مقابلات

قاسم: الكلام الراهن عن تحوّل "حزب الله" إلى السياسة للضغط والتهويل وليس للترغيب... يؤكّد أن الظرف ليس لعدوان إسرائيلي ولا يرى سبباً لتغيير الموقف اللبناني من انتشار الجيش جنوباً

قبل نحو ثلاث ساعات فقط من إعلان نبأ التوصل الى اتفاق تبادل الأسرى بين إسرائيل و"حزب الله"، كان هذا اللقاء مع نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم الذي كان يعلم من دون شك بالاتفاق لكنه لم يشر اليه ولم يلّمح اليه بشيء. ولكنه اختار ان يتحدث عن "زوايا" اخرى، وهو على خلفية معرفته بالاتفاق، أعلن مواقف مهمة تتعلق بالمرحلة الراهنة المقبلة، من المفترض أن تحرك نقاشاً في العناوين التي طرحها.‏

الكاتب: نصير الأسعد‏

الملخص: قبل نحو ثلاث ساعات فقط من إعلان نبأ التوصل الى اتفاق تبادل الأسرى بين إسرائيل و"حزب الله"، كان هذا اللقاء مع نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم الذي كان يعلم من دون شك بالاتفاق لكنه لم يشر اليه ولم يلّمح اليه بشيء. ولكنه اختار ان يتحدث عن "زوايا" اخرى، وهو على خلفية معرفته بالاتفاق، أعلن مواقف مهمة تتعلق بالمرحلة الراهنة المقبلة، من المفترض أن تحرك نقاشاً في العناوين التي طرحها.‏

يؤكد الشيخ نعيم قاسم بداية بالنسبة الى العمل المقاوم، ان إسرائيل ومنذ انسحابها من الجنوب باستثناء مزارع شبعا، تحاول تكريس معادلة السيطرة على الوضع، حيث تتكئ على وجود الخط الأزرق كعنوان ينهي مساءلة الاحتلال ويبقي مساحة حركته في الجو والبحر وفي المزارع، فيقوم بـ"أنشطة" خاطفة على الحدود، هادفاً بتكرارها الى فرض نوع من "الإلفة" معها، والى رسم معادلة مفادها ان لإسرائيل الحق في هذه الحركة من ضمن الاعتبار الأمني، وان هذه الحركة لا تشكّل خرقاً للانسحاب الإسرائيلي.‏

حيال ذلك، يلفت قاسم الى ان المقاومة الإسلامية عملت على منع تكريس هذه المعادلة، ومن أجل أن تبقى الخروق على الخط الأزرق والاحتلال في المزارع في دائرة العدوان المدان. ويشير الى ان السباق كان حثيثاً منذ ما بعد التحرير وحتى الآن حول مَن مِن الطرفين يملك القدرة على تثبيت معادلته. ويقول ان المضادات الأرضية للمقاومة باتجاه الطيران الإسرائيلي، كانت بمثابة إعلان واضح وصريح عن إدانة الخروق وعن الحق في مواجهتها كعمل دفاعي لا يحتاج الى تبرير، وإعلان عن رفض الذرائع الأمنية الإسرائيلية. ويعتبر المسؤول الحزبي ان المقاومة نجحت في تظهير الخروق الإسرائيلية بصفتها عنواناً بل أمراً يحسب له حساب من أن يؤدي الى ردود فعل تتجاوز المألوف المتوقع من الصمت على هذه الحركة الإسرائيلية. ويضيف ان المسألة تكرّرت في مزارع شبعا بصيغة اخرى، حيث أتت العمليات فيها لتؤكد على عدم الاعتراف بوجود إسرائيل فيها، ولتشدّد على انها أرض محتلة على الرغم من الرفض الإسرائيلي والدولي لهذا المنطق. ويرى الشيخ قاسم ان بقاء الوضع (في المزارع) ملتبساً بين التفسيرين شكّل إنجازاً سياسياً في إطار رفض شرعنة الاحتلال ولو في مساحة جزئية.‏

"المزارع" ووظيفة توجيه الرسائل‏

ومن ذلك يصل نائب الأمين العام الى نوع من "الاعتراف" بأن مزارع شبعا اتخذت وظيفة توجيه رسائل المقاومة، ولم تتخذ عنوان المعركة المحتدمة لان خصوصيتها الجغرافية وإمكاناتها الموضوعية لا تستوعب أكثر من هذه الوظيفة، ولا تحتمل أكثر من الأداء الذي تم فيها، خاصة مع ملاحظة ما يسمّيه قاسم "التداخل بين السياسي والعسكري".‏

ويقول انه في هذا المناخ، أتت المحاولة الإسرائيلية الأخيرة، بحجة نزع الألغام على الطرف الآخر من الحدود وتجريف الأرض لتسهيل اقتفاء الأثر ومنع أي تحرّك وزرع عبوات كعنوان يحقّق معادلة جديدة لو تم السكوت عنها لأصبحت حقاً إسرائيلياً في اجتياز الحدود لدواعٍ أمنية. ومن هنا، كانت الحاجة برأي قاسم الى رد مباشر وواضح كي لا تكون الرسالة قابلة للتأويل، وهذا ما حصل عبر ضرب الجرّافة.‏

ويشير الى ان "إسرائيل ومن وراءها" فوجئوا برد الفعل المقاوم لاعتقادهم ان الظروف السياسية في المنطقة والتهديدات الإسرائيلية المتكرّرة تشكّل مانعاً عن عمل قد تحمّل المقاومة ولبنان وسوريا مسؤوليته، وكانوا يعتقدون ان الأداء الإسرائيلي سيمرّ فيتكرّس واقع ميداني قابل للشرعنة. ويؤكد ان حسابات "حزب الله" مختلفة، فهو إذ يرى ان الضغوط كثيرة، إلا انه يعتبر ان هدفها تعطيل قدرة المقاومة عملياً أمام المطالب الإسرائيلية تمهيداً لإلغاء هذه القدرة بشكل كامل. ولذلك فإن الحزب لا يمكنه أن يساعد في تحقيق هذا الهدف، فضلاً عن ان الضغوط كانت قائمة ولا تزال، وقد اعتادت المقاومة على الجرأة في اثبات الحق المشروع ولو تحمّلت ثمناً فانّه يبقى أقل من أي ثمن آخر مباشر أو متراكم في حال الركون الى الظروف السياسية التي ستجعل العمل مستحيلاً. ومن هنا، يشدّد المسؤول القيادي في "حزب الله" على ان العملية الأخيرة كانت محسوبة، ومن ضمن الحساب ان احتمالات ردّ الطرف الآخر ممكنة، لكنه ليس رداً من دون جواب خاصة إذا أدى الردّ الإسرائيلي الى نتيجة من نوع معيّن. ويبدي قاسم اعتقاده ان إسرائيل تفهم هذه المعادلة ولا قدرة لديها الآن لتوسيع دائرة التورّط السياسي في معركة مع لبنان، وان الظرف ليس ظرف عدوان إسرائيلي واسع أو محدود، ويؤكد ان من اعتقد في يوم في الأيام ان أي عملية للمقاومة تسبّب إشعال حرب من الطرف الآخر، واهم، لان العدوان الإسرائيلي الواسع يتطلب قراراً سياسياً ولا تستدعيه حادثة محدودة. وعليه يلفت الى ان العملية الأخيرة للحزب، دفاعية وناجحة وأربكت العدو بسبب وضوح دفاعيتها على المستوى العالمي، وذلك ما أوجد توتراً لدى الإدارة الأميركية فحاولت أن تعوّض الخسارة الإسرائيلية المكشوفة بتصريحات تتجاوز الحادثة لتتحدّث عن أصل وجود "حزب الله" وواقع حضوره في الجنوب في مواجهة إسرائيل.‏

الدعوة إلى انتشار الجيش للضغط‏

ومن هذه المقدّمات، ينتقل نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الى مناقشة الدعوة الأميركية الى نشر الجيش في الجنوب. وفي هذا الإطار، يرى الشيخ نعيم قاسم ان ثمة "لازمة أميركية ـ إسرائيلية" في الدعوة الى انتشار الجيش في الجنوب "بحادثة ومن دون حادثة"، ويعتبر ان هذه الدعوة تأتي "في سياق الضغط السياسي المتكرّر وهي جزء من منظومة الضغوط على سوريا ولبنان وفلسطين"، ويؤكد أن ليس في هذه الدعوة أي جديد، بل أكثر من ذلك يوضح ان ليس ثمة ظروف تستدعي تغييراً في الموقف اللبناني والسوري، كما لا توجد أي واقعة تستدعي الانجراف وراء هذا المطلب الذي لا يخدم لبنان في هذه المرحلة، "إذ لا يعقل ان ترتاح إسرائيل من قوة جاهزة لمواجهتها، فتقوى لمزيد من الاعتداءات في وقت لا يوقف الاطماع الإسرائيلية إلا جهوزية المقاومة".‏

أداءالمقاومة يعزّز الالتفاف حولها‏

وعلى هذه الخلفية، يقرأ قاسم الوضع اللبناني الداخلي، فيعتبر ان الالتفاف اللبناني حول المقاومة في أفضل درجاته. ويقول ان الأجواء التي صاحبت التحرير في أيار من العام 2000 كانت تنبئ عند البعض بانحدار مستوى تأييد المقاومة، وبجدل حول جدوى استمرارها، بينما ثمة اليوم تأكيد على ضرورة استمرارها وذلك بالعلاقة مع "لحظة تاريخية حساسة". وتتميّز هذه "اللحظة" من وجهة نظر الشيخ قاسم بانسداد أفق التسوية في المنطقة أولاً، واتساع المطالب والمطامع الإسرائيلية ثانياً، وكثافة الضغوط على سوريا ولبنان والفلسطينيين اميركياً ثالثاً، وتعرّض لبنان لضغط إسرائيلي دائم من خلال الخروق مع وجود مشكة التوطين رابعاً، وحسن أداء المقاومة بتكتيكاتها ومجمل حركتها المراعية لمتطلبات المواجهة وخصوصية الساحة خامساً واخيراً. وفي قناعة قاسم ان العوامل الآنفة رفعت من أسهم المقاومة في نظر اللبنانيين بالإجمال، دائماً بالعلاقة مع طبيعة الظروف السياسية من جهة ومع أداء المقاومة من جهة اخرى. وفي تقديره ان العملية الأخيرة أتت تدعم الثقة بحسن اختيار المقاومة للهدف والتوقيت بمضمون "ردعي مدافع" في لحظة صعبة ومعقّدة.‏

ويلفت في هذا السياق الى ان الحركة السياسية للحزب باتجاه القوى والفاعليات الدينية والسياسية لم تتوقف يوماً لانها غير مرتبطة بمحطة استثنائية بل هي جزء من رؤية تحتاج الى مواكبة دائمة لايجاد أوسع إطار ممكن للالتفاف حول المقاومة. ويشدّد على ان العلاقة بالبطريرك نصرالله بطرس صفير ليست جديدة بل هي في امتداد تواصل مستمر وفي سياق تقدير لموقعيّته وتأثيره، مشيراً الى ان اللقاء الأخير بين "حزب الله" والبطريرك كان ايجابياً جداً "ولم يخرج عن إطار التفاهم حول القضايا العامة والتأكيد على عدم الانسياق الى ضغوط اللحظة".‏

المقايضة على التحرير مرفوضة‏

ومن كل ذلك... الى بيت القصيد. فإذ ينفي الشيخ نعيم قاسم أن يكون سمع في هذه المرحلة بـ"عروض مقدمة الى الحزب من أجل أن يتحوّل الى حزب سياسي"، يؤكد في المقابل ان "ما نراه، محاولات متكرّرة للضغط على الحزب وعلى من يدعمه ليختارالاتجاه السياسي فقط ويتخلّى عن المنهج المقاوم تحت عنوان ظروف ما بعد احتلال العراق وتطوّرات المنطقة". وفي رأيه ان المطروح هو "الضغط والتهويل وليس الاغراء والترغيب لان الاغراء مرّ في السابق بأشكال مختلفة وقدّمت للحزب عروض كثيرة مالية وسياسية لترغيبه بترك العمل المقاوم".‏

ويوضح ان نظرة الحزب الي هذا الأمر مرتبطة بـ"رؤيتنا الى الصراع مع إسرائيل"، ويقول "لم ننطلق الى العمل المقاوم كردّ فعل استثنائي انما من موقع ايماننا الإسلامي ورؤيتنا التي تتطلّب منّا أن نكون في الخندق الأول للجهاد في سبيل تحرير الأرض وفي الخندق الأول للعمل السياسي دفاعاً عن حقوق الناس ولا فصل بين الأمرين، انما أحدهما على حساب الآخر في مرحلة ما". ويؤكد أن "لا شيء اسمه مقايضة كما لو كنّا في مجال استثمار المقاومة لمنافع سياسية داخلية، وهذا لم يرد سابقاً ولن يكون وارداً في يوم من الأيام"، ويشدّد على ان "المقايضة على التحرير مرفوضة". ويشرح قاسم ان الحزب يقدّر حجم المتغيّرات الدولية وصعوبتها "لكن إذا درسنا المعادلة في لاتجاهين: الأول أن نتخلّى عن المقاومة في مقابل بعض المكتسبات السياسية فذلك يعني زوال عنصر القوة في مواجهة الأعداء وانتظار ما يتلطّفون به، ويعني الاستسلام بعينه، والثاني أن نرفض رفضاً واعياً متّزناً يراعي الأولويات ويحسن استخدام عوامل القوة بأمل إحداث فجوة في المشروع الضاغط علينا أو تحقيق مكتسبات مستقبلية بالاستقلال والتحرير، وهذا الاتجاه الثاني يحمل قابليتيّ النجاح أو الفشل لكنه في كل الأحوال أفضل من الأول". ويختم بأن الحزب "لو سلك طريق المراهنة على الاتجاه الثاني من دون الخلفية المبدئية لكان مطلباً صالحاً للتعميم على الجميع فكيف إذا واكبته قناعة ايمانية بوجود تكليف شرعي بالتضحية لتحقيق الأهداف؟"، وينهي بأن "اصبروا وصابروا ورابطوا"، معلناً ان "العجلة تسقط كل شيء".‏