مقابلات

لقاء سماحة الشيخ نعيم قاسم مع مجلة "الرجل" 1-3-2005

- الانفصام في الشخصية يحكم الشباب

- الانفصام في الشخصية يحكم الشباب

- حزب الله لم يكن مرحلة ونمللك رؤية واضحة‏

- يصادرون دور العراقيين بالتنظير الخارجي‏

- وفي المقابلة نبذة من سيرة سماحة الشيخ‏

يبدو الحوار مع نائب الامين العام لحزب الله اللبناني أخطر من الحوار مع الامين عام نفسه السيد حسن نصر الله وتبدو الصورة اليوم على الاقل في بيروت تسير على خُطى متوازية بعيدة ولا تلتقي الخط الاول يؤكد انتهاء دور حزب الله وسحب الغطاء من فوق رأسه أي السلاح والثاني يقول بأن الدور السياسي قد بدأ يعلو أكثر والمستقبل يبشر بالكثير من هنا كان هذا التباين هو حقيقة ما جعلنا ندخل بشكل تلقائي الى دولة الحزب عبر الرأس المدبر له والوقوف في حديث سياسي من آخر التطورات وبالتالي التعرف على نعيم قاسم الجنوبي المولود في بيروت وكيف وصل به الامر الى الحزب وتفاصيل أخرى..‏

لقاء هادىء لرجل تحكمه الارادة والصبر والحكمة لهذا ربما يُسمى بالحاكم الاول من خلال الوجهة اللبنانية لمسار حزب له ثقل كبير يمتد من الشرق الاوسط ويصل الى أميركا ويحتل موقعاً كبيراً‏

الوجه السياسي :‏

بيروت - نسرين يوسف‏

* كيف قرأتم خطاب الرئيس بشار الأسد ؟‏

** إن خطاب الرئيس بشار الأسد قد جاء في مرحلة مفصلية هامة صاحبتها ضغوطات دوليّة كثيرة على لبنان وسوريا حيث أنجز هذا الخطاب شرحاً وافياً للرؤية التي يزمع الرئيس الأسد إتباعها خلال المرحلة القادمة بعد أن أجرى تقييماً إجمالياً للمرحلة السياسية الحالية والسابقة وعليه نستطيع أن نفهم من الخطاب حجم الضغوطات الدولية الموجودة ومؤشرات الخطوات اللاحقة وعلى رأسها آلية الإنسحاب من لبنان وفق اتفاق الطائف ، كما أكدّ الرئيس صمود سوريا وثباتها في مواجهة التحديات المختلفة في إطار صياغة المنطقة من جديد .‏

* ماذا بعد الإنسحاب السوري من بيروت ؟‏

** إن القرار السوري بالإنسحاب من بيروت لا يعني تحقيق مخططات العدو في الإستفادة من هذا الإنسحاب فقد وصل الواقع اللبناني إلى درجة عالية من التماسك والقدرة لمواجهة التحديات ما يساعد على إيجاد صلة فاعلة ومؤثرة مع سوريا حتى ولو لم تكن موجودة في بيروت وإنما كانت في البقاع أو نفذّت إتفاق الطائف وخرجت من لبنان ، ذلك أن ما حصل من نمو لحالة المقاومة والممناعة في لبنان إضافة إلى ثبات العلاقة بين لبنان وسوريا وقناعة الشعب اللبناني بأهمية الدور السوري وضرورة بقاء العلاقة المميزة والمتماسكة وخاصة على صعيد المسارات السياسية والجهادية المواجهة للمشروع الإسرائيلي فإننا لا يمكن أن نلحظ متغيرات فعلية على الأرض بالإتجاه السلبي كما يرغب البعض وإنما نؤكد على ما هو عليه الواقع اللبناني قد وصل إلى مرحلة قادرة في أن يقف أمام التحديات وإن كانت الضغوطات ستكون أكبر .‏

* لماذا تأخر نزول حزب الله والموالاة إلى الشارع؟ وما هي أبعاد هذا التحرك ؟‏

** لم يرغب حزب الله أن ينافس المعارضة في لحظة حساسة وفي لحظة كانت الأجواء المصاحبة لإغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لحظة عاطفية مؤثرة استغلت بشكل كبير وكان أي نزول إلى الشارع ستكون له دلالات مخالفة لما يريدها حزب الله . الحزب لا يرغب أن ينافس شارعاً كما لا يرغب أن يكون هناك تحديات متبادلة لكن عندما وجدنا أن الصورة التي تعطيها المعارضة صورة غير معبرّة عن الواقع اللبناني الحقيقي وعن مزاج الشعب اللبناني وكذلك رأينا أن حجم الضغوطات الدولية قد ازدادت كثيراً ومن المناسب أن نعلن رأياً صريحاً وأن نعبِّر عن مدى انسجام الشعب اللبناني مع طروحات حزب الله والأحزاب والقوى الموالية ، عندها كان لا بد من النزول إلى الشارع في هذه اللحظة التاريخية .أقول أن النزول قبل ذلك كان سيفسِّر خطاً والتأخر عن ذلك سيؤدي بنا إلى المزيد من الإلتباس والمضاعفات في الساحة السياسية .‏

من هنا هذا هو التوقيت المناسب ليقول حزب الله كلمته وليعبِّر عن رؤيته الواضحة في رفض القرار 1559 ورفض التدويل والتأكيد على العلاقة المميّزة مع سوريا وحماية المقاومة والتأكيد على الحوار الداخلي وكذلك العمل الجاد على كشف حقيقة إغتيال الرئيس الحريري ، كلها عناوين كانت السبب والخلفية الحقيقية لتحرّك حزب الله ، لقد أراد حزب الله أن يقول من خلال حركنه أنه وحلفاؤه موجودون في الساحة وأنهم يمثلون شريحة كبيرة من الشعب اللبناني وأن صوتهم حاضر وفعّال وليس صحيحاً أن تُسمع الأصوات الأخرى من دون أن يؤخذ بعين الإعتبار ما هو موجود في ساحة حزب الله ومن معه .‏

* ماذا بعد كل ما يجري سياسياً وفي الشارع ؟‏

** يفترض أن تكون الرسالة في الشارع واضحة هي رسالة إلى الخارج بأنه ممنوع التدخل في الشأن اللبناني وأنه ممنوع إحداث الفتنة وإرباك الحالة الداخلية ولا يمكن للتدويل أن يسري على لبنان ، وكذلك هي رسالة للداخل بأن تعالو نتعاون مع بعضنا البعض ، فلكم شارعكم ومؤيِّدوكم ولنا شارعنا ومؤيِّدونا وبالتالي لا يمكن أن يكون التنافس عبر الشارع فق أدى كلٌ وجهة نظره وبيّن قدرته ومكانته وعلينا أن نعود إلى الحوار بكل ما للكلمة من معنى فهو الذي يحلُ لنا مشكلتنا في التعاون وفي النهوض بلبنان .‏

* كيف كان مشهد الحشد في المسيرة التي دعا إليها حزب الله ؟‏

** لقد كان مشهداً مميزاً وفي الواقع لم يحصل في تاريخ لبنان أن تخرج مسيرة بهذا الحجم وبهذا الإنضباط وبهذا التنوع الطائفي والسياسي والمناطقي الذي شمل شرائح متعددة من لبنان من أقصاه إلى أقصاه أي من الشمال والجنوب والبقاع والجبل وبيروت وقد بلغ الحشد بحسب بعض وكالات الأنباء مليون وستمائة ألف ، مما يعني أن هذه الصورة تؤكد على الحيوية التي يتميز بها الشارع اللبناني وأنه حاضر بفعالية للدفاع عن عناوين حركته وعن رؤيته في رفض التدخّل الدولي وفي التأكيد على حقه في الحرية والسيادة والإستقلال وحماية المقاومة .‏

* كيف تفسرون التباين ما بين الموقف السوري والقرار 1559 وموقف حزب الله منه ؟‏

** إن سوريا دولة لها طريقتها في التعاطي مع القرارت الدولية وهذا شأنها وهي التي ترى ما يناسبها ، أما نحن محزب فلسنا ملزمين بما تطرحه القرارت الدولية خاصة عندما يمسّ الأمر حقنا في الإستقلال وبلدنا وأرضنا ، ففي القرار الدولي دعوة إلى نزع سلاح المقاومة ونزع سلاح المخيمات ونشر الجيش في الجنوب من أجل حماية المشروع الإسرائيلي وهذه أمور مرفوضة وبالتالي نحن نعتبر أننا نمثل هذا الشارع اللبناني العريض وأن ادولة والمقاومة والشعب اللبناني منسجمون في تلك لقوة التي تواجه الإحتلال فلا علاقة لتلك الدول الكبرى من خلال مجلس الأمن أو بالسيطرة الخاصة التي تمارسها أمريكا أن يتدخّل في شؤوننا وأن يفرضوا علينا قرارات خارجية . كان الأولى بالنسبة لهم أن يلتفتوا إلى الإنتهاكات المتكررة التي ترتكبها إسرائيل منذ خمسين سنة حتّى الآن والقرارت الدولية التي لم تلتزم بها بدل أن ينشئوا قراراً دولياً يتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية .‏

* هل توافقون من يقول أن الطائفة السنيّة هي الخاسرة والمستهدفة في لبنان اليوم ؟‏

** لا أرغب الحديث في هذه الطريقة ، وكأن ما يجري هو تحصينات طائفية ، وكل طائفة تربح أو تخسر بحسب التجاذب الموجودة في الساحة ، لأن ما رأيناه هو تجاذبات سياسية لها علاقة بالمواقف التي شاركت فيها من جميع الطوائف مع الموالاة ومن جميع الطوائف مع المعارضة ، بصرف النظر عن حجم وقوة كل فريق وحجم وقوة كل ممثل محسوب على طائفة معينة هنا أو هناك . لذا أن نأتي بالموضوع على قاعدة حسابات الطوائف . وأن طائفة تعمل ضدّ طائفة ، يعتبر تحليلاً خاطئاً . فهو غير مطروح بالأصل . فلنبدأ بحادثة إغتيال الرئيس الحريري ، هذه الحادثة الضخمة لكون الرئيس الشهيد كان يتمتع بموقعية في الطائفة السنية من ناحية وفي الموقع اللبناني والعربي والدولي من ناحية أخرى . إذن له رمزيته البعيدة المدى والمتشعبة من آن معاً وهو ركن سياسي في البلد وبالتالي مع إغتياله خسر البلد ركناً كبيراً لا يمكن حصره بالعنوان الطائفي ، وأن ترك آثاراً معينة في الخصوصية السنيّة . لكنه ترك ايضاً آثاراً في الخصوصية اللبنانية . وعليه فان من إغتاله فكّر جيداً على ما يبدو في الأثر الذي سيتركه هذا الإغتيال . بإحداث الإرباك في الساحة وتصعيد حال الخلاف والتجاذب التي يمكن أن تحصل في فترة هذا الإغتيال .‏

* لكن لماذا لم تعد تطالب المعارضة باستقالة رئيس جمهورية أميل لحود ؟‏

** كنا قد سمعنا في خطاب عدد من المعارضين مطالبة مستمرة باستقالة رئيس الجمهورية لعدم قناعتهم بالتمديد واحدثوا بعد ذلك حالة كبيرة من إثارة هذا الموضوع ، لكن لماذا توقفوا عنه فجأة؟؟ ولماذا تغيرت لهجة البعض؟ ، وما هي الضغوطات التي حصلت ، وما هي الحسابات الداخلية التي أثرّت بالموقف فهذه أسئلة يُفترض أن توجه إلى المعارضين الذين طرحوا هذا الأمر أو على المتراجعين منهم .‏

* إذا عدنا إلى إغتيال الرئيس الحريري ، إلى من يوجِّه "حزب الله" أصابع الإتهام ، ومن له المصلحة في ذلك ؟‏

** لا أفهم من عملية الإغتيال . رفع غطاء سياسي ، وإنما أشتم من هذا التوجيه محاولة توجيه التهمة لسوريا وللسلطة اللبنانية ، عندما يكون هناك حديث عن غطاء سياسي لأنه لم يثبت إلى الآن التفاصيل التي تشير باصابع الإتهام إلى السلطة أو من معها ، الأمر الثاني إذا أردنا أن نقول أن الغطاء السياسي الدولي هو الذي رُفع فيُفترض أن نكون قد وصلنا إلى قناعة بانه يوجد قرار دولي في هذا الأمر ، من بعض الدول الكبرى التي تهتم بالشأن اللبناني وهذا ايضاً يحتاج إلى ادِّلة جرمية يثبت ذلك .‏

من هنا سأقارب الموضوع بطريقة مختلفة .‏

من هو المستفيد في اغتياله فاذا وجهنا اصابع الإتهام الى سوريا والسلطة ، فنجد أن التطورات التي حصلت بعد الإغتيال توحي بأن سوريا مستهدفة ، بالنتائج ، فإذا كانت مستهدفة بالنتائج كيف تكون قد سببّت لنفسها مشكلة جعلت من التعاطي معها ، على الأقل من قسم من اللبنانين مؤذياً ومضراً بشكل كبير ، لكن إذا لاحظنا مثلاً مدى استفادة أميركا للمزيد من التدخل في الشأن اللبناني تحت عنوان أن المطلوب إخراج القوات السورية وأن لبنان بحالة خطر وأن سوريا لم تستطع أن تحمي مثل هذا الرجل وأن على اللبنانيين أن يهتموا بأنفسهم ويأخذوا مساعدة الدولة نجد أن الإحتمال وارد أما إذا أردنا أن نتحدث عن اسرائيل واطماعها في المنطقة وانها ترغب أن لا يكون لبنان مستقراً وقوياً مع مقاومته وما فعله هذا الرجل الشهيد من دعم وتأييد قد تقوم التضحية بمثل هذا الرجل أو إغتياله مقدِّمة لإرباكات ضخمة وقلب معادلات في الساحة تنشأ وضعاً جديداً قد يخدم اسرائيل . كما أنه يمكن للشريط الذي عُرض أن يكون صحيحاً ويمكن أن لا يكون . إذا كان صحيحاً وثبت بالأدِّلة المرمية وليس بالشريط وحده ذلك فهذا يعني أن الأنظار ستتجه إلى مكان آخر ، لذا يجب أن لا نستبق نتائج التحقيق لأن لكل إتهام مفاعيله ، وربما سيؤدي التعاون بين المحققين الدوليين واللبنانيين إلى كشف الحقيقة .‏

* هل أنتم مع محاسبة المسؤولين الأمنيين وبالتالي إقالتهم وهذا ما تطلبه المعارضة ؟‏

** ليس عندي دليل ، على التقصير ، لأنني لست مطّلعاً على تفاصيل ما قامت به الأجهزة الأمنية في المتابعة ، هذا الأمر يحتاج إلى لجنة تكشف بالتفصيل ما الذي قامت به الأجهزة الأمنية منذ عملية الإغتيال حتّى مجيء المحققين الدوليين ، فإذا تبين أنه يوجد تقصير ، نعم يجب معاقبتهم لكن أن نجزم الآن فهذا يتطلب معلومات .‏

* تحدّث أمين عام حزب الله عن لقاءات كانت تحصل مع الرئيس الحريري ، لماذا بقيت سريّة ولم يتم الكشف عنها ؟‏

** حصلت إجتماعات عديدة خلال الأشهرالأخيرة وخاصة في أجواء تشكلية حكومة الرئيس كرامي وما بعدها ، ولعلّ التاريخ الدقيق لبداية هذه الإجتماعات كان الحادثة الشهيرة التي حصلت في أحد أحياء الضاحية الجنوبية . أي في "حي السلم " ويومها أعلن السيد حسن نصرالله المسؤوليات عن الحادث ، ولم يُحمِّل رئيس الحكومة رفيق الحريري آنذاك مسؤولية الحادث لأنه لم يكن على علم بها ولم يكن على علاقة بها ، فاتصل الرئيس بأمين العام حزب الله ، وطلب لقائه بسرعة ، وكانت أو كلمة قالها هي بأنه يشكر السيد نصرالله لأنه لم يتهمه وهو قد تعود على الإتهامات من الجميع ، وما فعله الأمين العام وقتها ، التعبير عن المصداقية التي يتحلى بها الحزب ، وعن المواقف التي إعتاد الحزب أن تكون صادقة ، وكانت الإتصالات قبل ذلك غير مقطوعة مع الرئيس الحريري ، جاءت فكرة تشكيل الحكومة الجديدة بعد التمديد وبحكم وجودنا في المجلس النيابي ، وبحكم علاقتنا مع الأخوة السوريين ومع الأصدقاء الأساسيين بالساحة ، كانت أن يتم التداول في كيفية العمل لأنه توجد ملفات سياسية مشتركة ، ونحن وهو معني فيها ويمكننا كذلك أن نساهم معاً بتخفيف أجواء الإحتقان التي بدأت تبرز على السطح بعد القرار 1559 والتجاذب الذي بدأ يبرز بالبلد والذي تمثّل ببداية انعقاد لقاء البريستول وما تلاه فكان الرئيس الحريري يرغب في معالجة ما يمكن أن تتم واعتبر أن الحزب قادر على لعب هذا الدور كما له من مكانة ونحن كان لدينا رغبة ايضاً أن توجد قواسم مشتركة معه لما له من دور أساسي ، وهو ركن مهم في هذا البلد وله إمتداداته .‏

لبنان من هذا الواقع وكيف يمكن أن نتابع معاً مختلف القضايا ، إضافة إلى القضايا الداخلية ، فمثلاً المناقشات التي دارت موضوع المقاومة ومسألة التوطين ، وكذلك العلاقة مع سوريا ، إضافة إلى الإنتخابات النيابية وما يمكن أن تكون عليه .‏

أما السبب في بقاء اللقاءات سرية فهي رغبة مشتركة من الطرفين لإعتقادنا أن الحوار المجدي في لبنان في ظل ظروف معقدة يحتاج إلى غرف مغلقة حتى ينضج ، ثم نقدم النتائج إلى الرأي العام فتعطي أثرها الجيد ، كما أن تدخل المؤيدين والمعارضين كان سيعكِّر أو يحدث اضافات في مسائل وأمور لا توصل الحوار إلى نتائج إيجابية ، هذا الحوار لم يكن حواراً عادياً .‏

* لماذا كانت الإنتقادات إذن توجه من قبل نواب الحزب للرئيس الحريري طالما الحوار حميم ؟‏

**كانت توجد ثلاث مراحل في العلاقة مع الرئيس الحريري . المرحلة الأولى : عندما أتى إلى لبنان وترأس حكومة وبصراحة كنا خائفين من مسألة التسوية في المنطقة وكنا نسمع بعض التصريحات التي جعلتنا نخشى على المقاومة واعتبرنا أنه يوجد مشروع مضاد لمشروع التحرير .‏

فوقفنا مواقف قاسية وصلبة وكذلك فعل هو ، كنا في واديين مختلفين ، لكن بعد فترة فتحت قنوات حوار بيننا وبينه وبدأنا نناقشه بهواجسنا ويناقشنا بهواجسه فوجدنا طريقاً للحوار وبداية قواسم مشتركة وتخفيف المواقف المتشنجة ، وكما ذكر في بعض الجلسات بأننا بدأنا نزرع بذور الثقة ، وهذه فعلاً تحتاج إلى فترة ، كانت هذه المرحلة الثانية التي تجلّت في ظروف عدوان نيسان أبريل ، فكان الخطاب نحو المقاومة مختلف ، وأصبح مريحاً جداً من قبله ، وكان التعاطي مع الحكومة من قبلنا مغايراً للتعاطي السابق وبعيداً عن المخاوف .‏

أما المرحلة الثالثة : فكان فيها المزيد من التقارب إن كانت تلك التي جرت مع أمين عام حزب الله وإن كانت تلك التي جرت بين الرئيس الحريري ونوابنا ، هذه المرحلة كانت المرحلة الأفضل ، إلى ان حصلت لقاءات مكثفة بين الرئيس الحريري والسيد نصرالله . نظراً للإنعطاف الذي كان يلوح في المنطقة ، وكان لا بد للبنان أن يتأثر .‏

* هل كنتم تقومون بالتقريب بين الرئيس الحريري وسوريا ؟‏

**الموضوع وللعلم ، أن الرئيس الحريري له خطوطه مع سوريا ، وهي لم تنقطع ، ولسنا نحن وسطاء في العلاقات ، إنما كنا نناقش مسائل لها علاقة بلبنان والوجود السوري فيه ، والضغوطات الدولية ، لكن لم يكن هناك حاجة للوساطة .‏

* ألم يكن لرئيس الحريري هواجس من سوريا ؟‏

** لا أعتقد أنه كان يوجد هواجس إنما بعض الخلافات في وجهات النظر وبعض النقاشات التي عبّر عنها بطريقته وعّبرعنها الآخرون ، كذلك بطريقته وكانت النقاشات مستمرة .‏

* لو بقي الرئيس الحريري إلى أين كان يسير لبنان برأيك ؟‏

** الآن الرئيس الحريري إستشهد ، وإذا أردنا أن نعمّر بنيان مستقبلي سوف نعمّره على فرضيّة نظرية بالكامل ، لكن نقول أن الإتفاق مع الرئيس الحريري على شيء يعني تحقيق ما تمّ الإتفاق عليه وكان هو يحرص على النقاش معنا في مستقبل لبنان ، فيما يتعلق بالمقاومة وبالهجمة الموجودة على لبنان ، كان ربما وصلت إلى بعض النتائج الإيجابية وبالتأكيد لم نكن لنرى هذا الزلزال الذي أحسسنا به بعد إغتياله . لقد أخذت الأمور بعد الإغتيال إلى مجالات لم تكن موجودة بعد اغتياله .‏

* إلى أين تعتقدون أن المعارضة تسير ، وما هو توجهها ؟‏

**لا أعرف إلى اين تريد أن تصل هذه المعارضة؟؟ فالمعارضة بدأت قبل اغتيال الرئيس الحريري إلا أن هذا الحدث ولّد حالة استفادت منها المعارضة وكبرت الأمور إلى الحجم الذي رأيناه ، لكن السؤال هل كبرت الإضافات أولا زالت نفس الجهات التي سارت في هذا الإتجاه مع ظروف أكثر ملائمة لقناعاتها ولأساليب عملها هذا أمر ينقطع مع الأسابيع القالعة لأن الأمور ستتضِّح .‏

* نرى غزلاً سياسياً كبيراً من المعارضة ومن الموالاة لـ "حزب الله" لماذا ؟ وهل زادت قوة الحزب بذلك؟‏

** أفضل أن يكون تقييم وضع حزب الله في الساحة من الآخرين . لكن أذكر هنا للتوضيح فقط حزب الله هو أكبر حزب سياسي موجود في لبنان من حيث التنظيم والدقة ، وهو الحزب الذي استطاع أن يكون رأس الحربة ، وهو تمتع بمصداقية عالية ولم يكن جزءً من السلطة ، وكذلك من حركة الإعتراض التي نشأت فيها بعد وبالتالي كل الأطراف يجدون أن هذا الحزب الذي يملك المصداقية والواقع الشعبي والتمثيل النيابي والحيوية الموجودة عنده في التدخل في مجموعة من القضايا كلها تجعله محط أنظار فإذا كسبته أي جهة إلى جانبه ستقوى به ، هكذا ينظرون الينا ، حتّى عندما ساهمنا في لقاء عين التينة قلنا أن هذا ليس مقابل لقاء البريستول ، أن الحزب يؤمن بالحوار بين اللبنانيين ولا يجوز أن ينقطع ذلك وإلا إذا وقفنا أمام سلطة ترفض الحوار مع السلطة ، الى اين سنصل ؟ في النهاية لا بد من آلية للمتابعة فأما أن تكون الآلية عبر المؤسسات الدستورية وأما أن تكون عبر تعاون حواري تنضج الأمور بمساعدة المؤسسات الدستورية وإلا فأن البلد سيصل إلى مكان آخر ، لهذا نحن لسنا طرفاً متصلباً وإنما نوافق على المبادىء والأفكار المقنعة بالنسبة لنا .‏

* هل لكم اتصالات مع المعارضة ؟‏

** لنا اتصالات مع المعارضة ولم تنقطع .‏

* هل حزب الله اليوم مستعد لحوار المعارضة مباشرة والنائب وليد جنبلاط بالذات الذي ينشد ذلك ؟‏

** نحن مستعدون دائماً للحوار ، لم نقطع الحوار مع أحد لنبدأه مرة جديدة ، يبقى البحث عن المقصود من الحوار .‏

* هل دخول الحزب بالحوار المباشر مع المعارضة استثناء للموالاة ؟‏

** نحن طرحنا حواراً عبر لجنة عين التينة وجالت هذه اللجنة على الرؤساء الروحيين وبعض السياسين وهي التي تكمل جولتها على المعارض ، وحزب الله موجود في هذه اللجنة ممثلاً برئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد وهي تقوم بمهماتها ، ونجن جزء من هذه المهمة ، أما الإتصالات التنائبية قهي طبيعة لا تخل بلجنة الحوار هذه ولا تصادر مهمتها إنما كل اتصال يجري في النهاية يخدم الحوار العام ، لا نفكر بالإستثمار الخاص ، والحوارات الخاصة .‏

* أحد المعارضين قال أن الحل يكون في اجتماع البطريرك صفير وأمين عام حزب الله ، هل أنتم مستعدون لهذا اللقاء ؟‏

** هذا أمر يمكن حصوله إذا كان مفيداً ويخدم البلد ، لا مشكلة عندنا ، لكن العبرة في التهديدات اللازمة لحصول مثل هذا اللقاء ، علماً أن الحوار بين حزب الله وبكركي لم ينقطع أبداً ، أما هذا التشكل من الإجتماع ليس مطروحاً الآن كما أنه لا يمكن أن تختصر كل المشكلة الموجودة الآن في هذا اللقاء ، إذا كان هذا اللقاء يساعد سيحصل : إنشاء الله . إنما نعتبر أن الحل هنا والآخرين ليس لهم علاقة هذا ليس صحيحاً ، لأن هناك أطراف على الساحة تُمثل حضوراً وفعالية مهمة ، فليس من المعقول أن نغرق في شبر من الإشادة واعطاء الالوطن للحزب وأنسى كل تلك القوى ، نحن جزء من هذه الساحة نتمنى أن نتوقف مع الجميع للوصول بلبنان نحو الأفضل .‏

* هل تخيفكم هذه الإشادة بحزب الله ، وهل تعتقدون أن أبعادها غير سليم ؟‏

**لا تخيفنا لاننا لا نغتر بفعلها ، وندعو الله ليوفقنا بمزيد من التواضع ، وأن نعرف حجمنا الحقيقي ولا نرى أنفسنا أكثر مما نحن .‏

* هل يقف مساعد نائب وزيرة الخارجية ديفيد ساترفيلد وراء مشهد المعارضة ؟‏

** كان وجود السيد ساترفيلد في لبنان في هذه المحطة المهمة أمر مشبوه ، ومعلوماتنا أنه تابع التفاصيل كلها ، وعقد أثناء وجوده في بيروت سلسلة اجتماعات بعضها أعلن عنها وبعضها تمت في السر . وبالتالي ما وجد منسق أميركي بمكان ملتهب أو قلق إلّ وكان الأميركيين الدور الكبير في وضع المزيد من العراقيل والمشاكل لأنهم أصحاب مشروع وبالتالي هم يحاولون استغلال ما هو قائم للإستفادة منه . من هنا ساترفيلد لم يأتي سائحاً في لبنان ، بل كان مكلفاً بادارته لتنفيذ مخطط ولمتابعة ملف في ظل هذه التطورات ، وأحذِّر في أن يقع البعض في الشرك الذي نصبه لهم ، وأن يعتقد أن الأميركيين في خدمته . أن الأميركين لم يكونوا في خدمة أحد في يوم من الأيام ، بل في خدمة مصالحهم ، فالمراهنة على الأميركيين ستجعل المراهن في مهب الريح ، لأن أميركا كالغول ، الذي يأكل كل ما حوله . والأميركي يخطط أين ستكون هذه الفسيفساء اللبنانية في خارطة الشرق الأوسط الجديد الذي يريد أن يرسمه على شاكلة مصالحه انطلاقاً من تجربته لإحتلاله للعلااق خطوات المشروع الأميركي .‏

* هناك تلطيف أميركي للقرا ر 1559 . بالقول أنه روح الطائف ما هدف ذلك ؟‏

** كل التفاصيل التي تحاول أن تلطِّف القرار 1559 مرفوضة بالنسبة لنا ، إذا كان يعتقد السيد ساترفيلد أو غيره بأن القرار 1559 هو روح الطائف ، فليضعوا هذا القرارجانباً ولا حاجة بأن نربك أنفسنا بتفاسير ، وبتفاسير مضادة ، هذا هو الطائف أمامنا ، والكثيرون من يقولون أنهم يرغبون به ، فلنوفِّر المشقة ، أما القرار 1559 فهو بالنسبة لنا قراراً خطراً . فهو ينقل لبنان إلى دائرة الإشراف الدولي وبالتالي يدوِّل القضية اللبنانية ، وإذا اعتدنا أن نكون تحت رحمة الإدارة الدولية ستكون هذه الخطوة الأولى للخطوات التالية : التي ستجعل لبنان منتدباً من قبل مجلس الأمن بتحريض امريكي وفرنسي ، وبمتابعة اسرائيلية حثيثة ، وها نحن اليوم نرى أن اسرائيل سعيدة بالقرار 1559 . وسعيدة بالتطورات التي تحصل في لبنان لأنها تخدم المشروع الإسرائيلي . فالقرار 1559 يُدوِّل لبنان ويحرمه من استقلاله ، فضلاً أنه يطرح عدّة مسائل لها علاقة بالمقاومة وبالفلسطنيين وكلها مسائل مربكة للساحة اللبنانية .‏

* ماذا يعني حزب الله ، بأن بقاء سلاح المقاومة ليس مرتبطاً بـ "مزارع شبعا " ؟‏

** دائماً ما يذكر سلاح المقاومة وكأنه مشكلة ، ونحن عبّرنا مراراً بأنه لا يوجد شيء اسمه سلاح المقاومة ، كمشكلة في لبنان ، يوجد خيار إسمه خيار المقاومة وهذا الخيار يتطلب ادوات تنفيذية ، فالسلاح هو الآداة التنفيذية لخيار المقاومة . السؤال المطروح ، هل خيار المقاومة هو المطروح ! في مواجهة الإحتلال الإسرائيلي بان لبنان أصبح خارج المعادلة ، نحن من انصار فكرة عدم طمأنه إسرائيل ، في إخراج لبنان من المعادلة ، وفي آن حقاً في الدفاع عن أنفسنا وعن بلدنا بقوة المقاومة وأن التجارب السابقة تتفق أن القرارات الدولية التي كانت لمصلحة لبنان وعلى رأسها القرار 425 لم يطبق لمدة 28 سنة وبقيت اسرائيل محتلة لفترة طويلة من الزمن . إذن خيار المقاومة يجب أن يبقى حاضراً وهو محل تأييد من شريحة مهمة وكبيرة من فصائل وفئات وطوائف الشعب اللبناني ، فضلاً من الحكومة اللبنانية وبالتالي نعتبر خيار المقاومة خيار دفاعي يساعد لبنان على استمرار استقراره وإطمئنانه من جهة العدو الإسرائيلي . السبب في ذلك أن المقاومة حررّت واوجدت معادلة توازن القوى مع اسرائيل ، ومنذ التحرير حتّى الآن أي منذ ايار 2000 لم تتجرأ اسرائيل أن تقوم بعدوان على لبنان خوفاً من ردة الفعل على هذا العدوان ، إذن في النقطة الأولى نعتبر أن خيار المقاومة ليس تحريراً فقط وإنما خيار دفاعي ايضاً وهو الذي شكّل حماية من أي اعتداء اسرائيلي .‏

الامر الثاني هو مزارع شبعا . وهي لبنانية لم تحرر بعد ومن حقنا أن نبقى نقاتل بالأسلوب والتوقيت والظروف الملائمة لتحرير هذه المزارع .‏

* وفي حال انسحبت اسرائيل من المزارع ؟‏

** لو افترضنا أنها تحررت المزارع ، من يقول أن الخطر على لبنان من اسرائيل قد زال ومن سيمنعها من ان تدهل إلى لبنان مرّة أخرى ، بل من سيمنع اسرائيل من أن تأتي بطائراتها التي تجول بالأجواء اللبنانية بمعدل ست الى سبع طلعات يومياً . ومن سيمنعها من أن تأتي الى لبنان وتغتال قيادات وتقوم بعمليات كومندوس . زمن الذي يحمي لبنان ؟ إذا قال البعض أن الوضع الدولي هو الذي يحمي لبنان . لوجدنا أن هذا الوضع لم يحمه بالسابق بل شكّل حماية لإسرائيل وهذه التجربة ماثلة أمامنا . واليوم نسمع تصريحات من أعضاء مجلس الأمن ومن أميركا تبين لنا أنهم يوافقون على كل القتل الإسرائيلي من دون أي رادع ويباركون لهم أعمالهم . كيف يحمي لبنان نفسه ؟ باعتقادنا أن المقاومة تشكل حماية طالما أنها لا تتجاوز حدود خصوصيات لبنان وأنها تلتفت الى أهمية الظروف الساسية والتطورات . أيهما أفضل أن يكون لبنان من دون قوة لبنان أم أن يكون لبنان مع هذا الرصيد المقاوم ؟ من كل الأحوال لا أتوقع أي انسحاب اسرائيلي في المرحلة الحالية لأن الأسرائيلين يفكرون بالأمان وإنسحابهم خسارة لهم .‏

الحزب وفلسطين‏

* هل هذا يعني أن ليس لـ "حزب الله " استراتجية أبعد من لبنان ، أي فلسطين ؟‏

**فيما يتعلق بالموضوع الفلسطيني ، فإذا فُسِّر هذا الحضور لحزب الله كعامل دعم للفلسطنين فهذه نقطة إيجابية وليست سلبية ، فنحن نعتبر أن واجب كل العرب والمسلمين أن يتساندوا القضية الفلسطينية ، فكل الأشكال المناسبة يجب أن تكون بحزمة هذا الشعب لكن في النهاية يجب أن نفهم شيئاً ، لا أحد يحرر فلسطين إلا الشعب الفلسطيني وكل من يساعد ويدعم ويعاون إنما يقوم بواجبه القليل أمام عطاءات وتضحيات الشعب الفلسطيني ، وهل أصبح مستنكراً أن نؤمن بحق الشعب الفلسطيني ، أن يعيد أرضه ، وأن نؤمن بوجوب عودة الفلسطنينين إلى فلسطين ، وهل مستنكراً أن يقاتل الفلسطيني ليدافع عن أرضه وعره وآماله ، وبالتالي نرى كل الدعم لإسرائيل المعتدية من أميركا وغيرها من الدول الأخرى . وتعتبر أن هذا الدعم اللامحدود طبيعي ، وهو يمارس بكل الوسائل .‏

أما إذا دعم حزب الله الفلسطيني ببعض الأمكانات أو المواقف . فيكون هذا مستنكراً ؟ لماذا . نحن نعتبر أن مقاربة المسألة ، مقاربة خاطئة . نحن كحزب الله ، نؤمن أن الأرض المحتلة يجب أن تحرر ، وأن التحرير لا يكون إلاّ بالمقاومة ، خاصة مع أسرائيل وأن الشعب الفلسطيني من حقّه أن يحرر أرضه . ونحن إلى جانبه ، في حقّه هذا ، بصرف النظر عن تفاصيل آداتنا لهذا الدعم .‏

العراق وحزب الله‏

* كيف ينظر "حزب الله " إلى المشهد العراقي بشكل عام ؟‏

** دخلت اميركا الى العراق محتلة لأن لها مشروعاً وهذا لا بنفي حق الشعب العراقي بأن يتخلص من المجرم صدام حسين ومن معه . فإذا كان الإحتلال الأميركي يعتبر أنه قام بما عليه إذن يُفترض أن يوفر كل الأسباب اللازمة ليأخذ الشعب العراقي حقّه في الحرية الكاملة وفي الإستقلال الكامل وان يتابع شؤونه بارادته وباخياراته . لن يتحول الإحتلال الأميركي في العراق إلى عمل مُشرِّف مهما كانت النتائج وبالتالي نحن نعتبر أن خروجه عاجلاً أم آجلاً هو مطلب طبيعي لأن أي شعب من حقّه أن يعيش مستقلاً بعزل عن أي وصاية وعن أي معاهدات تحت الضغط وتحت الإحتلال . وهنا أحب أن أؤكد أن الشعب العراقي ضحى كثيراً وانه جدير بالإختيارات التي يراها مناسبة . ولا أعتقد بانه بحاجة لأن يأخذ دروساً من أحد . من شأنه أن يختار ما يشاء وأن يستفيد بالطريقة التي يراها مناسبة وهو عنده قيادات حكيمة وقادرة وفعّالة وتستطيع أن تشق طريقها وطريق الشعب العراقي لما تراه مناسباً . لذا نحن كحزب الله لا نتدخل في تلك الخيارات ولا نعتبر أننا أوصياء أو موجّهين بهذا الحقل بل بالعكس نعتبر أن الشعب العراقي هو شعب مجاهد قدير يختار ما يصلحه وبالتالي كما يتحمل مسؤولية أي اختيار علينا أن لا نصادر هذا الأمر بالتنظير من الخارج سواء كنّا نحن أو كان غيرنا لأن من عاش ويده في النار غير من ينظر عن بعد .‏

أما بالنسبة لمقاومة الإحتلال فالفرق كبير جداً بين مقاومة الإحتلال الأميركي وبين قتل الشعب العراقي . ما نسمعه عن عمليات انتحارية تدخل إلى المساجد ومخافر الشرطة . وإلى المواطنين والأسواق . هي عمليات إجرامية بكل ما للكلمة من معنى . كائناً من كان فاعلها لأنه لا يوجد أي تبرير لا شرعي ولا أخلاقي لمثل هذه الأفعال .‏

* ما الهدف من هذه العمليات ؟‏

** أعتبر أن الهدف الأساسي لمن يقومون بها هو إحداث الفوضى في العراق. وابعاده عن الإستقرار ومحاولة ايجاد حنافات للفتنة ليبقى العرافيين في دائرة التوتر والإرباك وعدم الأستقرار وعدم القدرة على إدارة شؤونه وأوضاعه وهذا يجب أن يكون واضحاً في أننا نقف بشدة أمام الإجرام الذي يحصل في العراق . إذ لا يُبرر أي عنوان قتل الشعب العراقي .‏

ايران وسوريا - واسرائيل‏

* أين هو الدور الإيراني في المنطقة اين ايران من مساندة سوريا ولبنان ؟‏

** علاقة سوريا بايران بدأت مع انتصار الثورة الإسلامية في سنة 1979 وكانت في الواقع علاقة مميزة . أثر الظروف التي مرّت بها تلك المنطقة مع العدوان العراقي على ايران في سنة 1980 الى سنة 1988 . فمصالح سوريا وايران تطابقت بشكل كبير كما أن الرؤى توافقت من مختلف القضايا المطروحة . من هنا هذه العلاقة المميزة وهذا التعاون وأعتقد أن التعاون سيبقى وثيقاً ومستمراً في كافة المجالات .‏

التهديديات الإسرائيلية تتصاعد ، خاصة بعد كل عملية تنفذ داخل اسرائيل ، فهل تتوقعون أن ترد اسرائيل في أي وقت ياستهداف سوريا أم لبنان ؟ .‏

بعد الأرباك الإسرائيلي ، في توجيه التهم إلى عدة أطراف ، تكفل كل مسؤول اسرائيلي ، نتيجة توزيع الأدوار فيما بينهم ، بدأت تنحصر من كل مرّة في جهة واحدة . لكن لا أعتقد أن هذا الأمر سيؤدي الى عمل في لبنان وفي سوريا لأن الإثنان غير مسؤولين عمّا يحصل في الأراضي المحتلة . فإسرائيل التي لا تحتاج إلى توافر المعلومات لتؤكد أن أحد من هذين الطرفين خارج فلسطين المحتلة هم المسؤولون عن أي عمل يجري . تجول في الدول للتحريض على سوريا ولبنان . لكن هل يحصل عدوان في هذه الفترة أو لا يحصل ؟ أعتبر أنها حماقة من اسرائيل إذا قامت بهذا العدوان في هذه المرحلة لأنها تحتاج إلى فترة لترتيب الوضع في الداخل الفلسطيني بعد المشروع الذي طرحته اسرائيل والتهدئة التي اتفق فيها أبو مازن مع الفصائل الفلسطينية . إذن هناك مشروع اسرائيلي في هذه المرحلة يريد شارون أن يمرّره وأن يستثمر نتائجه في التطبيع الذي حصل مع عدد من الدول للأسف . ولا يريد أن يُخرب على نفسه .‏

* هل تعتقدون أن التهدئة التي توافق عليها الفلسطنيون ستطول مع الإسرائيلين ؟‏

** لا أعلم إذا كانت التهدئة ستطول ، لأن اسرائيل لا تتحمل أن تنتظر إذا وجدت أهدافاً دسمة أو رأت خطوات اتساعية في مشروعها العدواني وعودتنا اسرائيل بأن تتابع دائماً سياستها بطريقة عدوانية ، فلم تقم في مرحلة من المراحل بخطوات سياسية مفصولة عن العدوان أولاً .‏

الوجه الآخر ...‏

ولد الشيخ نعيم قاسم في بيروت ،في شارع البسطة التحتا ، في العام 1953 ، و تعود جذوره الى الجنوب ، وتحديداً الى قرية كفرفيلا . لكن والده قد ترك البلدة منذ أن كان عمره ثماني سنوات ونزل الى المدينة بعد أن توفي والده . فبدأ يعمل عند خاله في الفرن وبدأ يشق طريقه بنفسه من دون أي قدرة وإمكانية عالية كافية . الى أن استأجر بيتاً هو البيت الذي ولد فيه قاسم . وقد كان مؤلفاً من غرفة، وصالون ومطبخ . وبقي الشيخ نعيم قاسم في هذا البيت المتواضع مع أهله الى سن الرابعة عشرة . من عائلته كانت تضم والده ووالدته واربعة صبيان ، وبنت واحدة .‏

كان والده سائق تاكسي في هذه الفترة . يعمل من السادسة صباحاً حتّى الثامنة مساءً من دون انقطاع بحيث يأكل أثناء العمل . وتولّدت لدى الناس الذين كانوا يتعاملون معه في منطقة الاسواق في البلد ثقة الى درجة أنهم أصبحوا يرسلون الاموال والبضائع وما شابه لنقلها الى اماكن مختلفة وهذا ما وفّرله مع الوقت الى شراء مبنى في منطقة المصيطبة، فانتقلت العائلة الى أحد طوابقه بعد قطعت مرحلة في ذلك البيت القديم .‏

يقول الشيخ نعيم قاسم : كان والدي اميّاً ، لكنه كان يقول لي دائماً أطلب مني ما شئت لكن عليك أن تتعلم ، ولا أريدك أن تفكر بميدان العمل مطلقاً .‏

تابعت دراستي الى المرحلة الثانوية ، ثمّ دخلت بعد ذلك الى كلية التربية في الجامعة اللبنانية بعد أن نجحت في امتحان الدخول في مادة الكيمياء في اللغة الفرنسية ، وهناك تابعت دراستي الجامعية لكن قبلها في صف الباكالوريا ، بدأت انفتح على الواقع الديني .‏

متزوج وله اربعة صبيان ، وبنتان ، والصغير يبلغ الرابع عشر من عمره .‏

* هل كانت عائلتك متدينة وكيف سلكت الطريق الديني ؟‏

** والداي كانا يُصليان ويصومان بيئة تقليدية أي لم يكن عندهما سعة علم واطِّلاع وإنما حياة عادية عندما كنت في ذلك الصف ، رغبت أن اتردد الى المسجد القريب من بيتنا حتّى امضي بعض الوقت في شهر رمضان المبارك ، فكان أن استمعت الى بعض المحاضرات من بعض العلماء الذين كانوا يحضرون واستأنست لما كنت أسمع ، فرغبت أن أزيد من اطلاعي ، وبحكم اهتمامي بالكتاب والدراسة والعلم ، طالعت كتباً اسلامية بشكل كثيف جداً ابتداءً في مرحلة الدراسة الاخيرة العلوم الإختيارية ، هذا الإطِّلاع فتح لي آفاقاً واسعة ، فكنت ألاحق المحاضرات التي يعلن عنها حتّى في الأماكن البعيدة عن بيتنا . وأنا في الجامعة وجدت أنني ما حصلته من علم بواسطة المطالعة والمتابعة الدينية ليس كافياً ففكرت أن أبدأ بشكل منهجي بالدراسة الحقيقية وبدأت بالدراسة "الحوزوية " بدأت فيها من الصفر وقطعت مراحل جيدّة في هذا الأمر ، وانتقلت من مرحلة الى مرحلة ، في الوقت الذي كنت أتابع فيه دراستي الجامعية وفي الوقت الذي كنت فيه أدرِّس مادة الكيمياء باللغة الفرنسية في المراحل الثانوية ..‏

وبعد أن تقدمت دراستي الحوزوية ، ارتأيت في سنة 1983 أن أتعمم . وجدت أنني قد أسدي خدمة أكبر من لو لم أكن كذلك . هنا بدأت مسيرتي باتجاه آخر مع أنني لم أنقطع عن الدراسة .‏

* كيف بدأت السياسة ؟‏

** في العام 1975 بدأت أعمل مع حركة أمل . أما في السنوات الأولىلالتزامي الديني لاحظت أن بعض الطلاب وكان عددهم قليل رغبوا أن يفعلوا نشاطاً جامعياً فشكلوا "الإتحاد اللبناني للطلبة " . الذي كان عمله محدوداً . وأذكر أنني كنت في كلية التربية الوحيد في هذا الإتحاد لكن كنا نعتبر أنه نشاط اسلامي عام . فيما بعد شاركت في تأسيس حركة أمل واستلمت موقع نائب مسؤول العقيدة والثقافة في وقتها . وبعد أن غُيّب الإمام الصدر ، تركت حركة أمل . وكانت فرصة للمزيد من الإهتمام بالجهاد . بعدها انخرطت في حزب الله . وكان نشاطي محدوداً في البداية ، نشاطي الفعلي والمعلن بدأ في العام 1989 بعد أن كان غير معلن . رغم أنني كنت عضو "شورى الثانية" التي كانت في الحزب . ثم مع مجيء أمين عام الحزب صبحي الطفيلي وكان أول أمين عام للحزب . توليت منصب نائب رئيس المجلس التنفيذي ثم بعد ذلك رئيسه بعدها تمّ اختيار سماحة السيد عباس الموسوي ، ليكون أميناً عاماً للحزب . فتم استحداث موقع نائب أمين عام . فاختارني نائباً له ، لكن المسألة لم تستمر إلاّ ستة أشهر لأن العدو الإسرائيلي اغتاله . وبعد اختيار الشورى للسيد حسن نصرالله أميناً عاماً ، تسلمت ايضاً موقع نائب الأمين العام الى اليوم .‏

* هل أنت مرتاح للخيار الذي سلكته في حياتك ؟‏

** أشعر أنني أعمل من كل قلبي . وأعيش حالة من الأستئناس في عملي لأن الخيار أخذته من خيارين واحدث انقلاباً في حياتي ، فبين أن يضع انسان "عمامة" أو لا يضعها هناك الكثير من الأمور التي ستتغير ، كطريقة الحياة وطبيعة العلاقات ، ومستوى الإحتكاك الإجتماعي . فهناك الكثير من الضوابط التي تؤثر فيها العمامة .‏

* هل تشتاق الى الحرية ؟‏

** لا أشعر بأدنى حسرة على هذا الإختيار بالعكس أشكر الله تعالى أنني توفقت الى هذا المسار ، أنا أرى فائدة من هذا العمل . لكن نعم أشعر في بعض الأحيان أنني أحب أن أتحرك بحرية ، من دون ضوابط أمنية ، هذه الأمور أشتاق لها لأن هناك مجموعة شروط تقيدنا لوجود بعض الأخطار لكن مع الهدف الكبير يعتاد الإنسان على هذه الأمور .‏

* إذا قيل لك ، لا ضوابط ، ولا مخاطر ، ما أول أمر تفعله ؟‏

** أتمشى في الشارع .‏

* هل ما زلت تذكر الشوارع ؟‏

** كنت أعرف كل الشوارع في بيروت ، وأعرف بعضها في الضاحية الجنوبية ، لكن طبعاً في هذه السنوات تغيرت المعالم ، لكن تبقى بعض الثوابت في كل الأحوال إذا نزلت الى الشارع ، أستفسر واستدل ... لكن أحب المشي .‏

* بين الكيمياء والدين والسياسة ، كيف استطعت أن تجمع ما بين هذه الإتجاهات ؟‏

** لم أبدأ الكتابة الفعلية إلاّ في سنة 2001، كانت لي بعض المقالات والمحاضرات المكتوبة ، لكن لم أكتب سابقاً ، وكنت دائماً أعتقد أنه بسبب كثرة انشغالاتي واهتماماتي العلمية ، ليس عندي امكانية أن أجدد جزءاً من الوقت للكتابة ، لكني كنت أعود الى حديث رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام الذي يقول : "إذا مات المرء انقطع عمله إلاّ من ثلاث : صدقة جارية ، وعلم ينتفع به ، وولد صالح يدعو له " . فكنت أقول لو أنني استطيع أن أترك علماً ما سيحصل شيء من الفائدة ، منذ زمن طويل أعطي محاضرات وعندي أكثر من ألف شريط مسجّل تقريباً .‏

لذا قررت أكتب فاخترت موضوعات تربوية . لأنها ضرورة في الساحة ، مع هذا الإهتمام كنائب أمين عام حزب الله وهو اهتمام سياسي بامتياز أحرص على تلبية عدد من اللقاءات التي تكون فيها المحاضرة ثقافية مئة في المئة . فأنا اشتاق الى هذه المحاضرات ، والى هذا النمط .‏

أول كتاب صدر لي كان عبارة عن عشرة محاضرات مسجّلة عن الإمام علي عليه السلام ، فقررت أن أبدأ بهذه المحاولة ، أن آخذها من الشريط وأعيد صياغتها ولا أخفي أن أول كتاب أنهيته أحسست أنني أنحت في الصخر ، لأنني لم أكن معتاداً على هذه الكتابة المتواصلة ، وهي تحتاج الى أوقات مترابطة . فأحسست أنني أنجزت إنجازاً كبيراً جداً . وأعتبرت أنني انتصرت على نفسي لمشروع كنت أؤجله وذلك لإرتباطي بالكثير من الأمور وكذلك لأنني كنت لا أثق بأنني إذا رغبت أن أكتب أستطيع أن أتحمل هذا الضغط .‏

* ألست صبوراً ؟‏

** أنا صبور جداً ، وأتحمل بشكل كبير ، لكن الكتابة لها صبرها الخاص ، في الحياة هناك قضايا مختلفة تحتاج الى الصبر أحياناً الكلمة التي تخرج من الآخرين قد تكون خارج اللياقة كلها تحتاج إلى صبر . لكن أشعر إجمالاً أنني قادر على امتصاص الشخص الذي أمامي . أذكر حادثة طريفة أنه في أحد اللقاءات التلفزيونية ، كان معي محاور آخر ، طرحت الإعلامية اسئلة فيها استفزازات كثيرة وكنا في الحلقة بعد عدوان نيسان 1996 وكان النقاش حول مواد تفاهم نيسان . كل الأسئلة كانت استفزازية وكنت أجيب بكل هدوء، تحت الهواء أثناء الإستراحة قالت لي الإعلامية "ما الذي يستفزك حتى تغضب "؟ قلت لها : لا أعلم أعتقد أن هذا الأمر صعب ، قالت : " ماالذي تفعلوه أنتم في هذا الحزب حتّى تمتلكوا هذه القدرة على أن تمتلكوا اعصابكم " قلت لها : إن الإلتزام الديني الذي يعلمنا على الهدوء والصبر والتحمل ، والواجبات الدينية هي التي تطبِّع الإنسان بشخصية معينة فمع المواصلة والمتابعة يصبح الإنسان يتمتع بهذه الخصال .‏

* ماذا عن كتبك وإصداراتك الأخرى ؟‏

** بعد التجربة الأولى لي ، وجدت أن رسالة الحقوق للإمام زين العابدين ، رسالة قيمة جداً ، ففي الفترة الأولى للإسلام هذا الإمام ، ألف هذا الإمام العضيم ألّف وكتب منظومة في حقوق الإنسان تتألف من خمسين حقّاً . والآن يدّعون أن حقوق الإنسان هي من اختراعهم وفكرتهم فاحسست أن هذه الحقوق من المهم أن نفسرها ونسلط الضوء عليها ونقدمها للأجيال ، فقد تعرض لحق الله وحق النفس ، وحقوق الوالدين ، وكذلك للجار والأخ والصديق والزوج ، والزميل ، والحاكم ، والرعية ، والمعلم ، والمتعلم ، وكل الحقوق التي تشكل مورد احتكاك الإنسان اليومي مع كل الاطراف الذين يحيطون به جئت الى هذه الرسالة التي عرضت عن كل حق حوالي أربعة الى خمسة أسطر تقريباً . فتناولتها بالشرح والتفسير ، ومن أجل تسهيل الامر على القارىء وجدت أنه من المناسب أن أقسِّم الخمسين حقاً بطريقة معاصرة يسهِّل على القارىء أن يتناولها بسهولة فكتبت سبعة أجزاء كل جزء يتناول موضوعاً متكاملاً ووضعت في هذا الموضوع المتكامل كل الحقوق المرتبطة بهذا الموضوع مثلاً حقوق الجوارح ، جقوق الوالدين ، حقوق الزوج والزوجة وغيرها . ثم وضعنا الكتب السبعة في مجلّد واحد ، لكن الملاحظ أنه أثناء تأليف هذا الكتاب أحسست بيسر هذا التأليف فما عانيته في الكتاب الأول لم أعانيه في الكتب الثانية ، فتبيّن لي أن المسألة كانت مسألة وهم لها علاقة بالإعتياد ، فمع الإعتياد والرغبة يمكن أن يكتب الإنسان خاصة عند وجود مضمون ثقافي .‏

ثمّ فكرت أن أكتب كتاباً عن "حزب الله " رأيت أن كثيرين من الذين يأتون الى لبنان والكثيرين من الصحفيين والذين يكتبون رسائل الدكتوراه يسألون أسألة كثيرة عن حزب الله والقاء الضوء على كل ما يتعلق تقريباً بالحزب يوفِّر وقتاً على الجميع ، ويسهِّل الأمور ، إضافة الى أن هذه التجربة عندما يكتب عنها في وقتها نكون قد حفظنا أشياء ربما فيما بعد نجد عسراً باستخراجها بشكل دقيق فاعتبرت أن الحديث عن منهج حزب الله وتجربته وما يراه من مستقبل أمر مفيد ومهم ويخدم فئات عدّة ، وأنا لا أقول أنني قدمت شيئاً يغطي هذه الفترة بشكل كامل ، لا ... إنما هي خطوة تحتاج في الواقع الى خطوات أخرى ، لأن تجربة حزب الله ضخمة الى درجة أنه لا تكفيها مجلدات . لكن كانت محاولة محدودة تؤدي إلى فائدة وخدمة . وبالفعل كان كتاباً مناسباً وأذكر أن الطبعة الأولى نفذت خلال عشرين يوماً فاضطررنا أن نطبع طبعة ثانية مباشرة .‏

ثمّ أنه بعد عام ترجم الكتاب في نهاية العام 2004 الى اللغة الإنكليزية ، وارسلناه الى لندن ، فجرت مناقشات عسيرة مع دور النشر ، لأن بعضها لم يتشجع على نشره ، بسبب عنوانه إلاّ أن أخذ دار الساقي قراراً بطباعته بعد قراءته ، وحسب خطته بدأ توزيعه في بريطانيا منذ شهر فبراير من هذا العام وفي نفس الوقت تمت ترجمة الكتاب باللغة الفارسية .‏

وبعد كتاب حزب الله كتبت كتاب عن عاشوراء وبعدها كتاب عن مكارم الأخلاق .‏

* ما هو عنوان الكتاب المقبل لكم ؟‏

** أمامي عدّة أفكار ، لكن يبدو لي أني سأكتب حسب الخطة الموجودة في ذهني عن الإرادة . كيف تقوي إرادتك !‏

* لماذا الإرادة ؟‏

** لاحظت في مجتمعنا أن هناك إنفصاماً في الشخصية بين المفاهيم التي يحملها الإنسان وبين الممارسات التطبيقية التي يطبقها . لاحظت أن الأفكار التي يحملها الشباب والشابات تكون في بعض الأحيان جيدة وسليمة لكنهم لا يطبقونها ، كمنظومة قيم ، واحدة من الإشكالات هي ضعف الإرادة . فكيف نقوي إرادتنا حتى نقوّي ما نؤمن به الى قيم عملية . أحسست في هذا الموضوع أنه فيه جانب ديني وفيه جانب نفسي وفيه جانب معاصر .‏

* كيف تقسِّم وقتك ما بين السياسة ، والكتابة ، والالتزام الديني ، والراحة ؟‏

**ً يكاد وقتي بالكامل من غير فراغ وتوفقت في حياتي الى دقة في توزيع الوقت الى درجة أني أضع خطّة وأحدد ما أريد أن أنجزه فأعطي لكل شيء حصّة وما أرسمه من أعمال أريد أن أقوم بها غالباً ما ألتزم به إلاّ إذا ما حصلت بعض الطوارىء السياسية ، لكن كما يقولون في وضع الخطط هناك خطط بديلة تعوّض تلك الإشكالات . ليس هناك وقت محدد بمعنى لا أرسم خطة دائمة بحيث أنه كل أسبوع يجب أن يكون هذا اليوم مخصّص لهذا الشيء برنامجي متحرك ، بحيث قد يكون أحد الأيام مملوء بالعمل السياسي وهذا اليوم هو نفسه بالأسبوع الآخر نصفه للتأليف ونصفه للمطالعة ، أحاول أن أقسِّم النهار الى ثلاث أقسام وأربعة أقسام . فليس هناكم نظام ثابت لكن يكون واضح ، منذ بداية كل أسبوع للتقسيم . أي أضع خطتي وأترك أوقاتاً فارغة من أجل التأليف .‏

* ماذا تقرأ غير الكتب الدينية ؟‏

** أقرأ بالتربية والسياسة وعلم النفس وبعض الكتب الثقافية العامة . العلمية والعادية ، لكن أغلب إهتماماتي بين القراءة الدينية والتربوية . بينما في القراءة السياسية أعتمد أكثر على مطالعة بعض الصحف والتحليلات والتقارير أكثر ما أعتمد على الكتب .‏

* وماذا عن عائلتك ، كم من الوقت تعطيهما ؟‏

** بالطبع أعطي وقتاً لها ، ولأولادي ، لكن بشكل محدود بحسب ظروفي وبحسب وضعي ما أعطيه لهم هو كافٍ ومفيد . وفي بعض الأحيان عندما أشعر أنهم بحاجة اليّ أكثر أتفق معهم على وقت للتحدث .‏

حتّى أن أبني أصبح يعرف طبيعة وقتي وتفكيري ، فيقول لي : أريد أن أتحدث معك ، متى استطيع؟ أحدد له الوقت ، أصبحت المسألة عادية .‏

* هل دائماً تجد المخارج المناسبة في حياتك ؟‏

** أحياناً . الأمر يسير ، لكن لا أخفي أنه في بداية حياتي كنت أحرص على الإنضباط وتنظيم الوقت . فكان البعض ينزعج مني ، ويقول أنه إذا أردنا أن نأتي إلى الشيخ يجب أن نأخذ موعدّاً ، لماذا لا نأتي اليه في أي وقت ونلتقي بدون حواجز أو مواعيد ، لكن اليوم أصبحوا يقدرون أكثر ، لأن ظروفي إختلفت وتفرض هذا الأمر، منذ زمن بعيد وأنا ألتزم بهذا النمط . هذا طبعي ، وكنت أحب أن يتصل أي شخص بي قبل أن يأتي لعندي . كي أتهيأ له وأكون في خدمته ، ولا زلت لا أرغب لزيارة أحد دون الإتصال به حتى لو كانت والدتي .‏

فحتى قبل أن أزور والدتي ، أو هي تزورني ، فلا بد ان أتصل وتتصل بي لتحديد وقت للقائنا ، هذا ما يضمن لنا أن نجد الوقت المناسب والمريح.‏

في كل الأحوال هذا الموضوع كان محل انتقاد عليّ منذ فترة ، كما أنني حريص جداً على الوقت ، فإذا كانت النصف ساعة لا يتوقف عندها البعض ، فأنا أستطيع أن أنجز فيها الكثير من الأشياء ، فالوقت له قيمة عندي .‏

* هل تنصح أحد أولادك بان يكون "معمّماً " أي أن يصبح رجل دين ؟‏

** أولادي جميعهم متديّنين ، و أترك أمر اتجاه كل واحد الى اختياره إلى الآن ليس هناك أحد منهم يتجه الى "المشيخة"، لكن الصغير له ميول دينية أقوى ، واحرص على أن يكون الإختيار بملىء الإرادة .‏

* شكرت في حفل توقيع كتابك زوجتك ، وهذا ما لم نعتاده من رجال الدين ، اين المرأة في حياتك ؟‏

** أنا متهم أنه في احاديثي وفي مواقفي عن المرأة بشكل عام أناصر حقوقها ، وأنا لا أجد أنّ في هذا الأمر تُهمة لأن ما في الإسلام من حقوق للمرأة يعتبر عظيماً جداً ، فكل ما أفعله هو أن أبرز هذه الحقوق ولا سيما حق الزوجة على زوجها . هناك أخطاء في التطبيق ، فكل إنسان يطبق تعاليم الإسلام يشعر أنه هو سعيد ، وكذلك زوجته وهي ستشعر بقيمتها ومكانتها ، هي ليست خادمة . وليست لإنجاب الأولاد فقط ، بل إنسانة بكل ما للكلمة من معنى لها حقوقها . اما بالنسبة لزوجتي أشعر أن هذه الحياة التي قضيتها معها كانت مليئة بالعناية والإهتمام وتوفير أسباب الراحة وهي تحرص على أن تقدم كل ما تستطيع وبالفعل أشعر بتضحياتها ، فكنت أعتبر أنني إذا ألّفت وكتبت وجرجت للنشاط السياسي فهي تحمي هذه الأسرة وترعى هذا المنزل . زوجتي مثقفة ومتعلمة وكانت تلقي محاضرات كثيرة ، وتشارك في كل المجالات الثقافية ، لكن في هذه الفترة خففت من ذلك كثيراً لأن العبء كبر في المنزل فاعطت أولوية لهذا . مع اعطائها الاولوية أعتبر أن جزء من الراحة له علاقة بما توفره فوجدت انه في توقيع الكتاب مناسبة لتوجيه الشكر لها . هي فوجئت لأنني لم اعلمها سابقاً بهذا الموضوع . أعتبرت أنني لو ذكرت لها هذا الموضوع ، لن يعود للموضوع قيمة ، أحببت أن أتحدث أمام جمهور الناس من دون أن تعرف إعترافاً بجهدها وعطاءاتها . واصدقائي المقربين يعرفون انني لا اتجامل معها أنها ما قلته هو ما انا مقتنع به .‏

* هل لدى الشيخ نعيم قاسم اصدقاء ؟‏

** لا أحد يعيش من دون أصدقاء ، طبيعي ذلك ، لكن الفرصة لا تسمح لي كثيراً لمزيد من اللقاءات معهم . حتّى مع الأصدقاء اللقاءات ليست كثيرة ، فليس في حياتي سهرات واوقات اسبوعية أقضيها في اللهو أو ما شابه .‏

* ماذا يعني لك حزب الله ؟‏

** حزب الله بالنسبة لي مسار وخط وتعبير كما الحياة الحقيقية التي قد تكون في المجتمع ، بل اصبحت اشعر أنني لا أستطيع أن أفصل بين شخصي وبين الحزب . أصبح التداخل كبير جداً ، لا أتصور نفسي من دون حزب الله ، وأشعر ان هذا الطريق فتح أبواب خير كثيرة للأمة ، وكان يجب أن نساهم جميعاً في هذا الطريق وأرجو أن نقدم أكثر الى نهاية الحياة . الحزب لم يؤثر بي فقط بل أثّر في الأمة ، في المجتمع ، فتعلمت كثيراً من هذا الحزب . في النهاية من الخطأ أن يتصور الإنسان أنه يعطي دائماً ، ان الإنسان يُعطي ويأخذ ، هناك دروس كثيرة يستفيد منها في سنة 1974 أذكر انه عندما يتحدث أمامي بعض الأشخاص عن الأحزاب اللبنانية كنت لا أحفظ أسمائها ، كان الأمر في وقتها خارج مزاجي وخارج تفكيري .‏

* كيف تصف علاقتك بأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ؟‏

** علاقة فيها من المودّة والمحبة والتعاون الكبير جداً جداً وأعتقد لولا هذا التناهي الموجود لما بقيت نائباً للأمين العام من سنة 1992 الى الآن . هناك تفاهم دائم ولقاء مستمر و محبة . لأننا عملنا ليس عملاً آلياً، بالنهاية الحزب منطلق عقائدي اسلامي فيها الإيمان والإيمان فيه الأخوة‏

والأخوة تولد المحبة ، قبل أن نكون في خط سياسي واحد وخط جهادي واحد ، هناك العِشرة والعمل المشترك ، فالعلاقة بيننا فيها المودّة وانعكاسها ظاهر للعيان .‏

* هل تسمع الأي الآخر ؟‏

** واحداً من دلائل الصبر عندي ، أنني أسمع للرأي الآخر لحين الإنتهاء ولا أقاطع وهذا معروف عني . ثم أنني عندها اسمع أفكر في الإستفادة وأغيّر رأي إذا اقتنعت بالفكرة ولا أعتبر أنها مشكلة .‏

* هل تتردد في في اتخاذ قرارها ؟‏

** حالات قليلة جداً ، تكون فيها بعض القرارت صعبة تلك التي أشعر انها تحتاج الى تأمل أكثر . أتردد فيها . احياناً في حالات قليلة أستخير الله على حسم الموضوع إذا تعلق بالأشياء الخاصة ، إنما بالمواضيع العامة من الأمور تحتاج الى أدلّة وما شابه .‏

* كيف تنظر الى المرجعية ؟‏

** المرجعية عند الشيعة هي مرجعية تقليد ليعرف المقلِّد تكاليفه في العبادات والمعاملات . فمن الطبيعي أن يكون واحداً منّا مقلداً لمرجع من المراجع وهي بعد طرح الامام الخميني بشكل فعّال ولاية الفقيه أصبحنا أمام شيء جديد لم يكن موجوداً سابقاً ، آمنا بولاية الفقيه وهي مركز على التزام المؤمنين بالولاية ، قد تجتمع بشخص وقد لا تجتمع ، والولاية كانت مجتمعة بالإمام الخميني ، وبعد ذلك أصبحت مجتمعة بالأمام الخامنئي الذي يجمع المرجعية والولاية حقاً فالمرجعية لمن أراد أن يُقلّد وكل إنسان يجب أن يُقلّد وهي تتعلق بأمور العبادة والمعلومات أي الشأن الخاص ، أما ولاية الفقيه فهي شأن العام .‏

* هل أنت قلق؟؟‏

** يقلقني شيء واحد هو مخططات الكفر العالمي لإفساد الأجيال ، وأشعر أن هذا الأمر يجب ان يبقى قيد المتابعة لانه سلاح قوي ، فيجب أن نعرف مكامن الخطر وحدوده ، كيغ يمكن أن نوفر الوسائل المناسبة لاجيالنا حتّى نحميهم ثقافياً وفكرياً لاننا أمام موجة العولمة وانتشار الإنترنت ،ربما من موقعي كمربي وما أرغب أن اكونه أشعر بحرص على الإهتمام بهذا الجانب وآخذه بعين الإعتبار ، يقلقني الفساد ايضاً .‏

* ماذا تقول للشباب في العالم العربي ؟‏

**أقول لهم ابتعدوا عن القشور ، وادخلوا الى الحقائق عندكم في منطقتكم دين لو عرفه الناس بشكل صحيح لحصلوا على السعادة في الدنيا والآخرة ، وقطفوا كل الخيارات التي تكون حقيقة واقعية في مقابل الأوهام التي ينقلونها لنا . لكن مشكلة الشباب العربي أنه ينبهر بسرعة و يأخذ ببعض الدعايات . لكن الحمد لله ما فعلته أميركا بعد 11 سبتمبر قززّت الشباب العربي منها وكشفت مؤامرتها بشكل واضح . وأقول للشباب في ظل الصحوة الإسلامية ايضاً . لا تنجرفوا من دون وعي ومن دون معرفة حقيقة . فليس كل من قال لكم أن هذا هو الدين فهو كذلك . تعرفوا عليه من جوانبه الحقيقية من شخصيات القدوة . وستعرفون أننا نملك قوّة قابلة أن تعطينا كل شيء في الحياة ، على أقل تقدير هذه هي تجربة حزب الله في لبنان ، أفضل أن يكون الإنسان في حياة مؤمنة يعيش فيها الإلتزام الديني ويأخذ كل حاجاته كما يريد ضمن الشريعة المقدمة أو أن يرضى العنان للذّته التي سرعان ما تنقضي وتترك تباعها وآثارها كمسار زائل في حياة الدنيا .‏

" وما متاع حياة الدنيا في الآخرة إلاّ قليل " أقول هذا وأنا مقتنع أن اللذّة التي يعيشها الإنسان مع الدين هي اعلى بكثير من كل الأفكار التي تتحدث عن طاعة . الطاعة حب وعلاقة مع الله تعالى . إعلموا أن الغرب وأميركا أكتشفوا بان الإسلام هو سر قوتنا ولذلك تحت عنوان نشر الديموقراطية نفتح مجال أمام تصليح أفكار الرأسمالية الغربية البعيدة عن الدين وتحت عنوان مفاهيم أمريكا يحاولون أن يمنعوا المدارس الدينية ، انتبهوا ايها الشباب العربي إذا اردتم أن تتعرفوا على الآخرين ، تعرفوا لكي تعرفوا على ما عندكم قبل أن تحسموا الأختيار .‏

* كلمة أخيرة ؟‏

** كلمة أخيرة : إذا أراد الإنسان ، أراد الله .‏

عناوين :‏

- الشيخ نعيم رجل بروتوكولي بامتياز !‏

- زوجتي مثقفة ومتعلمة ... وتحمي أسرتي .‏

- متهم أنني أناصر المرأة ، ولا أجد في الأمر تُهمة ...‏

- أحدد موعداً حتى لأولادي !!‏

- عصامية والدي حددت بداية مسيرتي ..‏

- أقول للشباب العربي ، ليس كل من قال لكم هذا الدين فهو كذلك‏

- خيار الإلتزام أحدث انقلاباً في حياتي ...‏

- الإسلام سرُ قوتنا وادعوا الشباب الى التعرف عليه قبل حسم الإختيار‏

- أيهاالشباب إذا أراد الله ... أراد الإنسان .‏

- صبور لا أُستفز ... وأنتقد لأنني بروتوكولي‏

- الإلتزام الديني يعلمنا الصبر‏

- ما عانيته في تأليف الكتاب الاول لم أعانيه في البقية‏

- لا أستطيع أن أفصل بين شخصي وحزب الله‏

- لا أتصور نفسي من دون حزب الله‏

- علاقتي بالسيد حسن نصرالله فيها مودّة وتعاون ومحبة‏

- استمع للرأي الآخر ... واستخير الله في مواضيع خاصة .‏

- يقلقني مخططات الكفر العالمي ... وأدعو الشباب العربي الإبتعاد عن القشور ...‏