مقابلات

قاسم لـ «الرأي العام»: أحداث الضاحية مدبّرة والمستهدف كان سمعتها ومكانة «حزب الله» ودوره

بعد نحو 38 ساعة على «الاحداث ـ اللغز» التي وقعت الخميس الماضي في «المربع الامني» في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، وقبل نحو ثلاث ساعات على «الكلام الكبير» الذي اطلقه الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله (السبت) ملقياً الضوء على بعض «القطب المخفية» في «يوم الموت» في محلة حي السلم، كان نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم يكشف لـ «الرأي العام» الخطوط العريضة لـ «الخيوط الرفيعة» التي يمسك الحزب بها حول استهدافات «الخميس الاسود» الذي «تسلل» الى الضاحية من «حزام البؤس» الذي يلفها تاركاً وراءه «دخاناً» سياسياً لم تتحدد «ناره» بعد.‏

بيروت ـ من ليندا عازار‏

الملخص: بعد نحو 38 ساعة على «الاحداث ـ اللغز» التي وقعت الخميس الماضي في «المربع الامني» في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، وقبل نحو ثلاث ساعات على‏

بيروت ـ من ليندا عازار: بعد نحو 38 ساعة على «الاحداث ـ اللغز» التي وقعت الخميس الماضي في «المربع الامني» في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، وقبل نحو ثلاث ساعات على «الكلام الكبير» الذي اطلقه الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله (السبت) ملقياً الضوء على بعض «القطب المخفية» في «يوم الموت» في محلة حي السلم، كان نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم يكشف لـ «الرأي العام» الخطوط العريضة لـ «الخيوط الرفيعة» التي يمسك الحزب بها حول استهدافات «الخميس الاسود» الذي «تسلل» الى الضاحية من «حزام البؤس» الذي يلفها تاركاً وراءه «دخاناً» سياسياً لم تتحدد «ناره» بعد.‏

قبيل تحديد «السيد»، الغاضب بهدوء، توازن «خطوط حمر» على قاعدة «ان الجيش اللبناني وكرامات الناس وحياتهم خط احمر» وتوجيه اصابع الاتهام الى مجموعات مرتبطة بالسفارة الاميركية في بيروت بتوزيع نقاط التوتر في الضاحية، التي تعتبر «عاصمة» حزب الله، بعد اطلاق النار الذي ادى الى مقتل خمسة مدنيين، كان قاسم يرسم المشهد الخلفي للصورة التي أظهرها نصرالله من دون ان يدير الظهر «للتطور الذي لا يمكن تجاوزه ونسيانه» ولكن من دون ان يكون قادراً على الوقوف «وجهاً لوجه» مع حقيقة مرّة قالها بـ «الاحرف الاولى» ومشى تاركاً في «فمه ماء».‏

نائب الامين العام لـ «حزب الله» اكد ان «سمعة الحزب ودوره وسمعة الضاحية كانت مستهدفة في شكل مباشر» من خلال ما جرى في الضاحية مؤكداً ان «ما حصل من حركة متنقلة في الشوارع الداخلية واحراق للدواليب وما شابه مدبر ومدروس بدقة»، لافتاً الى «مجموعة» قامت بتوزيع الدواليب والحجارة واشعال الاطارات في اماكن مختلفة في اشبه بحرب عصابات»، وقارئاً في «بعض الاعمال المشينة التي انطلقت من حي السلم محاولة تشويه لصورة الضاحية».‏

واكد ان «هذا التصرف كان من اطراف داخليين (لبنانيين) ابتداءً اذ حتى لو كانت هناك اشياء خارجية فلا بد عادة من ان يكون لها ادواتها وقنواتها»، وقال رداً على سؤال حول «الهمس» عن دور لحركة «امل» (يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري) في ما جرى في الضاحية في اطار رغبة في تصفية الحسابات مع «حزب الله» رداً على نتائج الانتخابات البلدية: «لا اتهم اي جهة واكتفي بالقول ان الايام المقبلة ستكشف التفاصيل والحقائق، ونحن حريصون على التعاون مع كل الجهات الداخلية كي لا نفسح المجال لاي مصطاد في الماء العكر».‏

واعتبر ان «محاولة استغلال البعض المطالبة الجماهيرية المحقة لتوجيه اساءة الى الضاحية و«حزب الله» وصلت الى اكثر مما يتوقعه هذا البعض، لافتاً الى انه في هذا المعنى يمكن القول ان «السحر انقلب على الساحر».‏

واذ شدد على اننا «لا نجد مبرراً لاستخدام الجيش القوة المفرطة»، وصف «الاصابات المباشرة والقتل المباشر» بانه «غير مقبول»، مؤكداً انه «كان في الامكان الا يدخل الجيش زواريب حي السلم وان ينسحب من حالة متوترة او من تصرفات شاذة للبعض وكان يمكن ان يستخدم وسائل تساعد على الردع من دون ان تصل الى القتل».‏

وفي السياق نفسه دعا الى تحقيق في اتجاهين «الاول لتحديد ما جرى في التظاهرات المختلفة ومن ارتكب اعمالاً مضرة بالنظام العام كي تُعرف الدوافع والخلفيات ويحاسب المسؤولون، اما الاتجاه الثاني فلتحديد اسباب اطلاق النار الكثيف من الجيش اللبناني ومن المخطئ والمرتكب»، ومؤكداً ان «المحاسبة هنا تصويبية وليست انتقائية».‏

وقال: «حزب الله يعتبر الجيش اللبناني خطاً احمر لانه جيش وطني ويقوم بدور مشرف، ولكن هذا لا يمنع من اجراء تحقيق مع بعض عناصر اخطأوا، فهذا امر لا يمس بصدقية الجيش، بل قوة المؤسسة العسكرية تكمن في ان تحاسب المخطئين».‏

ورداً على سؤال، رأى ان رئيس الجمهورية اميل لحود متضرر مما حصل في الضاحية بسبب حسبان الجيش على فخامة الرئيس وتحميله مسؤولية الجيش وانعكاسات عمله، ولكن عندما يدخل في دائرة التحقيق الجدي ويتابع نتائجه وتصدر نتائج يخرج رئيس الجمهورية مجدداً من المشكلة».‏

· بعد اقل من اسبوع على تظاهرة الأكفان في الضاحية الجنوبية، كانت الأخيرة تحمل خمسة قتلى على الاكفّ في «الخميس الأسود» الذي تصاعد منه «دخان سياسي» كثيف بعدما سبقه ضخّ مناخ بأن إضراب البنزين سيكون «6 مايو 2991» ثانياً فإذا به يتحوّل 31 سبتمبر 3991 ثانياً, ماذا جرى في الضاحية وما هذا «اللغز» الذي يتسابق الجميع على نفض أيديهم منه؟‏

ـ ما حصل في الضاحية الجنوبية من اطلاق نار وقتل خمسة اشخاص وسقوط عدد من الجرحى كان مفاجئاً جداً بالنسبة الينا, وحاولنا ان نرصد الاسباب والدوافع التي ادت الى هذا التطوّر الخطير الذي لا يمكن التعاطي معه كعمل عادي في مواجهة تظاهرة، فهو عمل كبير جداً وخطير جداً, ومن خلال التفاصيل التي توافرت لدينا، وجدنا ان هناك من يرغب في ان يزجّ الضاحية بعنوان له علاقة بالإساءة الى «حزب الله» في شكل او بآخر, اذ من المعروف ان انشطة الحزب في الضاحية والصورة المشرقة لها والنجاحات المتتالية في انشطة اهلها وما يمثله «حزب الله» فيها، كان معلماً بارزاً خلال المراحل السابقة, وان تأتي مجموعة من الاشخاص وتحرص على توزيع الدواليب والحجارة وإحراق الاطارات في شكل متنقّل في أماكن مختلفة في اشبه بحرب العصابات، وتحطم الأملاك العامة في شكل مسيء وترمي النفايات في الشوارع، فهذا عمل لا يمكن ان يُنسب في اي شكل الى المطالب العمالية والشعبية المحقة, فالكل مع تظاهرة البنزين والضغط على الحكومة الى اقصى حد كي تجد حلولاً للحال المعيشية السيئة والصعبة, ومعلوم ان «حزب الله» شارك يومها (الخميس) في التظاهرة المركزية التي انطلقت امام مجلس الوزراء وكان له حضور لافت كتعبير عن الاهتمام بهذا الموضوع, ولكن لماذا خُصصت الضاحية وانطلقت من حي السلّم بعض الاعمال التي تُعتبر مشينة وسيئة وقام بها بعض الاشخاص المجهولين في شكل عام؟ علماً انني اعتقد ان السلطات الامنية وضعت يدها على عدد منهم، والتحقيقات جارية لمعرفة الاهداف والخلفيات, ونحن نقرأ صورة تشويه ومحاولة إعطاء انطباع سلبي وسئ عن الضاحية في حركة مطلبية محقة ومشروعة في آن.‏

من هنا اريد ان اؤكد أننا مع التظاهر والاستنكار والاعتراض، ومع كل صوت مرتفع من اجل تحقيق مطالب الناس، ومع الذين تظاهروا ببراءة وصدق ورغبوا في التعبير عن وجهة نظرهم، ونحن جزء منهم فهم شعبنا، ولكننا ضد الاعمال المسيئة التي ارتُكبت في أمكنة مختلفة من الضاحية وبطريقة غير سليمة.‏

وفي الوقت نفسه، لم نجد اي مبرّر لاستخدام الجيش القوة المفرطة في مواجهة هذه الحال, وكان في الإمكان ألا يدخل الجيش زواريب حي السلّم، وأن ينسحب من حالة متوترة او من تصرّفات شاذّة للبعض, وكان يمكن ان يستخدم وسائل تساعد على الردع من دون ان تصل الى القتل, ولكن ان تكون هناك اصابات مباشرة وقتل مباشر واستخدام مفرط للقوة، فهذا امر غير مقبول ويحتاج الى تحقيق لمعرفة الاسباب والدوافع التي ادت الى هذه النتيجة, مع العلم اننا نقدّر الجيش اللبناني عالياً ونعتبره جنباً الى جنب مع المقاومة بل نؤكد ضرورة الحفاظ عليه وحمايته من اي اشارات سياسية او لعب سياسي قد يكون موجوداً بين بعض الاطراف داخل البلد, وعندما نتحدث عن عمل ارتُكب يحتاج الى محاسبة ومتابعة فهذا من مصلحة الجيش والناس, لذلك، في الصورة الإجمالية، نؤكد ضرورة فتح تحقيق يطاول اتجاهين: الاول ما جرى في التظاهرات المختلفة ومن ارتكب اعمالاً مضرّة بالنظام العام كي تعرَف الدوافع والخلفيات ويحاسَب المسؤولون، والاتجاه الثاني لتحديد اسباب إطلاق النار الكثيف من الجيش اللبناني ومن المخطئ والمرتكِب وذلك من اجل اعادة الامور الى نصابها, فالمحاسبة هنا تصويبية وليست انتقامية لأننا في المقابل نؤكد دعمنا للجيش اللبناني كما نشدد على اهمية مطالب الناس، ولكن هذا لا يعني الموافقة على الاخطاء التي ارتُكبت، وخصوصاً ان المطلوب كشف الحقائق واذا كانت مجرد أخطاء ام رسائل سياسية، وهل هي مجرّد اعمال وردات فعل ام انها انشطة منظمة أراد البعض ان يحقق عبرها بعض الاهداف, ولن نغرق في تفصيل ما حدث لنضع تحليلات وهمية, وقد قرأ الجميع وسمعوا تحليلات في الايام الاخيرة من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، وهذه كلها تدخل في دائرة الاحتمالات والتكهنات التي تثبتها او تنفيها الوقائع, من هنا، نرى اننا في حاجة الى بعض الوقت لاستجماع دقيق لكافة التفاصيل والمعطيات وانتظار ما ستؤول اليه ايضاً نتائج التحقيق لمعرفة الدوافع المادية المباشرة كي يحصل الاستنتاج السياسي الدقيق, الا اننا، في الصورة الاولية، نستطيع القول ان سمعة الضاحية و«حزب الله» كانتا مستهدفتين في شكل مباشر، وان هناك من كان يريد الإضرار بهذه الصورة, وربما وصل الامر الى اكثر مما يتوقعه من يفكّر بهذه الطريقة، ولكن لا يخفى ان المقدّمات تشير الى هذا المعنى.‏

· وهل تعني ان ما حصل في حي السلّم كان مدبّراً؟‏

ـ ما حصل من حركة متنقّلة في الشوارع الداخلية وإحراق للدواليب وما شابه هو حركة مدبّرة ومدروسة بدقّة, وربما يكون النقاش قائماً حول التطوّر الذي أدّت اليه الامور، اي الوصول الى التصادم وإطلاق النار, اي ان هذا الامر قد يكون محل نقاش لجهة اذا كان نتيجة توتر وسوء تصرّف ام لا, ومع ذلك، لا نستطيع ان نعطي صكّ براءة الآن قبل ان نعرف التفاصيل, ولكن المقدّمات التي تستهدف سمعة الحزب والضاحية هي مدبّرة ومنظّمة.‏

· يبدو رائجاً في لبنان هذه الايام الكلام بصيغة المجهول, تقول ان هناك «من» يرغب في زجّ الضاحية وتشويه سمعة «حزب الله» والضاحية, «مَن» تقصد، وهل تتحدث عن أطراف داخليين؟‏

ـ ما دمنا في دائرة التحقيق الدقيق، لا أرغب في ان نسمّي بناء على الاستنتاجات التي توصّلنا اليها، بل افضّل ان تستكمل القوى اللبنانية المعنيّة من قضاء وقوى امنية التحقيقات لتكشف الحقائق في شكل مباشر للرأي العام, ولكلّ واحد ان يستنتج من خلال الاشخاص وبعض المواصفات التي يتميّز بها هؤلاء, الا انني لا ارغب في ان أشير مباشرة الى جهات او اسماء محددة، وإن كان الامر معروفاً عندنا.‏

· لا شك في ان هذا الاستنتاج تم بناؤه على وقائع معيّنة، فهل المعنيون بكلامك أطراف داخليون؟‏

ـ بالتأكيد، التصرف من أطراف داخليين ابتداءً، اذ حتى لو كان هناك اشياء خارجية فلا بد عادة من ان يكون لها أدواتها وقنواتها, وفي كل الاحوال، يبدو للوهلة الاولى ان الحسابات داخلية، وان كان ثمة رغبة جامحة عند بعض الاطراف الخارجيين في ان يستثمروا ما حصل, وهناك فارق بين الاستثمار والتحريك.‏

· عندما تتحدث عن الحسابات الداخلية تقصد تصفية الحساب مع «حزب الله» فقط ام داخل السلطة وبين أطرافها؟‏

ـ أميل الى توجيه الامور نحو مكانة «حزب الله» وسمعته ودوره اكثر مما هي في دائرة تنازُع السلطة بين الاطراف، وإن كان اي حدث عادة يخدم في اتجاهات عدة ولا يكون في اتجاه واحد, ولكن البوصلة، بدايتها تؤشر الى هذا الاتجاه.‏

· وماذا عما قيل «بالهمْس» عن دور لحركة «امل» في ما حصل في حي السلّم على خلفية نتائج الانتخابات البلدية ورغبة لدى الحركة في تصفية حساباتها مع «حزب الله» وتوريطه وافتعال مشكلة بين «اهل البيت» الواحد، الحزب ورئيس الجمهورية والجيش؟‏

ـ لا اتّهم اي جهة، وأكتفي بما ذكرته، وأعتبر ان الايام ستكشف التفاصيل والحقائق، ونحن حريصون على التعاون مع كل الجهات الداخلية كي لا نفسح المجال لأي مصطاد في الماء العكر, وآمل في ان تكون الامور في الاتجاه الصحيح في تعاوننا مع الاطراف المختلفين, ولكن افضّل ان نترك الاستنتاجات الدقيقة للتحقيقات.‏

· وعندما تتحدث عن اطراف داخليين، هل تنفي احتمال وجود دور للاجهزة الامنية؟‏

ـ عندما اقول بوجوب الصبر في انتظار جلاء نتائج التحقيق، فهذا يعني ان من الخطأ ان نبدأ بإسقاط هذا الاحتمال وتقريب ذاك, ولكن لا اقول ان الامور متجهة الى الاجهزة الامنية التي من مصلحتها ان تضبط الواقع وألا تتورط في مشكلة, إلا ان الامر يحتاج الى معرفة بعض التفاصيل للوصول الى استنتاجات دقيقة.‏

· قلت في بداية الحديث انه تم توزيع دواليب في حي السلم ما يعني انكم عرفتم بالامر, وما دام معروفاً ان المسؤولية السياسية والامنية في الضاحية تعود لـ «حزب الله» فلماذا لم تتحوّطوا لما حصل؟‏

ـ تعاملنا مع إضراب الاتحاد العمالي العام وتظاهراته على انها حق شعبي طبيعي وان للناس ان يعبّروا عن مشاعرهم ومطالبهم، ولم نكن جزءاً من تظاهرة حي السلم بالتحديد، لأننا اعتبرنا ان التظاهرة الرسمية المدعو اليها هي في المتحف, ولكن عندما وجدنا ان بعض اصحاب السيارات والفانات يرغبون في التظاهر، فهذا امر من شأنهم وهذه حرية التعبير، ولا يستطيع احد ان يمنعها، وليس من اللائق او المناسب ان نتصدى لمثل هذا الامر وكأنه مشكلة, ولكن لم يكن لدينا معلومات عن نيات وأعمال ستصل في ذاك اليوم الى حرق دواليب والاعتداء على الممتلكات العامة ونقل المشكلة من مكان الى آخر, هذا امر لم نكن نعرف انه سيحصل, ثم، عندما وقعت المشكلة وكان يفترض بالقوى الامنية ان تعالج بطريقة مختلفة عن التي اعتمدتها، اصبح هناك توتر متنقل, وهنا، من يلعب دور التهدئة لا يستطيع ان يتصرّف إلا بحكمة وهدوء اعصاب لمحاولة إزالة الاحتقان من الشارع، لأننا لا نتعامل في مثل هذه الحادثة مع جهة مشخَّصة تعتبر نفسها مسؤولة، وإلا لخاطبنا وخاطبت الدولة قيادة هذه الجهة لحلّ المشكلة, ولكننا (كنا) نتعاطى مع حالة على الارض ليس معروفاً بدايتها من نهايتها، مما يعني ان المتابعة تحتاج الى صبر ودقة وتأخذ وقتاً.‏

· ولكن لماذا في رأيك تصرّفت قوة الجيش على النحو الذي حصل ولم تلجأ الى وسائل اخرى غير الرصاص الحي، كقنابل الغاز والرصاص المطاطي وخراطيم المياه وغيرها؟‏

ـ قلت ان التحقيق هو الذي سيظهر لنا التفاصيل، لأننا نستغرب ايضاً لماذا استُخدمت القوة المفرطة في تفريق المتظاهرين، فهل هناك اسباب مباشرة؟ واذا كان يوجد مثل هذه الاسباب فلماذا تطوّرت الامور الى هذا المستوى؟ وألم يكن في الإمكان التصرّف بطريقة مختلفة؟ نعتبر ان ما حصل يحتاج الى تحقيق ومحاسبة ولذلك، الامر ينتظر نتائج التحقيقات.‏

· عندما تطالبون بتحديد المسؤوليات عما حصل في حي السلّم تبدون كأنكم «عكس سير» ما اعلنته دمشق بأن الجيش اللبناني «خط احمر»؟‏

ـ ونحن كـ «حزب الله» نقول ان الجيش خط احمر، لانه وطني ويقف الى جانب المقاومة وحرية لبنان وتحريره، وهو يقوم بدور مشرّف, ولكن هذا لا يمنع إجراء تحقيق مع بعض عناصر اخطأوا، فهذا امر آخر ولا يمس بصدقية الجيش, بل قوة الجيش في ان يحاسب المخطئين، وهذا لا يمس به، والجيش خط احمر عندنا ايضاً.‏

· المشهد قبل ظهر الخميس كان شبيهاً بـ 6 مايو 2991 وسط كلام على احتمال اطاحة الحكومة, فهل تعتقد ان الشارع هو المكان المناسب لإسقاط الحكومات في لبنان؟‏

ـ لَفَتني استخدام مصطلح 6 مايو في ما حصل, مع العلم ان الهدف السياسي ليس 6 مايو، ولا أعتبر ان التظاهرات كانت ترمي في الاصل الى إسقاط الحكومة على غرار ما كان عليه الامر في 6 مايو 2991. وهذه التظاهرات بخلفياتها وطريقة تحريكها وبعض المعطيات الميدانية المتصلة بها لا تشير الى 6 مايو لا من قريب ولا من بعيد, وكما ذكرت فإنها (التظاهرات) تهدف الى الاشارة الى تفاقم الازمة (الاجتماعية) ومحاولة تحميل مسؤوليتها الى جهات دون اخرى في السلطة, وكل ما في الامر ان ثمة من يرغب في إبراز حضوره كمدافِع عن مطالب الناس في مقابل من تسلَّط عليهم الاضواء على انهم مسؤولون عن الازمة المعيشية، علماً ان السلطة بكاملها وبكل تفريعاتها مسؤولة عن هذه الازمة سواء على مستوى مجلس الوزراء او البرلمان او على مستوى ادارة الدولة, فالجميع مسؤولون عن الازمة المعيشية ويجب ان يبحثوا عن معالجات لها, ومن هنا، لا أعتبر ان المقدّمات التي حصلت للتظاهر وما شابه تستهدف الوصول الى اسقاط الحكومة, فلا الظرف السياسي يسمح بهذا الامر ولا الاطراف المحرّكون يهدفون الى الوصول الى هذه النتيجة، ولكن هذه رسائل إثبات حضور من جهة وتحميل مسؤولية للحكومة عن الازمة من جهة اخرى.‏

· اي ان التحرك العمالي في رأيك هو في إطار الصراع بين رئيسي الجمهورية والحكومة؟‏

ـ لا أعتبر ان الإضراب في تفصيله وحركته هو (في اطار) صراع بين رئيسي الجمهورية والحكومة، بل أرى ان الامر خارج هذه الدائرة في شكل مباشر, وصحيح هناك ازمة معيشية قاهرة ويتحمل مسؤوليتها اركان الحكم، وثمة من يرغب في إخراج نفسه من هذه المسؤولية, هذه الصورة الدقيقة التي يمكن ان نستنتجها.‏

· عدْنا الى صيغة هناك «مَن»، انت تقصد رئيسي الجمهورية والحكومة؟‏

ـ بالتحليل العملي يمكن لأي مراقب الاستنتاج بدقة (بهذا الامر), ولكن لا أرغب في ان أدخل لعبة الاسماء.‏

· ما دام التحرك العمالي اكتسب البُعد الدي أشرتَ اليه، فلماذا شارك «حزب الله» فيه ودعمه؟‏

ـ في الاصل، هناك ازمة معيشية لا يمكن إنكارها, وتوجد مشكلة البنزين التي تفاقمت, ولا يمكننا ان نقف متفرّجين امام حركة اعتراضية على ازمة البنزين ومن يتسبّبون بها, وبالتالي، رأيْنا من واجبنا ان نكون جزءاً من هذا التحرك بهذا العنوان, ولكن ما اشرتُ اليه من بعض الخلفيات هو الى جانب هذا التحرّك وكاستفادة منه، وليس معناه ان التحرّك هو من اجل هذا الامر بالتحديد, لا، فهذا جزء من النتائج والفوائد التي يحققها البعض, ولكن لا يخفى ان اصل التظاهرة والمطالبة امر مشروع ويحتاج الى اجتماع كل الافرقاء والقوى للبحث عن حلّ لهذه الازمة التي تطاول الجميع.‏

· وكيف تقرأ «تحذير» الرئيس رفيق الحريري من «استخدام الشباب وقوداً لأهداف سياسية»؟ ألا يعكس هذا الكلام الغايات السياسية للتحرك العمالي؟‏

ـ الواقع ان احدى أزماتنا في لبنان تتمثل في ان الحركة النقابية والعمالية ليست مستقلة بل هي في غالبية الاحيان جزء من تركيبة السلطة، بحيث يحرّك بعض اركان هذه السلطة الحركة العمالية فيكونون في موقع المسؤولين عن الازمات وفي الوقت نفسه يحرّكون للاعتراض على هذه الازمات, وبالتالي هناك وضع غير طبيعي في تركيبة الحركة النقابية والعمالية، ويجب تحرير حركة الاعتراض الشعبي من اركان السلطة، لأن هذا الاعتراض يضعف ويسخّر لخدمات سياسية اذا كان في الشكل الذي هو عليه اليوم في البلد, ومن هنا، ما قلتُه حول إشارات سياسية له علاقة بأن الاستقلال النقابي ليس نقياً وصافياً، وبالتالي حتى لو كان هناك جدية في بعض الحالات، فبما ان هذا الاتجاه (التحرّك) محسوب لبعض اركان السلطة، فهذا يضيّع بعض فوائد قدرة الحركة النقابية على التعبير, ومن هنا أدعو الى المعالجة الجدية لإخراج هيمنة السلطة على الحركة العمالية والنقابية.‏

· وماذا قرأتَ في كلام النائب وليد جنبلاط الذي وصف حصيلة إضراب الخميس بأنها على طريقة «انقلب السحر على الساحر»؟ وما رأيك في المناخ الذي اوحى ان رئيس الحكومة كان خاسراً في «النصف الاول» من يوم الإضراب في حين انه «نجا» في «نصفه الثاني» بعدما باتت الكرة في ملعب آخر وتحديداً رئيس الجمهورية؟ وهل توافق على ما يقال عن ان الرئيس لحود خرج متضرراً من مجمل ما حصل الخميس الماضي؟‏

ـ لا أوافق على ان المشكلة كانت بين رئيسي الجمهورية والحكومة، ولا على ان المسألة تتصل بتصفية حسابات مرتبطة برئاسة الجمهورية وان طرفيها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة, ولكن هناك أهدافاً اخرى لهذا التحرك, الهدف الاصلي إبراز فئات في السلطة اللبنانية على انها معنية بشؤون الناس وتهتم بها في مقابل مسؤولين عن هذا التدهور، اي هنا تبرئة وهناك اتهام, اما الامر الثاني الذي حصل في السياق ولم يكن المنطلق والاساس، فهو محاولة استغلال البعض لهذه المطالبة الجماهيرية لتوجيه اساءة الى الضاحية و«حزب الله», وهذا المتوافر لدينا حتى الآن, وعلى هذا الاساس، اذا اردنا ان نتحدث عن انقلاب السحر على الساحر، اقول نعم، لأن الاساءة الى الحزب لم تحصل, وهناك مساع حثيثة بُذلت خلال اليومين الماضيين للانتهاء من الذيول التي تسبّبت بها هذه الاحداث.‏

وفي ما خص المسألة الثانية، فرئيس الجمهورية متضرّر في شكل طبيعي بسبب تحميله مسؤولية الجيش اللبناني وانعكاسات عمل هذا الجيش، ولكن عندما يدخل في دائرة التحقيق الجدي ويتابع نتائجه وتصدر نتائج، يخرج رئيس الجمهورية مجدداً من المشكلة.‏

· اي انك تعتبر رئيس الجمهورية متضرراً مما حصل؟‏

ـ حتى الآن متضرّر بسبب حسبان الجيش على فخامة الرئيس، كما كان «حزب الله» متضرراً بسبب وضع الضاحية واعتباراتها بالنسبة اليه, ولكن هذا امر قابل للجلاء والتوضيح.‏

وفي ما خص رئيس الحكومة، فالمسألة ليست مرتبطة بما حصل الخميس, وقد لا يكون الرئيس الحريري مسؤولاً عن تفاصيل كثيرة حصلت في ذلك اليوم، وليس له علاقة بهذه الجزئيات، ولكن هناك موضوع طُرح الخميس اسمه الازمة المعيشية، وهو كرئيس للحكومة مسؤول عنها, وبالتالي لا يمكن إغفال مسؤولية الحكومة عن التدهور الاقتصادي والاجتماعي المتتالي والمتمادي، كما ليس في الإمكان إغفال مسؤولية مجلس النواب من خلال طريقة متابعته التشريع الذي يتصل بالبلد والذي أدى الى تغطية الحكومة في عدد من الاتجاهات الخاطئة التي سلكتها, فهذه الحكومة في النهاية نالت ثقة البرلمان، وبالتالي الاخير معني بالمحاسبة او التصويب، ولكن لا يمكنه ان يكون بعيداً عن المسؤولية, ومع بلوغ الازمة هذا الحد لا احد يمكنه إخراج نفسه من هذه الدائرة (المسؤولية).‏

· تزامن اطلاق النار على التظاهرة في 31 سبتمبر 3991 مع اقلاع مؤتمر مدريد، في حين جاء اطلاق النار على التظاهرة في حي السلّم مع ترتيبات جديدة في العراق في ملف النجف وكربلاء, هل يقرأ «حزب الله» رسالة من هذا النوع؟‏

ـ اذا أراد الانسان ان يغرق في الخيال فيمكن في نهاية المطاف ان يصل الى هذه النتيجة, ولكن في الواقع أستبعد كل هذه الاحتمالات الخارجية المطوّلة والمعقّدة والتي تحسب حسابات غير عادية لكلّ حدث صغير, وما قلتُه في تحليلي السابق هو حدود المسألة.‏

· النائب فارس سعيد قال ان تظاهرة الأكفان كانت رسالة ايرانية للولايات المتحدة وان ما حصل في حي السلم كان رسالة سورية لواشنطن بعد ملامح التسوية في النجف بان الوضع تحت السيطرة رغم كل هذا «الانفلاش» لـ «حزب الله» في تظاهرة «نصف المليون» شخص؟‏

ـ لنتحدث عن مسيرة الأكفان التي كان لها عنوان محدد هو الدفاع عن النجف وكربلاء والعتبات المقدسة, وهذا الهدف كان بارزاً وواضحاً، بدءاً من الدعوة الى المسيرة وانتهاءً بالكلمة التي أُلقيت, والحشد الذي شارك في المسيرة جاء من اجل هذا العنوان، وكان الهدف تأكيد اننا كمسلمين معنيون بما يحصل على المقدسات المختلفة، وهذه صرخة ألم وتعبير عن حضور في الساحة لتأييد ومناصرة العراقيين في حقهم بالتخلّص من الاحتلال, وهذا العنوان كان واضحاً وهو رسالة قوية وصارخة في وجه الولايات المتحدة، ولم نخفِ هذا الامر في اي لحظة.‏

ولكن ان يعطي البعض مسيرة الأكفان تفسيرات غير واقعية ومبنية على هواجس او خلفيات مسبقة عند من يحلّل، فهذا امر يعني الذي يضيّعون انفسهم ويضيّعون بعض مؤيديهم في تشويه صورة الحقائق وتضليلهم في المعلومات والتحليلات, فمسيرة الأكفان لم تنطوِ على رسالة داخلية، بل كانت للدفاع عن المقدسات ونصرة الشعب العراقي وفي وجه الولايات المتحدة.‏

اما القول ان ما حصل في الضاحية وتحديداً في حي السلّم هو رسالة سورية، فهذا يعني ان سورية متورّطة في قتل هؤلاء الخمسة بحسب وجهة نظر القائل، وهذا خلاف الحقيقة، لان دمشق هي الاكثر تضرراً من اي احداث امنية يمكن ان تحصل في لبنان، من دون إغفال ان العلاقة بين «حزب الله» وسورية متينة واستراتيجية في آن معاً، وان حركة المواجهة مع المشروع الاميركي ـ الصهيوني تفترض ان يزداد التلاحم والتكاتف والتعاون لا ان يصل الى حال من الشقاق او توجيه الرسائل القاسية على حساب أطراف متعاونين بعضهم مع بعض, ومن هنا، اقول ان هذا التحليل بعيد عن الحقيقة تماماً ويعكس صورة خيالية يبدو انها تلامس رغبة عند من اطلقها في ان يراها, ولكن في الحقيقة هي ليست كذلك.‏

· أُخذ على تظاهرة الأكفان انها بدت محاولة لجرّ لبنان الى العراق وجرّ النجف وكربلاء الى الضاحية، وثمة من سأل ما المصلحة في ان يستدرج «حزب الله» ضغوطاً اميركية لن تقتصر عليه بل ستشمل لبنان عموماً؟‏

ـ يتصرّف «حزب الله» بحكمة بالغة، وقد أثبت هذا الامر من خلال التجربة وفي لحظات اكثر صعوبة وتعقيداً بكثير من التي نمرّ بها اليوم, وليس سهلاً ان يجرّ احد «حزب الله» الى مكان لا يريده, وعندما نعلن موقفاً مؤيداً لتحرير العراق فهذا جزء من الالتزام المبدئي والديني والخلقي والوطني والقومي الذي يستدعي ان نوجّه رسالة ونقول موقفنا ونعبّر عن قناعاتنا تجاه أحداث هي على تماس مباشر معنا, وأستغرب عندما يتحدث البعض عن ضرورة إخراج لبنان من دائرة الصراع العربي ـ الاسرائيلي, فمن قال ان لبنان هو الذي دخل دائرة هذا الصراع؟ لقد أُدخل هذه الدائرة، ونحن ندافع من موقع اننا في حالة الزجّ المباشر في دائرة الخطر الاسرائيلي, وكذلك الامر بالنسبة الى الموضوع العراقي, فالجميع سمعوا وقرأوا ان بوش يريد ان يكون الملف العراقي نموذجاً للشرق الاوسط والمنطقة بكاملها, اي ان المطلوب ان يكون لبنان وسورية وكل هذه المنطقة على شكل العراق، اي تحت الاحتلال الاميركي, وبالتالي اذا لم نقل اليوم «لا» لما يجري في العراق، فهذا يعني اننا لن نستطيع ان نقول «لا» في يوم من الايام عندما يجري هذا الامر في لبنان او في محيطنا في شكل مباشر, اذاً، لا بد من ان نعلن وجهة نظرنا ونتخذ الموقف الملائم كجزء من التضامن في المنطقة, من دون إغفال اننا نعبّر عن اقتناعنا بمقدّساتنا, وهنا اسأل هل نعترض اذا استنكر اللبنانيون اعتداء على القدس او على الفاتيكان او على اي مقدّس في العالم؟ هذا امر ديني قبل ان يكون سياسياً، ولا يستطيع احد ان يمنعه، فهو حق طبيعي.‏

· لكن البعض يردّ على هذا المنطق بأن اللبناني المعترض على اي اعتداء على الفاتيكان لن يقوم بعملية في الفاتيكان، في حين ان «حزب الله» هدد بأنه سينتقل من الاقوال الى الأفعال وبأنه في وارد القيام بعمليات استشهادية في العراق؟‏

ـ لم يقل «حزب الله» شيئاً عما يريد ان يفعله, وبالتالي لا صحة لتحميل الحزب مسؤولية ما لم يقله, لقد ذكر «حزب الله» انه مستعدّ لأن يقوم بخطوات اخرى, اما ما هي هذه الخطوات؟ فلم يفصح عنها, والى ان تحصل هذه الخطوات، يمكن ان نشير اليها عندها في شكل مباشر، وربما ينتقدها البعض او يوافق عليها البعض الآخر، فهذا امر آخر, ولكننا ندرك تماماً ماذا نفعل، وهذا منسجم مع واجبنا وحقّنا في ان نعبّر، ولا يستطيع احد ان يمنعنا من التعبير، ونحن لم نجرّ لبنان يوماً الى اي محل، بل انقذناه مما جرّه اليه الاخرون، ولن نجرّه الى مكان.‏

· ولكن حتى التلويح بأفعال في العراق لم تحددوها بعد، يراه البعض من خارج الوفاق الوطني والتفويض الوطني للحزب بدور مقاوم في الجنوب؟‏

ـ من قال ان هذه الافعال ستكون غير وطنية ومن داخل الوفاق او خارجه ما دامت غير معروفة او محدّدة بعد؟ وأفضّل الا نناقش اموراً ليست مطروحة او موضع مناقشة, نعم، لدى البعض هواجس، وهذه مشكلته، ولكننا واضحون، ونقول ما عندنا في شكل علني ونعبّر عنه من دون خشية ونقوم به في شكل مكشوف.‏

· يذكّرنا قولك سماحة الشيخ بأن هواجس الاخرين، وهذا يعني «الشريك الاخر»، مشكلتهم، بقول مسؤول ملف العلاقات الدولية في الحزب السيد نواف الموسوي بأن منتقدي تظاهرة الاكفان يعملون «بكبسة زر» اميركية, هل هذا منطق «حزب الله»؟‏

ـ لا اقول ان كل منتقد هو عميل للولايات المتحدة، ولم نقل هذا, ولكننا سمعنا احد المسؤولين وهو الرئيس الاسبق امين الجميل على قناة «الجزيرة» يقول انه يخشى تظاهرة الأكفان ويعتبر ان خطورة هذه التظاهرة تتمثل في انها توجّه رسالة داخلية، ويذكر، رداً على سؤال حول مغزى هذه الرسالة، انها «تخيف المسيحيين»، وكأنها موجّهة ضدهم, علماً اننا لم نفهم يوماً ان مسيرة الأكفان هي في هذا الاتجاه، ولم نقصدها في هذا الاتجاه اصلاً, ولماذا يخاف المسيحيون؟ هل من حرية التعبير وإبداء الرأي؟ ألا يحق للإنسان ان يتظاهر؟ اذاً هناك تضخيم لبعض المعاني ومحاولة جرّها الى تفسير كي يجعلونا في دائرة الخوف من كل هذه التفسيرات فنتوقف عن فعل اي شيء، وكأن المطلوب منا كلبنانيين الا نتعاطى في قضيتي العراق وفلسطين والا ننتقد اميركا ونقول شيئاً والا نتظاهر في الداخل, اذاً ماذا نفعل؟‏

· ولكن البعض يسأل: هذه التظاهرة لم تشهد مثيلاً لها دمشق ولا طهران, فهل «تزايدون» على سورية وايران، ام انكم تجعلون لبنان مجدداً «صندوق بريد» استخدمته ايران في مسيرة الأكفان انطلاقاً مما يقال عن دور لها في دعم حركة السيد مقتدى الصدر؟‏

ـ ليس لنا علاقة بما يجري في طهران ولا دمشق, والقرار المرتبط بالتظاهرة اتخذناه بملء ارادتنا وبحسب اقتناعنا, واللبنانيون الذي شاركوا بكثافة كبيرة في هذه التظاهرة عبّروا عن وجهة نظرهم, وهذه الكثافة ليست استعراضية من «حزب الله» بل كثافة مشاعر استطاع الحزب ان ينظّمها لتعبّر عن نفسها, وبالتالي الذين خرجوا الى الشوارع من كل حدب وصوب في لبنان عبّروا عن اقتناعاتهم, واذا كان هناك وجه ايجابي للتظاهرة فهو ان الحزب أحسن بإفساح المجال امام الناس ليعبّروا بهذه الطريقة السلمية عن وجهة نظرهم تجاه ما يجري ضد العتبات المقدسة, وبالتالي حجم التظاهرة يدل على انها كان يجب ان تحصل لان هناك احتقاناً لدى الناس وان الاخيرين يريدون ان يقولوا كلمتهم.‏

· اي ان التظاهرة كانت مجرد «رسالة صوتية»؟‏

ـ في ما حصل، هي رسالة صوتية, اما ان يكون لها تداعيات ام لا، فليفسّر الاخرون ما يريدون.‏

· أُخذ عليكم وقوفكم خلف السيد مقتدى الصدر متجاوزين موقف المرجعية الشيعية في العراق المتمثلة بالسيد علي السيستاني رغم مناشدات رجال دين عراقيين بتفادي هذا الاصطفاف مع الصدر؟‏

ـ المسيرة التي حصلت هي للدفاع عن العتبات المقدسة ومن اجل العراق وفي مواجهة الاحتلال الاميركي له، وليست مسخَّرة لأي طرف وهي مع جميع الاطراف في العراق ولا تشكل جزءاً من اختلاف او صراع او ملاحظات بين القوى والمرجعيات الدينية في العراق، بل هي مع العراق ككل, ومن يراقب بدقة الكلمة التي ألقيت في التظاهرة يجد انها لم تأت على ذكر اي اسم ولم تتحدث عن اي شخص ولا جهة، بل كانت تتحدث عن المراجع والقوى السياسية والفاعليات كمجموعة يجب ان تكون مع بعضها البعض ونريدها جميعاً كجزء لا يتجزأ في مواجهة الاحتلال، وبالتالي لم يكن هناك اي اتجاه للتظاهرة لجهة من دون الاخرى.‏

· ولكن صور السيد مقتدى الصدر كانت مرفوعة فيها، كما شارك في التظاهرة ممثل له؟‏

ـ كل العراقيين الموجودين في لبنان كانوا في التظاهرة، وبالتالي كان يوجد ممثلون للمجلس الاعلى وللسيد مقتدى وللمرجع السيد السيستاني ولآخرين, ومن يقرأ الطيف السياسي في التظاهرة يرَ انه كان شاملاً وجامعاً لكل القوى والفاعليات, فالمجلس الشيعي كان حاضراً وأركان ممثلون لسماحة السيد فضل الله ومن «حزب الله» اضافة الى محايدين, الجميع كانوا موجودين, وهذه تظاهرة عامة، واذا رفع احد صورة هنا او صورة هناك فهذا لا يعطي دليلاً مباشراً, والتعبير المباشر هو ما أراده المنظمون، اي التعبير عن تأييد تحرير العراق والمقدسات من الاحتلال, هذه هي الرسالة.‏

· البعض يسألكم: عندما اغتيل السيد محمد باقر الحكيم قرب صحن الإمام علي لماذا لم تنظموا مسيرة اكفان؟ وحتى ابان حكم صدام حسين حصلت اعمال داخل النجف وكربلاء، فلماذا كل هذه «الحماسة» الآن على قاعدة ان «لا شيء يعلو صورة الأكفان»؟‏

ـ يجب التمييز بين مرحلة صدام والمرحلة الراهنة, فإبان حكم صدام كان العراقيون مختنقين بجرائمه لدرجة لم يكن في الإمكان ان تنفع تظاهرة ولا اي تحرك, من دون إغفال ان العراقيين انفسهم لم يكونوا قادرين على اي تحرّك وقد قُمعوا مرات عدة، والظروف كانت مختلفة تماماً, اما الآن، فكان العراقيون يأملون في ان يتخلّصوا من مشكلة صدام لا ان يقعوا في احتلال جديد وفي مشكلة اخرى.‏

وعندما اغتيل الشهيد السيد محمد باقر الحكيم كان للحزب مواقف مهمة وحصلت تغطية اعلامية مكثفة وكنا الى جانب هذا الحدث في شكل كبير, اما اليوم فنتحدث عن عتبات مقدسة تختلف رمزيتها عن اي رمزية اخرى وتالياً من الطبيعي ان يكون حجم هذا التحرك في هذا الاتجاه.‏

· ما رأيك في مشروع التسوية التي تم التوصل اليهاً اخيراً بين السيد مقتدى الصدر وقوات التحالف برعاية السيد علي السيستاني؟‏

ـ نتمنى ان يُكتب النجاح لإقفال هذا الملف بخروج المحتل من دائرة المدن المقدسة وتسليم العراقيين شؤونهم الامنية في هذه المناطق تمهيداً لشمول هذا الامر ان شاء الله كل العراق.‏

وما حصل من اتفاق للقيادات الشيعية برعاية المرجعية امر جيد، ولكن نأمل في ان يتحقّق، لأن قوات الاحتلال الاميركي هي المسؤولة في شكل مباشر عن تلبية هذا الاتفاق او تعطيله اذ ان الطرف الشيعي موافق على المقترحات وفي شكل إجماع تقريباً.‏

· وما رأيك في اختيار اياد علاوي ليكون رئيساً للحكومة الانتقالية؟‏

ـ لن أدخل لعبة الاسماء في العراق، ولكن لا يوجد حكومة حرة في العراق تحت الاحتلال الاميركي، وهذه مشكلة ستنعكس على كل التفاصيل الاخرى, وهنا لا تعود للأسماء اهمية كبرى ما دام نقل السلطة للعراقيين لم يتم ولن يتم بالصيغة التي وُضع فيها الدستور الموقت, فالإشكالية بنيوية وليست في التفاصيل.‏

· اي ان «حزب الله» لن يعترف بالحكومة الانتقالية التي ستتولى السلطة في 03 يونيو؟‏

ـ نؤيد حكومة منتخبَة من الشعب، ومختارة بمعزل عن الاحتلال وتعبّر عن إدارة العراق في شكل حرّ, واي طريقة اخرى للاختيار لا تعبّر عن الواقع الشعبي, وبالتالي عندما نتحدث عن وجهة نظرنا في هذا الشأن نعبّر عن اقتناعنا بأن اي حكومة ستكون خاضعة للاحتلال تحت عنوان المرحلة الانتقالية او مرحلة نقل السلطة الوهمية لا يمكن ان تكون معبّرة عن الاختيار الشعبي، وهذا يضعفها ويعطل قدرتها ولا يجعلها ملبّية لطموحات العراقيين في شكل مباشر.‏

· هل «حزب الله» قد يكون معنياً بأي «أفعال» في العراق خارج موضوع العتبات المقدسة والدفاع عنها؟‏

ـ ننتقد الاحتلال الاميركي لكل العراق وليس فقط للعتبات المقدسة ونعترض على وجوده ونطالب بخروجه فوراً, اما ما جرى بالنسبة الى العتبات المقدسة فهو تعبير لها وللعراق, ولكن المقدّس عادة يشكل جاذبية للتحرك ولاهتمام بوتيرة اعلى, وإلا فكل العراق تحت الاحتلال ومحل اهتمامنا.‏

اما في المسألة العملانية، فلم نقم بأي امر عملي لا بالنسبة الى العراق ولا العتبات المقدسة، ومن هنا لا يمكن مطالبتنا على قاعدة لماذا فعلتم هذا هنا ولم تفعلوا هذا هناك؟‏

· ولكن خارج اطار العتبات المقدسة لستم في وارد حتى التلويح بأفعال في العراق؟‏

ـ داخل العتبات المقدسة وخارجها لم يقم «حزب الله» حتى الان بأي عمل مادي يرتبط بالمسألة العراقية.‏

· عندما يرفع «حزب الله» شعار «الموت لأميركا» في قلب بيروت فيما يكون الرئيس السوري يدعو في مقابلة مع صحيفة اميركية لافضل العلاقات مع واشنطن ويعلن ان تعاوناً حصل مع الاستخبارات الاميركية في العراق، وعندما يصف الحزب مجلس الحكم الانتقالي العراقي بـ «الدمى» فيما تكون ايران اول من يعترف به، ماذا يعني هذا الامر؟‏

ـ سأترك التفسير لكم, واكتفي بالقول اننا نعبر عن اقتناعاتنا, وربما كان هذا التمايز اكبر دليل على اننا لسنا بيد احد ولا ننفذ سياسة احد، بل نعبّر عن قناعاتنا فيما يعبر الاخرون عن قناعاتهم, وربما تكون للاخرين ضروراتهم ولكننا لسنا خاضعين لضرورات احد, وبالتالي نتقاطع في بعض المرات وتختلف اساليب التعبير مرات اخرى, وحتى لو قيل ان هذا امر ينفغ الاخرين، فما دمنا نعمل وفق ما نقتنع به، لينتفع الاخرون به كما شاؤوا, ما يهمنا اننا نعبر عن اقتناعاتنا ولسنا مسؤولين عن طريقة تعبير الاخرين ولا ندافع عنها, ولكلٍ ان يدافع عن اقتناعاته في شكل مباشر.‏

· قيل الكثير عن «المبارزات» البلدية بين «امل» و«حزب الله» في الضاحية الجنوبية والبقاع والجنوب, وفيما وضعت نتائج البلديات في اطار الرسالة لـ «الاستكبار» حول مدى الالتفاف الشعبي حول الحزب، تحدث كثيرون عن رسائل الى الداخل هدفها تحجيم رئيس البرلمان في اطار ملف الانتخابات الرئاسية تزامناً مع تحجيم رئيس الحكومة، ماذا حصل؟‏

ـ خاض «حزب الله» الانتخابات البلدية برغبة في ان نساهم انمائياً عبر المجتمع الاهلي في عمل ايجابي ينهض بمختلف القرى والبلدات وخصوصاً اننا لسنا جزءاً من السلطة اللبنانية، وان اموال هذه السلطة وقدراتها يتقاسمها المسؤولون بينهم محاصصة ويحرمون القوى الشعبية والكفاءات حقهم الحقيقي كمواطنين, واعتبرنا ان مدخل البلديات يساعد في ان نأخذ موافقة شعبية على التمثيل، وفي الوقت نفسه نستخدم هذه الامكانات لمصلحة انماء القرى ونبذل ما عندنا في هذا الاتجاه, واذ بنا نفاجأ بان الحركة المقابلة كبّرت مشكلة البلديات وجعلتها معركة تنافسية، علماً اننا وضعنا سقفاً مع «امل» للتنسيق على اعلى المستويات، وحاولنا عبر لقاءات مختلفة ومكثفة وعلى اعلى مستوى من مستويات القيادة الوصول الى تفاهم في بلدات عدة, ولكن كنا نصطدم بالشروط المبالغ فيها وبمحاولات عرض اسماء غير قابلة للتسويق والفائدة، فاختلفنا في بعض القرى واتفقنا في اخرى، وقررنا المتابعة كجزء من عملية انتخابية طبيعية.‏

وصحيح ان حجم التنافس الذي حصل والزخم الذي اعطي للانتخابات والكلام على احجام جعل المسألة اكبر من حدودها, وقد عبّرت الانتخابات في النتيجة عن حجم «حزب الله» في الساحة الشيعية في شكل اساسي وابرزته كقوة رئيسية ليس لاننا اردنا من الانتخابات ان نبرز داخلياً بهذه الطريقة، بل لانها بنتيجتها انتجت هذه الخلاصة وعبرت عن مشاعر الناس ورغباتهم في ان يمثلهم الحزب في شكل مباشر.‏

ولكن لا نخفي انه خلال تحركنا في الموضوع الانتخابي الانمائي كنا ننظر ايضاً الى الرغبة في اثبات جديد للحضور الشعبي في وجه الادعاءت الاستكبارية وخصوصاً الاميركية، ليروا في شكل مباشر اننا مع الناس في قضاياهم، وان المقاومة ليست محاطة بعواطف من الناس لمجرد قضية واحدة، بل ان هذا الحزب يتبناه الناس في الداخل وعلى الحدود، وبالتالي ان النظرة الى «حزب الله» هي نظرة حزب يمثل مستقبل الناس وتطلعاتهم في كل المفردات والتفاصيل وليس في دائرة محددة فقط, وهذا ما انتجته الانتخابات وبيّن ان حجم الالتفاف الشعبي حول الحزب كبير جداً, وتالياً عندما تقول اميركا ان هذا الحزب ارهابي فهي تعتدي عليه ولا تصفه في شكل حقيقي، فالارهاب لا يكون محاطاً بهذا المد الشعبي ولا يكون ممثلاً للناس ومعبراً عن تطلعاتهم في كل الشؤون الداخلية والمرتبطة بالدفاع عن الوطن والحدود, من هنا قلنا ان هذه الانتخابات توجه رسالة الى الاستكبار, وفي اي حال، لاحظنا غيظ الناطق الرسمي في البيت الابيض عندما سئل عن نتائج الانتخابات البلدية اذ قال انه حتى لو كان لـ «حزب الله» هذا الامتداد فهو ارهابي، وهذا يعني انهم ينطلقون من موقف سياسي مسبق لا علاقة له بالمد الشعبي, ويكفينا هذا الجواب لتكون الرسالة وصلت للرأي العام العالمي كي يعرف ان من يتعاطى معهم ليسوا مجموعة مقاتلين يحررون ارضاً فقط بل هم مجموعة محبوبة من الناس الذين يريدون ان نمثلهم في المواقع الداخلية والانمائية، كما في مواقع التحرير.‏

· هناك انطباع انكم تعمدتم كحليف استراتيجي للرئيس لحود خوض المعركة لتحجيم بري تمهيداً للاستحقاق الرئاسي؟‏

ـ بكل صراحة، لسنا جزءاً من معارك التحجيم، وتوجيه الرسائل الداخلية ومحاولة اثبات الوجود واللعب على صراع الرئاسات, لم نخض الانتخابات البلدية بهذه الذهنية نهائياً, اما ان يخرج البعض باستنتاجات معينة فهذا امر يعنيهم.‏

· هل توافق القائلين ان لحود خرج منتصراً من الجولات الثلاث الاولى للانتخابات البلدية؟‏

ـ كنتيجة للانتخابات البلدية في شكل عام، نعم، لا يستطيع احد ان ينكر ان الرئيس لحود خرج منتصراً, فعندما يضعف الرئيس الحريري من خلال صيدا، وحين ينجح الرئيس (النائب) ميشال المر في المتن، وعندما يظهر «حزب الله»، كحليف للرئيس في مسألة المقاومة والمواقف الوطنية، ناجحاً بهذه الصورة في الانتخابات البلدية، فهذه مصادر قوة تصنف في السياسة لمصلحة رئيس الجمهورية.‏

· وهل تعتبرها مصادر قوة للتمديد؟‏

ـ اعتقد ان موضوع التمديد او التجديد له علاقة باعتبارات اخرى، وقد تكون هذه (الانتخابات البلدية) عناوين تفصيلية جزئية مساعِدة، ولكن الاصل هو شكل المعادلة اقليمياً عشية الانتخابات في شكل اساسي.‏