مقابلات

المقابلة التي أجرتها معه صحيفة الوطن القطرية في 21/7/2009

الرئيس الحريري بيده أن يقول ماذا يمكن أن يفعل لإنجاح هذه الحكومة

- سماحة الشيخ، مرت ثلاث سنوات على الحرب الإسرائيلية على لبنان، والجيش الإسرائيلي في مناوراته الأخيرة كأنه يستعد لحرب جديدة، كيف تنظر المقاومة إلى مثل هذه الاستعدادات؟

المناورات الإسرائيلية الأخيرة إضافة إلى التصريحات المكثفة للمسؤولين الإسرائيليين لتهديد لبنان، وبمحاولة إبراز العضلات بين الحين والآخر، يؤكد أن إسرائيل تمتلك مساراً عدوانياً مستمراً، ولا يمكن أن يكون هناك محطة في التاريخ الإسرائيلي إلاَّ وفيها نية اعتداء أو فعل اعتداء أو التحضير لاعتداء، فإذا قلنا اليوم أن الأجواء السياسية لا تسمح بقيام إسرائيل بعدوان خاصة أنه يحتاج إلى حسابات كبيرة في مقياس الربح والخسارة المادية والسياسية، فهذا لا يعني أن إسرائيل لن تعتدي مستقبلاً، نحن نعتبر أن إسرائيل تجهز نفسها لتعتدي في يوم من الأيام ولو طال هذا الزمن، بسبب ارتباط العدوان بأصل وجودها واستمراريتها كدولة محتلة لفلسطين ولما يحيط بها، من هنا نعتبر أن الرد الطبيعي يجب أن يكون رداً عملياً وليس مجرد شعارات أو استجداءات من مجلس الأمن أو من الدول الكبرى، وهذا الرد العملي هو المزيد من الاستعداد والجهوزية للمقاومة لتكون حاضرة في الساحة، لمواجهة أي تطور أو أي مفاجأة حتى ولو كانت الظروف لا تُنبئ بشيء قريب، ولكن وجود الجهوزية للمقاومة يحمي ويؤجل ويجعل الإسرائيلي يحسب حسابات كثيرة، خاصة بعدما أصابته هزيمة نكراء بكل المعايير والمستويات في عدوانهم على لبنان في تموز 2006.

من هنا نؤكد ونطالب دائماً بضرورة تعزيز المقاومة وجهوزيتها، والحمد لله هذا الأمر متحقق والمقاومة اليوم في وضع جيد وهي تهيئ نفسها لأصعب الاحتمالات لتتفادى احتمالات كثيرة من احتمالات هذه الجهوزية التي يفهمها الإسرائيلي جيداً ويعلم كم تكلفه وكم توقعه في مآزق. أمَّا خلال هذه الفترة التي مرَّت من العدوان سنة 2006 إلى الذكرى السنوية الثالثة، فقد رأينا عدة أمور بارزة حصلت خلال هذه السنوات الثلاث:

أولاً: دوَّى الفشل الإسرائيلي في الأرجاء، وبرزت المقاومة كقدرة ممانعة ودفاع تستطيع أن تضع حداً لاندفاعة المشروع الإسرائيلي، وأن تعيق خطواته اللاحقة، وهذا أمر أربك كل المجتمع الإسرائيلي، وأربك الرعاة الدوليين لإسرائيل لأنهم كانوا يخططون لتعديلات في المنطقة تفتح الباب أمام شرق أوسط جديد من بوابة لبنان، فإذ بهم يصطدمون بعقبة إقفال هذه البوابة، والبحث عن تعديلات لمخططاتهم مع الفشل الذي أُصيبت به أمريكا في العراق وفي أفغانستان، ما أدَّى إلى مرحلة ما بعد بوش، وبالتالي سقوط بوش المدوي سياسياً، وسقوط حزبه أيضاً في الانتخابات مؤشر من مؤشرات نتائج العدوان الفاشل على لبنان، وكذلك الهزيمة الإسرائيلية والنجاح الذي حققته المقاومة.

الأمر الثاني : ثبت وجود قوة حقيقية فعلية للمقاومة وليس مجرد تصريحات إعلامية أو سياسية أو تعبوية، فهذه القوة تساعد في حماية لبنان، وتساعد في أن يتأمل ويفكر الإسرائيلي ملياً قبل أن يُقدم على أي أمر، بمعنى آخر لبنان غير متاح للعدوان الإسرائيلي اليومي بالقتل المباشر أو بالاحتلال المباشر، وهذا بسبب تحسُّب الإسرائيلي من ردة فعل المقاومة، وبالتالي نستطيع أن نقول بأنَّ قوة المقاومة أثبتت حضورها وجعلت إسرائيل في الموقع الذي لا تملك فيه الخيارات الحرة والمتاحة.

الأمر الثالث: استطعنا خلال هذه الفترة أن نقدم نموذجاً وتجربة في إعادة الإعمار والتي هي مسألة معقدة وصعبة جداً ، مع ذلك أنجزنا خطوات مهمة منها، وبرز التكافل الاجتماعي والتضامن الشعبي مع المقاومة كمؤشر غني يقوي من حضور المقاومة ويعزز قوة لبنان، وهذه المسألة برزت من خلال التعبير الانتخابي الذي أعطى الأصوات بكثافة للمعارضة التي لم تأخذ الأغلبية النيابية، ولكنها أخذت الأغلبية الشعبية بزيادة حوالي 140 ألف صوت عن الموالاة، ما يدل على حجم التفاعل والارتباط، علماً أن بعض التفاهمات الداخلية على المستوى السياسي تعيد القسم الأكبر من الموالاة إلى مربع المقاومة.

الأمر الرابع: خلال هذه السنوات الثلاث حصلت تطورات محلية وإقليمية ودولية، منها الاعتداء على غزة، ومنها سقوط بوش ومجيء أوباما، ومنها التطورات الموجودة في العراق، وصمود إيران وسوريا، وأيضاً قدرة لبنان على أن يمنع الوصاية الأمريكية من أن تتحكم بمساره، وهذه التطورات جميعاً حسمت المسار السياسي اللبناني، خاصة بعد اتفاق الدوحة، وأصبحنا أمام رؤية واضحة يسير عليها الجميع والمتمثلة بلبنان الذي يحتاج إلى مقاومته، الذي يناقش كيفية تحصيل الضمانات المختلفة لاستمراريتها في إطار الحوار اللبناني، وأيضاً أصبحنا أمام خيارات داخلية يتحكم فيها المزاج اللبناني للموالاة والمعارضة بشكل متقدم، أي أننا خفَّفنا من السيطرة الأجنبية والإقليمية على واقعنا اللبناني، وأصبح الجميع يعلم تماماً أن المسار في لبنان لا يمكن أن يكون قاعدة أمريكية أو إسرائيلية، أو أن يكون مسخَّراً لخدمات استخباراتية، يجب أن تؤخذ خصوصية لبنان وقربه من فلسطين المحتلة ووجوده في هذه المنطقة العربية بعين الاعتبار، وأن يكون مستقلاً من دون إدارة خارجية تتحكم بمستقبله. أعتبر أن هذه العناوين الأربعة هي أبرز العناوين التي تبلورت خلال هذه السنوات الثلاث بعد فشل العدوان الإسرائيلي على لبنان.

- إسرائيل تقوم الآن بانتهاك الأراضي اللبنانية وهي أقامت موقعاً مما دفع الأهالي إلى الذهاب إلى الموقع ورفع العلم اللبناني، هذه الأعمال هل هي مقدمة لعمل إسرائيل ما لاستدراج المقاومة للرد عليه؟ أو أن ما حصل هو خطة توسع شيئاً فشيئاً في لبنان؟

إسرائيل منزعجة جداً من نتائج حرب تموز، ولا زالت تعيش الهزيمة بكل تفاصيلها، وعلى الرغم من التعميم السياسي والإعلامي الذي قامت به الحكومة الإسرائيلية في هذا العام، بحيث أنها وجَّهت المسؤولين ووسائل الإعلام ليتحدثوا عن انتصار بمفعول رجعي بعد مرور ثلاث سنوات على كل عناوين الهزيمة وتقرير "فينوغراد" والاعترافات المختلفة، جاءنا من يقول أنه بعد ثلاث سنوات يوجد انتصار إسرائيلي وليس هزيمة إسرائيلية، هذا أمر سخيف ومضحك، لكنه يدل على حاجة إسرائيل لتعطي شيئاً من المعنويات لجنودها وشعبها وأن تخرج من مأزق الهزيمة، وفي تصوري أن محاولة الدخول الإسرائيلي إلى بعض النقاط داخل الأراضي اللبنانية هي نوع من جس النبض وإحداث حالة معنوية بأن إسرائيل تملك يداً طولى يمكن أن تتجاوز كل التعقيدات والعقبات لقوات الطوارئ الدولية، وبالتالي لا أضع هذا في إطار استدراج المقاومة فهم يعلمون أنَّه لا يمكن استدراجها إلى أمرٍ لا تريد الدفاع من خلاله بالشكل المناسب، ولكن هذه محاولات إسرائيلية لترى ردة الفعل وعلى أساسها تحكم على خطوات أخرى يمكن أن تقوم بها ، وأيضاً تريد أن تسلط الضوء على أنها فاعلة ومؤثرة وأيضاً هي موجودة. موضوع هذا الاعتداء والاحتلال الإسرائيلي ولو لأمتار للأراضي اللبنانية هو موضوع برسم مجلس الأمن والدول الكبرى الذين غابوا عن السمع، والذين لا يتحركون بشكل جدي وفاعل، وهنا لا بدَّ من تحية للأهالي على مواقفهم المشرفة، وأعتقد أن هذا النوع من العمل الإسرائيلي فضيحة لإسرائيل ولمن لا يتحرك عربياً ودولياً وصولاً إلى مجلس الأمن لوضع حد لهذه الغطرسة الإسرائيلية، وهذا النوع من الأعمال يدخل في إطار المحاولات البائسة لإثبات الوجود ولكن لا يشكل قدرة إسرائيلية ولا تستطيع إسرائيل أن تستقر بعملها.

- إسرائيل أيضاً تحاول أن تقفز فوق كل الانتهاكات وتصف حزب الله بأنه خرق القرار 1701 من خلال الانفجار الذي حصل في خربة سلم، كيف تردون على هذا الأمر؟

ما حصل في بلدة خربة سلم من انفجار هو حادث طبيعي له علاقة ببعض مخلفات القذائف التي جُمعت في هذا المكان أثناء وبعد خروج إسرائيل من لبنان، وهذا أمر جزئي وبسيط تمت معالجته بالتنسيق مع الجيش اللبناني، ولا يوجد أي انتهاك للقرار 1701. المطلوب من حزب الله والمقاومة والناس أن لا يكون لديهم تجول بسلاح ظاهر وهذا هو مقتضى القرار 1701، أمَّا أن يحصل أمر مثل هذه الحادثة فهذا أمر بسيط وعادي وتتم معالجته، وتكبير المشكلة إسرائيلياً هو محاولة لصرف النظر عن احتلالها لبعض النقاط في كفرشوبا، وأيضاً تغطية على طلعاتها اليومية المستمرة، واعتداءاتها من خلال شبكات التجسس، هذا لن يعفي إسرائيل من مسؤوليتها وحزب الله ليس في دائرة الاتهام.

- البعض تخوَّف من مواجهة بين الأهالي واليونيفل، خاصة وأن الصدام الأخير من الأهالي واليونيفل أدَّى إلى جرح أربعة أشخاص؟

حصل خطأ تتحمل مسؤوليته قوات اليونيفل في أنهم حاولوا الدخول إلى منزل ومداهمته بمبادرة منهم من دون التنسيق مع الجيش اللبناني، خاصة أن القرار الدولي يعطي الصلاحية للجيش اللبناني بالتحرك ابتداءً، وتكون قوات الطوارئ الدولية مساعدة له، هنا لم يتصرف المسؤولون هناك بحسب صلاحياتهم، فاعتبر الأهالي بأنه توجد محاولة للاعتداء عليهم من خلال هذا التصرف المحدود، وقد كان بيان الجيش اللبناني واضحاً في أن إشكالاً قد حصل وتتم معالجته، على هذا الأساس نحن نؤكد كحزب الله أن قوات الطوارئ لها مهمة وعليها أن تلتزم بمهمتها، ونحن ملتزمون بالقرار 1701 ولا يوجد أي تغيير لدينا والجيش اللبناني هو المسؤول عن الأمن في تلك المنطقة تؤازره قوات الطوارئ الدولية وليس العكس.

- كيف تبدو العلاقة بينكم وبين قوات الطوارئ؟

العلاقة بين حزب الله واليونيفل علاقة جيدة، وتوجد هناك لقاءات وتنسيق وبعض الاجتماعات مع بعض المسؤولين بطريقة سياسية حتى مندوب الأمم المتحدة "وليامز" يزور دائماً مسؤولين في حزب الله ويتحدث معهم، ففي الأصل لا يوجد مشكلة بين حزب الله واليونيفل، وما حصل هو مشكلة بين الأهالي وهذه المجموعة التي تجاوزت صلاحياتها.

- إسرائيل تهدد بضرب إيران ، هل تتوقع هذه الضربة ؟

اختلطت الأمور في التهديدات الإسرائيلية والتلميحات الأمريكية، وسحب التلميحات الأمريكية بشكل كبير، على الأرجح أن فكرة الضربة لإيران غير منجزة حالياً، والسبب الرئيس في ذلك يرتبط بأمرين:

الأمر الأول: أن أمريكا تخوض تجربة حوار مع إيران لم تبدأ بعد، وتريد أن تستكشف ما الذي يمكن أن يتم الاتفاق عليه، وكذلك إيران تريد أن تستكشف ما هو الجديد عن أمريكا للاتفاق عليه.

الأمر الثاني: أن أي عمل للعدوان على إيران يمكن أن يُلهب المنطقة بأسرها، وبالتالي البداية معروفة ولكن النهاية غير معروفة، ولا تتحمل المنطقة ولا أمريكا نتائج غائمة وغامضة وفي هذا خطر كبير.

لذلك أعتقد أن التركيز الإسرائيلي على الحرب على إيران يميل إلى الدعاية السياسية والحرب النفسية للضغط على إيران أكثر مما هو واقعي، على الأقل في ظل عدم الاتفاق الأمريكي الإسرائيلي حول الضربة بالتحديد خلال هذه المرحلة، وعلى كل حال ما نعرفه أن إيران مستعدة لكل الاحتمالات، وأن التعامل مع إسرائيل يجب أن يكون على قاعدة الجهوزية والمفاجآت وهذا موجود.

- بالنسبة للوضع في لبنان، دخل الأسبوع الرابع لتكليف الحريري بتشكيل الحكومة ولكن لم ترَ النور بعد، أين نقاط الاختلاف؟

توجد نقطة مركزية في تشكيل الحكومة تشكل البوابة لانطلاقتها، وهي مشاركة المعارضة في حكومة الوحدة الوطنية، خاصة أن الرئيس المكلف الحريري لا يريد تشكيل حكومة لا تكون المعارضة فيها، لأنه يعتقد أن حسن إدارة البلاد إنما تكون بمشاركة كل الأطراف، وهذا تفكير جيد وحسن وهو قد أصاب في هذه الرؤية، والمعارضة في المقابل تعتبر أن حكومة الوحدة الوطنية هي الحل ، وهي طالما طالبت بها واعتبرت أنها أنجزت إنجازاً كبيراً في اتفاق الدوحة في حكومة الوحدة الوطنية التي شُكلت آنذاك، هذه المعارضة تريد مشاركة فاعلة ولا تريد أن تكون مجرد تكملة عدد، وقد حصلت لقاءات عدة بين الرئيس المكلف وعدد من أقطاب المعارضة، وسمع منهم جميعاً رؤيتهم للحل، وكيفية المشاركة الفاعلة، وهو يعلم تماماً ما هي الخطوة الأولى التي تساعد على الخطوات التالية لإخراج الحكومة إلى النور. لذا نحن الآن بانتظار موقف الرئيس الحريري، بيده أن يقول ماذا يمكن أن يفعل لإنجاح هذه الحكومة، وقد آثرنا كحزب الله ومعارضة أن لا نتحدث عبر وسائل الإعلام بشروط وشروط مضادة كي لا نعيق تشكيل الحكومة، ولكن اكتفينا بالعناوين الأساسية : مشاركة فاعلة لا شهود زور، أمَّا تطبيقاتها فجرى حوار مفصل مع الرئيس الحريري في هذا الأمر، وبالتالي كل من يرمي الأمور إلى الخارج إنما يعقد على الرئيس المكلف، ولا يخفى أنه كانت توجد فكرة في البلد بأن الاتفاق السوري السعودي سيكون من جملته إخراج الحكومة اللبنانية إلى العلن، ولكن بصيغة تخسر المعارضة مشاركتها الفعالة مقابل التفاهم السوري السعودي ولكن هذا المسار لم يبصر النور. على هذا الأساس أعتبر بأن الأمر الآن عند النائب سعد الحريري فلديه كل المعطيات وهو يستطيع أن يخطو الخطوات المناسبة واللازمة.

- هل تمَّ الدخول في صيّغ الأسماء والعناوين؟

طبعاً، تمَّ الحديث عن كيفية المشاركة الفاعلة والصيّغ المحتملة لها كأفكار طُرحت في الجلسات، وهي عند النائب الحريري وملك له وهو يستطيع أن يفصح عمَّا يريد، ولكن لم يتم النقاش لا بالحقائب ولا بالأسماء، لأننا اعتبرنا أن الحقائب والأسماء مرحلة تلي إنجاز صيغة المشاركة، وبالتالي ما لم تنجز صيغة المشاركة لا معنى للحديث عن الحقائب والأسماء.

- كيف تتوقعون صيغة البيان الوزاري في الحكومة الجديدة؟

عندما يحصل اتفاق على حكومة الوحدة الوطنية أسهل شيء عندها هو البيان الوزاري، وليس لدينا أي قلق في أي نقطة من نقاط في هذا البيان، وفي كل جلساتنا لم نتطرق إلى البيان الوزاري ولم نناقش أفكار في البيان الوزاري لأننا اعتبرنا أن خطوة الاتفاق على كيفية المشاركة وإنجاز حكومة الوحدة الوطنية أسقطت كل الإشكالات ، وتصبح الأمور كتفاصيل تنساب إنسياباً.

- البعض يحاول أن يتهمك بأنك أنت من الذين تعرقلون في المعارضة من خلال محاولة فرض الثلث الضامن أو المعطل؟

نحن لا نفرض شيئاً على أحد، ولم نتحدث عبر الإعلام عن ما نريد، وقلنا للرئيس المكلف وجهة نظرنا التي تؤدي إلى المشاركة، المشاركة والمعقولة والمنطقية والتي تبقي قدرة التأثير في كثير من القضايا لمصلحة طرف الموالاة، في النهاية الرئيس المكلف هو الذي يستطيع أن يختار، إذا أراد حكومة وحدة وطنية ومشاركة الجميع فلهذا مسار، وإذا لم يرد أن يتشارك مع الجميع فلهذا مسار آخر، في رأينا أنه يريد المسار الأول ، فالمسار الأول له خطواته، فالمسألة ليست مرتبطة بنا إنما هي مرتبطة بمن يختار المسار وعليه أن يخطو خطواته الطبيعية. نحن كمعارضة كنا مسهلين تماماً للحكومة، وراجع ماذا حصل بعد الانتخابات النيابية مباشرة أعلنا الموافقة على نتائج الانتخابات النيابية، وقلنا أن أي إشكال يمكن أن يُتابع بالطرق القانونية بصرف النظر إذا كنا سنصل إلى نتيجة أم لا، وأدَّينا مرونة للمشاركة في حكومة وحدة وطنية من دون شروط مسبقة، وانفتحنا على كل الأجواء السياسية حتى في المقلب الآخر، وكان اللقاء الشهير الذي حصل بين سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله والأستاذ وليد جنبلاط، ودعمناها بحركة بين الضاحية والجبل، هذه كلها خطوات تُضاف إلى التهدئة السياسية والإعلامية في خطابنا، وبانتظار ما سيقرره الرئيس المكلف الحريري أعتقد أن ما فعلناه هو التسهيل، بل في خطاب سماحة السيد الأخير اعتبر أن المهلة يجب أن تكون بيد الرئيس المكلف لينضّج الخيارات فلا نريد أن نضغطه ولا نريد أن نطلب منه وقت محدد نحشره فيه، ليستكمل مباحثاته ومشاوراته.

- أين أصبح مسارات المصالحة اليوم بينكم وبين تيار المستقبل؟

اللقاء الذي حصل بين سماحة الأمين العام والنائب الحريري منذ فترة من الزمن بعد اتفاق الدوحة، طوى صفحة التوتر بين حزب الله وتيار المستقبل، وبعد هذا اللقاء حصلت لقاءات عدة بين المعاون السياسي للحزب الحاج حسين الخليل والرئيس الحريري، وجرى التداول بعدد من القضايا وحلحلة عدد آخر، إلى أن جاءت الانتخابات النيابية وللأسف كان فيها خطاب تجاوز الحدود، والبعض اعتبر أن مقتضيات الانتخابات تتطلب هذا النوع من التوتر، ولكن الآن تجاوزنا الانتخابات وأصبحنا أمام وضع جديد، نحن حاضرون للمزيد من تحسين وتطوير العلاقة مع تيار المستقبل، ونعتبر أن خطوة الحكومة إذا أُنجزت في إطار حكومة وحدة وطنية ستساعد في التفتيش عن صيّغ لاحقة بعد الحكومة إذا وافق الطرف الآخر يعني النائب الحريري لمزيد من اللقاءات والاجتماعات على مستوى قيادي وعلى مستوى شعبي ومستوى علمائي من أجل أن نُوجِد حالة من التفاعل على مستوى الأرض، فلا تبقى اللقاءات محصورة على مستوى القيادي الأول أو الثاني. نحن مستعدون لهذا الأمر بل حريصون على علاقة سنية شيعية جيدة، والكل يعلم بأننا من المحاربين الأوائل والمتقدمين لأي فتنة سنية شيعية، وبالتالي أتوقع خيراً في الفترة القادمة لمعالجة ذيول التشنجات التي حصلت إما بسبب الانتخابات وإمَّا بسبب بعض التعبئة الخاطئة، والتشويه الإعلامي والسياسي.

- هل نحن أمام جبهة سياسية جديدة بعد أمل وحزب الله والمستقبل والاشتراكي؟

لا يوجد بالنسبة لنا جبهة سياسية جديدة، ولسنا في واردها ولا نريدها ، ولا عودة إلى التحالف الرباعي، فقد ولى زمانه وأصبحنا أمام تطورات جديدة وتحالفات جديدة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، وبالتالي إذا كان المقصود تعديل بعض الاصطفافات السياسية التي تجمع بين المعارضة وقسم من الموالاة فهذا أمر له قابلية، لأننا نكون هنا في إطار المسار السياسي، أمَّ أن يكون هناك انفكاك لعقد المعارضة وبناء تحالفات مع بعض الموالاة فهذا غير وارد بالنسبة لنا ولا أعتقد أنه وارد عند الطرف الآخر. وما نراه اليوم من بعض الاصطفافات السياسية الجديدة نوعاً ما عند بعض من كانت له مواقف سابقة مغايرة فلهذا الأمر له علاقة بالتطورات المحلية والإقليمية ورؤيتهم لمصلحة لبنان، فتعديل بعض المواقع السياسية لمواقفها لا يعني أن كل الأطراف السياسية في البلد معارضة وموالاة ستعدِّل كل المواقف السياسية، لأنه لا بدَّ من أن يكون هناك مواقف صحيحة وأخرى خاطئة، وطبيعي أن نتفق على أمور ونختلف على أمور أخرى، على هذا الأساس لسنا في وارد جبهة جديدة وإنْ كنا مع كل أشكال المصالحات التي يمكن أن تحصل بين الموالاة والمعارضة، بين أطراف من الموالاة وأطراف من المعارضة، فهذه المصالحات تساعد في إنجاز المشاركة وأن نقوم بلبنان وننهض به معاً وليس تحالفات جديدة.

- نلاحظ الوفود الأوروبية والأمريكية التي تزور لبنان أن هناك تركيز على عملية السلام، هل نحن فعلاً أمام احتمال السير بهذا الاتجاه إلى السلام، أم أن هذا الأمر متعسر في ظل الواقع الحالي؟

عملية التسوية المطروحة بكثافة وترويج في هذه المرحلة هي عملية وهمية وخطرة، ولا قابلية لها للحياة، لأن المطروح أن تختصر القضية الفلسطينية لتتحول إلى تجميد مستوطنة ولمدة ثلاثة أشهر، وأن يعطي العرب كل ما لديهم من أوراق قوة وعلى رأسها التطبيع مع إسرائيل، إذاً أين ستصبح القضية الفلسطينية؟ وماذا سنفعل بهذا الوضع القائم في غزة وفي الضفة الغربية وفي القدس؟ وما هي الحلول لقضية اللاجئين؟ وما هو الموقف من الجدار العنصري الفاصل؟ كلها أسئلة لا تجد لها أجوبة فيما يُطرح، العرب حصلوا من "اوباما" على بضع آيات قرآنية مع كلمات معسولة لا تكلف إلاَّ ساعات من الإعداد والطباعة والإلقاء، ولكن لم يقدم اوباما شيئاً، بل بالعكس هو الآن يتابع خطوات بوش تماماً، ولكن بلسان طري بدل القسوة وإبراز المظهر اللئيم وهذا لا يغير من الحقيقة شيئاً، إذ نحن لسنا أمام تسوية بل إن نتنياهو لا يقبل حتى بتجميد المستوطنات، ولا يقبل بأدنى شيء، وأكبر خطر اليوم هو أن يبادر بعض العرب لتقديم بعض الأمور تحت عنوان حُسن النية، هذا خطأ كبير وهذه محاصرة للقضية الفلسطينية، وهذا تخلٍّ عن أوراق قوة بلا ثمن، على الأقل انتظروا لنرى ما الذي ستقدمه إسرائيل! وما الذي ستقبل بأن ترفع يدها عنه! من هنا أعتبر أن خصوصية الوضع الفلسطيني وتعقيداته ووجود نتنياهو في الحكم، وعدم جدية الإدارة الأمريكية في طروحات معقولة ومنطقية كلها ستؤدي إلى فشل هذه الحركة في إطار التسوية.