مقابلات

مقابلته مع مجلة المشاهد السياسي في 23/6/2006

لا نوافق على ضمّ التحقيق مع الشبكة الإسرائيلية إلى ملف لجنة التحقيق الدولية

> كيف تقرأون اختراق شبكة «الموساد» التي تم اكتشافها موخراً على الساحة اللبنانية؟

< القبض على الشبكة الإسرائيلية إنجاز كبير لمخابرات الجيش اللبناني وللبنان، ولعملية الصراع مع العدو الإسرائيلي، لأن هذه الشبكة كان لها أعمال كثيرة، وحصلت التباسات في الساحة حول مسؤولية «إسرائيل» عن بعض ما جرى في ساحتنا، فجاء اكتشاف الشبكة بالأدلّة والوقائع، ليثبت ضلوع الأيادي الإسرائيلية في ما يجري، وأن «إسرائيل» ما زالت ترى في لبنان ساحة لتمرير مشاريعها، وللتدخّل من أجل إثارة البلبلة وعدم الاستقرار السياسي، وإثارة الفتنة، مما يسهّل لها تحقيق ما تريده على ساحتنا اللبنانية.

لقد ظنّ البعض أن خروج «إسرائيل» من لبنان وبقاء مزارع شبعا، هذا يعني أن «إسرائيل» لم تعد قادرة على فعل شيء في لبنان، لكن البيئة السياسية الموجودة، ووجود شبكة من العملاء، والتغطية الدولية، كلها عوامل مساعدة لاستمرار «إسرائيل» في العمل الداخلي الذي لم تتوقّف عنه، فيأتي اكتشاف هذه الشبكة ليثبت أن «إسرائيل» تتدخل في ساحتنا، وأنها ما زالت ترى إمكانية لتغيير المعادلة لمصلحتها، وأنها لن تكف عن الاعتداء على لبنان، وهذا ما يستلزم أن نكون في مواجهتها بكل إمكاناتنا المتاحة، وبطبيعة الحال فإن اكتشاف هذه الشبكة وجّه الأنظار إلى «إسرائيل» مجدداً، وهذه نقطة مهمة جداً بعد أن غاب عن ذهن البعض أن «إسرائيل» مؤثّرة وتريد أن تلعب في لبنان.

لا علاقة لنا

> لماذا التركيز على نفي أي دور لـ «حزب الله» في عملية القبض على الشبكة؟

< إن نفي مسؤولية «حزب الله» هو لأنه لا علاقة لنا باكتشاف هذه الشبكة، وهذا لا يعني أننا لو كنا معنيين سنعلن عكس ذلك، ونحن نفتخر لو كان لنا قدرة وعلاقة بهذا الموضوع، لكن لا نريد أن نصادر نتائج إنجازات الآخرين، والذي جعل بعض الإخوة يصرّحون مرّات عدّة عن عدم العلاقة، ففي إطار المساعي الأميركية والبريطانية ومساعي بعض الدول الكبرى لأن تفهم كيف حصلت هذه المسألة، وربما كانت تريد أن تشكك بنتائجها أو بقدرة الجيش اللبناني أو ما شابه، فتريد أن تنسب الأمور إلى «حزب الله»، هذا أمر غير واقعي. وعلى كل حال، نحن قلنا ما عندنا، والعمل الأمني بشكل أساسي هو من اختصاص القوى الأمنية اللبنانية، فإذا اكتشفنا في بعض الحالات بعض الخيوط أو بعض الأمور، فهذا في طريق عمل المقاومة وليس الاهتمام الأساسي المباشر.

> البعض حاول الاستفادة من ذلك، بأن وجود القوى الأمنية اللبنانية وإمكانية عملها من دون أية ضغوط سياسية، يعني أنه لا حاجة لوجود وسيطرة المقاومة على الساحة الجنوبية، بماذا تفسّرون ذلك؟

< هذا البعض وضع هدفاً اسمه إنهاء وجود المقاومة بأي ثمن، فكلّما حصلت قصة يقولون هذا دليل على أنه لا حاجة لاستمرار المقاومة، هذه اللعبة مكشوفة.

الحقيقة التي استنتجناها مما حصل، هو أن وجود «حزب الله» الميداني العسكري أدّى إلى التحرير سنة ٢٠٠٠، واستمرار جهوزيته على ساحة الجنوب في مواجهة «إسرائيل» منع «إسرائيل» من أن تقوم بعدوان مباشر برّي أو جوّي، وبالتالي ما تم اكتشافه هو شبكة تعمل بطريقة أمنيّة، مما يعني أن «إسرائيل» عندما عجزت عن المواجهة المباشرة، لجأت إلى هذه الطريقة غير المباشرة التي اكتشفها الجيش اللبناني. وطبعاً يوجد شبكات أخرى لم تُكتشف بعد حتى الآن.

إن اكتشاف هذه الشبكة يدل على جدوى المنع المباشر لـ«إسرائيل»، واضطرارها اللجوء إلى مثل هذه الأساليب، وكذلك اكتشافها يدل على أننا يجب أن نقوّي الأجهزة الأمنيّة اللبنانية لمصلحة حماية الداخل من الفتنة، وهذا مؤشّر للتعاون مع المقاومة، وليس مؤشّراً لإعطاء الجيش مهمة كبيرة جدّاً، وتحميله مسؤوليات هو لا يستطيع أن يتحمّلها في ظلّ الظروف المعقدة واختلال موازين القوى.

إذن من وجهة نظرنا، فإن اكتشاف الشبكة يدل على أن «إسرائيل» دخلت إلى العمق، وهذا يفترض أن تبقى قوة المقاومة وتتعزز قوة الجيش للتلاحم فيما بينهما لمواجهة هذه الأخطار الكبيرة.

> ... ولكن ذلك تناغم مع تحرّك السفير الأميركي، وحرصه على السؤال عن ذلك الموضوع، فبماذا تفسرون هذا التحرك الأميركي؟

< السفير الأميركي فيلتمان يبحث دائماً عن خطوة لتحقيق تقدّم ما في مشروع القرار ١٥٥٩، وفي إلغاء حضور المقاومة كرمى لعيون «إسرائيل»، ووفق السياسة المتّبعة أميركياً، ولكن بالنسبة إلينا تحرّكه الأخير ليس له معنى سوى الاستفسار، لأنه لن يغيّر من الواقع شيئاً، هناك قوة المقاومة موجودة على الأرض، وهي لمصلحة لبنان ولا يمكن إلغاؤها، إلاّ إذا طرح اللبنانيون بالاجماع أمراً بديلاً مناسباً وملائماً، أو وجد صيّغة معيّنة تختلف عن الصيغة الحالية، وبالتالي هناك مَن حاول أن يقوم بخطوات عدّة في مواجهة بقاء المقاومة، ولم ينجح في هذا الأمر وعليه، لا يملك السفير الأميركي من الاستفسار إلا رفع التقارير.

المقاومة مستهدفة

> هل هناك مخاوف من استهداف كوادر للمقاومة؟

< بالتأكيد. نحن نشعر أن كوادر المقاومة هم محل استهداف على الأقل من الناحية الأمنيّة، واكتشاف الشبكة يدل على هذا الأمر، ونحن نقوم بإجراءات وإحتياطات منذ فترة، ولم تتوقّف هذه الاجراءات حتى بعد التحرير، لكن كما تعلم، فإن طبيعة العمل الأمني تتطلّب مواجهة من نوع مختلف، واستعدادات دائمة وانتباه دائم. على كل حال، نحن قلنا ونكرّر أن ساحة لبنان مفتوحة للعدوان الإسرائيلي وعلينا أن نسدّها بالطرق المختلفة.

> كشفت التحقيقات مع الموقوف محمود رافع، أن هناك منافذ باتجاه فلسطين المحتلّة. هل من معلومات حول ذلك؟ وهل هناك منافذ غير خاضعة لسلطة أو سيطرة المقاومة؟

< دعني أوضح لك أمراً. ربما تصوّر البعض أن وجود المقاومة في الجنوب في مواجهة «إسرائيل» يعني أن كل الطريق من أولها إلى آخرها تحت نظر المقاومة، وهذا أمر خاطئ. المقاومة لها نقاط مراقبة موضوعة بشكل أساس في النقاط الحسّاسة التي يوجد فيها الإسرائيليون عسكرياً بالمقابل، لكن لا تغطي المقاومة كل الجبهة بالمعنى التفصيلي لكل زاوية، وبالمعنى التفصيلي لكل بقعة جغرافية.

إن دور المقاومة هو رصد ومتابعة العدو الإسرائيلي والجهوزية لمواجهته عند الضرورة، لكن ليس لها دور أمني حتى تكون ممسكة بالأرض وبالمنطقة، لذلك نحن لا نمارس دوراً أمنيّاً في الجنوب، إنما نمارس دور المقاومة في مواجهة «إسرائيل»، والسلطات الأمنيّة اللبنانية هي المسؤولة عن أمن الجنوب، ولها عناصرها ولها إدارتها ولها متابعتها في هذا الأمر. وعلى هذا الأساس، إذا حصل في بعض الأحيان أن أطلقت صواريخ مجهولة المصدر، أو حصل أن انتقل أحد من مكان إلى مكان آخر، إما باتجاه فلسطين المحتلّة أو بالعكس، هذه الأمور قد تحصل إما عن طريق الرعيان أحياناً، أو عن طريق مظاهر ملتبسة، وفي نقاط ليست محل مراقبة مباشرة، وهذا أمر يمكن أن يحصل. على كل حال، ما اعترف به العميل رافع، وأنه مرّر بعض الأشياء عبر الحدود، ومرّر أشياء أخرى عبر منطقة طبرجا عبر البحر اللبناني في منطقة جونية والشمال، فإذاً أي منفذ من المنافذ قابل بأن يقوم من خلاله عمل أمني معيّن، وبخاصة عندما توجد قوى أخرى مثل وجود قوات الطوارئ في الجنوب، أو وجود التنقّلات البحرية لبعض من يكونون يحملون جنسيات أخرى، يمكن أن يفسح هذا المجال لالتباسات قد يمرّر البعض تحت عناوين مجهولة طبعاً. أنا لا أقول أن هؤلاء هم الذين يمرّرون، لكن الساحة مفتوحة وبالتالي لا يتحمّل أي فريق مسؤولية مباشرة.

لا استباق للتحقيق

> إذا كانت المتفجرات التي أحضرها رافع عبر الشريط الحدودي، قد تم استخدامها باستهداف كوادر المقاومة.. لكن هناك حديثاً عن متفجّرات تسلّمها في منطقة طبرجا، ولم يتم الكشف إلى أين ذهبت! فهل تعتقدون أن لها علاقة في بعض الاغتيالات التي جرت في لبنان؟

< لم يتوصّل التحقيق اللبناني بحسب معلوماتنا إلى حسم وضع المحافظ (الحقائب) التي نقلها رافع إلى المنطقة الشرقية، وبالتالي هذا التحقيق ما زال مستمرّاً، ولا أعلم إذا كانوا سيتوصّلون إلى نتائج لها علاقة ببعض التفجيرات التي حصلت، أو ليس لها علاقة، أنا أفضّل ألاّ أستبق نتائج التحقيق، وأفترض افتراضات لها طابع سياسي، كل الاحتمالات ممكنة، لكن بما أن التحقيق مستمرّ وتوجد بعض الخيوط، فلنترك الفرصة ليصل هو إلى النتائج الصحيحة والموضوعية، ولذلك لا أستطيع أن أجزم بالنتائج المتوقعة.

> هل أنتم مع ضم ملف تحقيقات شبكة «الموساد» الإسرائيلي إلى لجنة التحقيق الدولية للاستفادة من ملفّاتها؟

< نحن لا نوافق على ضم ملفّ التحقيق بالشبكة الإسرائيلية إلى ملف التحقيق الدولي. أولاً: لأن التحقيق من خلال القوى اللبنانية يسير بشكل طبيعي، وله أدلّته ويفترض أن يتابع، ويمكن أن يصل إلى نتائج مهمة جداً. ثانياً: كنّا منذ البداية مع التحقيق الدولي بملف واحد، هو ملف الشهيد الرئيس الحريري، وكانت هناك تعهّدات كثيرة بألاّ تضمّ ملفّات أخرى، لكن فيما بعد، وتحت عناوين مختلفة، ضمّت ملفّات عدّة، وبخاصة الملفات الأربعة عشر التي حصلت من تفجيرات أو اغتيالات أو محاولات اغتيال.

نحن نعتبر أن رمي كل شيء إلى التحقيق الدولي أمر خطأ، فمن المفروض أن تأخذ الدولة اللبنانية دورها، وأن تقوم السلطة اللبنانية بمسؤولياتها أمنياً وقضائياً، وهي قادرة فيما لو زدنا في فاعليتها واهتمينا بها، فنحن لسنا مع ضم هذا الملف لأنه لا حاجة لذلك بالأصل.

الأحكام مخفّفة

> برأيكم، هل تعاملت الدولة اللبنانية بسوء تقدير مع ملفّ العملاء، مما ترك لهم إعادة التحرّك؟

< نحن اعترضنا كـ«حزب الله» على الأحكام القضائية التي صدرت بحق العملاء سابقاً، واعتبرنا أنها مخفّفة بشكل كبير، وفي بعض الأحيان كانت مخفّفة أكثر من عشرة أضعاف. يعني من يستحق عقوبة ٢٠ سنة أخذ عقوبة سنتين وهكذا، لكن اكتفينا بالاعتراض السياسي، ولم نقم بتحريك الموضوع لا بالتظاهرات ولا بالتحريض ولا بمواقف أخرى، لأننا نعترف بحساسية الوضع اللبناني، ولأن مسألة العملاء اتّخذت طابعاً طائفياً، على الرغم من أن العملاء موزّعون بين الطوائف المختلفة، وليسوا محسوبين على طائفة واحدة فقط، ومع ذلك بتقديرنا السياسي، كان عدم تسليط الضوء لإيجاد أزمة بهذا الأمر أفضل، لوجود مصالح أخرى لها علاقة بالاهتمام بإجماع اللبنانيين وتكتّلهم وتعاونهم مع المقاومة في مواجهة هذه المشكلة، لكن بالتأكيد، فإن الأحكام المخففة تساعد على إعطاء فرصة لبعض العملاء أن يأخذوا تعويضاتهم من «إسرائيل» ويستمرّوا في العلاقة، وأن يعطوا انطباعاً مختلفاً، ومن ثم يخوضون في هذه التجربة مجدّداً. هذا يتعلّق بالبعض، ولا يعني هذا أن البعض الآخر لم يتب أو لم يتراجع، إضافة إلى ذلك عدم الاستقرار السياسي في البلد، يساعد كثيراً على أن تتحرّك «إسرائيل» وأن تجد لها منافذ مختلفة.

كذلك استبعاد كون «إسرائيل» عدوّاً حقيقياً من قبل البعض، ولا أقصد أنهم لا يقولون أنه عدوّ، الجميع يقول أن «إسرائيل» عدوّ، لكن في الحسابات السياسية والأمنيّة، عندما نستبعد الأهداف الإسرائيلية والدور الإسرائيلي ولا نسلّط الضوء عليه، فهذا يترك مناخاً مريحاً للتحرّك الإسرائيلي بأشكال مختلفة. فإذاً، مجموعة هذه العوامل هي التي أثّرت، وإن دلّ اكتشاف هذه الشبكة على شيء فهو يدلّ على أن «إسرائيل» مصمّمة على أن تستخدم لبنان كمعبر لسياساتها.

> أين أصبح موضوع عودة الفارين أو العملاء الذين لجأوا إلى فلسطين المحتلة، وأحد كوادر هذا التيار (جبران باسيل) قال «ان الدولة اللبنانية تتحمل مسؤوليات استمرار عدم عودة العملاء»؟

< كنّا متجاوبين مع «التيار الوطني الحر» في الوثيقة التي انعقدت بين «حزب الله» وبينهم، وأعلنّا موقفنا الذي مارسناه سابقاً، لكن أكدناه مجدداً أن لا مانع عندنا من عودة العملاء، ومحاكمتهم حتى بطريقة المحاكمة السهلة التي تحصل عند القضاء اللبناني، لكن أرادوا في «التيّار الوطني الحرّ» أن يسمعوا منّا التزاماً رسمياً ومباشراً ومعلناً، وأعطيناهم هذا الأمر من خلال الاعلام، وكذلك هم بطرقهم الخاصة، أوصلوا لمن يرغب العودة أن لا عقبات تجاه عودتهم، وأن المقاومة لن تعترض طريق أحد، وأن الأمر يتعلق بالدولة اللبنانية.

فهمنا من الإخوة في «التيار الوطني الحرّ» أن تعقيدات معيّنة أوجدتها بعض التصريحات من قوى الأغلبية النيابية، وعدم الجدية الموجودة لدى السلطة اللبنانية في تسهيل مثل هذه الأمور، وهو أمر يتابع من قبلهم بشكل أساس، لكن من جهتنا كـ «حزب الله» نحن قبلنا سابقاً، ونقبل أن يتم التعامل مع العملاء الذين يعودون حالياً كما تم التعامل مع من قبلهم ـ أي بالتسهيلات التي قدّمتها الدولة اللبنانية.

الاستراتيجية الدفاعية

> طرح الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله خلال مؤتمر الحوار خطة استراتيجية للدفاع، فهل هناك خطة بديلة عرضت عليكم؟

< في مؤتمر الحوار، وفي أول جلسة مقررة للاستراتيجية الدفاعية، طرح سماحة الأمين العام (السيد حسن نصر الله) استراتيجية «حزب الله» التي تقوم على قاعدة استمرار المقاومة بتنسيق مع الجيش اللبناني، وبتوفير عوامل استمرار قوة لبنان، لأن لا قدرة للبنان أن يواجه المشروع الإسرائيلي، إلاّ إذا حمى قوّته الحالية الفعلية، ولا فائدة من العودة إلى الضمانات الدولية، لأنها لم تنفعنا في تطبيق القرار ٤٢٥ مدّة ٢٢ سنة، ولا نتأمّل أن يميل مجلس الأمن لمصلحة لبنان أو العرب، وهو دائماً كان منذ سنة ١٩٤٨ إلى جانب الإسرائيليين بالكامل.

على هذا الأساس، قدّمنا استراتيجيتنا الدفاعية، ونحن نعتبر أن هذه الاستراتيجية هي القائمة والمستمرّة إلى أن يقدّم بديل مقنع، لأننا في مؤتمر الحوار. يجب أن نتفاهم، وإلاّ سيبقى ما كان على ما كان، إلى أن جاءت الجلسة الثانية، فطرح سمير جعجع قائد القوات اللبنانية استراتيجية تختلف بهدفها وبطريقة عرضها، فهو ينطلق من الرعاية الدولية للبنان، وليس من قوّة لبنان، وهذه مختلفة تماماً عنّا، فقد طرح أن يكون هناك انتشار لحوالى ١٠ ـ ١٥ ألف جندي من القوّات الدولية، وأن يكونوا خاضعين للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ـ أي أن يضربوا «إسرائيل» ويردّوا عليها إذا اعتدت، وأن يكون هناك حوالى ٢٠٠٠ جندي وضابط لبناني من المغاوير، الذين يعملون بطريقة المقاومة، لكن هم الذين يكونون خلف خطوط قوات الطوارئ الدولية، على ألاّ تبقى المقاومة، وإنما تكون كقوّة احتياط إذا لزم الأمر. هذه ليست استراتيجية دفاعية مبنيّة على قوّة لبنان، هذه استراتيجية دفاعية مبنيّة على الضمانات الدولية والقرار الدولي، ونحن نعلم أنه منذ سنة ١٩٤٨ لم يصدر قرار فصل سابع بحق إسرائيل، مع كل المجازر التي ترتكب بحق الفلسطينيين، ومع طرد ٤ ملايين فلسطيني من أرضهم، ومع احتلال كل فلسطين على دفعات، فكيف يمكن أن نتأمل بمثل هذه القرارات!

نحن لا نوافق على بنية الاستراتيجية الدفاعية التي ترتكز على الضمانات الدولية.. بنية الاستراتيجية الدفاعية عندنا، يجب أن ترتكز على قوة لبنان أولاً، وبعد ذلك تأتي التفاصيل الأخرى.

أهداف الحوار

> برأيكم، هل إن الحوار اللبناني ـ اللبناني وصل إلى طريق مسدود؟

< لا نستطيع أن نقول أنه وصل إلى طريق مسدود، إذا عرفنا الأهداف من الحوار. الأهداف أن نجلس مع بعضنا وأن نتّفق على بعض الأمور، لا يؤمل من أي حوار أن يصل إلى كل النتائج كما يريدها الكل، لكن بالحد الأدنى هناك بعض الأمور التي يمكن أن تنجز، وبهذا المعنى، الحوار يؤدّي دوره؛ لكن من كان يطمح إلى أن يؤدّي الحوار إلى إلغاء أي خلاف بين اللبنانيين فهذا وهم، لأن الأمور أبعد من أن نصل إلى هذا الهدف.

> هل تعتقد أن هناك التزاماً لـ«ميثاق الشرف» بين القوى التي توافقت عليه؟

< بشكل عام يوجد التزام، إلا من البعض، وهذا الأمر لا يؤثّر كثيراً ونأمل أن يستمرّ هذا الالتزام.

> كيف تقيّمون تقرير سيرج براميرتس الأخير حول اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟

< تقرير براميرتس الأخير تقرير مهني، تجنّب فيه ذكر الأسماء وتجنّب أيضاً الاتهام السياسي. ما زال التقرير يتحدّث عن حاجة لفترة زمنية لحسم بعض الأمور، ولذلك إذا استمرّ التحقيق بهذه الصورة، فنحن أمام عمل مهني، وهذا أمر مناسب، فإذاً التقرير بما هو مقبول وجيد.

* أين هو موقعكم من الجبهة التي أعلن عن تشكيلها الرئيس عمر كرامي، والتي تضم حلفاء وأصدقاء لـ«حزب الله»؟

> لسنا جزءاً من الجبهة التي شكّلها الرئيس عمر كرامي مع الوزير سليمان فرنجية وآخرين، ولكننا نؤمن بخطواتهم، ونعتبر أن مواقفهم منسجمة مع مواقفنا السياسية العامة، لكن هم يتحركون من موقعهم في الجبهة ونحن نتحرك من مواقع أخرى.

> كيف تنظرون إلى استثناء دعوة رئيس الجمهورية إلى مؤتمر الفرنكوفونية؟

< استثناء رئيس الجمهورية (العماد إميل لحود) من الدعوة إلى مؤتمر قمة لرؤساء، فيه إهانة كبيرة للبنان، واستخفاف بكل التركيبة اللبنانية والنظام اللبناني المعتمد، إذ لا يعقل أن توجه الدعوة إلى رئيس الحكومة وليس إلى رئيس الجمهورية، مهما كان العنوان، ومهما كان السبب.

القمّة العربية التي انعقدت دعت رئيس الجمهورية، ومن الطبيعي أن تدعوه لأنه هو رئيس البلاد بحكم الدستور، ولكن ما وصلنا إليه هو بسبب ممارسة البعض في لبنان الذين سبّبوا هذا الشرخ، وهم جرّأوا الآخرين علينا، بل روّجوا لهذه الاهانة لموقع الرئاسة ولموقع لبنان.

أعتبر أنه خلل كبير وخطأ كبير، ومن المفروض ألاّ يستجيب أحد لهذه الدعوة التي إما أن تكون دعوة لرئيس الجمهورية أو لا تكون.

> بدأت أحاديث عن وجود تباين في المواقف بين قياديين في «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» رغم شمولها في ورقة التفاهم المشتركة. ما هي أسباب ذلك؟

< لم نختلف كـ«حزب الله» مع «التيّار الوطني الحرّ» في أي نقطة من النقاط التي وردت في وثيقة التفاهم، ومن يراجع كل التصريحات لقيادات في الحزب أو قيادات في «التيار الوطني الحر»، يراها متناغمة تماماً، أما الالتباس الذي حصل فهو طريقة الأداء في بعض التفاصيل التي يختلف الأسلوب بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحرّ» في كيفية التعاطي معه، وهذا أمر عادي وطبيعي، لأن الوثيقة لا تتحدث عن تحالف يمنع أيّاً من الطرفين أن يتصرّف منفرداً في القضايا التي يراها مناسبة، وبالأساليب التي يراها مناسبة، والمهم أن لا تكون معارضة لمضمون التفاهم وهذا ما لم يحصل حتى الآن.

السلاح الفلسطيني

> هل تعتقدون أن قضية السلاح الفلسطيني خارج المخيمات سيتم حلّها بالطرق السلمية؟

< لا أجد أن المقدّمات التي تمت متابعتها حتى الآن ستساعد على المعالجة السريعة في الوقت المحدّد ـ أي خلال ٦ أشهر من وقت اتّخاذ التوجه للجنة الحوار، ذلك أن مسألة السلاح، كما طرحت في لجنة الحوار، خارج المخيّمات، مرتبطة بمجموعة أمور مع بعضها بعضاً، كالشؤون المدنية والسياسية للفلسطينيين، ومعالجة بعض القضايا المرتبطة بالمخيمات، إضافة إلى مسألة السلاح خارج المخيمات، فبحسب معلوماتنا لم تحصل أي خطوة إلى الأمام حتى الآن. إذن يبدو أن الأمور ليست مسهّلة في الوقت المحدّد، لكن في كل الأحوال نحن لا نوافق على معالجة هذا الملف بالقوة، يجب أن تتم معالجته كما قرر مؤتمر الحوار بطريقة سلمية وسياسية، وبالتفاهم حول القضايا المختلفة بذاك الشعب.

> ممثّل «منظّمة التحرير الفلسطينية» في لبنان عباس زكي والقيادات الفلسطينية، يؤكّدون أن الدولة اللبنانية لم تقدّم أي أمر حتى الآن، على الرغم من أنها يمكن أن تقدّم ما يتعلّق بالحقوق المدنية والاجتماعية، وهي ليست بحاجة إلى الحوار، كيف ترون ذلك؟

< ذكرت لك في الاجابة السابقة أنه لم يحصل تقدّم في النقاط التي قرّرها مؤتمر الحوار، أي لم يتم البحث بالقضايا المدنية والسياسية، إضافة إلى قضية السلاح خارج المخيّمات كملف واحد، والمسألة صحيحة أن بعض القرارات لا بد من أن تصدر عن الدولة اللبنانية، لأنها هي صاحبة الحق وصاحبة السلطة في هذا الأمر، لكن عندما أدرجت في مؤتمر الحوار كجزء من ملفّ متكامل، فهذا من أجل أن يُقال بأن هذه الأمور ستسير مع بعضها بعضاً؛ ولطمأنة الفلسطينيين على كل حال، الأمور تحتاج إلى متابعة لكن حتى الآن لا أجد أفقاً عملياً خلال الفترة المتبقّية بحسب قرار مؤتمر الحوار.

«حماس» و«فتح»

> كيف تقرأون تطورات الأوضاع داخل فلسطين المحتلّة، في ظل عدم التوصل إلى توافق بين «حماس» و»فتح» على وثيقة الأسرى، وهل تخشون من انعكاس هذا التأزّم على الأوضاع على الساحة اللبنانية؟

< أتأمل أن يتوفق الطرفان «حماس» و«فتح» في الوصول إلى نتيجة وإلى تفاهم، لأن عدم تفاهمهما سيستفيد منه العدو الإسرائيلي، وهو يحاول الآن أن يستغل هذا الوقت من أجل أن يزيد الابادة المنظمة للشعب الفلسطيني، من دون أن يتحرّك المجتمع الدولي الذي يساند عادة كمجلس أمن ودول كبرى «إسرائيل»، وهذا يشكّل خطراً وخسارة كبرى على الشعب الفلسطيني.

منطق الأمور يفترض أن تتمكّن حكومة «حماس» من أن تمارس دورها، وأن تقوم بما عليها تجاه الشعب الفلسطيني، وألاّ يعطّل أداءها أحد. أمّا وقد وصلت الأمور إلى هذا الخلاف الداخلي، فنحن لا نريد الآن أن نرجع إلى الوراء، ما نريده أن يتوافقوا مع بعضهم، لأن هذا هو الحل الوحيد لمصلحة الشعب الفلسطيني، وأي اختلاف واستمرار الاختلاف سيؤدّي إلى أن تستفيد «إسرائيل» ويتضرّر الشعب الفلسطيني، ويجب على الفلسطينيين أن يحترموا المؤسسات الدستورية، وأن يقوموا باحترام رأي الشعب بالانتخاب، وأن يعالجوا شؤونهم بعيداً عن هذه المماحكات المختلفة، وإلاّ فإن الخسائر كبيرة على الشعب الفلسطيني ومن لا يحمي نفسه فلن يحميه أحد.

أما أن ينعكس هذا الأمر على لبنان، فأنا لا أعتقد أنه سيحصل انعكاس مباشر على الوضع اللبناني، لكن أزمة فلسطين بشكل عام هي مؤثّرة في الوضع اللبناني بشكل غير مباشر، بحسابات «إسرائيل» وحسابات أميركا، وموقع فلسطين ولبنان من الشرق الأوسط الجديد كلّها عوامل مترابطة، لكن ليست بنسب حادّة.

> ما هي طبيعة التهديدات التي يتلقّاها «حزب الله» من أميركا؟

< أميركا لم تتوقّف يوماً عن تهديدنا، لكن نحن نواجه هذا التهديد السياسي باستنكار سياسي وموقف سياسي، ونعتبر أن العدو الأساسي الذي يجب أن تتوجّه إليه الأنظار هو «إسرائيل»، وبالتالي فإن أميركا هي في الخانة المعادية، لكن ليس هناك إجراءات عملية في هذا الاتجاه.

> هل تخشون من ضربة قريبة لإيران من قبل أميركا؟ وما هو موقف «حزب الله» في حال حدوث ذلك؟

< أستبعد أن تحصل ضربة قريبة لإيران من قبل أميركا، لأن أميركا تعلم تماماً أن إيران تختلف عن العراق وعن أفغانستان، وأن إيران تتصرّف بمنطق دولي مقبول في حقّها النووي الذي تحفظه قوانين وأنظمة وكالة الطاقة. والواضح أن أميركا تعتدي على إيران في رفضها التخصيب، أو في الشروط التي تضعها. وما رأيناه في الفترة الأخيرة من تراجع التهديدات، وتقديم اقتراحات من قبل الأوروبيين وساندتهم كذلك أميركا، يدلّ على أن الأجواء هي أجواء معالجة سياسية أو معاقبة سياسية، إذا لم تصل إلى نتيجة، لكنّها معاقبة لا أعتقد أنها تصل إلى حد الحرب، أو الاعتداء العسكري، هذا أمر ليس واضحاً خلال هذه الفترة.

> كيف ينظر «حزب الله» إلى مقتل أبي مصعب الزرقاوي؟

< هذه معركة مفتوحة موجودة في العراق، وهذه جزء من النتائج العاديّة والطبيعية. أعتقد أن جماعة الزرقاوي سيحاولون إثبات وجودهم أكثر، ليقولوا أن قتله لم يوقف عملهم، وهذا ما سيصعّد من بعض عملياتهم، على الأقل في الفترة الحالية، وبالتالي سيزيد استهدافهم للمدنيين ولغيرهم، بحسب المشروع الذي يعملون له، لكن الأزمة أعمق بكثير من هذا في العراق، الأزمة لا تتعلق بشخص الزرقاوي وإنما تتعلّق بمنهجيات قائمة وخطرة.

لا يوجد تيّاران

> ما هي صحّة ما يُقال عن وجود تيّارين داخل «حزب الله»: تيّار متشدّد تقودونه سماحتكم، وتيار معتدل يمثّله السيد حسن نصر الله؟

< في داخل الحزب يوجد تيّار واحد اسمه تيار «حزب الله» ولا يوجد تيار آخر، وبالتالي هذه التوصيفات توصيفات وهميّة، قد تستند إلى رغبة البعض بأن يكون هناك تيارات داخل الحزب. وعلى كل حال، لكل شيء آثاره من الآثار الواضحة، إننا نتحرّك كتلة واحدة ونوزّع مهامنا بشكل دقيق وحيوي، ولا يوجد في الحزب وجهتا نظر، يوجد وجهة نظر واحدة، بعد أن نناقش كل التفاصيل في داخل الشورى، ونوحّد آراءنا في اتجاه أي قضية من القضايا، إذن في الحزب توجّه واحد ولا يوجد توجّهان.

> هل أنتم نادمون على دخولكم الحكومة؟ وهل أنتم مع تغيير الحكومة الآن؟

< لسنا نادمين على دخول الحكومة، بل نعتبر أننا حقّقنا عدداً من الانجازات بهذا الدخول، أهمّها أن الحكومة الحالية هي أوّل حكومة تضع في بيانها الوزاري كلاماً واضحاً عن حماية لبنان، والدفاع عن لبنان وتحرير مزارع شبعا بالمقاومة، وهذا أمر كبير جداً. وعلى كل حال، وجودنا حقّق مجموعة من الفوائد السياسية الأخرى. نعم نجد أن هذه الحكومة ضعفت كثيراً، ولم تعطي بفاعلية، وإذا استمرّت بهذه الطريقة سيكون فشلها ذريعاً. نحن لا ندعو الآن إلى إسقاطها لاعتبارات سياسية مختلفة، لكن إذا كان بالامكان أن نصل إلى حكومة وحدة وطنية فهذا أمر جيد.

> ... وهل ستشاركون بها؟

< لا يوجد وحدة وطنية من دوننا، ومن الطبيعي أن نكون من الأطراف الأساسية الممثلة فيها، ومنها «التيار الوطني الحرّ».

> في ظلّ حمّى المونديال، وفي ظلّ ضآلة فرص فوز أو تأهّل السعودية وتونس وإيران إلى مراحل أخرى من المونديال، من تشجّعون؟

< لستُ مهتمّاً كثيراً بكرة القدم، وليس عندي فريق دون آخر، لكن بصراحة أرغب أن ينجح صاحب الكفاءة.