مقابلات

المقابلة التي أجرتها معه صحيفة الأخبار حول ملف الرئاسة في لبنان في 4/6/2007

الفراغ الدستوري نراه قادماً بقوة

خلافاً لناخبي الاستحقاق، ليس حزب الله إبن «لبنان القديم»: ليس كوليد جنبلاط طالعاً من زعامة، وأمين الجميل والقوات اللبنانية من جذور حزب، ونبيه بري من عباءة حركة إمام، وسعد الحريري من سنية تقليدية فقدت زعماءها وأوسعهم نفوذاً والده. ليس كحزب الله، من طبعت ولادته، حقاً أو ظلماً، دولة غير لبنان وأصولية مدمّرة. بين أقرانه: ورث جنبلاط عالمية أبيه. والحريري الإبن ورث الحريري الأب ثالث زعيم سني لبناني عربي بعد رياض الصلح وصائب سلام. والجميل وسمير جعجع يستعيدان سمعة حزب مسيحي حالف وعادى، وبري خارجاً من شيعية الستينات والسبعينات التي استفزها البيك. إثنان مختلفان، حليفان الآن: هو إبن عقيدة، وميشال عون إبن بزّة .

حزب الله: نصاب الجمهورية لا نصاب الجلسة

مذ خرجت سوريا من لبنان، بالطريقة التي دخلت إليه قبل ثلاثة عقود، وكان نصف اللبنانيين حينذاك مع دخولها ونصفهم ضده، بات على حزب الله أن يضطلع بدور مختلف، هو الإلتفات إلى الداخل. لم يشأ تعويض دور سوريا، بل موازنة الفراغ الطارىء في اللعبة الداخلية بعدما أحدثته المغادرة المهينة للجيش السوري واستخباراته العسكرية من الأراضي اللبنانية في 26 نيسان 2006. نجحت قوى 14 آذار في الإمساك بالشارع العريض الذي كان لسنوات تتقاذفه التناقضات والصراعات الداخلية والعداوات قبل أن يوحّده اغتيال رفيق الحريري، وراحت تقود تياراً جامحاً وجارفاً إلى استعادة السلطة من دمشق وحلفائها. قبل تجمّع 14 آذار في ساحة الشهداء بستة أيام، كان تجمّع 8 آذار في ساحة رياض الصلح من أجل أن يؤكد حزب الله استمرار تحالفه مع دمشق، وهو يبصر على بعد مئات أمتار لافتات إدانة لسوريا بقتل الرئيس السابق للحكومة. في واقع الحال أظهرت الأحداث التالية حتى الأمس دقة هذا الرهان وجديته.

شأنه، شأن كل الأفرقاء اللبنانيين، اصطدم الحزب بسوريا سياسياً وعسكرياً. بعيد عودة الجيش السوري إلى بيروت في شباط 1987 وقعت «مجزرة» ثكنة فتح الله في البسطة بين الطرفين وقُتِلَ فيها 22 من الحزب. كان المقصود فاتحة علاقة تجعل مرجعية الحزب في دمشق، لا في طهران فقط. ولا تعبر طهران إلى بيروت إلا من بوابة دمشق. ولا تعبر الخيارات والسياسات والتفاصيل والتسليح والتدريب إلا بها أيضاً. ولا تتناقض خصوصاً خيارات سوريا في لبنان مع أهداف إيران من رعاية التنظيم الذي قيل آنذاك إنه أصولي متشدّد، عدو لكل الغرب، وطامح إلى بناء جمهورية إسلامية في لبنان. قبله ضربت سوريا كمال جنبلاط والحركة الوطنية، وتحالفت بعد اغتياله مع وارثه نجله وليد. وتحالفت مع الجبهة اللبنانية، ثم اصطدمت بها في ما بعد. حالفت نبيه بري وأغرقته وكالة عنها في حرب المخيمات قبل أن يعود جيشها إلى بيروت، ووضعته في واجهة حسم عسكري ضد أمين الجميل وحلفائه عامي 1983 و1984، قبل أن تحمله على أن يصبح وجنبلاط وزيرين في حكومة العودة إلى الحضن السوري.

ولأن حزب الله يفصل بين حقبتي صبحي الطفيلي وعباس الموسوي، فإن مراحل حقبة حسن نصرالله صنعت له المحطات الأهم في تحوّلاته: دخول مجلس النواب عام 1992، إحجامه عن منح الثقة للحكومات المتعاقبة في السنوات التالية، انتزاعه شرعية دولية لمقاومة وثّقها تفاهم نيسان عام 1996، تحرير الجنوب عام 2000، احتفاظه بسلاحه حتى دخوله الحكومة عام 2005. كانت تلك خيارات إقامة توازن بدا حتمياً بين أن يستمر في المقاومة، وفي الوقت نفسه أن يكون خارج الدولة اللبنانية لا خارج خياراتها وقراراتها. لذا دافع بنجاح عن وجهة نظره بأنه لم يكن، بالممارسة والمناصب وتقاسم الحصص، في صلب تركيبة سياسية أوجدتها دمشق في لبنان ثلاثة عقود. ولأنه مقاومة تحتفظ بأسرار تسلحها ومرجعية تمويلها ومصادر معلوماتها وتدريبها واختيار مواقع رجالها وتحديد أهدافها ومواعيدها وتقدير هجماتها، اختار أن يكون أقرب إلى تركيبة أمنية: علاقة وطيدة بقائد الجيش إميل لحود ورجله القوي في الجيش واستخباراته العسكرية جميل السيد. ثمناً لذلك أضحى الحزب على خلاف مع الياس الهراوي ورجال عهده، وشاب علاقته بالحريري وحكوماته المتتالية توتر ظاهر. ولم يكن الأمر أقل بكثير مع بري في تقاسم النفوذ السياسي والعسكري على أرض الجنوب. ذلك ما شهده تحالف فرضه الرئيس السوري على بري ونصرالله في انتخابات 1996، وكان كل منهما يعتزم خوض الإنتخابات ضد الآخر.

وبسبب بقائه على هامش حكم الهراوي، قبل أن يعارض التمديد له في حوار مغلق مع دمشق، اصطدم به الحزب في 13 أيلول 1993 عند جسر المطار وسقط له 11 قتيلاً. قيل إنها مسؤولية الجيش الذي أطلق النار على متظاهرين، ثم أضحت المسؤولية سياسية على الحكم برمته. قبل شهرين من ذلك اكتشف حزب الله علاقة كانت مبهمة بقائد الجيش إبان الهجوم الإسرائيلي على لبنان في تموز في عملية «تصفية الحساب». راقت أفكار لحود لحزب عقائدي غامض وحذر حيال الطبقة السياسية المحوطة به، والأحرى أن يكون كذلك حيال المؤسسة العسكرية التي تأتمر بالطبقة تلك. بدا له أن صمام الأمان الأكثر مدعاة للإطمئنان هو مرجعية دمشق للطرفين على السواء. واكتشف أن مؤسسة الجيش، في ظل سوريا، موازية في دورها للسلطة السياسية لا جزءاً منها. فاختار التحالف مع الأولى.

للمرة الأولى يخرج قائد للجيش بأفكار سياسية عن «عقيدة» المؤسسة العسكرية غالباً ما تطبع الأنظمة العقائدية التي يكون الجيش فيها صورة طبق الأصل عن الحزب الحاكم. أو العكس، عندما يستولي العسكريون على السلطة، شأن ما عرفه لعقود الجوار العربي للبنان، كسوريا والعراق ومصر. لم تكن هذه حال الجيش اللبناني الموصوف حتى ذلك الحين بالإنضباط والإبتعاد عن السياسة والتأثر بالأحزاب ومعاقبة تغلغلها في صفوفه. ولم يكن الجيش ما أضفاه عليه لحود، وهو أن يتصرّف على أنه توأم جيش آخر، وتحديداً الجيش السوري. دعم لحود المقاومة وقدّم لها تسهيلات العبور إلى مواقع هجماتها على إسرائيل، ونسّق معها وأنشأ فريقاً خاصاً ضيّقاً وسرّياً أمسك بملف العلاقة مع الحزب سياسياً وأمنياً وعسكرياً. تبادلاً كمّاً هائلاً من المعلومات والتنسيق. نأى كل من حزب الله والجيش بنفسه عن علاقة مباشرة بالسلطة السياسية اللبنانية، وبالمرجعية السورية للسلطة تلك، وكان عبدالحليم خدام، واختارا العلاقة بالمرجعية الأمنية السورية: حزب الله من أجل سرية نشاطات مقاومته، ولحود بغية إحكام دمشق قبضتها على الأمن والإستقرار الداخلي. وعلى مرّ سنوات تزايدت ثقة حزب الله بقائد الجيش، يؤيد المقاومة ويرفض التوطين وينتظر التسوية الإقليمية. وبعد تحرير الجنوب عام 2000، زار نصرالله قصر بعبدا للمرة الأولى منذ عام 1992، واستقبله حليفه رئيس الجمهورية عند البهو الواسع بعناق وحفاوة. تطوّرت مواقف لحود رئيساً: استمرار الإحتفاظ بسلاح المقاومة، «الخط الأزرق»، تحرير مزارع شبعا، مياه الوزاني، تحرير الأسرى اللبنانيين من السجون الإسرائيلية، توازن الردع، تلازم المسار والمصير، الصراع العربي ـــــــ الإسرائيلي، انتهاء ببقاء الجيش السوري في لبنان.

على مرّ الحقبة السورية، لم يكن حزب الله مرة ناخباً، ولا سئل - هو وسائر الزعماء اللبنانيين - رأيه في الإستحقاق الرئاسي: تسمية الهراوي والتمديد له، ولحود والتمديد له، خيار سوري أولاً وأخيراً. كان خارج خيارات مصيرية كثيرة رغم موقعه، وإن الغامض والسري، في المعادلة وعلى خطوط التماس وفي الصدامات العسكرية وفي مواجهة ديبلوماسيين ورعايا أجانب. لم يُسأل عنه قبل اتفاق الطائف ولا بعده، ولا في انتخاب رينه معوض، ولا في الحكومات الثلاث الأولى لمرحلة ما بعد اتفاق الطائف. في استحقاق 2004 كان حزب الله أكثر المتحمسين للتمديد للحود. متبنياً الموقف السوري، إذ وجد الخيار ضرورياً على أهبة صدور القرار 1559 الذي استهدف سلاحه ووجود الجيش السوري في لبنان. كلاهما في حاجة إلى الآخر: إستمرار المقاومة يتطلّب غطاء سياسياً لبنانياً يستظل وجود سوريا عسكرياً وأمنياً. ومن دون مقاومة الحزب وتهديده بسلاحه (مزارع شبعا والمضادات الجوية) تنعدم الحاجة إلى سوريا، وهذه إلى التسوية الإقليمية وبقاء جيشها في لبنان، وحماية أمن الحدود الشمالية لإسرائيل. والعكس صحيح.

هي إذن المعادلة الصعبة والمتوجسة التي لا تحتمل مجازفة. بعد انسحاب سوريا من لبنان أضحى سلاح حزب الله في دائرة الجدل. وبسبب حساسية التجاذب بين دوري الحليفين، سوريا وحزب الله، ومصالحهما المشتركة، كان على رئيس الجمهورية أن يلقى عليهما معاً شادراً سياسياً لبنانياً.

بعد 26 نيسان 2006، أضحى على الحزب أن يضطلع بأكثر من دور في وقت واحد: أن يحمي بقاء رئيس الجمهورية في منصبه، ويتشبّث بسلاحه من غير أن يستخدمه بالضرورة، ويدخل الحكم بفاعلية أكثر لئلا يستأثر به الفريق الآخر المنتصر على سوريا، وأن يراهن على تحالف رباعي مع جنبلاط وينبذ اتفاقاً مع ميشال عون. بعد أشهر على انتخابات 2005 التي أعطت قوى 14 آذار 10 نواب في بعبدا بأصوات ناخبي حزب الله، سأل سليمان فرنجيه نصرالله عن دوافع تحالف رباعي انقلب شركاؤه فيه عليه. كان الجواب: «كان عليّ أن اختار بين إثنين. أحدهما هو وليد جنبلاط قال إنه سيحمي المقاومة وكنت أعرف أنه يكذب، والآخر ميشال عون قال إنه مع القرار 1559 لتجريد الحزب من سلاحه، وكنت أعرف أنه صادق. ووجدت أن التحالف مع كاذب أملاً في أن أستطيع يوماً إبقاءه على موقفه، أفضل من التحالف مع صادق لن أقوى على تغيير موقفه».

بعد الإنتخابات التي خسرت فيها لائحته، قال العماد إن حزب الله ربح تكتيكياً وخسر استراتيجياً.

متأخراً تأكد حزب الله من سوء الرهان، وظل يدافع عن مبررات أضحت عقيمة: حماية سلاح المقاومة. في 6 شباط 2006 كرّس نصرالله وعون «ورقة التفاهم».

في صلب التحالف الرباعي، إلى انتخابات بعبدا، كانت بنود الإتفاق كثيرة: تقاسم الحكم والمناصب، بري رئيساً للمجلس، فؤاد السنيورة رئيساً للحكومة، مشاركة الحزب في الحكومة للمرة الأولى في تاريخه مسجّلاً بذلك سابقة منذ عام 1992 هي التصويت لحكومة ضمّت في صفوفها وزيراً حزبياً هو محمد فنيش وآخر حليفاً هو طراد حمادة. إحدى مفارقات التحالف الرباعي، مع تحفظ السفيرين الأميركي جيفري فيلتمان والفرنسي برنار إيمييه عن انتخاب بري لرئاسة المجلس الجديد، اقترح سعد الحريري على نصرالله مرشحاً شيعياً يسميه سوى بري، مؤيداً أحد اثنين: فنيش أو محمد رعد. ردّ نصرالله أنهما حزبيان. عقّب الحريري أن في وسع الحزب أن يحرّر مَن يُتفق على ترشيحه من مسؤولياته الحزبية وينتخب رئيساً للمجلس بغالبية كبيرة. انتهى الحوار بأن رفض نصرالله الإقتراح، متمسكاً ببري مرشح الطائفة الشيعية لمنصبها. وصلت الرواية إلى رئيس المجلس، فحفظها في قرارة نفسه.

ناخباً للمرة الأولى، وممسكاً بنصاب الجمهورية لا نصاب الجلسة فحسب.

قاسم: الفراغ الدستوري نراه قادماً بقوة

• كيف سيقارب حزب الله انتخابات الرئاسة؟

ـــــ اذا أردنا ان نضع قاعدة سليمة نقارب من خلالها مسألة الرئاسة كما هي المسائل الحساسة الاخرى في هذا البلد، فلا بد من ان تكون لنا مرجعية مشتركة نستطيع من خلالها الاحتكام اليها كي لا تكون متابعة الرئاسة فئوية او سياسية او ظرفية. وهذا يعني ان نعود في النهاية الى الدستور اللبناني لنرى كيف يتم انتخاب الرئيس ونعتمد على الدستور كقاعدة نحتكم اليها لنصل الى الاختيار الصحيح بصرف النظر عن نتيجة هذا الاختيار ومن يربح ويخسر منه، وبما ان الدستور اللبناني ينص على انتخاب الرئيس في جلسة يكتمل نصابها بثلثي الاعضاء، وقد اكدت التجارب السابقة منذ سنة 1926 حتى الآن ان هذا التفسير هو المعمول به بشكل مباشر. فاذا كان للبعض التباس معين في النص فينزول الالتباس بالتطبيق العملي. وعلى هذا الاساس، من وجهة نظرنا الدستور واضح بصرف النظر عن التطبيقات التي حصلت ولا بد من ان يكتمل نصاب الثلثين، وهذا يعني ايضاً ان على الاطراف ان تتفاهم مع بعضها، اي الموالاة والمعارضة من اجل ان تصل الى نتيجة في هذا الاستحقاق، ولا يستطيع فريق التفرد في عملية الاختيار، ولا يحق لاي فريق ان يتجاوز الدستور، لا الاستفادة من الوصاية الدولية تحت خيمة مجلس الامن، ولا اعطاء تفسيرات لا يقرها الدستور تحت عنوان الحاجة والضرورة لان هذا الامر يعني ضرب المرجعية التي يمكن ان تكون القاسم المشترك. وعندها سنكون امام انقسام حاد جداً سيترك تداعياته بشكل كبير على كل الواقع اللبناني، خصوصاً وانه تناهى الينا من خلال بعض المعلومات ان فريق 14 شباط ينوي ان ينطلق من محطة الرئاسة كمرحلة من مراحل الانتقال الى الواقع الجديد الذي يريدونه بالسيطرة على لبنان ومؤسساته، فاذا لم يتم لهم هذا الامر من خلال الانتخابات الدستورية الطبيعية بالثلثين، فقد يلجأون الى النصف زائداً واحداً، وعليه سيخرقون بذلك الدستور ويعوضون هذا الخرق بحسب زعمهم بالتأييد الدولي للرئيس الجديد، فيغطون الثغرة الداخلية بهذا الدعم الدولي الذي اعتادوا عليه في كل ثغراتهم الداخلية، ولكن نقول لهم ان هذا الاجراء سيزيد من المازق، بل سيحدث شرخاً كبيراً ستكون مضاعفاته أسوأ بكثير من كل المضاعفات التي جرت حتى الآن في تعطيل المؤسسات المختلفة.

• اذا الموقف من الثلثين نهائي؟

ــ لا يمكن ان نناقش في اولوية الثلثين وضرورتهما لانهما يمثلان الدستور، الا اذا حصل في المستقبل تعديل له، وعندها يختلف الامر، لكن نحن الآن امام نصاب الثلثين. وهنا اريد ان اوضح ان الثلثين في الاصل هما حماية للتركيبة الطائفية في البلد ولكل الجهات المؤثرة، لان لو اراد المشترع ان يأخذ في الاعتبار النصف زائداً واحداً لضرب صيغة العيش المشترك، وكان في امكان اي طائفة في لبنان، لا الطائفتين الاسلامية والمسيحية، ان تأخذ الرئاسة وحدها باضافة عنصر واحد من الطائفة الاخرى. وهذا يجعل البلد برئاسة من طرف دون الاخر. ولذا كان المشترع حريصاً على وجود الثلثين، لانه، بالحد الادنى، سيحصل اختلاط في الاوراق وامتزاج بين الطائفتين الكبيرتين الاسلامية والمسيحية، وتالياً سيكون الرئيس ممثلاً للشعب اللبناني بشكل أوسع وأكبر. على هذا الاساس لا نعتبر انه يوجد انتخاب لرئيس الجمهورية من دون الثلثين، واذا حصل اي امر من خارج هذه الدائرة، فهو اختيار لشخص لا صفة له ولن يكون رئيساً للجمهورية من وجهة نظرنا، وسنتعامل معه كمتسلط على الوقع ومنتحل صفة، وكل الاجراءات الاخرى ستكون في هذا الاتجاه.

• لكن الطرف الاخر يقول ان تشبثكم بالثلثين هو محاولة للامساك بسلاح بحيث اذا لم تكونوا راضين عن المرشح تقاطعون جلسة الانتخاب؟

ــــ الحضور في جلسة انتخاب الرئيس او مقاطعتها جزء من العملية الديمقراطية المتاحة للاطراف، وهم لا يستطيعون رسم الطريقة التي يتصرف بها الافراد طالما انها ضمن الدستور وبشكل طبيعي، وبما ان الدستور يلزم حضور الثلثين عليهم القيام بالاجراءات المناسبة والاتصالات والاتفاقات السياسية التي تؤدي الى اقناع اخصامهم بضرورة الالتقاء عند نقطة معينة تساعد على تحقيق الثلثين لانتخاب الرئيس، ومن قال ان الدستور والمشترع لم يلحظ ضرورة التوصل الى التوافق ، فعقّد المسألة بهذه الطريقة، بل وضع لها هذا الاساس لانجازها بشكل سليم، وهنا اريد ان الفت النظر الى انه لو راجعنا كل المؤسسات الدستورية في لبنان، من رئاسة الجمهورية الى مجلس الوزراء الى المجلس النيابي لرأينا ان الثلثين هما الضمان المشترك بين الجميع، فانتخاب رئيس الجمهورية لا يتم الا بالثلثين، والقضايا المصيرية في مجلس الوزراء لا يتم الا بالثلثين، وطرح الثقة برئيس المجلس بعد سنتين من انتخابه تتطلب الثلثين. اذاً هناك نمط عام يريد ان يحمي مجمل الطوائف في البلد ويحقق غالبية موصوفة بالثلثين تساعد على ان يكون المناخ العام توافقياً تقريباً من خلال هذا الشكل للاختيار. فاذاً عدم حضور الجلسة التي تنعقد في وقت معين من اجل تعطيل الثلثين لعدم وجود التوافق، جزء من اللعبة الديمقراطية الطبيعية، لا يمكن تعديل النصاب وفق الاعتبار السياسي، بل يتطلب ذلك عودة الى مجلس النواب وحضور الثلثين لتعديل الدستور حتى يكون هناك قبول بالانتخاب للرئيس بالنصف زائداً واحداً، اي ان ذلك يعني تعديلاً لاتفاق الطائف، ولا أعلم اذا كان التعديل قد دخل من هذه البوابة، اي بوابات يطال وهل يبقى اتفاق الطائف كما كان أم يتغير، على هذا الاساس نحو واضحون.

• اذاً الثلثان يقودان الى مرشح توافقي، فما هي مواصفاته؟

ــــــ المرشح التوافقي هو شخص يعمل لتوحيد لبنان ويأخذ في الاعتبار هذا التنوع الحاصل، ويخطو الخطوات السياسية التي لا تصب في مصلحة فريق على حساب فريق آخر، بل يسير وفق ضوابط الديموقراطية التوافقية التي تعمل من اجل السيادة والاستقلال وتحرير الارض ومعالجة المشكلات الرئاسية الموجودة في البلد ومواجهة اخطار الاحتلال الاسرائيلي ورفض الوصاية الاجنبية المستجدة، هذه كلها عناوين يفترض أن يحمل مسؤوليتها الرئيس المقبل. وتالياً، عندما تطرح الاسماء وتناقش للوصول الى الاسم المقصود، لا بد من ان يقتنع الاطراف بتوافر هذه الشروط الموضوعية في شخص الرئيس. وهي الشروط التي يتحدث عنها الجميع بطريقة متفرقة وغائمة، ولا اعتقد اننا سنختلف اذا وضعنا لائحة شروط، ولكن سنختلف في التطبيقات وفهم بعض الشروط. البعض يفهم السيادة انصياعاً للأوامر الاميركية، والبعض الاخر يفهم السيادة منع أميركا من ان تتحكم ببلدنا وإن كان هناك تعاون، لان التعاون مع كل البلدان قائم بشكل طبيعي. وهناك فرق طبعاً بين الوصاية والسيادة.

• الرئيس نبيه بري يقول إن المرشح التوافقي يمكن ان يكون من قوى 14 آذار ويمكن ان يكون من قوى 8 آذار. والبطريرك صفير يقول إنه يمكن الا يكون من هذا الفريق ولا من ذاك. أين يجد حزب الله مرشحه التوافقي؟

ـــــــ عندما ندخل في لعبة الاسماء فإن كل الامور ستكون مأخوذة في الاعتبار، الامر الاول ظروف الاتفاق، والثاني الواقع السياسي الذي نعيشه وما نأمله من انتخابات الرئيس، والثالث استعدادات الرئيس المقترح لالتزام هذه المواصفات العامة، من هنا انا لا اجد مصلحة في ان نستبق الامور ونتحدث بطريقة عنترية عن الخيارات. بل يجب ان نصل أولاً الى العربة حتى نفهم ما الذي تحويه وكيف نتفق وما هي الضوابط وهل يمكن ان نتفق أم لا، ثم نبحث عن الحصان الذين سيقود هذه العربة لان النتيجة ستكون سهلة اذا اتفقنا على الضوابط الاساسية.

• لدى المعارضة حصان جامح هو العماد ميشال عون المرشح للرئاسة. فهل يمكن الافتراض، ان لدى المعارضة ترشيح العماد عون ومرشحين آخرين؟

ــــ بالنسبة الى حزب الله العماد عون هو مرشح جدي وجدير وله فرص متاحة في هذا الاتجاه. يبقى الاعلان الرسمي عن المرشح والامر مؤجل الى وقته لاعتبارات لها علاقة بطبيعة الظروف ومتطلبات الساحة. وليس مطلوباً منا ان نقول اليوم غير ما نقوله لاننا لسنا في مرحلة انهاء الخيارات وحسمها.

• هل تخشى فراغاً دستورياً في الاستحقاق؟

ــــــــ احتمال الفراغ الدستوري وارد بقوة، اي اننا نراه قادماً أمامنا ولا نتوقع ان يكون هناك شيء غير الفراغ الدستوري بسبب الطريقة التي تتابع بها الحكومة اللا شرعية وفريق 14 شباط. اذ انهم يسدون كل الآفاق ولا يتجاوبون مع اي اقتراح للحل ويستأثرون بالسلطة. وكلما عجزوا عن أمر معين يحيلوه الى مجلس الامن، وتالياً اذا راجعنا القرارات الاساسية التي تتعلق بلبنان ومستقبله سنجدها متخذة في مجلس الأمن خلال السنتين بدءاً من القرار 1559 الى الآن وليست هناك قرارات داخلية لا في مجلس الوزراء ولا في مجلس النواب تتعلق بالامور الاستراتيجية والاساسية المرتبطة بالبلد. بل كل قراراتها هي اجرائية تنفيذية عادية لادارة بعض الشؤون. لكن لا توجد منعطفات ولا قرارات سياسية كبيرة ولا توجهات تتعلق بمستقبل لبنان ولا إجابات عن أسئلة لها علاقة بسيادة لبنان وحريته ودوره في المنطقة ومحيطه. انما نحن امام فريق استأثر بالسلطة وتخلى عنها واخذها الى المجتمع الدولي وسلّمها الى مجلس الأمن، وكل المراسلات تحصل من رئاسة مجلس الوزراء غير الشرعية وتجمعّ النواب في سوق الثلثاء الى مجلس الأمن مباشرة، أي أننا أصبحنا أمام جهة تشريعية جديدة، بل وسلطة تنفيذية جديدة أسمها الفصل السابع موجودة في مجلس الأمن تتابع لبنان وكأنه في فترة الأنتداب وتحت الوصاية والرقابة الدولية المباشرة، وهناك تعطيل حقيقي لكل المؤسسات. واذا استمر هذا النهج سنصل الى الفراغ. اضافة الى ذلك وصلتنا اقتراحات بعضها عربي وبعضها من أركان السلطة تطلب أعطاء هدنة لمدة ثلاثة أشهر لا يكون فيها حال من التوتر السياسي وان نخرج المعتصمين من وسط بيروت على قاعدة ان تكون المحطة المقبلة التي يمكن النقاش فيها محطة رئاسة الجمهورية. وعندما سألناهم ماذا يفعل البلد خلال الأشهر الثلاثة، قالوا ان في هذه المدة لا نستطيع فيها الاتفاق على شيء فلتكن الهدنة لكن في امكاننا الاتفاق على رئاسة الجمهورية. رفضنا هذا المنطق لأن حرام أن يبقى لبنان لثلاثة أشهر منتظراً التطورات الاقليمية والدولية وخاضعاً لوهم أسمه يوم انتخاب رئاسة الجمهورية بلا توافق لأن هذا لن يحصل. وعليه بدلاً من أن نضيع الوقت دعوناهم الى سلة واحدة للتفاهم من الآن على كل الموضوعات المباشرة التي تحتاج الى آليات: تشكيل حكومة جديدة، قانون الانتخابات، معالجة قضية المحكمة الدولية، الدخول في قضية انتخاب الرئيس. أي أن نكون أمام سلة واحدة قابلة لأن تجعلنا ننطلق ثم تأتي التفاصيل الأخرى في إطار المؤسسات الدستورية بحسب النتائج التي نتوصل اليها. لم يوافقوا على هذا الامر.

وعليه نحن نتلمس محاولة لاضاعة الوقت من أجل الوصول الى انتخابات الرئاسة، لكن نقول لهم إن هذه الانتخابات لن تكون حلاً بل ستدخلنا في فراغ دستوري ورئاسي بكل ما للكلمة من معنى اذا بقيت العقلية على هذا النحو. وهنا أقول نعم، نحن لا نتخوف من فراغ دستوري فقط، بل نشعر ان الامور ذاهبة الى الفراغ الدستوري حكماً والى أنقسام حاد له تداعياته.

• أي مقاطعة الرئيس المقبل إذا انتخب بالطريقة التي تهدد بها قوى 14 آذار؟

ــــــــ لا يوجد رئيس لنقاطعه لأنه غير موجود، وهذه الحكومة غير شرعية، اذا يوجد فراغ لا بد من ملئه بطريقة معينة، قد يملأ بحكومة استثنائية. وقد لا يعترف بها الطرف الاخر، وهنا ستكون ثمة مشكلة. لن نكون امام حكومتين. سنكون امام حكومة استثنائية يختارها رئيس الجمهورية والطرف الاخر لا يعترف بها، لانه لا يوجد حكومة الآن حتى نتحدث عن وجود حكومتين.

حسم نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم نصف حقيقة استحقاق 2007: لا انتخابات بلا ثلثين. أما نصفها الآخر فغامض: حليفه، ميشال عون، مرشح جدّي. لكن الحزب لا يعلن الآن تأييده.

وما لم يقله الشيخ، أن الحزب وعون تفاهما سابقاً على هذا الموقف: تأخير إعلان إسم مرشح المعارضة، وحزب الله خصوصاً، إلى أوان المهلة الدستورية