مقابلات

المقابلة التي أجراها مع الصحافي ابراهيم بيرم لصحيفة النهار في 19/11/2009

لا بد أن نعطي الحريري فرصة للحكم على تجربته الجديدة

الذين يتواصلون مع رموز "حزب الله"، ومع خطابهم السياسي، لا بد وقد لفتهم الهدوء والمرونة اللذان ساداه أخيراً، خصوصاً لجهة ابداء الاستعداد التام لتسهيل عمل حكومة الوحدة الوطنية التي أبصرت النور قبل نحو عشرة ايام. فهل هو ايذان بالاستعداد لملاقاة مرحلة جديدة، أم مؤشر لتفاهم ضمني ستجلو الايام طبيعته ومعالمه، أم غير ذلك؟

لا يخفي نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم في طيات حواره مع "النهار" ان الحزب أخذ عهداً على نفسه بالتعاطي مع ما بعد تأليف الحكومة، كأن ثمة مرحلة جديدة بمقاييس ومواصفات مختلفة، تستوجب ابداء الايجابي وتستدعي إظهار المرونة، والابتعاد قدر الإمكان عن صورة "التعطيل".

حكومة الوحدة الوطنية بالشكل الذي أتت فيه إنجاز كبير للحزب وللمعارضة، ولكنه عند الرجل الثاني في الحزب ليس نتيجة تفاهم خفي عن الانظار بقدر ما هو نتيجة منطقية "لتوازن حساس ودقيق" تخضع له البلاد.

ولا شك في ان الشيخ قاسم يرفض ان يتحدث عنه بحسابات الربح والخسارة، فعلى رغم من احساس المعارضة المضمر بأن استيلاد الحكومة نسختها الحالية هو ربح لـ"منطقها" وخسارة لتوجهات خصومها، فإنه (أي قاسم) يعتبر ان المنتصر هو "مصلحة لبنان الوطنية". ولا ينفي ان الحزب بات يراهن ضمناً على تحولات مرتقبة في سلوك الرئيس سعد الحريري وفي علاقاته في حال كان يريد انجاح حكومته الاولى، "ولكن الامر يحتاج الى وقت وتجربة أخرى".

إذاً هي مرحلة استقرار نسبي، وخفض منسوب "التوتر" السياسي الى أدنى الدرجات هو عنوان المرحلة المقبلة التي يمكن أن تستشفها من روحية كلام قاسم، وهي من شأنها أن تؤمن للحزب فرصة الانصراف الى معالجة قضايا "بيته" الداخلي وأولها الوضع في الضاحية الجنوبية، الذي وضعه تحت المجهر من خلال الحملة التي بدأها لتعزيز "النظام" فيها، رافضاً أن يكون ثمة استدعاء للدولة الى هذه البقعة المثقلة بالمشاكل، بقدر ما هو دعوة لتفعيل حضور مؤسسات هذه الدولة في هذه المنطقة.

وهنا نص الحوار مع الشيخ قاسم حول ابعاد مرحلة ما بعد ولادة الحكومة:

• لمصلحة مَن انتهت عملية تأليف حكومة الوحدة الوطنية؟ وهل هناك برأيكم رابح وخاسر؟

- نعتبر أن تأليف حكومة الوحدة الوطنية هو لمصلحة لبنان. وكنا كمعارضة ندعو دائماً الى حكومة الوحدة الوطنية، لأن نتائج الانتخابات النيابية وما قبلها كانت تؤشر بشكل حاسم لعدم وجود أكثرية كبيرة، ولا أقلية صغيرة، وإنما لوجود توازن دقيق تمثل بحصول الأكثرية النيابية على أقلية شعبية والاقلية النيابية على أكثر شعبية، ما يعني ان البلد خاضع لتوازن حساس ودقيق. وإذا أضفنا الى ذلك الاعتبار الطائفي والمذهبي فهذا يعني اننا أمام تعقيدات لا تحلها الاعداد ولا تؤثر فيها الفروق البسيطة في عدد النواب. وبالتالي فبدل أن يقع البلد في دائرة الخلاف الميثاقي، باستبعاد فئات وازنة تؤثر في العيش المشترك، كان لا بد من أن نبتدع صيغة تجعل قابلية الانطلاق نحو القضايا الاساسية، ومتابعة شؤون الناس أمراً ممكناً. ولذا كانت فكرة حكومة الوحدة الوطنية هي الوحيدة القابلة للحياة، بل يمكن التعويل عليها لاستمرار الاستقرار السياسي والأمني. وعليه، لا نرغب في الدخول في لعبة الربح والخسارة، ولا نريد العودة الى الماضي لاستفزاز أحد على المستوى الاعلامي.

لقد رأى الناس ماذا جرى، وقيّموا النتائج ويكفينا أن نصف الحكومة الوليدة بأنها حكومة المصلحة الوطنية، حيث لا مكان للعبة الربح والخسارة.

• لماذا إذاً هذا الترحيب من جانبكم بالحكومة، وإبداء الاستعداد لتسهيل مهمة الرئيس سعد الحريري؟ هل هذا مؤشر لوعود تلقيتموها بمرحلة جديدة سياسياً؟ أم انكم مضطرون الى ان تسلكوا سلوك الذي لا يريد أن يظهر بمظهر المعرقل؟

- عندما دعونا الى حكومة الوحدة، وتحقق هذا الطلب، لم تكن دعوتنا مجرد مناورة، إنما وجدنا لهذه الحكومة مستلزمات في تأليفها ونتائج في أدائها وعملها، وعندما يكون من مستلزمات صدور بيان وزاري يحفظ الأسس التي نؤمن بها ويفتح الطريق أمام العمل لمعالجة قضايا الناس، إذاً من الطبيعي أن نكون مستعدين لمساعدة هذه الحكومة ودعمها. نحن لم ندعُ الى حكومة الوحدة الوطنية كشعار، وإنما نؤمن بأنها يمكن أن تنهض بالبلد عندما تتكاتف الجهود ونتخلص من البهلوانيات السياسية والاعلامية التي لا تسمن ولا تغني من جوع. بناء عليه فإن رئاسة السيد سعد الدين الحريري لهذه الحكومة، جزء لا يتجزأ من مشروعها في إطار الوحدة الوطنية، ونحن حاضرون ان نساعد، ونبذل كل الجهود ونكون فاعلين في خدمة قضايا الناس.

إن الايجابية من جهتنا مرتبطة برؤيتنا من ناحية، وما تحقق في الواقع لما طرحناه من ناحية أخرى.

• كثر الحديث أخيراً عن تحولات سياسية لدى معظم الاطراف، فهل تتوقعون أن يسلك الرئيس الحريري، بعد ولادة الحكومة، مسلكاً سياسياً مختلفاً يتمظهر باداء آخر، يختلف عن أداء سلفه؟

- ما رأيناه خلال الفترة الاخيرة التي سبقت تأليف حكومة الوحدة الوطنية، يبرز مرونة ورغبة في انجاز هذا الاستحقاق الذي كان ينتظره الجميع. وبطبيعة الحال فإن رئيس الحكومة يرغب في أن يؤمن ظروف نجاحه وحكومته، وأن يسجل في تاريخه انه استطاع أن يدير حكومة في مرحلة حساسة من تاريخ لبنان والمنطقة عموماً. ويبقى الحكم من خلال هذه التجربة التي انطلقت للتو، مرتبطاً الى حد كبير بالاداء العملي. واعتقد أن النيات حاضرة للنجاح ولكن لا بد أن نترك فسحة من الوقت للعمل حتى يتم اعطاء الاحكام على هذه التجربة الجديدة.

الدور السوري

• يكثر الحديث في الاوساط السياسية عن زيارة الرئيس سعد الحريري الى دمشق، كأنها من باب تحصيل الحاصل، فهل ترون أن ثمة تحولات وتبدلات ستطرأ على المسار السياسي العام على المستوى الداخلي بعد هذه الزيارة الموعودة؟ وماذا تعني بالنسبة اليكم؟

- تعيش المنطقة بأسرها تحولات بارزة، ونرى أن الموقع السوري هو موقع مهم يجتذب ويستدعي اهتماماً أوروبياً وخصوصاً على المستوى الفرنسي، ورغبة اميركية في تطوير العلاقة مع دمشق. وهذا الواقع لا يمكن عزله عن انسداد أفق التسوية من ناحية، ونجاح لبنان في تخطي تداعيات ومخاطر عدوان تموز عام 2006 عليه، وما أعقبه من سقوط فكرة الشرق الاوسط الجديد من ناحية أخرى.

ومع كل ما شهده لبنان من تجاذبات فإن الامور استقرت على الدور السوري القوي والفاعل في المنطقة، لذا فإن من مصلحة لبنان أن تكون علاقاته مميزة مع سوريا. وما ورد في اتفاق الطائف عن العلاقات المميزة بين البلدين، هو خلاصة لوصف وتشخيص لطبيعة العلاقة التي تصلح بين لبنان وسوريا، لما لهذين البلدين من تداخل وتأثير سياسي بحكم الظروف التي تحيط بهما، وخصوصاً وجود العدو الاسرائيلي مع اطماعه ومطامعه التي لا حد لها ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.

اذاً، نحن نعتقد ان زيارة سوريا تحصيل حاصل وضرورة لا يستطيع ان يتجاوزها اي رئيس حكومة في لبنان يريد ان يعمل وينجز ويزيل العقبات من طريقه ويفتح المجال امام فرص التعاون، خصوصا ان سوريا مؤثرة في المنطقة.

من هنا اعتبر ان هذه الزيارة المتوقعة تساعد في طي صفحة الماضي، وإبعاد العلاقة بين البلدين من دائرة الخلاف والتوتر السياسي والخاص ليحل محلها تنظيم العلاقة بين البلدين لما فيه مصلحتهما المشتركة.

وقد قام رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بجهد مهم في هذا الاطار واعتقد ان رئيس الحكومة سيكون له الجهد المفيد في هذا المسار.

• تحدثتم اخيراً في اكثر من مناسبة عن ولادة حكومة الوحدة الوطنية على النحو الذي ولدت فيه، وأن ذلك هو احد الادلة والبراهين على تقلص التأثير الاميركي على المسار السياسي في لبنان، فهل ترون فعلا ان الساحة اللبنانية قد خرجت عمليا من وهج التأثير الاميركي؟

- المعلوم ان اميركا بذلت جهوداً كبيرة للامساك بزمام الوضع اللبناني خلال الاعوام المنصرمة، وقد وصلت الى حدود اصدار امر عمليات لاسرائيل لتفتح ابواب حربها وعدوانها على لبنان في تموز 2006. كما ان اميركا مارست في الداخل اللبناني عملية تحريض لا سابق لها، ودعمت فريقا بما لا يقبل مجالا للشك وذلك من اجل إحكام قبضتها على الساحة اللبنانية مباشرة او عبر من يعمل انفاذا لتوجيهاتها في لبنان انفاذا للعبة الشرق الاوسط الجديد. لكن وبكل صراحة وشفافية، نقول إن اميركا اخفقت في لبنان واخفقت من خلال العدوان الاسرائيلي، وأخفقت في ان توجّه دفة السياسة اللبنانية بالاتجاه الذي تريد، واخفقت ايضا وايضا من خلال فشل الدائرين في فلكها في لبنان من إحداث غلبة داخلية تمكّنهم من تنفيذ السياسات التي تريدها اميركا في الداخل وفي الاقليم وفي مقدمها تغيير هوية لبنان المقاوم.

اذاً نحن امام اخفاق أميركي ثلاثي الابعاد وهذا سيؤدي حتما الى ان تسير الامور في لبنان خارج دائرة التأثير الاميركي الفاعل، واستطراداً نحن نعتبر ان حكومة الوحدة الوطنية هي بالاصل خلاف الارادة الاميركية، فالمعلوم ان السفيرة الاميركية ميشيل سيسون بقيت حتى اللحظة الاخرى تجول على بعض القيادات اللبنانية، محرضة اياها على تشكيل حكومة اكثرية نيابية ومع ذلك لم تنجح، فمع كل ما قالته في الكواليس وما مارسته من ترغيب وترهيب ادركت في نهاية المطاف ان لا قدرة عملية لتنفيذ توجهاتها، وقد علمنا من مصادر مطلعة ان مساعد وزيرة الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان ابلغ بعض من راجعوه من القيادات اللبنانية في المرحلة الاولى للتأليف أنهم (اي الاميركيون) متريثون ولو طال وقت تأليف الحكومة على امل ان تؤلف حكومة وفق ما يريدونه. وهذا لم يتحقق ايضاً.

ان تأليف حكومة وحدة وطنية بحد ذاته إن دل على شيء فإنما يدل على ضعف الدور الاميركي في هذه المرحلة في لبنان، ان لم نقل بأن تأثيره يكاد لا يحتسب في موازين القوى السياسية في لبنان.

التوافق الاقليمي

• سرت في الاوساط والكواليس السياسية اخيراً مقولة فحواها ان ولادة الحكومة ما كانت لتتم على النحو الذي ولدت فيه لولا التفاهم السوري - السعودي. فهل تؤيدون وجهة النظر القائلة بأن السعودية قد اعادت الاعتبار الى الشراكة مع سوريا في ادارة الملف اللبناني؟

- حسب معلوماتنا ان هذا الاتفاق السوري - السعودي على حكومة الوحدة الوطنية سبق الانتخابات النيابية بنحو شهرين. وفي رأينا التقارب امر ايجابي ونحن نرحب بأي اتفاق اقليمي او دولي يصب في النهاية في مصلحة وحدة لبنان وفي مصلحة إبعاده عن تجاذبات الدول الخارجية اقليمية كانت ام دولية. وبالتأكيد ظلل الاتفاق السوري - السعودي اللاحق في قمة دمشق مساعي تأليف حكومة الوحدة الوطنية. ولا ارغب هنا في الحديث عن الاثمان لأنه مهما كانت هذه الاثمان فهي تبقى عادية، ما دامت النتيجة هي حكومة الوحدة الوطنية والتفاهم بين اللبنانيين. فهذه نتيجة جيدة، وبطبيعة الحال سيستفيد منها من يؤمن بها وستزعج من لا يؤمن بها. اذ لا يوجد خير داخل لبنان لا ينعكس على دول اخرى، كما لا يوجد شر مفتعل بحق لبنان الا وسينعكس على لبنان ودول اخرى.

لذا نحن نعتبر ان الذي يساعد بشكل كبير في حصول هذا التوافق الاقليمي هو وجود وقائع محلية فيها من التوازن ما يجعل الاطراف جميعاً بحاجة بعضها الى بعض للانطلاق، فلا يمكن عزل الواقع السياسي اللبناني الداخلي عن هذه النتيجة التي وصلنا اليها. ونحن نأمل ان تتمكن حكومة الوحدة الوطنية الوليدة حديثاً من ان تتجاوز التعقيدات التي خلفتها الاعوام السابقة والتي بدأت حقيقة من حين صدور القرار 1559 وبرزت بصورتها القاسية من خلال اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

• في مسار العلاقة بينكم وبين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، ماذا تحقق منه؟ والى اي المحطات ستصل العلاقة لاحقا؟

- العلاقة مع النائب جنبلاط تسير في اتجاه ايجابي تصاعدي. ولهذا الامر علاقة بالموقف السياسي. فعندما يطرح الاستاذ وليد دعم المقاومة والتأكيد على حاجة لبنان اليها ويصر على اقامة حكومة الشراكة والوحدة الوطنية، رافضاً منطق الغلبة ويعمل لتعميم التفاعل بين القواعد الشعبية للطرفين ويدعو الى الانتباه للاخطار الاسرائيلية، والمطالب الاميركية التي لا مصلحة للبنان فيها، فان هذا كله يعني اننا نتلاقى معه على العناوين الاساسية والكبيرة، وهذا من شأنه ان ينعكس في العلاقات الثنائية وفي التعاون في مجالات عدة.

نحن الآن امام مرحلة جديدة، وامام رؤية سياسية متناغمة، ومن الطبيعي ان نتعامل معها بحسبها وان نبادل الايجابية بايجابية، وان نؤسس لمستقبل العلاقة بين "حزب الله" والحزب التقدمي الاشتراكي على قاعدة المواقف والقناعات وليس على قاعدة ظروف سياسية مرّت وانتهت. فما يهمنا هو الاستفادة من تجارب الماضي وعدم الوقوف على الاطلال. نحن ابناء اليوم وأبناء هذه المرحلة، ونعتقد ان بامكاننا معاً ومع كل الاطراف الأخرى أن تشاطرنا هذه المواقف والقناعات من التلاقي لما فيه مصلحة لبنان.

• ما دام الحديث عن التلاقي والمصالحات، لماذا لا تزال السبل مقطوعة مع البطريرك صفير، ولماذا يعاود بين فينة واخرى التصويب على سلاح المقاومة؟ وهل ترون ان هذا الامر تمهيد لمرحلة تصعيدية؟

- لا نرغب في الدخول في مساجلات اعلامية او سياسية، فموقفنا واضح ومقاومتنا حررت لبنان بشهادة القاصي والداني وهي ضرورة اكثر من ذي قبل ونعبر عنها ونفتخر بها ولن نتوقف عند كل كلمة تقال في هذا الشأن، ونترك للجمهور ان يقدر الموقف المناسب.

الضاحية

• قراركم بدعوة مؤسسات الدولة اخيراً للعودة الى الضاحية الجنوبية، بدا وكأنه اتى بعدما شعرتم بعجزكم عن الاستمرار في ادارة الامور في هذه البقعة، لا سيما بعد تفاقم الظواهر السلبية، في حين ان ثمة من يرى ان هناك توجهاً جديداً من جانبكم في موضوع التعاطي مع الدولة ومؤسساتها، فما هو ردكم؟

- استهلالاً ارفض القول بعودة الدولة الى الضاحية، لأن الدولة موجودة في هذه المنطقة، ولم تغادرها. من يراجع سجلات مصالح الكهرباء والماء والضرائب والاشتراكات والرسوم وسجلات القضاء والقوى الامنية والمخافر، سيجد بالملموس ان الدولة تتصرف في الضاحية بما هو حق لها على المواطن، ولكن لاحظنا ان مستوى وجود اجهزة الدولة في هذه المنطقة، في بعض المجالات المختلفة هو دون المستوى المطلوب، في منطقة يُشهد لها بالاكتظاظ السكاني العالي، وهذا من شأنه بطبيعة الحال ان يرفع وتيرة الشكوى عند المواطن. فعلى سبيل المثال كان عديد قوى الامن الداخلي وخصوصاً شرطة السير قليلاً جداً مما اضطرنا الى ان نتعاون مع بلديات المنطقة التي خصصت عناصر انضباط لتأمين حسن السير، ولكن هذا الامر آني ولا يساهم الا في حل جزء من مشكلة السير المتفاقمة في الضاحية، لذا توجهنا اخيراً الى الدولة، واثرنا مع المسؤولين المشاكل كافة. وهذا ما حصل في اللقاء الاخير الذي جرى بين النائب علي عمار ووزير الداخلية والبلديات زياد بارود، حيث جرى اتفاق على اضافة مئة عنصر من شرطة السير لمعالجة المسألة. ولا يخفى في جانب آخر، ان ضعف اهتمام اجهزة الدولة واضافة الى التوتر الاجتماعي في البلد عموماً، ووجود التعبئة الاعلامية المنحرفة على المستوى الاخلاقي وانتشار ظاهرة مروجي المخدرات ووجود هذه الكثافة السكانية في الضاحية مع بروز حالات الفقر الواضحة، كلها عوامل ادت الى نشوء مظاهر تحتاج الى معالجة بأساليب مختلفة، منها اسلوب التوعية والتثقيف، وبعضها العمل لتأمين حاجات الناس من مياه وكهرباء وطرق، وبعضها الآخر يحتاج الى تأديب ومعاقبة وملاحقة وخصوصاً لمرتكبي المخالفات لكي يشعروا بأن ثمة من يراقب ويحاسب.

نحن نعتبر ان الحملة التي شرعنا بها واطلقنا عليها مصطلح "النظام من الايمان" تستهدف القيام باجراءات استثنائية وعاجلة لوضع حد للفساد والارتكابات المختلفة وتشجيع الناس على مواجهة هذه الحالات واعطاء قيمة اضافية مشجعة للمنضبطين الذين يؤدون واجباتهم بالحصول على حقوقهم، عبر تأمين مظلة امان لهم. وبالتالي فإن هذه الحملة ليست بقصد اعادة الدولة الى الضاحية لان الدولة موجودة فعلاً، انها لتفعيل عمل واجهزة الدولة كجزء من رؤية متكاملة تربوية، تستهدف تأمين متطلبات الناس في الامن الثقافي والاجتماعي والاخلاقي. وهذه الحملة ليست لاعلان العجز، انها تهدف الى تفعيل المعالجات التي تقوم بها بشكل اعتيادي، كجزء من ايماننا وديننا وحضورنا. وهذا بالنسبة الينا شكل من اشكال تحصين المجتمع من الانحرافات. ونحن ندعو الى تعميم هذه الحملة في كل المناطق لان ما تعانيه هذه المنطقة، تعانيه كل المناطق. وعموماً فإن مشروعنا لا يقتصر على الضاحية، إذ ان قرارنا هو القيام بالحملة اياها وبالاجراءات نفسها في كل مكان لنا فيه حضور وتأثير، لانها في الواقع حملة ثقافية اصلاحية بالدرجة الاولى، تواكبها اجهزة الدولة.

• ارتفعت في الآونة الاخيرة وتيرة التهديدات الاسرائيلية ضدكم، مقرونة بالحديث عن مضاعفة ترسانتكم التسليحية، فهل ما زلتم عند قراراتكم بأن اسرائيل ما برحت قاصرة عن تكرار تجربة حرب تموز؟ ام ان هناك مستجدات عدّلت في هذه القراءة؟

- لا يمر يوم الا وتصرخ فيه اسرائيل عبر وسائلها الاعلامية والمنابر الدولية بأن الآخرين يتسلحون ويهددونها وكل ذلك من اجل ان تغطي على عدوانيتها المستمرة. وعلى ما تقوم به من استعدادات للعدوان. فإسرائيل واقعة تحت ضغط تقرير غولدستون الذي قلب المعادلة الاعلامية ضدها، حيث ارتفعت اصوات عدة في المنتديات ضد الجرائم الاسرائيلية بحق الانسانية في غزة خصوصاً.

وكذلك اقامت اسرائيل، وكما صار معلوماً، مناورات مشتركة مع الاميركيين وللمرة الاولى بهذه الصفة وتحت عنوان "جبه خطر الصواريخ من لبنان وفلسطين وسوريا وايران". لكن في خلفيتها هي تعبير عن العجز الاسرائيلي وعن التدخل الاميركي في مفردات متطلبات الحروب الاسرائيلية المحتملة.

والامر الابرز هو التسوية الميتة التي يريد نتنياهو من خلالها اخذ كل شيء بلا ثمن، وبالتالي هنالك اسئلة عدة حول ما تفعله اسرائيل. هنا تلجأ اسرائيل الى توزيع اتهامات للآخرين كي تصرف النظر عن استعداداتها العدوانية والخطر الذي تمثله على لبنان والمنطقة عموماً.

نحن بالنسبة الينا نتعاطى مع اسرائيل على أنها خطر دائم، وانها يمكن ان تقرر في اي وقت، عندما ترى مصلحتها في ذلك، فتح حرب ضد لبنان او في المنطقة، وان كنا لا نعتقد بوجود مؤشرات قريبة، الا اننا نتصرف بجهوزية عالية كي لا نباغت، ونعتقد ان وتيرة استعداداتنا المرتفعة تفرض بالحد الادنى على اسرائيل ان تفكر ملياً قبل ان تقدم على اي عدوان جديد.