مقابلات

المقابلة التي أجرتها معه صحيفة المرفأ الصادرة في قم في 26/1/2008

عاشوراء ليست حدثاً مذهبياً

- عاشوراء ليست حدثاً مذهبياً

هل الحسين (ع) حكرٌ على المذهب الشيعي وحده؟ وهل كانت الثورة الحسينيّة ذات أهدافٍ مذهبيّةٍ وطائفيّة؟!ولماذا يعتبر البعض أنّ جملةً من الشعارات في قاموس ثورته (ع) تُشعر "الفريق الآخر" (وعذراً إن استخدمنا هنا هذه المصطلحات) تُشعرهُ ببعض التوجس والخوف .. كشعار: "يا لثارات الحسين" وأمثاله؟

عندما حصلت ثورة الإمام الحسين (ع) كان واضحاً أن هناك موقفاً دينياً وسياسياً لسيد شباب أهل الجنة في مقابل الحاكم الظالم المستبد.

لم تكن هذه الثورة ثورة الشيعة ضد السنة، ولم تكن تصرفات يزيدْ موقف السنة ضد الشيعة، لأنه لم يكن هذا التقسيم موجوداً بهذه الصيغة. والكل يعلم أن قسم من أنصار ابن زياد الذين قاتلوا في الكوفة ضد الإمام الحسين (ع) كانوا من أنصار الإمام علي (ع)، ولكنهم خذلوا الإمام الحسين (ع).

فالموضوع لم يأخذ طابع السنة والشيعة نهائياً عندما حصلت الثورة وكان الإمام الحسين واضحاً: (إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي). لم يخرج لطلب الإصلاح في مذهب أو في جماعة أو في حدود مُعيّنة. هو كان يتحرك باسم الأمة لأنه إمام الأمة وقائد الأمة، في مقابل الخليفة الذي تسلط بالوراثة على الدولة الإسلامية، وهذا ليس حقاً له.

بعد شهادة الإمام الحسين بفترة من الزمن دخلت المذهبية على الواقع الإسلامي. ويرى البعض أن لمائة سنة -تقريباً- بعد ثورة الإمام الحسين (ع) لم يكن الحديث يأخذ منحى السنة والشيعة. وقد بدأت الخلافات المذهبية تطفو على السطح بعد ذلك، واعتبر البعض أن المسألة مسألة شيعية مقابل الحاكم الظالم السني، وهنا أخذت هذا البعد. لكن في الواقع هذا التوجيه سياسي وليس توجيهاً دينياً، وهذه عصبية مذهبية لا مبرر لها.

- الحسين (ع) إمام للشيعة وللسنة

الحسين سيد شباب أهل الجنة عند الشيعة وسيد شباب أهل الجنة عند السنة. وبالتالي هو ابن بنت رسول الله عند الشيعة وابن بنت رسول الله عند السنة. لا يوجد فرق في النظرة إليه من هذه الناحية، إذاً لماذا نوزّع هذا التوزيع؟!

ما أراه هو أنه توزيع سياسي أرادته السلطات الحاكمة من أجل أن توجد عصبية ضد اتجاه أهل البيت (عليهم السلام).

وهنا أقول لجميع المسلمين أن الإمام الحسين (ع) لكم جميعاً، وليس للشيعة وحدهم. بل نحن نقول إنّه لا يصح أن لا تُحيى ذكرى الإمام الحسين (ع) عند المذاهب الإسلامية المختلفة. فهو لهم جميعاً. وأن يهتم الشيعة بالمناسبة عبر التاريخ أكثر من غيرهم لا يبرر للآخرين أن لا يهتموا الآن، وقد حصل التقصير الذي حصل منهم في السابق. وعلى كل حال فإن لكل إنسان الوزر الذي يحمله ولا يمكن أن نحمل أوزار من عاشوا في الماضي لأبناء الحاضر إلا إذا رضوا بما فعله الطاغية. وعلى من يعيشون في هذا العصر أن يراجعوا حساباتهم ليلتحقوا بركب الإمام الحسين (ع)، ويدافعوا عن نهضته، عليهم أن يقرؤوها وأن يستفيدوا من بركاتها.

من هنا فإننا عندما نأخذ شعارات الثورة الحسينية بروحية أنها شيعية مقابل السنة؛ ستتولد هذه الحساسية. أما عندما نفهم: شعار مثل" يا لثارات الإمام الحسين (ع)" على أنها ثارات من الظلمة، والظلمة قد يكونون من أي مذهب كان، وقد يكونون من المنتسبين لأية رسالة سماوية، وقد يكونون من أي جماعة كانت.

المسألة ليست موجهة ضد السنة لأن من هم موجودون اليوم لا يتحملون مسؤولية ما حصل في التاريخ، لا من السنة ولا من الشيعة. وأعتقد أننا بحاجة إلى مزيد من التوعية ومزيد من توضيح الصورة. وعلى الذين يتوجسون في تحمل هذه الشعارات أن يناقشوا وأن يحاوروا، وعلينا نحن أن نوضح لهم وان نبين الحقائق حتى لا يفهموا أنها موجهة ضدهم، لأنها في الواقع ليست كذلك، في النهاية يزيد أصبح من التاريخ؛ والنقاش اليوم هو حول نهج يزيد.. هل هؤلاء يؤيدون نهج يزيد! بالتأكيد هم لا يؤيدونه. إذاً هم غير معنيين.

مسؤوليتنا في إيجاد التواصل

ألا نتحمّل نحنُ أيضاً شيئاً من مسؤوليّة إيجادِ هذا النوع من التواصل والتوضيح باعتبارنا نحمل لواء هذا الفكر الثوري.. وما الذي قدمتموه أنتم بين يدي هذه الحالة؟

في الواقع نعم، علينا نحن مسؤولية أن نفتش عن الأساليب التي تدخلنا إلى الآخرين وتعرفهم على الإمام الحسين (ع). وقمنا بتجربة في لبنان جيدة، حيث أدخلنا في بعض المجالس العاشورائية كلمات لبعض علماء السنة، ودعونا بعض السنة لحضور المجالس الشيعية، وحاولنا أيضاً أن نجري حوارات يكون فيها عالم سني وعالم شيعي عبر التلفاز والإذاعة ليبين كل منهم وجهة نظره. وكنا نجد دائماً في مثل هذه اللقاءات التأكيد من قبل كل الأطراف على أن الحسين (ع) ليس شأناً خاصاً بالشيعة، الحسين هو لكل المسلمين.

-المنبر الحسيني بين الواقع والطموح

مما يبعث الحزن في النفس واقع المنبر الحسيني في هذه الأيّام، منبر الثورة الذي انقلب لدى الكثير من أرباب النعي والرثاء منبراًً لاستدرار الدمعة مهما كانت الطريقة، وسؤالنا هو: هل أصبح البكاء على الحسين هو الغاية من الذكرى بعد أن كان إحياء الفكر الثوري والحميّة الدينيّة هي الهدف الذي دفع الحسين في سبيله كل ذاك الثمن؟

أمّا الشق الثاني من السؤال فهو عن نصيحتكم وكلمتكم لخطباء وشعراء المنبر الحسيني الذين جنح الكثير منهم إلى أسلوب الأسطورة وحتى الخرافة للوصول إلى الدمعة، وتركوا الفكر الحسينيّ بأغلبه جانباًً..

فلنتفق على بعض القواعد الأساسية، فهذا يريحنا في النظرة إلى المنبر الحسيني.

النقطة الأولى: المنبر الحسيني يجب أن يركز على كل أبعاد شخصية وثورة الإمام الحسين (ع) وليس على بُعد واحد. أي يجب أن نهتم بالبكاء والعاطفة كما نهتم بالفكر والثقافة، وأن نهتم بالموقف السياسي كما نهتم بالعلاقات والدعوة إلى الله تعالى، فالمنبر الحسيني ليس مُخصصاً لنمط واحد، لأن شخصية الحسين (ع) متعددة الأبعاد، وتشتمل على كل الأبعاد الإسلامية. فلا يصح أن نأخذها من بُعد واحد ونهمل الأبعاد الأخرى.

النقطة الثانية: البكاء نقطة محورية ومركزية لأنها تصعد من حالة العاطفة. وبإمكاننا أن نسرد ما هو موثق تاريخياً مما حصل مع الإمام الحسين (ع) من دون إضافة أو تشويه أو قصص غير صحيحة، وهذا وحده كاف لأن يجر الدمعة.

فهل يعقل مثلاً أن يُذكر ذبح الرضيع من دون بكاء؟!

وهل يمكن أن نذكر ما جرى مع السبايا من دون بكاء؟!

وهل يمكن أن نتصور كيف قطعت أيدي العباس من دون بكاء؟!

وهل يمكن أن نتصور كيف واجه سبط رسول الله الأعداءَ وحيداً، ثم قُطع رأسه بعد ذلك وداسته سنابك الخيل من دون بكاء؟!

أنا أعتقد أننا لو سردنا القصة كما هي من دون إضافات ومن دون حشو ومن دون أشياء غريبة ليس لها علاقة بالسيرة لكانت مأساةً كبرى.. علينا أن نتقبل هذا المعنى، فهو أفضل للثورة الحسينية.

النقطة الثالثة: من المفروض أن نستثمر لقاءات عاشوراء والمنبر الحسيني لتعليم الناس وتوجيههم وتثقيفهم، ولتوضيح الحقيقة لهم، لا أن نُضيّعهم في النواح فقط، من دون هذا الأثر التعبوي والتربوي الذي يجب أن يعيشه أبناء الثورة الحسينية، لأننا نريد من هؤلاء أن يحملوا منهج الإمام الحسين (ع).

أنا أعتقد أننا بحاجة إلى بعض التوجيه والتشديد لما يحصل على المنبر الحسيني، فإن ما علق به من أساطير وخرافات ومحاولات إبعاد له عن حقيقته كثير جداً، لكن ولله الحمد بقي الهيكل العام للربط بالإمام الحسين (ع) موجوداً. كما أن علينا أن نُحَسن من المضمون بما ينسجم مع الحقائق التاريخية، بعيداً عن التشويش والإضافات غير الصحيحة.

نحن بحاجة إلى بعض المؤتمرات واللقاءات وكذلك الرعاية من مسؤولين مؤثرين، سواء على مستوى الدولة الإسلامية في إيران أو المرجعية بشكل عام من أجل وضع القواعد وضبط بعض الأخطاء التي تسبب الكثير من المشاكل والعقد. وقد قمنا نحن في حزب الله بمحاولة في كتابة سيرة منقحة بنسبة ما، ووزعناها على خطباء المنبر الحسيني في لبنان. كذلك قمنا بعقد عدة مؤتمرات في هذا الاتجاه وحاضر فيها علماء كبار ومتخصصين. بالإضافة إلى أننا نعقد جلسات توجيهية بين الحين والآخر قبل مجيء عاشوراء لإعطاء بعض التوجيهات حول كيفية تقديم الأفكار والأطروحات بما ينسجم مع مضمون السيرة الحقيقي، وبما يواكب حركة العصر.

هذه خطوات قمنا بها وقد أعطت نوعاً من التحسين في كيفية الأداء. المطلوب أن نعمم الأمور أكثر على مستوى كل العالم الإسلامي، وبإمكاننا ذلك، وهذه المهمة تقع على رموز المنبر الحسيني بشكل أساسي، لأنهم يمتلكون الذخيرة الكبيرة ويستطيعون القيام بخطوات إيجابية في هذا الاتجاه، سواء بمؤلفات يكتبونها أو بتوجيهات يعطونها أو بتدريب عبر معاهد لتخريج علماء المنبر الحسيني. كل هذه الأمور وغيرها قابلة أن تعطينا النتائج الأفضل إن شاء الله.

- لبنان وواقعها السياسي

في أيّامنا هذه لا نستطيع أن نُغفل الواقع السياسي المُعاش في مجتمعاتنا.. ومن منطلق الهمّ الذي نعيشه معكم على الساحة اللبنانيّة .. هل يمكن أن تُحدّثونا حول الخيارات التي قد تنتهجها المعارضة في حلّ هذه العقدة التي تواجـــهها في الداخل اللبناني بعد أن نجحـــت في حلّ الكثير من العقد الخارجيّة؟

المشكلة في لبنان أصبحت معروفة، هناك فئة سياسية لها أغلبية نيابية تتحكم بالسلطة، وفئة سياسية أخرى تشكل المعارضة لا تقبل بهذا التفرد الموجود عند قوى السلطة. خاصة أن هذه الفئة المعارضة تمثل 45% من النواب في المجلس النيابي، أما على المستوى الشعبي تمثل حوالي ثلثي الشعب اللبناني. لكن قانون الانتخابات له طريقة معينة، أوجد هذه النتيجة لمصلحة قوى السلطة بأن أعطتهم 55% من عدد النواب.

نحن نحاول منذ أكثر من سنة وخاصة بعد العدوان الإسرائيلي في تموز عام 2006م أن نوجد صيغة تعاون بيننا وبين قوى السلطة لتنهض هذه الحكومة برعاية كل القوى الموجودة، لأن لبنان يحتاج لكل الأيدي مع بعضها البعض، لكنهم وللأسف لم يتجاوبوا. وخرج الوزراء الشيعة من الحكومة، وهم تابعوا مسارهم من دون أن يعالجوا هذا الخلل. وجئنا إلى رئاسة الجمهورية ولم يقبلوا أن يعقدوا اتفاقاً من أجل الخروج بمظهر موحد يؤدي إلى حكومة وحدة وطنية.

نحن نعتبر أن المسؤولية الكبرى في هذا المجال تقع على أمريكا التي تعطل كل الحلول والتي تريد أن تعوض الخسارة العسكرية لإسرائيل بكسب سياسي من خلال هيمنتها وتأثيرها على جماعة السلطة. لكن هذا الأمر لن يقدم للبلد خطوات إيجابية إلى الإمام.

وبكل أسف أقول لبنان اليوم سيبقى في هذا الوضع لفترة من الزمن إلى أن يقتنع الطرف الآخر بأنه لا يستطيع أن يحكم وحده لأنه بالفعل لن يتمكن من حكم لبنان. نأمل بأن يستيقظوا قبل فوات الأوان!

هل لكم أن تعالجوا خوف الكثيرين على هذه التجربة الناجحة التي تفرّدت بها المقاومة الإسلاميّة اللبنانيّة، من خلال كل ما قدمته سياسياً، عسكرياً وثقافياً؟

أنا أُطمئنهم لا خوف على المقاومة إن شاء الله تعالى. فالمقاومة التي صمدت بوجه إسرائيل لن يثنيها أي شيء عن استمراريتها وثباتها وقدرتها إن شاء الله تعالى. وهذه العقبات الموجودة هي عقبات ثانوية إذا ما قيست أمام الهجمة الشرسة التي خاضتها إسرائيل وأرادت أن تلغي دور المقاومة. المقاومة إن شاء الله بخير ونحن مطمئنين إلى مستقبلها، وستفرج بعض الأمور التي تشكل عقبات بالوضع الراهن.