مقابلات

حزب الله: الحرب واقعة وقرارها متخذ وتوقيتها جاهز

لم يعد بإمكان أمريكا أن تتراجع عن الحرب على العراق بعد إن حشدت أكثر من 200 ألف جندي وهيأت كل مقدمات الحرب، لأن أهدافها لا تتحقق إلا بسقوط النظام العراقي، أي أن ضرب النظام في بغداد هو المعبر لتحقيق هذه الحرب، ولذلك نرى أن الحرب واقعة وأن قرارها متخذ وتوقيتها جاهز، وأي تأخير بسيط في التوقيت له علاقة باستكمال المقدمات السياسية واللوجستية.

لم يعد بإمكان أمريكا أن تتراجع عن الحرب على العراق بعد إن حشدت أكثر من 200 ألف جندي وهيأت كل مقدمات الحرب، لأن أهدافها لا تتحقق إلا بسقوط النظام العراقي، أي أن ضرب النظام في بغداد هو المعبر لتحقيق هذه الحرب، ولذلك نرى أن الحرب واقعة وأن قرارها متخذ وتوقيتها جاهز، وأي تأخير بسيط في التوقيت له علاقة باستكمال المقدمات السياسية واللوجستية.

هكذا يقدر حزب الله على لسان نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم اللحظة الإقليمية الراهنة، وهو يقرأ ثلاث أهداف رئسية للحرب الأمريكية، الأول هو تحقيق السيطرة المباشرة على منابع النفط العراقي التي تحوي المخزون الأكبر في المنطقة، ومنها مد اليد إلى منابع نفط في الخليج بأسره، وذلك للتحكم بالمنابع عبر أسلوبين، أحدهما مباشر في العراق والثاني غير مباشر في ما يرتبط بالمملكة العربية السعودية والكويت وغيرهما، علماً أن ثمة مرحلة انتقالية، إذ قد يتحول غير المباشر إلى مباشر مع مرور الزمن. ويوضح قاسم أن السيطرة تشمل الإنتاج والتصريف والتسعيرة واستثمار النتائج المالية لبيع النفط، ثم استهلاك الأرصدة الناشئة في تلك البلدان كي تتحول دورة النفط إلى دورة أميركية بالكامل.‏

التغيير في العراق.. وفي المنطقة‏

أما الهدف الثاني فهو تحقيق التغيير السياسي للنظام في العراق، على أن يكون الاحتلال العسكري الأمريكي مشرفاً بشكل مباشر على الصياغة التفصيلية لإدارة العراق تمهيداً للضغط على دول الجوار لتحدث تغييرات سياسية طوعية أو إلزامية، بحسب حدود العلاقة الانصياع لرغبات أمريكا، مما يؤدي إلى تغييرات سياسية في الأنظمة القائمة من دون إغفال احتمال تقسيم دولة أو دولتين في المنطقة بالحد الأقصى. ويضيف الشيخ نعيم: أن الهدف الثالث هو توفير المناخات الملائمة لإسرائيل المتفوقة عسكرياً والمدعومة إلى الحد الأقصى في مقابل الضغوط على الشعب الفلسطيني المحاط بجو عربي مترهل ومحبط، وذلك لتسهيل خطوات الحل السياسي على القياس الإسرائيلي ولاقتناص فرصة مشروعية الكيان الصهيوني تمهيداً لرسم حدوده الجغرافية التي تمكنه منم البقاء بلا حدود سياسية، فتنطلق إسرائيل من هذه الحدود الجغرافية للسيطرة على المنطقة بتقاسم أدوار ومصالح مع الولايات المتحدة.‏

ويرى المسؤول الحزبي الكبير أن هذه الأهداف الثلاثة هي الدافع وراء قرار الغزو الأمريكي للعراق وكل الاتهامات والادعاءات الأخرى لا تعدو كونها مبررات تسويقية للغزو، وكل العناوين المطروحة للاعتداء على العراق هي مبررات ظاهرية للأهداف الثلاثة المذكورة.‏

إطالة الانتداب على العراق... وإطلاق يد إسرائيل‏

وعلى هذا الأساس يعرب الشيخ قاسم عن اعتقاده أن الصورة الأمريكية لما بعد الحرب قد تتشكل على النحو الآتي:‏

أولاً: إبقاء العراق موحداً بإدارة مركزية من قبل حاكم عسكري أمريكي، مع المحافظة على بنية النظام الحالي من الفئة الثالثة وما دون وبعض الفئات الثانية والتخلص من الرئيس العراقي ومن حوله مباشرة، وتطعيم هذه البنية بجزء من المعارضة بما لا يعطيها حريتها في الاختيارات السياسية، وذلك باسم درء الفتنة الأهلية، والخوف من النزاعات الطائفية وضرورة الاطمئنان إلى أهلية الشعب العراقي لاختيار قيادته.. مما يستغرق سنوات من الانتداب-الاحتلال.‏

أما الجانب الثاني من الصورة الأمريكية كما يرها قاسم، فيتعلق بإطلالة الولايات المتحدة على المحيط الخليجي لتعيد صياغة موقع المملكة العربية السعودية في أدائها، وفي ما هي مهتمة فيه بالحركات الأصولية، لتتخذ إجراءات حادة ومعقدة، وإذ ذاك يكون النظام مخيراً بين الدخول في هذه الإجراءات مع ما تستلزمه من تغييرات بنيوية أو أن تعطي أمريكا إشارات توفير بدائل أخرى منه.‏

وفي الجانب الثالث من الصورة المتعددة الأبعاد، تتجه الولايات المتحدة إلى الضغط على سوريا لوقف التعامل مع المقاومة والانتفاضة، ومحاصرتها بمجموعة من الاتهامات كي لا تكون سوريا قادرة على التصرف بحرية والاستفادة من مواقع القوة الموجودة لديها استراتيجياً وجغرافياً.‏

وفي البعد الرابع، يعتبر نائب الأمين العام لحزب الله أن الاحتلال الأمريكي للعراق في سياق التواجد في المنطقة ككل، سيشكل حالة من التهويل على الجمهورية الإسلامية في إيران، عبر إثارة قضايا ضدها كي تتراجع عن مواقفها.‏

أما خامساً وأخيراً، وعندما يحصل كل ما سبق، تطلق أمريكا يد إسرائيل في تهديد فلسطين ولبنان بهدف تغيير قواعد المعادلة القائمة. وباختصار يرى قاسم أن الصورة العامة هي صورة الدخول من البوابة العراقية لكن لتحقيق مجموعة من الأهداف العامة في المنطقة.‏

الإعاقات أمام أمريكا‏

غير أن الشيخ نعيم يطرح في هذا السياق مجموعة من الأسئلة: هل ستحقق هذه الخطوات الأمريكية تباعاً وبشكل منتظم وفقاً للرؤية الأمريكية-الإسرائيلية؟ وهل تكون شعوب المنطقة وأنظمتها محبطة ومطواعة فتنسجم مع هذه الخطوات؟ هل تنجح أمريكا في الانتقال من خطوة إلى خطوة بشكل هادئ ومريح ومن دون أثمان ومفاجآت؟ وهل تبقى الخطة على ما هي عليه أم تعيقها استثناءات...؟‏

ويجب أن هذه الأسئلة جدية وليست نظرية، ذلك أن أمريكا تدخل على المنطقة بالقوة وفي ظل جو دولي متوتر ومنقسم، وفي ظل غضب شعبي عربي عارم وإسلام عام، ما يفسح المجال أمام تطورات قد لا تكون محسوبة أمريكياً بدقة. ويلفت إلى أن غزو العراق يمكن أن يتم بشكل سريع، لكن إذا حكمت أمريكا العراق بعسكرها وبأدوات النظام القديم وأغلقت الأفق أمام تطلعات المعارضة بفئاتها المختلفة وتجاهلت التضحيات فهل ستكون أمريكا آمنة في العراق عندئذ؟‏

ويسأل في معرض الجواب: هل تقبل المعارضة أن تكون مسلوبة القرار والإرادة؟ وماذا عن المنطقة الكردية التي خسرت منذ الآن بسبب التحالف الأمريكي-التركي؟ وماذا عن المعارضة الشيعية التي لم تحصل على أي تعهد واضح بالنسبة إلى مستقبل العراق؟ ويؤكد أن هذه العوامل قد توجد جواً في مواجهة الولايات المتحدة، على هذا الأساس يعتبر أن المستقبل سيكون كاشفاً لسيناريوهات لا يمكن الحسم بأحدها منذ الآن، ومنتهياً إلى القول أنه عندما يجري الحديث عن السيناريو الأمريكي، فإنه حديث عن الرغبة الأمريكية وليس مؤكداً أن تتم ترجمة هذه الرغبة عملياً بالضرورة. ويختم الشيخ نعيم قاسم بأن المنطقة على فوهة بركان وهي في دائرة الأخطار المتلاحقة، لكن خيارات المواجهة غير معدومة بل مقدماتها موجودة.‏