأنباء التي تشير إلى تأجيل القرار الظني إلى شهر مارس المقبل، هل أسباب هذا التأخير هي التردد في أروقة المحكمة، أم يشير إلى اعطاء فرصة أخيرة لايجاد تسوية حول هذه المسألة؟

_ ما يحصل من تحرك سياسي على المستوى العربي من ناحية في تحرك الملك عبدالله مع الرئيس بشار الأسد مع الرئيس ميشال سليمان، ومن ناحية اخرى ما يواجهه هذا البلد من اخطار، تحيط بهذا القرار الظني، قد تساهم بسبب الاتصالات التي تجري في تأجيل القرار الظني، لكن هذا حل مؤقت، المطلوب البحث عن حل دائم للمشكلة، كي لا نكون دائما في لبنان في حالة قلق وتوتر، ولكي لا تأخذ المحكمة كل الاهتمام في الوقت الذي نحتاج إلى ان تنصرف الجهود إلى أمور أخرى.

__ في إطار الحديث المتصاعد عن القرار الظني هل تم إبلاغكم رسميا بالتأجيل أو بموعد صدور هذا القرار؟

_ لم نبلغ رسميا بتأجيل القرار إلى مارس، وانما صدرت عدة تصريحات داخلية وهناك من قال لنا هذا الأمر، لكن إلى الآن نحن لا نعتبر أن الموضوع رسمي مائة بالمائة، إلى ان تكون هناك مؤشرات تصدر بشكل أوضح حول هذا الموضوع، سواء عن القمة الرئاسية التي انعقدت أو بتصريح معين من المحكمة، كي لا تكون هذه الاخبار التي تنتقل من هنا وهناك سبباً في معطيات غير دقيقة.

__ مازلنا نخوض في موضوع القرار الظني، هل ترى ان واشنطن تدفع باتجاه صدوره، وهل تعتقد ان الولايات المتحدة ستحصل بالقانون على ما عجزت إسرائيل عن تحقيقه ضدكم بالقوة العسكرية؟

_ واهم من يعتقد ان صدور قرار ظني يفتري على حزب الله، يمكن ان يؤثر في معادلة حزب الله، أو في موقع حزب الله، أو في دور حزب الله المقاوم، هذه خيالات غير قابلة للتحقيق، وإن كانت أميركا تفكر بهذه الطريقة، وتعتبر أن أي خطوة قد تساعد في اراحة إسرائيل من المقاومة وتضيّق على المقاومة، والسبب في قناعتنا هذه، ان المقاومة اليوم في لبنان أصبحت جزءا لا يتجزأ من تركيبة لبنان وواقع لبنان، وقوة لبنان، ولها شعبيتها الكبيرة، وبالتالي هي الحل لعملية المواجهة مع إسرائيل، وهي حماية للبنان في مواجهة إسرائيل.

فلم تعد المقاومة مجرد مشروع أو فكرة، وليست لفئة دون اخرى، وليست ايضا «حالة مستنكرة»، المقاومة اليوم هي جزء من البيان الوزاري الذي أكد على التلاحم الثلاثي: المقاومة والجيش والشعب، وبالتالي كل هذه الخطوات التي تقوم بها أميركا وإسرائيل وغيرهما من الخطوات لن تؤثر على قدرة وقوة المقاومة، نعم هي حالة تشويش تستدعي مواجهتها، وتستدعي تبيان الحقائق أمام الناس لعدم تلقي آثارها السلبية، لكن أنا لا اعتقد ان أميركا ستحقق شيئاً من هذا المسار.

__ في اطار نفس القضية ما المعطيات أو الرسائل التي استنتجتموها من عملية التفجير التقني الذي تم في قاعدة عسكرية فرنسية، من خلال اعادة تمثيل جريمة اغتيال الحريري؟ وهل هذا يؤشر على تقدم في التحقيقات الخاصة بالجريمة، واقتراب صدور الحكم؟

_ بالنسبة إلينا لم يعن لنا شيئاً هذا التفجير الذي حصل في فرنسا، هو امر تقني بحت لا اعلم مدى استفادة المعنيين قضائياً من الوصول إلى ادلة اضافية، أو معطيات اضافية، ولكن نحن لم نتعاط مع الأمر بأنه حدث، وانما هو اجراء من اجراءات التحقيق، ما يهمنا هو المسار الحقيقي وليس المتابعة التقنية، التي لا يؤخذ بها وانما يؤخذ بالتسييس.

ملف شهود الزور

__ من القرار الظني اسمح لنا بالانتقال إلى ملف شهود الزور، لماذا تصرون على تحويل هذا الملف الشائك والمعقد إلى المجلس العدلي، وما الذي يمنع من التعامل معه عبر القضاء العادي؟

_ ملف شهود الزور من عمر قضية فتح باب التحقيق في لبنان، وفي المحكمة الخاصة، اي حوالي اربع سنوات ونصف السنة تقريباً، منذ بدأ يبرز تارة الشاهد الملك، واخرى الشاهد السّري، وثالثة الشاهد المقنع، وكل هؤلاء تم الاعتماد على شهاداتهم لصياغة تقارير صدرت عن المحققين الدوليين بالتتابع من ميليس إلى براميرتس إلخ.. وتركت بصماتها الاعلامية والسياسية على كل الحالة الموجودة، وكان من آثار شهود الزور توجيه الاتهام نحو سوريا أربع سنوات، واعتقال الضباط الأربعة حوالي أربع سنوات تقريباً، ولا أعلم ما هي المترتبات الأخرى في تفاصيل التحقيق المرتبط بإفادات شهود الزور.

إذن موضوع شهود الزور موضوع قديم، عمره اكثر من أربع سنوات، لو كان القضاء اللبناني أو المعنيون جديين في كشف الحقيقة، كان من المفروض ان يفتح القضاء اللبناني مسألة شهود الزور من البداية، حيث اعلن القضاء الدولي أنه غير معني بشهود الزور، لكن عندما وجدنا التراخي قائماً طالبنا من خلال مجلس الوزراء بفتح ملف شهود الزور، ولأنها قضية وطنية كبرى لها انعكاسات على السلم الأهلي، وعلى الفتنة الداخلية وعلى الجرائم التي ارتكبت في لبنان، فمن الطبيعي ان تحال إلى المجلس العدلي، الذي يهتم عادة بالقضايا الوطنية العامة، وهذه قضية وطنية عامة، والذي يحّرك الموضوع باتجاه المجلس العدلي هو مجلس الوزراء، لذا ذهبنا إلى مجلس الوزراء وطالبنا بإحالتها إلى المجلس العدلي، والآن يقول البعض في مجلس الوزراء، كما افاد وزير العدل، بأن هذه المسألة ليست من اختصاص المجلس العدلي، وكان يفترض أن يتابعها القضاء.

إذن لماذا لم يتابعها القضاء منذ أربع سنوات. الآن بعد ان تحركت في مجلس الوزراء يفترض ان تحال مجددا إلى القضاء، ما يعني أن المطلوب ان تسير في مسار بطيء وغير فعال بالقدر الكافي، في مقابل المجلس العدلي الذي إذا حمل هذه القضية بتكليف من مجلس الوزراء سيمكن ان يتقدم خطوات إلى الامام. هذا ما نطالب به، شهود الزور انتجوا فتناً ومشاكل وتعقيدات وقفت في طريق الحقيقة، كشفهم يبين لنا من الذي صنعّهم، ولماذا اختار هؤلاء الشهود الزور، ولماذا أدلوا بهذه الشهادات، ليحرفوا التحقيق إلى مكان آخر، من يغطون، من هو المجرم الحقيقي الذي أراد المصنعون لشهود الزور ان يغطّوا عليه.

هذه اسئلة لا يمكن ان تعرف من دون مسار قضائي، نحن نرى ان المسار الافضل هو المجلس العدلي، ومن يقول بأنه من اختصاص القضاء العادي نقول له، ولماذا اذن لم يتحرك القضاء العادي طوال كل هذه الفترة، ثم أليست هذه قضية وطنية كبيرة، عندما نكون امام جريمة تتعلق بشخص ولدينا جريمة اسمها «جريمة الزيادين»، حيث قتل شخصان كل واحد اسمه زياد، احيلت إلى المجلس العدلي، وهي جريمة فردية كيف بجريمة شهود الزور، التي أدت إلى هذه المخاطر في هذا البلد، وهذا الانحراف في التحقيق الخطير الذي يخاض في لبنان.

__ لو وصلت هذه القضية إلى التصويت في جلسة مجلس الوزراء، وكانت النتيجة سلبية تتعارض مع موقف حزب الله، هل سيدفع هذا الموقف وزراء الحزب إلى الانسحاب من الحكومة لاسقاطها، واصدار شهادة وفاة رسمية لها؟

_ لسنا في وارد ان ننسحب من الحكومة، بسبب قضية احالة شهود الزور إلى المجلس العدلي، لكن سنستمر في المطالبة بإحالتها إلى المجلس العدلي، وسنسعى بالتعاون مع رئيس الجمهورية ومع الأطراف المختلفة، لأن نجد حلا ما لهذه القضية اذا استطعنا ان نصل إلى ذلك.

لقاء نصر الله _ الحريري

__ على خلفية هذه القضية وتداعياتها، بدأت تسريبات في وسائل اعلام سعودية، تطالب سعد الحريري بالاستقالة، كيف تنظرون إلى هذا المطلب؟ وهل ترحبون به؟

_ قرار استقالة الحريري شأن يعنيه هو، هو الذي يقّرر اذا كان قادراً على الاستمرار في ادارة البلاد بطريقة صحيحة، أو اذا كان يرى ان التغيير مطلوب، هذا امر يعنيه هو، اما نحن كحزب الله لم نطرح مسألة استقالة الحكومة، أو استقالة رئيسها في هذه المرحلة.

__ سماحة الشيخ مازلنا في رحاب السراي الحكومي، واسمح لنا ان نتوقف عند اللقاء الذي جمع مؤخرا الرئيس سعد الحريري، والمعاون السياسي للامين العام لحزب الله الحاج حسين خليل، ما هي اهداف اللقاء، وما ابرز نتائجه، ولماذا لا نشهد لقاء يجمع بين الحريري والسيد نصر الله لترطيب الاجواء، ونزع بذور الفتنة في لبنان؟

_ كان الهدف الاساسي للقاء معاون الأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل مع رئيس الحكومة سعد الحريري، هو تأكيد استمرار التواصل. وابقاء قنوات الحوار مفتوحة من دون وسيط، فنحن لا نحتاج في كل مرة إلى ان يأتي وسطاء لنتحدث مع بعضنا، فالطرق مفتوحة بيننا وبين الرئيس سعد الحريري، حتى ولو كان هناك اختلاف في وجهة النظر في قضايا عديدة، فاللقاء جاء ليؤكد أن قنوات الاتصال موجودة، واللقاء الاول كان اشبه بعتاب متبادل، وكان هناك عرض لوجهات النظر المختلف عليها حول طريقة عمل المحكمة، أو ملف شهود الزور، ولم يصل اللقاء إلى اتفاق مشترك، لكنه ذوّب جليد العلاقة، وتستطيع القول انها فتحت الفرصة للاستمرار في التواصل كلما دعت الحاجة لذلك، وهنا لا بد ان يكون لقاء سماحة الأمين العام مع رئيس الحكومة لقاء مجدياً وله موضوعات محددة، ويمكن أن يصل إلى نتيجة من أجل ان يحصل هذا اللقاء، إذ ليس المطلوب مجرد الصورة، وإلى الآن لا توجد معطيات تؤكد أن مثل هذا اللقاء ضروري، ولا هناك مقدمات تهيئ الآن لهذا اللقاء، لكن ليس هناك ما يمنع من اللقاء فيما لو قدّر الطرفان بأن اللقاء مطلوب ويمكن ان يحصل بأسرع وقت، ومن دون مقدمات اعلامية، لأنه لا مانع من اللقاء إذا كان مفيدا ومثمرا وقدّر الطرفان ذلك.

__ لكن أفهم من جوابكم أن حزب الله يتحفظ حاليا على لقاء بين الحريري والسيد نصر الله؟

_ لم أقل إن حزب الله يتحفظ.

__ ربما في الوقت الحالي؟

_ لا، لا.. لم أقل إن حزب الله يتحفظ على اللقاء، أنا قلت إن اللقاء لابد أن يكون مفيداً برأي الطرفين، ولابد أن يحصل بتفاهم وطلب من الطرفين بشكل متبادل، هذا الأمر لم يحصل، وإلى أن يحصل يمكن أن يحصل اللقاء.

__ لكن حتى لو تم التقاط صورة، مجرد صورة بين نصر الله والحريري يمكن ان تكون لها انعكاسات ايجابية في الداخل والخارج ايضاً؟

_ برأينا الصورة التي كانت بين معاون سماحة الأمين العام ورئيس الحكومة حققت هذا الهدف المطلوب، في اعطاء صورة إيجابية واننا نتواصل، لا اعتقد أن الطرفين مقتنعان بأن الصورة وحدها كافية، وعندما يقتنعان بذلك سيحددان الموعد بالاتفاق.

__ (ضاحكا) عموما المصور موجود عندنا وهو مستعد لالتقاط تلك الصورة، وبعيدا عن اللقاء المنتظر، ولا أقول المتعثر، بين الحريري ونصر الله، دعنا ننتقل إلى محور آخر في الحوار، وهو الانقلاب الزاحف، فهناك كثيرون يتحدثون في لبنان عن انقلاب زاحف يقوم به حزب الله لتقويض أركان الدولة اللبنانية، واسقاطها عبر توجيه سلاحه للداخل، وتأسيس نظام شمولي على انقاض النظام الديمقراطي الموجود، كيف تنظرون إلى من يروّج لمثل هذه الاقاويل؟

_ حزب الله جزء من تركيبة الدولة، وهو شريك في المجلس النيابي، وشريك في الحكومة، ويمارس عمله في تركيبة الدولة بشكل علني وواضح ومكشوف، ويبين سياسته ورؤيته، ولم يصدر عن حزب الله أي مؤشر يدل على أنه يريد اجراء تغييرات جذرية في الدولة، أو تعديلات في الدولة.

__ عفوا ولكن الذاكرة اللبنانية مازالت تسترجع احداث السابع من مايو، فماذا عن تلك الاحداث المأساوية؟

_ احداث السابع من «أيار»، هي نتيجة للخامس من مايو، وكانت لفترة محدودة جدا، انتهت في وقتها وغسلت نتائجها.

__ تقصد أنها غسلت بالدم !

_ المشكلة اننا كنا في موقع المعتدى عليه كحزب الله، وكنا ندافع عن انفسنا، هل المطلوب ان يأتي قرار إلغاء شبكة الاتصالات التي تعبر عن روح المقاومة، وننتظر بعد ذلك ليتم القبض علينا من سماحة الأمين العام إلى اصغر عنصر، تحت عنوان مخالفة القانون في شبكة الاتصالات، فنقع في أزمة داخلية، وترتاح إسرائيل، بأننا اصبحنا في سجون الدولة اللبنانية، كنا في السابع من مايو ندافع عن انفسنا باعتداء الخامس من مايو، ودافعنا بالمقدار اللازم الذي كان محدودا، وخرجنا بسرعة من الشارع، وتسلّم الجيش اللبناني الأمن، وقلنا للملأ نحن لا نريد مشاكل داخلية، لكن لا نقبل بأن يعتدى علينا.

__ لكن الخامس من مايو يمكن تصنيفه بأنه اعتداء سياسي عليكم، اما السابع من مايو فقد كان اعتداء عسكريا بالقوة على شركائكم في الوطن، ومن خلاله استخدم حزب الله سلاحه ووجهه إلى الداخل.

_ يبدو أنك نسيت بأن ما وجهه حزب الله في السابع من مايو، هو سلاح آخر كان موجوداً في الساحة عند الطرف الآخر، وبالتالي لم يكن السلاح من طرف واحد، كان من طرفين، يعني انه توجد مشكلة حقيقية وليس الأمر مجرد جهة تملك سلاحاً في مقابل جهة عزلاء، كانت هناك مشكلة حقيقية وكان يوجد تسلّح من خارج بيروت، واعداد كبيرة من الشباب استقدموا من مناطق مختلفة من أجل الاستعداد، ومن أجل ان يكونوا في هذا الموقع. وعلى هذا الاساس أنا أقول لك السابع من مايو كان محطة لها ظروفها وانتهت هذه المحطة مع انتهاء هذه الظروف، فإذا افترضنا ان هذا البعض يريد أن يسري فكرة 7 مايو دائماً وعلى كل شيء، فهذا اداء تحريضي ليس له دليله، وكان من المفروض ان يرى هؤلاء كيف تصرّف حزب الله، كل هذه المرحلة وتعاطى مع الانتخابات النيابية، ومع ملف تركيبة الدولة وانصرف إلى مواجهة إسرائيل، ولم يحصل خلال كل هذه المرحلة الا هذه الحادثة، فهذا يعني انها استثناء، وبالتالي لا يمكن الحديث عن حزب الله بأنه يحاول ان يخرّب الدولة، أو أن ينقلب على الدولة، وسأقول لك شيئاً يريحك أكثر، نحن نعلن بوضوح بأنه ليس لدينا مشروع لتعديل الطائف، نحن ندعو إلى الاستمرار في تطبيق الطائف كما ورد، وليست لدينا اية أفكار اخرى تتعلق بتغيير تركيبة النظام.

لا تشهير بالحريري

__ بعيداً عن الانقلاب الزاحف الذي يروجون له، كيف تتابعون حملات التشهير التي يتعرض لها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ما هو موقفكم من هذه الحملات التي تتطاول على سياساته ومواقفه وروحه، هل تتوافقون معهم أم تعتبرون ذلك خروجا عن التقاليد السياسية اللبنانية؟

_ (مندهشاً) أنا لم أسمع بحملات تشهير على الرئيس الحريري.

__ انها حملات منظمة عبر وسائل الاعلام تمس شخصية وإنجازات الرئيس الراحل.

_ اما وسائل اعلام تتكلم ضد اشخاص ومع اشخاص، فهذا أمر موجود في كل العالم، ولا استطيع ان انوب عن وسائل الاعلام لأبين وجهة نظرها أو ادافع أو اعارض، لكن انا لا اعتبر انه يوجد حملة، الا ان أي نقاش لسياسات حكومية موجودة أو سابقة، تحت عنوان الاستفادة منها أو تصحيحها والقيام بالافضل، هذا امر عادي في الحياة السياسية.

العلاقة اللبنانية _ السورية

__ ننتقل إلى محور آخر في الحوار، حيث يكثر الحديث داخل لبنان وخارجه عن وراثة حزب الله الدور السوري في لبنان أو الوصاية السورية، ما رأيكم؟

_ يمكن تركيب عناوين بسهولة، لكن فلنأت إلى الواقع، حزب الله موجود بحكم وجوده الشعبي ووجوده الحزبي القوي والفاعل، ووجود المقاومة المؤثر، وهو في اغلبيته من الطائفة الشيعية، وبتركيبة البلد الامور موزعة بين الطوائف والقوى السياسية الفاعلة، ونحن نقوم بدور من ضمن فعاليتنا في تمثيل الناس. اين البديل عن الحضور السوري السابق الذي كان نتيجة توافق عربي _ دولي لوجود سوريا في لبنان، وهذا امر مختلف تماماً عن وجودنا نحن الآن بتركيبة الدولة عندما كانت سوريا كانت تدير كل شيء، اما نحن الآن فنحن جزء من الإدارة في هذا البلد، نتفق ونختلف ونتوفق في بعض الامور، ونفشل في امور اخرى، وهذا مختلف تماماً عما كانت عليه سوريا.

أنا لست مع اطلاق هذه العناوين الرنانة، فليدخلوا إلى التفاصيل بشكل محدد، وليقولوا ماذا يقصدون، نعم عندما يرون ان هذه المعارضة التي صمدت لمدة خمس سنوات، صمدت في اخطر مرحلة، حيث كانت الدول الكبرى وعلى راسها أميركا، وكذلك بعض الدول الاقليمية، اضافة إلى وجود داخلي، وكلهم يضغطون على المعارضة وعلى حزب الله، ومع ذلك خرجت المعارضة بقوة ونجاح واستطاعت ان تتخطى اضخم عدوان تم على لبنان في سنة 2006 بانتصار ساحق وكبير، وايضاً تفككت قوى 14 آذار.

وخرجت منها مواقف مختلفة عما كان عليه الوضع في السابق، بل تغيرت الاوضاع الاقليمية ايضاً باتجاه المزيد من دعم المعارضة، هذا كله يجعل الطرف الخاسر يبحث عن اتهامات ليبرر ما وصل اليه، أو ليحدث حالة من الاستفزاز عند جماعته ليرعبهم حتى يجتمعوا على قاعدة الرعب وليس على قاعدة المنطق، لكن كل هذه الأقاويل لن تنفع، المهم ما يجري على الأرض، على الأرض نحن نعمل بشكل طبيعي، والامور لها مساراتها.

__ سماحة الشيخ، أشرت في اجابتك إلى تفكك قوى 14 آذار، هل تتفقون مع التصريحات التي اطلقها رئيس الوزراء السوري حول هذه القوى بأنها «هياكل كرتونية»، هل تعتبرون هذا التصريح زلة لسان، أم هو عنوان يؤشر على تأزم العلاقة بين سوريا ولبنان؟

_ أنا أكتفي بالقول ان جو 14 آذار تراجع كثيراً عما كان عليه في السابق، وحصل نوع من التفكك، ابرزه خروج الاستاذ وليد جنبلاط الذي كان دعامة اساسية لـ 14 آذار من 14 آذار، واي تعابير اخرى تكون من مسؤولية اصحابها، هم يستطيعون الدفاع عنها، أو تبريرها أو التعليق عليها، لكن هذه هي الحالة الموجودة.

__ لكن الا تعتبرون ان تصريح السيد العطري رئيس وزراء سوريا يعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية اللبنانية؟

_ اعتقد ان رئيس الوزراء اللبناني لديه حرص بأن يحسن العلاقات مع سوريا، وأي تصريحات أو مواقف يمكن ان تصدر بشكل لا تعجب احد الأطراف لا تكون سبباً لا بحسن العلاقة ولا بسوء العلاقة، حسن العلاقة له مقدمات اضخم بكثير وأكثر بكثير من التصريحات، هذا هو المطلوب، واعتقد ان هذا الأمر لم يتم حتى الآن بالشكل المطلوب، ما زالت العلاقات اللبنانية _ السورية رسميا تسير ببطء، وتحتاج إلى عملية دفع عملي، وليس مجرد اشادات نظرية.

__ من يتحمل المسؤولية.. الطرف السوري أم نظيره اللبناني؟

_ لست الآن في مجال توزيع المسؤوليات لكن هناك مسؤولية على لبنان كبيرة بسبب ما حصل في المرحلة السابقة، وهذه الاتهامات التي كانت موجهة إلى سوريا والمشاكل التي حصلت مع دمشق.

اغتيال مغنية

__ مادمنا قد وصلنا إلى العاصمة السورية، اسمح لنا ان نفتح ملف قضية حساسة وهي اغتيال عماد مغنية في دمشق، الذي يشكل لغزا كبيراً لأن هذا الاغتيال الذي يثير علامات الاستفهام تم على الاراضي السورية، في الوقت الذي توجهون فيه اصابع الاتهام إلى الموساد، فهل سوريا مخترقة امنياً من إسرائيل إلى هذه الدرجة، بحيث يتم فيها اغتيال قيادي من أبرز كوادر حليفها حزب الله؟

_ كل المعلومات التي توفرت لدينا تؤكد أن إسرائيل هي المعني بالدرجة الاولى في اغتيال الشهيد القائد الحاج عماد مغنية، وهذا الاغتيال في سوريا يعني أن بعض الشبكات تستطيع ان تتصرف بطريقة أو بأخرى. في النهاية هذه أجهزة مخابرات، ومعلوم ان المخابرات الإسرائيلية لها حضور في كل العالم، في أوروبا وأميركا والبلاد العربية ولبنان، وهذا ليس مستغربا، فطريقة عمل الموساد يمكن ان تؤدي إلى اختراق ما في داخل سوريا، لكن بطبيعة الحال السوريون لابد انهم يعملون للاحتياط لمثل هذه المسائل والاستفادة من هذه التجربة، وغيرها من التجارب، لكن الاختراق موجود في كل البلاد العربية.

__ لكن ذكرتم ان الانتقام من عملية الاغتيال سيتم في الوقت المناسب ألم يحن هذا الوقت؟

_ مازلت اقول الرد على الاغتيال سيكون في الوقت المناسب والطريقة المناسبة، ولهذا الأمر مستلزمات موضوعية، نحن اتخذنا القرار بأصل الرد، لكن يبقى التوقيت والتفاصيل، هذه مرهونة بتوافر بعض المعطيات، الا ان تصميمنا كحزب الله هو الرد.

زيارة نجاد للبنان

__ اسمح لنا ان نعود من دمشق عبر مطار بيروت، حيث استقبلتم الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد، كان الاستقبال اشبه باستقبال الابطال، في الوقت الذي تتراجع فيه شعبية الرئيس الإيراني في بلاده، فهناك كثيرون يعتبرونه رئيسا لا يستند إلى شرعية بعد اللغط الذي اثير حول تزوير الانتخابات الرئاسية الإيرانية، كيف تعلقون على ذلك؟

_ انتهينا منذ زمن بعيد من نغمة التزوير بالانتخابات الإيرانية، واعترف كل العالم بأن انتخابات إيران كانت صحيحة وسليمة، والفارق ليس بمليون أو مليونين الفارق بـ 15 مليونا، وبالتالي الرئيس الإيراني هو رئيس شرعي قانوني دستوري بكل ما للكلمة من معنى، ولا اعتقد أن أحدا يناقش في العالم هذه المسألة وعندما استقبلنا على طريق المطار الرئيس الإيراني استقبلنا رجلاً يمثل دولة دعمت لبنان ومقاومة لبنان، وتقدم الخدمات الكثيرة للبنان وساهمت مساهمة ضخمة في إعادة الإعمار في لبنان، وبالتالي من حقه علينا أن نعطيه القليل من الوفاء في هذا الاستقبال الذي ظهر للعالم، كيف كان من الأطياف المختلفة، ومن الكبار والصغار، وبلهفة وعاطفة فريدة من نوعها، لأن الرئيس نجاد في النهاية يمثل الرؤية الصادقة لدعم المقاومة، وتتحمل إيران الأعباء الكثيرة في المنطقة، بسبب وقوفها إلى جانب لبنان وفلسطين ومقاومتهما.

على هذا الأساس أنا أرى الاستقبال يليق بهذا الرئيس المجاهد، وأيضاً هو تعبير عن الوفاء من الشعب اللبناني للجمهورية الإسلامية وقائدها ورئيسها ودورها، وعلى كل حال الحمد لله يوم الاستقبال تراجع كل الذين كانوا يعترضون على زيارة الرئيس نجاد ، وبدأنا نقرأ ونسمع أصوات الترحيب من المعارضين، بل هناك إشادة من بعضهم بكلمة الرئيس في حفل غداء رئاسة الجمهورية، هذا يعني أن الرئيس نجاد نجح في هذه الزيارة وأوصل الرسالة التي أرادها بأنه إلى جانب لبنان، ونحن تلقيناها بأنه مع لبنان، خاصة وأنه ترك وديعة مقدارها 450 مليون دولار لمصلحة مشاريع يمكن أن تقوم في لبنان ووقع 17 اتفاقية مع لبنان في إطار التعاون وهذا أمر مهم جداً للبنان.

__ لكن الذين امتدحوا خطابه الرسمي في قصر بعبدا، انتقدوا خطابه الثوري في الضاحية، واعتبروه خطاباً تعبوياً مما يعني ازدواجية مواقفه؟

_ لا شيء في هذا الاعتراض، هو نقاش تعودناه في لبنان، البعض لا يستقر على موقف، في النهاية الرئيس أحمدي نجاد سيقول رأيه في القضايا، لا يقول كما يرغب البعض، فجاء خلافاً لرغبتهم، المهم أنه عبر عن تأييده للبنان ومكانة لبنان.

__ لكن البعض وصف زيارة الرئيس نجاد لجنوب لبنان بأنها زيارة تفقدية لقاعدة إيرانية متقدمة على المتوسط كيف تعلقون على ذلك؟

_ أعتقد أن سمو أمير قطر زار الجنوب، ولم يكن يتفقد قاعدة قطرية، وبالتالي أي رئيس يستطيع أن يتفقد الجنوب إذا طلب ذلك، خاصة أنه الرئيس الإيراني الذي ساهمت دولته باعمار كبير في الجنوب وطرقات تمتد إلى عشرات الكيلو مترات، وبمشاريع يصعب احصاؤها. فإذن هذه الزيارة هي زيارة رئيس دولة للبنان، ويوجد تعاطف معه من قبل أهل الجنوب، وهذا أمر طبيعي ومشروع في النهاية نحن في لبنان كحزب الله نتصرف بوضوح كحزب الله، من اراد أن يحاسبنا على مواقفنا فليقل ما الذي يعجبه وما الذي لا يعجبه، أما أن نطلق أوصافا مثل قاعدة إيرانية أو قاعدة قطرية وقاعدة سورية، وقاعدة سعودية، هذه ألفاظ لا تقدم ولا تؤخر.

__ (ممازحا) لكنك نسيت أن تقول قاعدة أميركية!

_ لن يكون لبنان قاعدة أميركية إن شاء الله.

النووي الإيراني

__ بعيدا عن القواعد الأميركية في المنطقة، كيف تتابعون تطورات البرنامج النووي الإيراني، ماذا سيكون موقفكم لو أعلنت إيران أنها توصلت إلى إنتاج قنبلة نووية، هل ستعتبرونها ملكاً لإيران أم ملكا لكم، أم للأمة الإسلامية؟

_ (بحزم) إيران أعلنت بوضوح مرارا وتكرارا أنها لا تريد إنتاج قنبلة نووية، وحرّم سماحة القائد الامام الخامنئي حفظه الله تعالى ورعاه، انتاج القنبلة النووية، لكن هذا أمر يختلف تماما عن التقدم في البرنامج النووي السلمي، الذي يمكن إيران من التخصيب إلى مستويات تساعد في الاستخدام العلمي والكهربائي ومختلف الشؤون التي تعتمد على البرنامج النووي السلمي. على هذا الأساس كلما تطور البرنامج النووي السلمي كنا سعداء أكثر، لأن بلداً إسلامياً في هذا العالم استطاع أن يتقدم بخبراته وامكاناته رغم كل الضغوط، للطاقة البديلة التي تساعد على التقدم العلمي، وعلى انجازات كثيرة لا يمكن أن تتحقق من غير النووي، وفي النهاية هذا عمل استقلالي، بينما للأسف هناك دول كثيرة يمكن أن تسلك استخدام النووي، لكن ستبقى أسيرة للتصنيع والمواد الخام والإنتاج، بحيث إن كل ما في الأمر أن هذا الأمر يحصل في البلد المعين لكن كل المقدمات وكل المسارات وكل النتائج بيد الأجانب. هذا بسبب تكلفته العالية، فضلاً عن أنه يربط مصير أي برنامج نووي من هذا النوع بأصحابه المستكبرين، لذا نحن نكون سعداء كلما تقدم البرنامج النووي السلمي الإيراني، ونعتبر أن نجاحهم سينعكس على المنطقة بأسرها لأن إيران مع انجازاتها ستعرض ما عندها على العالم العربي والإسلامي فمن أراد أن يتعاون مع إيران يستفيد من هذه التجربة بأرخص التكاليف، وهذا ما أعتقد أنهم يخافون منه في الغرب لأنهم لا يريدون لمنطقتنا العربية والإسلامية أن تتقدم بكفاءاتها وامكاناتها وقدراتها.

العلاقة مع مصر

__ اسمح لي أن أطير معكم من طهران إلى القاهرة، كيف تنظرون إلى صورة حزب الله في مصر، هل تتصورونها صورة براقة في أذهان المصريين، أم صورة مشوهة ومشوشة نتيجة تداعيات الكشف عما يسمى خلية حزب الله؟

_ الشعب المصري شعب مجاهد ومعاد حقيقة لاسرائيل، وأنا لا أقول هذا لامتدح الشعب المصري، وانما أمامنا تجربة اتفاقية كامب ديفيد التي وقعها الحكام لكن لم تستطع إسرائيل أن تقوم لا هي ولا حكام مصر بعملية التطبيع مع الشعب المصري، الذي يرفض حتى الاجتماع في مكان واحد لمعرض الكتاب أو الفن أو السينما أو ما شابه، والآن فإن السياح الذين يذهبون من الكيان الإسرائيلي إلى مصر يحتاجون إلى حماية من الشرطة المصرية بشكل مكثف وكبير، خوفا من هذه العواطف الجياشة الموجودة عند الشعب المصري ضد الكيان الإسرائيلي.

إذن الشعب المصري شعب مجاهد، وهذا الشعب المجاهد سيتعلق بشكل طبيعي بالمجاهدين اينما وجدوا، ونحن نعلم أن مكانتنا كمقاومة إسلامية عند المصريين مكانة عظيمة جداً، نعرفها من خلال الاتصالات التي تحصل معنا من خلال المؤتمرات التي انعقدت خلال فترات مختلفة ومن خلال الصحف ومن خلال وسائل مختلفة.

أما الحادثة التي حصلت بما سمي شبكة حزب الله، فهي حادثة مع السلطة وليست مع الشعب المصري، وبالتالي تحرك بعض الإعلام لإعطاء جو ضاغط ومحّرض، لكن في واقع الأمر الشعب المصري متعاطف مع حزب الله، ومع المقاومة الفلسطينية، ونحن مطمئنون لذلك، وحتى مع السلطات المصرية، نحن منذ تلك الحادثة تجنبنا أن نخوض نقاشاً علنياً، وأن ندخل في «بازار» المواقف المتشنجة، لأننا لا نعتبر أن لدينا معركة مع النظام المصري، نحن معركتنا مع إسرائيل، فنريد أن نعالج الأمور سياسيا.

__ لكن عفوا ألا تعتقدون أن محاولتكم تهريب سلاح عبر دولة عربية هو انتهاك لسيادتها؟

_ الضرورات تبيح المحظورات، وبالتالي هناك ضرورة لدعم الشعب الفلسطيني.

__ ألا تعتبرون ذلك خطأ استراتيجياً وتعترفون به؟

_ نعتبر أننا قمنا بهذا العمل المشرّف ولا نعتبره خطأ، بل أكثر من هذا حتى قوات من الجيش المصري والمخابرات المصرية والشعب المصري يقومون بالتهريب، ودعم اخوانهم في فلسطين، هذا أمر مشرف وليس معيباً، نحن لا نعتبر أننا ارتكبنا خطأ، وانما قمنا بعمل يجب أن نقوم به لدعم إخواننا الفلسطينيين، وهذه مسؤولية الجميع.

__ في إطار هذه المشكلة هل هناك اتصالات مباشرة مع القاهرة لتسوية هذه القضية، خصوصاً بعد لقاء مسؤولين في السفارة المصرية في بيروت بآخرين من حزب الله؟

_ في البداية كانت توجد اتصالات غير مباشرة، ويوجد بعض الوسطاء الشرفاء من الإخوة المصريين الذين هم على تواصل معنا ومع السلطات المصرية، وينقلون الرسائل الايجابية المتبادلة، وقد تمت الترجمة العملية لتحسن العلاقة من خلال اللقاء العلني الذي حصل مع القائم بأعمال السفارة المصرية السيد أحمد حلمي مع مسؤول العلاقات العربية في حزب الله في مركز حزب الله وهذا مؤشر على تقدم تدريجي في العلاقة مع السلطة المصرية، والأمور نحو الأفضل.

__ ولكن هل هناك تسوية بعيداً عن أروقة المحكمة؟

_ في النهاية المحكمة المصرية انتهى دورها، بعد أن أصدرت الحكم على الأخ منصور ومن معه، والآن الدور الرئيسي هو لرئيس الجمهورية حيث لديه صلاحيات العفو وليس هناك طريق آخر.

__ هل تتطلعون لاصدار عفو رئاسي، من الرئيس مبارك؟

_ هذا الأمر يتعلق بالسياسة ويتعلق بتحسن العلاقات وتقدير الرئاسة المصرية أن الأمور وصلت إلى حد يمكن معه إصدار هذا العفو، دعنا نتابع بشكل طبيعي وعادي، وإن شاء الله تكون الخاتمة سعيدة.

انتخابات البحرين

__ من القاهرة دعنا نطير إلى المنامة، نلاحظ أن وسائل اعلامكم تتضامن مع المعارضة البحرينية، وتفرد لها مساحات واسعة لنشر توجهاتها ومواقفها المتقاطعة والمتعارضة مع موقف حكومة المنامة، ألا تعتبرون ذلك تدخلاً في الشؤون الداخلية البحرينية، ودعما لمن يحاولون الخروج عن سلطة الدولة؟

_ نحن لا نتدخل في شؤون البحرين ولا في شؤون أي بلد عربي آخر، وما تقوم به محطة «المنار» من إعلام هو عبارة عن تغطية لانتخابات ومواقف وآراء موجودة في البحرين.

__ ولكن التركيز يتم على رموز المعارضة؟

_ دعني أكمل، هذه المعارضة الموجودة في البحرين ترشحت إلى الانتخابات النيابية وفازت بـ 18 مقعدا من أصل 40، فلو لم يكن أداؤها أداء قانونياً منسجماً مع تركيبة البلد وضوابط البلد، لما سمح لهم لا بالترشح، ولا بالنجاح. إذن نحن عندما نغطي حدثاً دستورياً وقانونياً موجوداً داخل البحرين، هذا لا يعني أننا نقف ضد السلطة، لأن هذا الذي حصل ونتكلم عما حصل ، ومن الطبيعي دائما أن تكون حركة المعارضة عادة في أي بلد أكثر ضوضاء وحراكا من الموالاة الميسر لها كل السبل الداخلية، فلا تهتم الموالاة بمن يغطي أنشطتها لأن الدولة تتكفل بذلك من خلال أجهزتها وإعلامها، هنا تتطلع المعارضة إلى كل وسائل الإعلام في العالم، وتهتم بأن تبرز أنشطتها وتعرف أن وسائل الإعلام تلاحق النشاط الملفت، الذي يسبب حدثاً وله دور معين، وهذا ما يحصل بالنسبة للبحرين.

فنحن لا نتدخل، وانما تقوم وسيلتنا الإعلامية «المنار» بتغطية مواقف هي موجودة.

علاقة مع الحوثيين

__ من المنامة وبعيداً عن أضواء «المنار» نطير معكم إلى صنعاء، حيث يتحدثون في اليمن عن مسؤول في حزب الله، يتولى شؤون التنسيق والمتابعة لدعم تمرد الحوثيين، فما هو تعليقكم، وما هو موقفكم من هذه القضية التي تهدد الأمن والاستقرار في اليمن؟

_ قد تستغرب إذا قلت لك بأنه لا توجد لنا أي علاقة سياسية مع الحوثيين، وبالتالي لسنا متواصلين مع رموزهم، وليس لنا اتصالات وعلاقات مع أحد منهم، وبالتالي ما كان يجري في اليمن كل الفترة السباقة إلى الآن، هو شأن بعيد عنا، أي لسنا في داخله ولسنا في معرفة تفصيلية فيه، وانما نطلع مثلما يطلع الآخرون من خلال وسائل الإعلام، أو ما يتسرب أما الحديث عن وجود شخص مندوب من قبل حزب الله يدرب الحوثيين فهذه نكتة ممجوجة، لأنه لا أساس لذلك وليس صحيحا.

__ حسناً ... اسمه دريد مزهر، وهو يقوم بعملية التنسيق والمتابعة؟

_ (متسائلاً) هل هو لبناني؟ هذه أول مرة أسمع منك هذا الاسم، بصراحة هذا موضوع ملفق وليس لنا أي علاقة مع أحد هناك.

قضية الجزرالمحتلة

__ من صنعاء إلى أبو ظبي لو سمحت، كنتم وما زلتم تعانون من ويلات الاحتلال الإسرائيلي لبلادكم، ما هو موقفكم من احتلال إيران الحليفة لكم لجزر الإمارات العربية المحتلة؟

_ تعلم جيدا أنه يوجد اختلاف في وجهة النظر بين الإيرانيين وبين أبو ظبي في أن هذه الجزر هي لإيران أو هي لأبو ظبي، وبالتالي أنا لا أوافق على استخدام كلمة احتلال إيراني لأنها موضع نزاع، والمطلوب أن يفكر الطرفان بالآليات المناسبة لحل هذا النزاع، فإذا كانت لإيران تأخذها طهران، وتكون أحق بها، وإذا كان لغيرها يأخذها غيرها، المهم أنني أعتبرها نقطة نزاع وليست محسومة انها احتلال لمصلحة أبو ظبي، هذا ما توافر من معطيات عامة.

__ عفواً .. سماحة الشيخ ولكن هذا الطرح يعني انحيازكم لوجهة النظر الإيرانية بشكل واضح؟

_ (مندهشاً) إذا قلنا إنه نزاع هل هذا يعني أنه انحياز.. الانحياز هو أن تقول حتماً هو في المقلب الآخر، ولم تحسم الأمور بين الطرفين لكن عندما نقول إنه يوجد نزاع لننظر إلى حسمها بالتفاهم والتوافق.

__ وهذا ما تطالب به الإمارات، فهي تدعو إلى حكم عادل عبر محكمة العدل الدولية، بينما إيران ترفض، يبدو أنكم تتحسسون من المحاكم سواء بين إيران والإمارات لإيجاد حل لقضية الجزر العربية المحتلة أو بينكم في قضية اغتيال الحريري؟

_ المحاكم الدولية عادة محاكم مسيسة وبالتالي على الطرفين: إيران وأبو ظبي أن يفكرا بطريقة للمعالجة، عبر ما يتفقان عليه أو آليات أخرى، لكن لا أعتقد أن مصلحة أحد إبراز المسألة، وكأنه يوجد احتلال.

ليست موضع نزاع

__ اسمح لي أن أختلف معك فنحن في الخليج العربي نرى أن هناك احتلالا للجزر العربية، وبالتالي فالقضية ليست نزاعا، بل إنتزاعا للجزر من أصحابها، وبعيداً عن هذه المسألة، اسمح لنا أن نذهب الآن إلى نيويورك، لنسأل ما هو تقويمكم لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بشأن القرار 1559 والاتهامات التي طالت حزب الله؟

_ كاتب تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول القرار 1559 هو تيري رود لارسن، وهو صهيوني الهوى والكتابة والموقف والاتجاه وبالتالي نحن نعتبر أن تقرير الأمين العام غير منصف ومنحاز ويراعي إسرائيل بالكامل ولا يأخذ بعين الاعتبار الحق المقاوم للبنان، وخصوصية لبنان في أن يأخذ قراراته، ليس من حق مجلس الأمن أن يقيّد لبنان في كيفية تصرفه الداخلي مع الجهات الموجودة فيه.

وليس من حق مجلس الأمن أن ينظر إلى المعادلة الداخلية من دون أن يرى انتهاكات إسرائيل واعتداءات إسرائيل واحتلالها للغجر واحتلالها لتلال كفرشوبا ومزارع شبعا والاختراقات الجوية اليومية الإسرائيلية وشبكات التجسس كل هذه انتهاكات للبنان، من هنا نحن نعتبر التقرير جائرا ومنحازا وإسرائيلي الهوى، ولا يعنينا لا من قريب ولا من بعيد.

زيارة فيلتمان

__ وماذا عن الزيارة الخاطفة والمفاجئة التي قام بها مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان للبنان، بعد ساعات من زيارة الرئيس نجاد إلى لبنان، هل هي محاولة أميركية لقطع الطريق لمسار التفاهم بين الرياض ودمشق لإيجاد تسوية لأزمة المحكمة؟

_ كلما رأيت أميركا تتحرك فهذا يعني نذير شؤم، لأنها في منطقتنا تضع مصالح إسرائيل ولا تضع مصالحنا في عين الاعتبار، ولذلك فأميركا بشخص فيلتمان أو كلينتون أو الناطق الرسمي لوزارة الخارجية، أو الناطق الرسمي للبيت الأبيض، كلهم يعملون في دائرة واحدة هي ارباك لبنان بأي وسيلة من الوسائل ظنا منهم أنهم بهذه الطريقة يريحون إسرائيل، ويضيقون على حزب الله، على هذا الأساس نحن نتصرف على قاعدة أن تحرك أميركا هو دائما تحرك للاقلاق والازعاج، وأنه تحرك ليس فيه أي مصلحة لنا.

__ قال النائب وليد جنبلاط مؤخرا بعد لقائه فيلتمان بأنه طلب منه ان يلتفت القرار الظني إلى أطراف أخرى فرفض، هل هذا دليل أو مؤشر أميركي بأن القرار الاتهامي مصوّب نحو جهة معينة ونقطة على السطر؟

_ فيلتمان جاء إلى لبنان بعد زيارة الرئيس محمود أحمدي نجاد ليقول للبنانيين شيئا واحدا برسالة نصية تم تسليمها إلى رئيس الجمهورية وهي ان المحكمة يجب ان تستمر بحسب ما هي، ويجب ان يصاحبها الاستقرار في آن معا، أي عليكم ان تعملوا لتتحملوا نتائج المحكمة وان تنفسوا مفاعيلها المؤذية التي يمكن ان تكون، وكذلك عاودت وزيرة الخارجية كلينتون الاتصال برئيس الجمهورية لتؤكد على ضرورة المحكمة ومسار المحكمة وكل تصريحات المسؤولين الاميركيين هي في اطار التمسك بالمحكمة، ونحن نسأل: لماذا هذا التمسك غير العادي بالمحكمة بصرف النظر عن كل ما شابها وما مرّ فيها، هل هو بحث عن العدالة أو لأن اتجاه المحكمة الآن يخدم السياسة الاميركية.

موضوع الفتنة

__ نعود إلى نقطة حساسة في الحوار، وهي قضية الفتنة المذهبية إلى أي مدى ترون أن الفتنة تطل برأسها في لبنان، خصوصاً بين الطائفتين السنية والشيعية، ومن الذي يغذيها، هل هو خطابكم أو من خلال خطابهم؟

_ من يراقب خطاب حزب الله منذ التأسيس سنة 1982 حتى الآن، يلاحظ أن خطاب حزب الله هو خطاب وحدوي، يرفض الفتنة يواجهها بكل قوة حتى في التطبيق العملي عندما تصطدم الأمور بين أن تحصل الفتنة أو أن نقدم تنازلات معينة كنا دائما نذهب إلى التنازلات لمصلحة أن لا نكون تكون هناك فتنة في البلد. فحزب الله ضد الفتنة وسيعمل جاهداً لمنعها وبكل الوسائل والطرق، وعندما نحذر من الفتنة انما نحذر ممن يمكن أن يعبثوا في الساحة وهم موجودون سواء بشكل مستور أو بشكل علني، وهؤلاء لا يهتمون إذا وقعت الفتنة بين السنة والشيعة سواء كانوا من الطائفتين الكريمتين، أو كانوا من جهات سياسية أخرى تحرض بشكل أو بآخر لايقاع الفتنة والتفرج على نتائجها.

نحن سنحاول دائماً أن نواجه الفتنة، لكن عندما نصرخ ونقول انتبهوا للفتنة لأننا نجد مؤشرات يمكن أن تؤدي إليها، فإذا قضينا على المؤشرات من خلال الصراخ والموقف والتعاون هذا يحركنا من احتمالها أو وقوعها ، ولذا نعتبر أنفسنا نجحنا نجاحاً كبيراً في لبنان اننا فوتنا السنية _ الشيعية في محطات كثيرة كان يمكن أن تكون كارثة ويمكن أن تمتد إلى كل المنطقة.

الحرب المذهبية

__ لكن واحداً من أبرز حلفائكم وهو سليمان فرنجية بشر الرأي العام العربي بنشوب حرب بين الطائفتين، على ماذا استند إلى طرحه المخيف والمرعب؟

_ الوزير فرنجية يتحدث عن احتمال قد يقع وهذا احتمال في عالم الامكان يمكن خاصة عندما نعلم أن أجهزة المخابرات خاصة الإسرائيلية عندما تتحرك لها وسائل كثيرة كي تثير الفتنة.

__ هل هو نوع من التخويف أم نوع من الضغط على الطرف الآخر؟

_ هذا أحد السيناريوهات الذي يمكن أن يكون وارداً لكن هل نسبته عالية أم منخفضة، هل يمكن أن يحصل أو لا يحصل هذه أمور تدخل في الاحتمالات السياسية.

لا حرب قريباً

__ سؤالنا الأخير: إسرائيل تبني مستشفيات تحت الأرض، تنفذ المناورات، تقوم بتدريبات يومية مصحوبة بتهديدات ضد لبنان وحزب الله، هل تعتقدون أن ذلك يمهد لحرب قادمة قريبة؟

_ الوجود الإسرائيلي وجود عدواني مبني على الحروب ولا يمكن أن تمر فترة طويلة لوجود الكيان الإسرائيلي من دون حرب لأن أي تغيير سياسي، وأي مكتسب إسرائيلي من الأرض العربية يتطلب حرباً أو عملاً عدوانياً من أجل الحصول على ما تريده إسرائيل، سواء بالتفاوض أو بالسيطرة أو بالاحتلال أو بالعدوان، أو بتعديل الموقف السياسي أو باستدراج العروض الدولية، وبالتالي وجود إسرائيل الحربي يعني أن المنطقة دائما معرضة لاحتمالات حرب إسرائيلية في أي وقت من الأوقات لكن بملاحظة الظروف الموضوعية حالياً، نحن لا نعتقد بقرب حرب إسرائيلية في لبنان، أو على دولة من دول المنطقة، بسبب الانشغال الإسرائيلي الداخلي في محاولة ترتيب الأوراق الضاغطة على الفلسطينيين لمصلحة مكتسبات كبيرة تريد إسرائيل الحصول عليها منها تجريف الأراضي والمساكن للتوسع في السيطرة على القدس، ومنها محاولة استدراج عرض الموافقة على يهودية الدولة، ومن خلال رسم خريطة طريق لا يكون للفلسطينيين فيها أي شيء، انما توقيعات على بياض، هذا واقع سياسي يستدعي من إسرائيل أن تصبر حتى لا تكون هناك حرب.

الأمر الثاني: هناك صورة بشعة حصلت لإسرائيل بعد العدوان على غزة، وبعد ضرب اسطول الحرية، فتحتاج إلى فترة من الزمن لتحسين صورتها على مستوى العالم، وتقول إنها تخوض عملية سلام.

والأمر الثالث والأهم من وجهة نظرنا أن إسرائيل تعلم حجم الاستعدادات الموجودة عند حزب الله وتبني على أن معركتها في لبنان الأصل فيها أن تكون خاسرة والنجاح احتمال يحتاج إلى تأكيد، ولذا من المغامرة أن تقوم إسرائيل بحرب في ظل هذه المعطيات، وفي ظل هذه الجهوزية الموجودة عند حزب الله.

على أساس هذه الأمور الثلاثة أعتبر أن فكرة الحرب مؤجلة، لكن لا أعلم إلى متى، إلا أن الحرب ليست قريبة.