قرع الرجل الثاني في حزب الله نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ناقوس الخطر المحدق بالمنطقة العربية من جراء الاحتلال الأمريكي المقبل للعراق الذي سيخلق مشكلة كبيرة لجميع دول المنطقة بدون استثناء، محذراً بحزم من أن الأيام ستكشف مخزوناً أمريكياً ضخماً من مشاريع الاحتلال، فالعراق هو البوابة الأولى وليست الأخيرة، ونبه إلى أن الولايات المتحدة ستسعى جاهدة لتقسيم المنطقة سياسياً، مستبعداً بذلك أي تقسيم طائفي أو جغرافي في المدى المنظور، واعتبر أن الحرب على العراق ستكون خاطفة وسريعة وأن العد التنازلي لإندلاعها قد بدأ.
وانتقد بقوة الأنظمة العربية التي تعيش أسيرة المعادلة الدولية وتمارس مختلف أساليب القمع ضد شعوبها التي ستتحرك يوماً انطلاقاً من تاريخها المشرق.
وإذ سجل نقطة إيجابية للموقف الأوروبي، أكد أن الأوروبيين لا يتحركون نيابة عن العرب بل لأنهم يقرأون انعكاسات الحرب على مستقبل القوة الأوروبية، ولم يغفل توجيه تحذير حاسم لشارون من مغبة أي مغامرة على لبنان لأنها ستكون مكلفة جداً خصوصاً أن المقاومة الآن أصلب وأقوى، وشدد على أن الخيار الوحيد أمام الشعب الفلسطيني اليوم هو الانتفاضة.
مواقف الشيخ قاسم جاءت في حوار أجرته معه "الحوادث" على الشكل التالي:
- الحوادث:المبادرة التي أطلقها حزب الله باتجاه العراق، لماذا؟ ولماذا هذا التوقيت بالذات، وهل لدى حزب الله معطيات معينة؟
قاسم:لاحظنا أن الاتجاه العام يسير في تقرير الحرب ضد العراق بأي ثمن وأن أمريكا تعلن أسباباً غير واقعية وغير حقيقية لهدف استراتيجي ومركزي هو السيطرة على مقدرات العراق تمهيداً لإجراء تغيير سياسي واقتصادي يؤثر في واقع المنطقة بأسرها، إذاً نحن أمام احتلال للعراق من قبل أمريكا وليس هناك أي طرف مستفيد من هذا الاحتلال سواء كانت المعارضة أو النظام أو الدول المحيطة وشعوب المنطقة، فكان لا بد من طرح يُخرجنا من هذا المأزق. ما دام الجميع يرفضون العدوان الأمريكي وطرح فكرة تكون لها قابلية التطبيق إذا قبلت بها كل الأطراف وتبعد شبح الحرب، علماً أنها فكرة صعبة نظراً لما حصل خلال السنوات الطويلة الماضية من النظام تجاه الشعب العراقي، إلا أن المقارنة بين هذا الأمر والاحتلال الأمريكي الذي يحمل أخطاراً مجهولة قد تجعل المبادرة أقل سوءاً وأفضل حالاً من أي اقتراح آخر ومن استمرار نفس العدوان.
من هنا، كانت الفكرة تستهدف إبعاد شبح الحرب الأمريكية في مقابل تحريك آلية يمكن أن تساعد على إيجاد حلول أخرى وقد تفتح هذه المبادرة المجال لعناوين أخرى لها علاقة بإبعاد شبح الحرب. هذا الهدف الذي انطلقنا منه، خصوصاً أن الأيام تكشف كيف أن الأمريكيين يختزنون مجموعة ضخمة من مشاريع الاحتلال في المنطقة، وأن العراق سيكون البوابة الأولى وليست الأخيرة وأن الأهداف هي أهداف خطيرة ومعقدة.
الحوادث: هل لمستم أي تجاوب عربي مع هذه المبادرة؟
قاسم:نحن لم نجر اتصالات بخصوص هذه المبادرة، نحن اعتبرناها برسم من يقبل ويتلقفها، لأنها تحتاج إلى آلية عملية من موقع التأثير والقرار، ونحن لم نقدم على وضع آلية تنفيذية لأننا نعتبر أن هذه الآلية تحتاج إلى جهود أكبر وأوسع من الجهود التي نمتلكها. ولاحظنا إيجابيات كبيرة أعلن عنها من قبل أطراف وجهات حزبية على امتداد العالم العربي ، ولمسنا أيضاً ارتياحاً من قبل شعوب بعض الدول العربية والإسلامية، لكن بكل صراحة لم نسمع من الدول العربية موقفاً، لا خاصاً ولا عاماً، ربما صدر هناك تصريح أو تصريحان لكن لم يكن هناك تبنِّ فعلي للمبادرة من هذه الدول.
الحوادث: في حال تخلصت الولايات المتحدة من نظام صدام وأنشأت حكماً موالياً لها، برأيك، ماذا سيكون موقف إيران وسوريا وصولاً إلى حزب الله؟
قاسم:في البداية الحكم سيكون عسكرياً، وكما قالوا سيكون في مرحلة ثانية مدنياً بإشراف أمريكي، بانتظار المرحلة الثالثة التي يسمونها مرحلة الديمقراطية، والسؤال المطروح هو:كم تستمر هذه المراحل؟ وماذا يبقى حتى يحكم الشعب العراقي نفسه بعد ذلك؟ لأن الأمريكيين سيصوغون واقعاً يصعب على العراقيين تجاوزه، العراق سيكون محتلاً من قبل الأمريكيين، وهذا بالطبع سيكون مشكلة لإيران وسوريا والسعودية ودول الخليج وليس مشكلة لدولة فقط بعينها بل للجميع.
على هؤلاء جميعاً أن يدرسوا كيفية التعاطي مع هذا التطور، ولا أستطيع أن أحسم الآن كيفية تعاطي هذه الدول مع هذا التطور الجديد، لكن بطبيعة الحال هناك دراسات معمقة في كل من إيران وسوريا وكل المعنيين بهذا التطور لجهة النتائج الخطرة على المنطقة. إلا أنهم سيكونون بالتأكيد في حالة طوارئ دائمة.
الحوادث:هل إعادة رسم منطقة الشرق الأوسط من قبل أمريكا هو للسير مع المخطط الصهيوني القديم الرامي إلى تقسيم المنطقة لدويلات طائفية صغيرة؟
قاسم: لا حاجة لتقسيم طائفي في المنطقة، إنما هناك حاجة أمريكية لتقسيم سياسي يمكِّن الأمريكيين من عدم الوقوع في مشكلة استقلال الدول وآرائها ومعتقداتها، وأنا اعتقد أن الخطوة الأمريكية باتجاه احتلال العراق هي خطوة ثقافية وسياسية قبل أن تكون خطوة اقتصادية. هم يريدون الدخول إلى المنطقة لإعادة التفكير عند الشعوب فيها وليس من اجل السيطرة اقتصادياً وسياسياً، وكل ما يعتبرونه نافعاً في هذا الاتجاه سيقومون به بعناوين براقة، تارة تحت عنوان الديمقراطية، أي ديمقراطية القرار الأمريكي، وأخرى تحت عنوان الحريات التي تكون حريات لهم، وليست لغيرهم.وهكذا ستبتز أمريكا دول المنطقة بتغييرات داخلية أو فرض شروط ومعطيات خارجية لإعادة التركيبة السياسية التي قد لا تنتج إعادة توزيع في الجغرافية بل قد تكون هناك إعادة توزيع في أنظمة الحكم وفي طريقة إدارة هذه الأنظمة، وإن كان هناك احتمال بأن يطاول هذا الأمر بعض دول الخليج حتى على المستوى الجغرافي، كما تتحدث بعض التقارير عن احتمال تقسيم في بعضها، لاعتبارات لها علاقة بتفكيك بنية هذا البلد ضمن الرؤية الأمريكية، هناك مصالح أمريكية بإعادة رسم الخارطة الثقافية والسياسية في المنطقة. وهنا يدخل على الخط كعنوان أساسي الحضور الإسرائيلي الذي يأخذ النقطة المركزية في التفكير الأمريكي فهم يريدون تهيئة الأجواء الملائمة، لتكون المنطقة ضعيفة ومحبطة ويتمكن الإسرائيليون من فرض دولتهم وشروطهم بالصيغة التي يريدونها، ويكون بذلك قد أسسوا لكيان صهيوني مستقر الحدود، معترف بها ينطلق ليكون الذراع الأمريكية في المنطقة تستخدمها أمريكا عندما تحتاجها وتخفف من تدخلها المباشر، أحياناً وقد تبقى في دائرة الموقع الحيادي الذي يقتنص الفرص ويستثمر نتائج المشكلات التي تنشأ عن هذا الكيان. وقد أعلن كولن باول أن نتائج الحرب على العراق ستكون تسهيلات لمصلحة القضية الفلسطينية، كما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي شاؤول موفاز أن بداية الحل لقضية الشرق الأوسط تبدأ من آخر يوم حرب على العراق. وما أود قوله هنا هو أن طبيعة أبناء شعوب منطقتنا وما يحملونه من تاريخ مشرق ورغبة في التحرر ورفض لهذا الاستكبار ستكون من العوامل التي ستؤدي إلى غليان في المنطقة لا يفضي إلى حلول على الطريقة الأمريكية.
الحوادث: كيف ترى تقسيم العراق، جغرافياً، وهل صحيح أن الشيعة سيكونون الأكثر تضرراً؟
قاسم: يبدو أن الاتجاه الغالب حتى الآن عند الإدارة الأمريكية هو بإبقاء العراق موحداً لأن هذه الوحدة ليست "كرمى لعيون" الشعب العراقي، وإنما من أجل إبقاء التحكم مركزياً بمقدرات البلاد ومحاولة استثمارها، وما يدل على هذا الاتجاه هو أن الحديث بين المعارضة العراقية كان دائراً حول الفيدرالية المحتملة مستقبلياً بين الأكراد والشيعة والسنة في الداخل، لكن عندما تقرر عدم الاستمرار في الخصوصية التي كانت حتى الآن للأكراد في شمال العراق برعاية دولية، هذا يؤشر على أن الاتجاه المستقبلي هو لطمأنة تركيا لعدم وجود قدرة من الاستقلال عند الأكراد. وهم يخافون أيضاً من الاستقلال الذي قد يحصل بنسبة معينة في إطار الفيدرالية الشيعية، وهم يريدون إعطاء إشارات إيجابية للمحيط الإسلامي العام، وبالتالي فإن الإدارة الأمريكية متجهة إلى عراق موحد بإدارة مركزية حادة من قبل الأمريكيين تشابه إدارة صدام لكن باحتلال أمريكي مباشر.
الحوادث:هل تعتقد أن الحرب ستكون قصيرة وخاطفة؟
قاسم: على الأرجح أن الحرب ستكون قصيرة وسريعة لأنها تنطلق من خطط عسكرية توقع أكبر عدد من التدمير المنظم، مما يعني أن كمية الذخائر والأسلحة التي ستستخدم ستكون كثيفة جداً، ولا أعتقد أن الطرف العراقي قادر على ان يصمد خلال هذه الفترة لمدة طويلة، وهذه هي المراهنة الأمريكية:كثافة نيران يلحقها دخول للقوات الأمريكية البرية، وعلى هذا الأساس يمكن أن نتصور لاحقاً حرب شوارع، إذا كان أداء النظام العراقي متماسكاً ومبنياً على مثل هذه الخطة الأمريكية والميدانية، وإذا كان بعض الشعب العراقي والجيش العراقي يحملون القابلية والروحية التي تمكنهم من هذه المواجهة. وفي حال طال الاحتلال الأمريكي للعراق قد تنشأ معادلات جديدة لها علاقة بالمعارضة العراقية التي تتخذ موقفاً منتظراً الآن، ومؤيداً لسقوط صدام بأي شكل، وتنعكس مقاومة شعبية للاحتلال الأمريكي. لكن يبقى من المبكر التكهن بما سيحصل مستقبلاً.
الحوادث: ما هي تحفظات حزب الله على المعارضة الأمريكية؟
قاسم: نحن أعلنا بوضوح أننا لن ندخل بجدل ونقاش حول مواقف المعارضة العراقية، لا تبريراً ولا انتقاداً ولا دفاعاً، لأن وضعهم في الواقع صعب، والأحوال التي يعيشونها معقدة جداً، لذلك فضلنا في الحزب أن نتخذ موقفاً محدداً، وهو أننا ضد الغزو الأمريكي للعراق ونحن مع الأساليب التي يعتقد الشعب العراقي أنها توصله إلى أهدافه في عراق حر موحد ومستقل. أما التفاصيل الأخرى فلن ندخل فيها.
الحوادث:برأيك، لماذا هذا الاستسلام والتقاعس العربي، وهل اصبح الأوروبيون أكثر عروبة منّا؟
قاسم: للأسف، هناك في شارعنا العربي مشكلتان كبيرتان: الأولى تتمثل بقمع الأنظمة العربية لشعوبها، والثانية أن هذه الأنظمة تعيش أسيرة المعادلات الدولية وكثرة الحسابات خصوصاً وأن أكثرها يعيش على فتات هذه المعادلات الدولية والمنح الأمريكية الغربية في الموقع السياسي، لذلك لا يمكن أن نتأمل من الأنظمة قدرة معينة على التحرك، فهي لا تملك الإرادة عندما تملك بعض القدرة أما اختياراتها فهي اختيارات تابعة وليست مستقلة. وهي تعمل لحماية أنظمتها دون أن تلتفت للقضايا الكبرى. أما بالنسبة للشعوب، فهي مصابة بالضعف في القيادات السياسية الموجودة في المنطقة بشكل عام، إلا ما رحم ربي، باستثناء بعض القوى والأحزاب التي لها امتدادات عربية وتتحرك بفاعلية. لذلك يعاني الشعب العربي من الضعف في تحريكه(لأن الذين يحركون عادة الشارع هم الأحزاب والقيادات..) وهذه الأزمة تطل برأسها كلما واجهنا قضية كبرى سواء كانت فلسطين أم القضايا أو العراق وما يحيط به ، وقد لمسنا أيضاً هذا الأمر عندما كانت قضية لبنان في الصدارة. وهكذا كل القضايا العربية هي خارج دائرة التفاعل العربي المتكامل، وهذه أزمة تتطلب من المعنيين الإلتفات إليها.
وهنا نسجل نقطة إيجابية للأوروبيين في تحركهم ضد الحرب، لكن يجب الإلتفات إلى انهم يتحركون بدافع صحيح وسليم بالنسبة لهم، فهم لا يتحركون نيابة عنا كيلا نعطي الأمور بُعداً غير صحيح، هم أيضاً يتحركون لأنهم يقرأون انعكاسات الحرب على مستقبل القوة الأوروبية في مواجهة الأحادية الأمريكية التي لن تتوقف، وستمتد إلى أوروبا وغيرها، إن الحركة الأوروبية هي جزء من مصالح أوروبا من ناحية وجزء من تركيبة المجتمع الغربي الذي يعطي فرصة للتعبير عن الرأي.
الحوادث: هل يخاف حزب الله على مستقبله، خصوصاً في ظل ما يُرسم للمنطقة وما يلوح في أفق المستقبل وما يصرح به المسؤولون الأمريكيون؟
قاسم: نحن في حزب الله نفكر بطريقة مختلفة عما يفكر به الآخرون، نحن نرى أن الخطر داهم وكبير وأن ما يخطط للمنطقة ليس بقليل، وأننا أيضاً في دائرة الاستهداف الأمريكي والإسرائيلي، لكننا لا نتعاطى مع هذا الاستهداف من موقع القلق والرعب إنما نتعاطى مع التهديدات على أساس أنها امر واقع مفروض، فلا بد من ان نعد العدة لمواجهتها وبذل كل الإمكانات المتاحة لمنع تحقيق الأهداف الأمريكية الإسرائيلية علينا وعلى منطقتنا. وهذه لها مقدماتها واستعداداتها وآليتها في المتابعة، وليس جديداً علينا أن نُهدد من قبل أمريكا وإسرائيل، فمنذ سنة 1985 تقريباً تعلن إسرائيل التهديدات اليومية بحقنا، وأمريكا تنعتنا بالإرهاب، وتواجهنا في كل المحافل والمواقع السياسية الدولية، وقد استطاعت المقاومة الإسلامية على رغم كل الدعم الأمريكي لإسرائيل أن تحقق بالتعاون مع كل الشرفاء انتصاراً داهماً على إسرائيل في جنوب لبنان. لذلك نحن نعتبر أنفسنا في حالة طوارئ واستنفار لأي تطور يمكن ان يحصل. وإن كنا نتوقع أن يكون التطور المقبل بعد انتهاء معركة العراق من إسرائيل وليس من أمريكا مباشرة.لأن إسرائيل هي يد أمريكا في المنطقة، ولو كانت إسرائيل قادرة أن تكون اليد الأمريكية في العراق لما تدخلت أمريكا مباشرة، لكن يبدو أن أمريكا قد قسمت المنطقة إلى قسمين، قسم من اختصاصها وقسم من اختصاص إسرائيل (فلسطين وسوريا ولبنان والإردن)، وعلى هذا الأساس نحن نعتبر أن أمامنا تحديات مستقبلية تحتوي على احتمالات كثيرة، ونحن حاضرون للدفاع عن استقلالنا وأرضنا وكرامتنا، ولا نهدأ ولا نستسلم ونتوكل على الله تعالى، ولن أتحدث الآن عن نتائج إيجابية أو سلبية بل سأترك الأمر إلى تجربة الزمن.
الحوادث: كيف سيتعامل حزب الله مع تهديدات شارون بالرد على أي استهداف للحدود الشمالية لإسرائيل بالعمق اللبناني؟
قاسم: آرييل شارون يعلم أن أي مغامرة في لبنان ستكون مكلفة جداً لإسرائيل، لن نسكت عنها وسنتعامل معها بحسبها وبالطريقة المناسبة التي يتوقعها أو لا يتوقعها العدو. نحن نعتبر أن هناك توازناً ما في المسألة، وقد عوَّدنا الإسرائيليون أن يهددوا دائماً ويعطوا حالة معنوية من خلال التهديد لكن بالنسبة لنا هذا أمر عادي.
الحوادث: في حال استغل شارون الحرب ضد العراق ونفذ تهديداته بتهجير الفلسطينيين كيف سيتم التعامل مع هذا الواقع؟
قاسم:نرجح أن لا يتحرك الإسرائيليون بشكل استثنائي لا في فلسطين ولا في لبنان، في أثناء الحرب الأمريكية على العراق، على الإسرائيليين أن ينتظروا نتائج الاحتلال، فقد يوفرون عليهم بعض الأعمال التي تضرهم معنوياً على المستوى الدولي، أو تدخلهم في حلول معقدة وفيها مأزق ميداني، أعتقد أن الإسرائيليين سينتظرون نتائج الحرب على العراق لتبدأ بعدها الأفكار والمخططات المتعلقة بفلسطين ولبنان، ومن المستبعد أن يحصل تطور استثنائي خلال العدوان على العراق، أما متى يكون هذا التحرك وكيف يكون شكله، فأعتقد أن المطلوب هو قراءة ما سينتج عن العدوان الأمريكي على العراق، لأن الأمور ليست منفصلة بعضها عن بعض، والاحتمالات متعددة. نعم نحن نبني على أسوأ الاحتمالات في استعداداتنا لأننا نرسم لاحتمال المفاجآت والتغييرات الاستثنائية.
الحوادث:هل أن المعادلة التي فرضها حزب الله على إسرائيل في الجنوب ستردع شارون إلى حد ما عن ارتكاب الحماقات في لبنان؟
قاسم:هذا أمر مؤكد لأن تجربة لبنان علَّمت القادة الإسرائيليين أن يعدوا كثيراً قبل ارتكاب أي عدوان على لبنان، ولو المعادلة التي فرضتها المقاومة لما استطاع لبنان أن يفتتح مياه الوزاني، ولما امتنعت إسرائيل منذ 24 أيار 2000 وحتى الآن عن القيام باعتداء واسع على لبنان، ولولا الحسابات الدقيقة لقوة حزب الله والخوف من ردات الفعل التي ستنشأ على المستوى الدفاعي بهذا الشأن، لكان ربما قد تم احتلال لبنان مجدداً منذ سنة أو اكثر، ولكانت قد حصلت بعض الأعمال العسكرية الإسرائيلية على لبنان بشكل مؤلم. من هنا كنا نقول دائماً أن قوة لبنان يجب ان تبقى ووجود المقاومة قوية ومعززة يجب أن يستمر لأنه يشكل حماية للبنان. إن الأمن المميز الذي يتمتع به لبنان هو ببركة قوة لبنان وصموده ومقاومته وليس منحة من إسرائيل أو مجلس الأمن أو الدول الكبرى لذلك إن شارون يتحسب كثيراً قبل الاعتداء على لبنان، خصوصاً أن قوة المقاومة اليوم تختلف عن قوتها في عدوان نيسان 96. فهي أكثر صلابة وقدرة وقد مكَّنت نفسها أكثر لتواجه الاستحقاقات المقبلة، وهذا ما يعلمه الإسرائيليون بالإجمال ولا يعلمونه طبعاً بالتفاصيل، وإذا أحبوا أن يجربوا فنحن حاضرون.
الحوادث:كيف تصف الأمن في الجنوب اليوم؟
قاسم:الأمن في الجنوب مستقر بشكل كبير، والدليل على ذلك أنه لو حصلت مشكلة واحدة لما توقفت بعض الأصوات عن نشرها وتفصيلها وإيجاد قصة مركزية منها لأن هناك من يتربص لأي مشكلة أمنية قد تحصل في الجنوب.
إن القوى الأمنية في الجنوب تقوم بواجبها ودورها وحفظ الأمن، ونحن نعتبر أن أفضل وضع أمني ممكن هو في الجنوب بشهادة المسؤولين الأمنيين والمعنيين.
الحوادث: كيف تفسر توقيت زيارة محمد البرادعي إلى إيران؟
قاسم: لقد وقعَّت إيران في السابق معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية التي تخضع لرقابة وكالة الطاقة الدولية. وهي تريد اليوم أن توضح بشفافية أمام الرأي العام العالمي أنها لا تمتلك أسلحة نووية والبراعي زار إيران كجزء من دور وكالة الطاقة الدولية، ولا يأتي التفتيش كجزء من تهمة وإنما هو نتيجة طلب إيراني لكشف الواقع القائم. وهذا الأمر يبين انضباط إيران في دائرة المعاهدات التي توقع عليها ويبعد بعض التهم التي تتوقع إيران أن تثيرها أمريكا ضدها.
الحوادث: كيف ترى الواقع الفلسطيني اليوم في ظل المذابح الإسرائيلية اليومية والتغاضي الدولي والعربي عنها وماذا عن الانتفاضة؟
قاسم: يمكننا القول بأن الواقع الفلسطيني اليوم مؤلم ومشرف، مؤلم بسبب الشهداء ومشرف بأن هذه الثلة القليلة من شعب فلسطين والانتفاضة تواجه نيابة عن العالم بأسره وتتحمل وجود كل إمكانيات العالم بيد إسرائيل، أنا لا أعتبر أن الانتفاضة تواجه إسرائيل فقط بل أمريكا وتغطية مجلس الأمن للعدوان الإسرائيلي المتكرر، وتواجه حالة دولية وليست حالة محلية فقط. أمام هذا الواقع، لا أعتقد بوجود خيارات أخرى متوافرة ، فالفلسطينيون أمام خيارين: إما الاستسلام وهو ما يعني أن تأخذ إسرائيل كل شيء وتسلبهم حياتهم ومستقبلهم، وإما أن يستمروا في المقاومة والانتفاضة على أمل ان يتحقق التحرير ويوضع حد للتوسع الإسرائيلي ويبدو أن الفلسطينيين قد اختاروا الخيار الثاني الذي لا بديل عنه. من هنا نرى أن مراوحة العمل في استمرار الانتفاضة هو بحد ذاته انتصار للفلسطينيين لعدم إعطاء شرعية لإسرائيل وعدم وجود من يقبل بأن يوقع لإسرائيل ما تريده. لذلك نلاحظ كيف يضغط الأمريكيون والأوروبيون على الانتفاضة لتوقف عملياتها حتى تصبح الساحة خالية لإسرائيل بالكامل لأنهم يأخذون مصالح إسرائيل ومطالبها في الاعتبار وليس العكس.
الحوادث: يقول بعض المحليين أن من نتائج الحرب على العراق إيجاد وطن بديل للفلسطينيين، وهناك العديد من السيناريوهات بهذا الشأن لإراحة إسرائيل، فماذا تقول؟
قاسم:قبل الحديث عن الحرب على العراق كان النقاش في الدولة الفلسطينية نقاش إنشاء مخيم فلسطيني وليس دولة فلسطينية، وكان الحديث عن مساحة هذا المخيم بأنها لا تتجاوز واحداً على تسعة من مساحة فلسطين، ومع هذه التطورات ستزداد الضغوط على الفلسطينيين وهو المشروع الرئيسي المطروح لحوالي 4 ملايين فلسطيني بالحد الأدنى في أماكن مختلفة من العالم. المشروع في عناوينه العامة كان قائماً ولا يزال، يبقى أنه أصبح أقرب أو أبعد، فهذا ما يجب أن ننتظره مع التطورات الجديدة. نحن كمقاومة رفضنا مشروع التوطين في لبنان من منطلق إيماننا بضرورة عودة الفلسطينيين إلى أراضيهم وليس من منطلق الخوف من التغيير الديموغرافي الذي يمكن أن يحصل، وهو موقف لن يتغير وسنكون إلى جانب الفلسطينيين ومعهم وسندعمهم لمنع إمكانية توطينهم في لبنان.
الحوادث: لماذا عندما تكشف إسرائيل خلية تجسس لحزب الله داخل صفوفها تحاول خلق ضجة إعلامية مثيرة؟
قاسم: من حق حزب الله المشروع أن يخترق الأجهزة الأمنية للعدو وقد تعودنا في مثل هذه الحالات ألا نتحدث بالتفصيل عن مكان الاختراق وتوقيته وأحواله، لذا لم نرد على كل التصريحات الإسرائيلية حول الاختراقات لا سلباً ولا إيجاباً، سواء كانت ما تقوله صحيحاً أو غير صحيح، ومن الطبيعي أن تكون للمقاومة شبكات أمنية وليس خافياً أننا قمنا ببعض العمليات عندما كانت إسرائيل في جنوب لبنان استناداً إلى معلومات أمنية، وعلى رأسها معركة انصارية. لكن طبعاً ليس صحيحاً ما يُقال عن تجارة المخدرات وعلاقة حزب الله بها، لأن هذا الأمر لا ينسجم مع موقفنا الشرعي.
الحوادث: صحيح أن التغيير الحكومي في لبنان مؤجل اليوم بسبب التطورات الإقليمية ولكن هل هناك نية لدى حزب الله للمشاركة في أي حكومة مقبلة؟ وما مدى صحة استبعاد الضغوطات الدولية للحزب عن هذه المشاركة؟
قاسم:إلى أن تطرح الحكومة برامجها وإلى أن نلمس تغييراً يمكن أن يساعد على أصل التفكير في الموضوع فلكل حادث حديث. فنحن نربط عادة مشاركتنا بشروط معقدة ترتبط بجدية المشاركة وفعاليتها وجدواها، أما بالنسبة للضغوطات الدولية فقد مرت بعض الحكومات منذ العام 1992 حيث كانت هناك ضغوطات دولية لعدم مشاركتنا، وخصوصاً أمريكية. ولكن مرت محطات كان بإمكان الحزب المشاركة، غير أنه لم يشارك.
الحوادث:كيف تقرأ إعادة الانتشار السوري في لبنان؟
قاسم:القوات السورية في لبنان ضرورة لها علاقة بحفظ الأمن العام ومواكبة التطورات التي تحصل في المنطقة. وعندما تقرر القوات السورية إعادة الانتشار فهي تقرر ذلك على ضوء الحاجات الفعلية للبنان وعلى ضوء التطورات التي تساعد في أن يكون الانتشار بهذه الصيغة أو تلك، وإعادة الانتشار هي جزء من السياسة العسكرية السورية التي تأخذ في الاعتبار تخفيف وجودها قدر الإمكان، وربما يتأخر الانتشار أحياناً، بسبب الآثارات السياسية غير الموضوعية، وربما يسرع الانتشار بسبب الهدوء السياسي الذي يسمح بأن تكون الخطوة مجردة عن الضغوطات التي يلجأ إليها البعض من غير مبرر. وفي رأيي أن إعادة الانتشار هي خطوة سياسية في إطار تعزيز العلاقات اللبنانية-السورية على قاعدة الاستمرار في التماسك اللبناني-السوري الذي يرى استهدافاً موحداً في التطورات التي تحصل في المنطقة.
الحوادث:لماذا هذا الصمت بين حزب الله ولقاء قرنة شهوان، بمعنى أن لا انتقاد ولا مديح ولا تعليق؟
قاسم:لقد دأبنا منذ البداية على أن نحترم آراء وأفكار الآخرين، ولكن أي علاقة يجب أن تنشأ ويجب أن تقوم لتصل إلى نتيجة معينة، ونحن لم نر أن الأحوال والمعطيات المتبادلة بيننا وبين لقاء قرنة شهوان تستدعي مثل هذه العلاقة حالياً، وبالتالي بحسب تقديرنا للأحوال الموضوعية رأينا أن هذا الشكل من الموقف ينسجم مع الفوائد على المستوى اللبناني ولو كنا نجد فائدة في غير هذه الطريقة لاعتمدناها.