مقابلات

في مقابلة لسماحته مع صحيفة المستقبل: "حزب الله" يرى الـ1559 من طينة "قانون المحاسبة" ولا "مفاعيل متدحرجة" له

من منطلق عدم الاستهانة به وعدم التهويل على أساسه‏ ولأن أميركا مستغرقة في العراق والانتخابات وإسرائيل تعرف كلفة أيّ عدوان‏ كيف يتابع "حزب الله" القرار الدولي 1559 الذي يعنيه في أحد بنوده الداعية الى "حل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية"، وكيف يرى تداعيات هذا القرار واحتمالاته؟‏

صحيفة المستقبل اللبنانية - الخميس 9 أيلول 2004

الكاتب: نصير الأسعد‏

الملخص: من منطلق عدم الاستهانة به وعدم التهويل على أساسه‏

ولأن أميركا مستغرقة في العراق والانتخابات وإسرائيل تعرف كلفة أيّ عدوان‏

كيف يتابع "حزب الله" القرار الدولي 1559 الذي يعنيه في أحد بنوده الداعية الى "حل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية"، وكيف يرى تداعيات هذا القرار واحتمالاته؟‏

يبدأ نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم تحليله لقرار مجلس الأمن بالتشديد على أنه "لا يصحّ الاستهانة بمعنى هذا القرار كما لا يصح التهويل بحجمه وبمفاعيله". وفي تقديره أن القرار 1559 عندما اتّخذ من الاستحقاق الرئاسي اللبناني عنواناً إنّما مثّل تدخّلاً في شأن لبناني وفي مسألة دستورية، فمن "غير المنطقي وغير المفهوم أن يتدخّل مجلس الأمن في موضوع تعديل الدستور أو عدم تعديله". ويضيف أنه "لا يصحّ أن يصبح النقاش في الداخل تحت سقف ما يراه مجلس الأمن الدولي"، ذلك أن الأمر عندئذٍ يغدو شبيهاً بـ"الوصاية والانتداب مما يجعل من لبنان محمّية خاضعة لإرادة مجلس الأمن في الظاهر لكن لإرادة أميركا في المسرح الخلفي". والخطورة في ذلك أن يكون القرار الخطوة الأولى الممهّدة لجعل كل القرارات المتعلقة بواقع المنطقة وبمستقبل لبنان مرتبطة بهذا "الإشراف الدولي".‏

أما البعد الآخر لخطورة القرار 1559 من وجهة نظر الشيخ نعيم قاسم، والذي يضاف الى "الوصاية والانتداب"، فيتمثّل في ما يسمّيه "تلقّف" إسرائيل على لسان وزير خارجيتها سيلفان شالوم للقرار واعتباره أنه يمهّد للصلح مع لبنان، وهذا ما يحمل "إشارة الى الرغبة الإسرائيلية في أن يفقد لبنان قدرته على اتخاذ القرار وأن يوضع في العناية الفائقة بإشراف أميركي ـ دولي بما يمكّن إسرائيل من تمرير مشروعها العدواني". ويرى قاسم أن "الركون الى السقف الدولي في الشأن الداخلي فيه تعطيل لاستقلال لبنان بالكامل وإسقاط لكلّ الآليات والقوانين المعتمدة لاتخاذ القرار في لبنان". ومن هذه المنطلقات جميعاً "يجب رفضه وكشف أبعاده وحقيقته".‏

و"يدعم" القيادي البارز في "حزب الله" تحليله بالإشارة الى أن "طلب حلّ الميليشيات يدلّ على أن الاستحقاق الرئاسي كان المدخل الظاهري بهدف إعادة صياغة واقع لبنان السياسي بما يريح إسرائيل من الممانعة التي تتجسّد في المقاومة وفي الوجود السوري، وهذا هو الهدف الرئيسي للقرار". وفي ضوء ذلك يلفت الى أن "القرار 1559 إشارة ضغط يجب أن نأخذها على محمل الجدّ ليس على قاعدة أنها فعّالة بل على أساس كونها جزءاً من محاولة الضغط على لبنان ومواقفه". على أن القرار الدولي فضلاً عن استهدافه "تشليح" لبنان أوراق الممانعة من مدخل الاستحقاق الرئاسي وبمناسبته، "يستهدف إعطاء نقطة إضافية لإسرائيل وإزعاج سوريا كي لا تكون مؤثّرة في الوضع العراقي الذي تريده أميركا هادئاً"، كما يقول قاسم الذي مع تقديره أن القرار الدولي يعني لبنان وسوريا على قاعدة الحيثيّات التي قدّمها آنفاً، يرى أساساً أن "القرار من الزاوية الأميركية اختار لحظة لبنانية للعبور الى المصالح الأميركية والإسرائيلية في العراق وفلسطين".‏

لكن ماذا عن فرنسا؟‏

يجيب المسؤول الرفيع في "حزب الله" عن هذا السؤال بالقول أن لفرنسا "حساباتها التي تلامس المصالح الخاصة، إذ أنها تبحث عن مدخل (خاطئ) لاتخاذ موقع لها في المنطقة من بوابة لبنان لكن اختيارها كان خاطئاً هذه المرة وفي معركة فاشلة". ويضيف أنه "إذا كان مفهوماً أن توغل أميركا في خططها فليس مفهوماً أن تزجّ فرنسا نفسها فتساعد أميركا التي تغتنم الفرصة لاستدراج باريس الى تأييد الأداء الأميركي في المنطقة مما يبطل تلك الممانعة الفرنسية التي كانت في العراق". ويذهب قاسم الى حدّ اعتبار أن "أميركا تجد فائدة من جرّ فرنسا نحو أن تكون شريكة في هذا الخطّ من التدخّل، ما يجعل ممانعة فرنسا في العراق بلا معنى".‏

وفي الاستنتاجات من كل ما تقدّم، يؤكد نائب الأمين العام لـ"حزب الله" أن "قرار مجلس الأمن قرار سياسي كجزء من الضغط على لبنان وسوريا ومن يقف معهما وليست له مفاعيل مادية مباشرة، لكنه جزء من عملية تراكمية لتسجيل نقاط إضافية في محاولة لحشر سوريا أكثر فأكثر".‏

وعليه يلفتُ الى أنه "من الخطأ اعتبار الاستحقاق الرئاسي السبب الحقيقي للقرار 1559 الذي يمثّل غطاء للمشروع الأميركي في خطوات الضغط على لبنان وسوريا". ويضيف أنه "إذا كان للمشروع الأميركي خطوات لاحقة، فمردّ ذلك الى الرؤية السياسية الأميركية حول ضرورة ممارسة مزيد من الضغوط". ويشير الى أن "أميركا حشدت سابقاً كل القدرات خلف قانون محاسبة سوريا ثم وجدنا في التطبيق العملي أن هذا القانون لم يحمل مفاعيل ميدانية تصعيدية مما يؤكد أن الضوضاء السياسية هي التي كانت مطلوبة أملاً بتراجعات سورية، ولم تكن ثمة رغبة أميركية في الأجندة التي تعتمدها لتصعيد يوصل الى التصادم ذلك أن الانشغال في العراق وفي الانتخابات الرئاسية الأميركية لا يسمح بأكثر من ذلك في المرحلة الحالية". وإذ يصف القرار 1559 بأنه "من طينة قانون محاسبة سوريا"، يقول قاسم أنه "قرار سياسي إصداره في حد ذاته هو الضغط ولا يتضمّن في داخله مفاعيل متدحرجة إلاّ إذا كان ثمة قرار سياسي أميركي بخطة متكاملة لتضييق الخناق على سوريا ولا أعتقد أن المرحلة الراهنة تسمح بذلك".‏

وماذا عن إمكانية دخول إسرائيل على الخط وقيامها بعدوان ضد لبنان وسوريا يستظلّ بالقرار الدولي؟‏

يلفت الشيخ نعيم قاسم الى أن "إسرائيل تعدّ الأجواء من خلال الكلام عن مسؤولية حزب الله وسوريا وإيران حيال ما يجري في فلسطين". ويلاحظ أن "التضخيم الإعلامي والسياسي للأدوار الخارجية له جانبان: الأول هو حيرة الإسرائيلي في الإجابة عن نتائج إجراءاته التي لم تمنع الانتفاضة من الاستمرار بفاعلية، والثاني وضع ممهّدات احتياطية مساعدة لعمل مستقبلي بحيث تكون تغطيته معدّة مسبقاً، أي بحيث يكون قد جرى الترويج لهذا العمل بمجموعة من المقدّمات التي تصبح جزءاً من الأدلّة السياسية بلباس مخابراتي وبتُهم تفتقر الى الأدلة الموضوعية".‏

بيدَ أن المسؤول الحزبي الكبير يسارع الى الإعراب عن اعتقاده أن "الظروف الحالية ليست مهيّأة لإقدام إسرائيل على عمل عسكري واسع"، ذلك أنها تحسب حساباً لردود الفعل "ولا أعتقد أن ضربة لسوريا في هذه المرحلة تمرّ من دون ردّ، ولا يمكن الاستهانة بالتداعيات التي يمكن أن تترتّب على عدوان إسرائيلي".‏

ويقول أنه "إذا قاربنا الظروف الإسرائيلية الحائرة في الداخل والتطورات الضاغطة على أميركا في العراق معطوفة على الحاجة الى تمرير الانتخابات الرئاسية الأميركية من دون مفاجآت، إضافة الى عدم القدرة على تحديد مستوى التداعيات التي تترتّب على أي عمل عسكري إسرائيلي، فإن كل ذلك يجعل حصول تطوّر عسكري أمراً مستبعداً في هذه المرحلة"، ومع ذلك يستدرك الشيخ نعيم قاسم بالقول أن "هذا التقدير لا يقفل الباب أمام أعمال أمنية متنقّلة، وكل ذلك يقتضي الاستعداد لأي احتمال مفاجئ"، في اشارة الى عمليات اغتيال كتلك التي نفذتها اسرائيل ضد المقاوم غالب عوالي في تموز الفائت.‏

ان تقدير "حزب الله" على لسان نائب أمينه العام لـ"التطوّر" الذي يمثّله القرار 1559 على الصعيد الدولي، وعلى مستوى علاقة لبنان وسوريا بـ"المجتمع الدولي"، ليس بعيداً عن تقدير سوريا لـ"حدود" القرار ومفاعيله، وإن كان الشيخ قاسم وقد أدخل الى هذا التقدير "نكهة حزب الله" بما هي "نكهة" فريق موجود في "المواجهة"أصلاً، إنما "يحاول" الطمأنة الى أن لا "مفاعل متدحرجة" لقرار مجلس الأمن، مستعيناً بمعطيات يعتبرها دالّة على ما يعتبره "المأزق" الأميركي والإسرائيلي. غير أن تحليل "حزب الله" يختلف جذرياً مع تحليلات بيئات سياسية أخرى في البلاد، الأمر الذي يعني أن الخلاف اللبناني ـ اللبناني حول النظرة الى ما يدور حول لبنان، عميق بدرجة كبيرة.. علماً أن مطلع الشهر المقبل حيث من المفترض أن يعود مجلس الأمن الى الاجتماع للنظر في "تنفيذ" القرار 1559، سيحمل أجوبة واضحة، مما يعني أن الفترة الفاصلة هذه لا بد أن تشهد قراءات معمّقة في الوقائع والمعطيات، سبيلاً الى استكشاف وجهة التعاطي مع التطوّرات بما يعزّز قدرة لبنان على حُسن "الاحتساب" من تداعيات لا بد أن يسعى الى تجنّبها.‏