مقابلات

نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم لصحيفة "المستقبل": تجاوزنا مرحلة الضغوط الأميركية لكن الخطر لم ينتهٍ

أدت تفجيرات نيويورك في 11 أيلول 2001 وما تلاها من تطوّرات عبر "الحرب على الإرهاب" والاحتلال الأميركي لأفغانستان ثم للعراق الى بروز ضغوط قوية ضد "حزب الله" وبدأت تنشر التحليلات والتقارير التي تشير الى نهاية دور الحزب والمقاومة في لبنان، واضطراره، أي الحزب، الى التحول الى العمل السياسي. وازدادت الضغوط على لبنان وسوريا وإيران لوقف أعمال المقاومة وتفكيك حزب الله.‏

الكاتب: قاسم قصير 11-9-2003‏

الملخص: أدت تفجيرات نيويورك في 11 أيلول 2001 وما تلاها من تطوّرات عبر "الحرب على الإرهاب" والاحتلال الأميركي لأفغانستان ثم للعراق الى بروز ضغوط قوية ضد "حزب الله" وبدأت تنشر التحليلات والتقارير التي تشير الى نهاية دور الحزب والمقاومة في لبنان، واضطراره، أي الحزب، الى التحول الى العمل السياسي. وازدادت الضغوط على لبنان وسوريا وإيران لوقف أعمال المقاومة وتفكيك حزب الله.‏

وفي إطار هذه الضغوط، شنّ الأميركيون والإسرائيليون حملة إعلامية وسياسية ضد الحزب واتهامه بالتعاون مع تنظيم "القاعدة" والقيام بأعمال إرهابية في العالم، وعمدت كل من استراليا وكندا الى وضع اسم الحزب على لوائح الإرهاب، فيما رفضت الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي التجاوب مع هذه الضغوط.‏

كيف ينظر "حزب الله" الى ما جرى من تطوّرات خلال العامين الماضيين، وهل نجح في تجاوز مرحلة الخطر، وما هو موقفه من اعتماد أسلوب العنف في العمل السياسي ومن الديموقراطية والحوار مع الغرب؟‏

يؤكد نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم إدانة الحزب لأعمال العنف "وان كان ينبغي عدم ربط العنف بالإسلام، فأميركا وإسرائيل مسؤولتان عن الإرهاب في العالم".‏

ويدعو الشيخ قاسم الى "تغيير وسائل العمل لمواجهة التحديات الجديدة بعد التطوّرات التي حصلت بعد 11 أيلول"، ويرفض "المنطق الذي يقسم العالم الى دار حرب ودار سلم لأن الوقائع الدولية تغيرت".‏

هذه حصيلة الحوار مع نائب الأمين العام لـ"حزب الله"، في الحلقة الثانية والأخيرة التي تنشرها "المستقبل" عن موقف القوى الإسلامية من أحداث 11 أيلول بعد عامين على حصولها، فماذا قال الشيخ قاسم؟‏

لا نستطيع مواجهة التطورات المستجدة بالآليات القديمة‏

كيف تقوّمون ما جرى في 11 أيلول وانعكاساته على الوضع العربي والإسلامي؟‏

ـ ما جرى في 11 أيلول أوجد حالة جديدة من الضغط الأميركي والاستثمار الأميركي للنوايا التوسعية التي كانت تختزنها أميركا، فأتت هذه الأحداث، التي أدنَّاها فرصة مؤاتية للاستكبار الأميركي ليمّد يده على مختلف أنحاء العالم وعلى مقدراته بذريعة المظلومية ومواجهة الإرهاب، وليدّعي المسؤولية عن تنظيم شؤون العالم ليكون آمناً على الطريقة الأميركية. وهذه الذريعة فتحت المجال أمام تحديات جديدة لم تكن موجودة في السابق في المنطقة العربية والإسلامية، لكنها أصبحت قوّية ومؤثرة خصوصاً ان المنطقة لم تكن يوماً مؤهلة لمواجهة تحديات أقل، فكيف الأمر مع ازدياد هذه التحديات ومع وجود أنظمة في أغلبها تابعة وغير منتخبة من الشعب ولا تعبّر عن الرؤية المستقبلية، وفي ظل وجود احزاب معطّلة بسبب دور الحكام والأنظمة من ناحية، ومن ناحية ثانية، بسبب الرؤى التي تطرحها هذه الأحزاب والتي تحتاج الى إعادة نظر ومواكبة حديدة لتطوّرات العالم‏

إذن أحداث 11 أيلول أوجدت تحديات من نوع جديد، لكن ليست هذه التحديات موجّهة تحت عنوان "المواجهة بين الغرب والإسلام"، لانه لا يمكننا ان نتعاطى مع المسلمين كتيار واحد، ففي داخل التيار الإسلامي أحزاب وقوى وجهات متنوعة، ولذا لا اوافق على المنطق الذي يتعامل مع التيار الإسلامي ككتلة واحدة، فالتيار الإسلامي في داخله أقصى اليمين وأقصى اليسار والمعتدلون، وفي داخله من يتجاوزون حدودهم وهناك من استقاموا على الجادة الوسطى ومن ابتعدوا عن مسؤولياتهم.‏

إذن هناك تنوع كبير، لذا عندما نتحدث عن تحديات، يجب أن نتحدث عنها من منظار الرؤية الأميركية التي تريد أن تستبدل الطريقة الثقافية والسياسية لمواجهة المسلمين بالطريقة العسكرية، لأن أميركا ضجت من البطء في تسويق اطروحتها بشكل هادئ، فأرادت ان تختار الطريق العسكري علّها تصل بشكل اسرع وأوسع الى منطقتنا، لكنها ستكتشف ان هذا الأسلوب العسكري ساهم بجزء من حالة الاستنهاض المعادية لأميركا لأنه حشر المسلمين بشكل عام، العرب بشكل خاص، في زاوية ردود الفعل الحادة، وفي ظل وجود تجارب اسلامية مشرقة كتجربة حزب الله في مقاومة الاحتلال وخطابه السياسي وقدرته على تشكيل نموذج ايجابي، مقابل بعض الأحزاب التي سلكت منهجاً آخر. فلن نتكلم اليوم على أولوية هذا الاتجاه أو ذاك، فالناس هي التي تختار، لكننا لا نوافق على تحميل التيار الاسلامي مسؤولية ما جرى في أميركا وما تلاه من تطورات.‏

لكن كيف تنظرون الى أسلوب العنف في العمل السياسي الذي ينتهجه بعض القوى الاسلامية؟‏

ـ العنف هو عنوان للادانة على المستوى الدولي، لكنه ليس مترابطاً مع الطرح الاسلامي ولا نستطيع القول ان الاسلام يوازي العنف. نعم يمكن أن نقول ان بعض المسلمين اختاروا هذا الطريق لقناعات موجودة عندهم وهم يتحملون المسؤولية في ذلك، ولسنا مسؤولين عن تبرير اعمال كل فريق اسلامي، لكن في المقابل لا ننسى انه يوجد عنف عند حركات غير اسلامية برزت بعناوين مختلفة في السابق وكذلك يوجد عنف مدمر عند "اسرائيل" عبر قتل الفلسطينيين بشكل عشوائي وعلى مرأى من العالم، وهذا يمثل قمة الارهاب، وكذلك يوجد عنف وارهاب عن الأميركيين من خلال طريقة ادائهم وفرض سيطرتهم وتغطية اعمال اسرائيل وما شابه ذلك. اذن الحديث عن العنف واعطاؤه عنوان الارهاب، ليس حديثاً مرتبطاً بالمسلمين، بل قد يكون مرتبطاً بجهات محددة وبغير المسلمين من دول وجهات وأحزاب وقوى، وبالتالي لا يمكن ان تقاس الأمور بطريقة معممة عند الجميع. وعندما قمنا بعملنا في المقاومة الاسلامية وفي حزب الله برز الأمر كمقاومة واضحة للاحتلال، واختار الحزب ألا يقاوم خارج دائرة وجود المحتل بشكل مباشر كطريقة يراها ملائمة وتنسجم مع تحقيق الأهداف التي يريدها في زمن معقد وفي ظروف دولية صعبة.‏

هل يعني ان حزب الله يرفض ما جرى في نيويورك وما يحصل من تفجيرات في دول عربية واسلامية؟‏

ـ قلنا رأينا في ما حصل في 11 أيلول 2001 ولم نختر طريق المواجهة العسكرية على المستوى العالمي، ونحن حددنا الطريق الانسب في ان نواجه الاحتلال حيث يكون محتلاً بشكل مباشر، وواجهنا الاسرائيليين على الأرض المحتلة ولم نواجههم في عناوينهم المختلفة في العالم ونحن نرى ان هذا الأسلوب الذي استخدمته المقاومة الاسلامية والانتفاضة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال هو الاسلوب الأنجع والأنجح.‏

كيف واجه حزب الله متغيرات ما بعد 11 أيلول، وهل نستطيع القول انه نجح في مواجهة الضغوط التي تعرض لها بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وهل لديه مشروع معين لمواجهة تطورات المرحلة المقبلة؟‏

ـ وضعنا في حزب الله من البداية خطة عمل وناقشناها في ضوء التطورات التي حصلت بعد احداث 11 أيلول، وجدنا ان المقدمات والأسس العامة التي اعتمدناها كانت ناجحة ومفيدة يمكن ان تؤثر بشكل افضل لحماية ساحتنا واستنهاض الساحات المختلفة، وأبرز عناوين العمل والخطة التي وضعها حزب الله هي التالية:‏

1 ـ ابقاء أولوية مواجهة الاحتلال والقيام بواجب الصراع مع اسرائيل كمسألة ضرورية تأخذ الحيز الأكبر، لأن هذا الاحتلال وما تمثله اسرائيل في المنطقة، هو البوابة لانهيار المنطقة تحت تأثير الاحتلال أو لانقاذها من الاحتلال، ونحن عملنا جاهدين لإبقاء هذه الجذوة مشتعلة وحيّة وأصبح من المسلَّم به عند الناس ان المشكلة الاسرائيلية هي مشكلة حقيقية على كل المنطقة وهذا انجاز كبير.‏

2 ـ آمنّا بالحوار مع كل الأطراف، ولذلك مددنا الجسور مع كل القوى، سواء كانت إسلامية أو يسارية أو صاحبة أفكار علمانية أو ما شابه، واستثنينا فقط الذين يتعاملون مع إسرائيل والاميركيين بشكل مباشر.‏

3 ـ حاولنا ان نعزز الأطر الجماعية من خلال اللقاءات مع الأحزاب واللقاءات الثنائية للقيام بأي شيء يمكن ان يخدم هذه المسيرة.‏

4 ـ ركزنا خطابنا على ضرورة استثمار عوامل القوة الموجودة عندنا وامتنا فيها الخير وتجربة لبنان في التحرير تجربة قابلة للتكرار في مواقع الاحتلال المختلفة، طبعاً ضمن مراعاة الظروف والشروط والخصوصيات التي تكون موجودة في كل بلد وحسب تشخيص القيمين هناك، لا من خلال نقل التجربة بحرفيتها وحذافيرها، وإنما بروحيّتها التي تركز على الثبات والصمود وعلى القدرة على التغيير عندما تكون هناك إرادة موجودة.‏

5 ـ استطاع الحزب ايجاد حالة من الالتفاف الشعبي الكبير حوله، إلى درجة انه يوجد شبه إجماع في لبنان حول عمل الحزب، ما يعني ان منهجيته وطريقته وأساليبه في العمل لاقت استحساناً عند مناصريه ومحترميه في آن معاً، أي عند الشعب اللبناني المتنوع في اتجاهاته السياسية وآرائه وأفكاره، وهذا ربح كبير.‏

6 ـ مددنا الجسور مع سوريا وإيران وانفتحنا على كل الدول المستعدة لبناء علاقة ما، ولذلك عندنا شبكة علاقات مع عدد كبير من الدول العربية والغربية، على الرغم من كل ما تشنه الولايات المتحدة وإسرائيل من الهجمات والتحديات والحملات التي تصفنا بالإرهاب وتحاول محاصرتنا، لكنها لم تؤثر علينا بشكل كبير.‏

ونحن نتابع ذلك بشكل دائم ونحن نعتبر أن سياساتنا ساهمت بشكل مباشر في تحقيق نوع من التحصين ووضع العراقيل أمام الخطط الاسرائيلية والاميركية لمواجهتنا.‏

هل تجاوز الحزب مرحلة الخطر وانتقل إلى مراحل أخرى؟‏

ـ إذ أردنا ان نتحدث عن ضغوط حملها الوزير كولن باول اخيراً إلى لبنان وسوريا وما سبقهامن ضغوط بعد الاحتلال الاميركي للعراق، فنحن نعتبر اننا تجاوزنا هذا الضغط ولم يؤت ثماره التي كانت اميركا ترغب بتحقيقها، خصوصا ان وضعنا في لبنان جيد على المستوى الشعبي وأداؤنا العملي والسياسي أداء حكيم يضع الأمور في نصابها، والموقف الاقليمي المتمثل بسوريا موقف داعم للحق في المقاومة وغير آبه للضغوط التي تطلب من سوريا تنفيذ أعمال لا تؤمن بها. لكننا لا نعتبر انها نهاية المطاف، يمكن ان تأتي وستأتي ضغوط جديدة بعد حين ويفترض ان نكون دائماً مستعدين لكل الاحتمالات والتطورات.‏

الأحداث المتسارعة في العراق، أبرزت تخوفا من اندلاع فتنة مذهبية أو بين الفرقاء الشيعة.‏

هل يتخوف الحزب من ذلك، وكيف يمكن مواجهة أجواء الفتنة؟‏

ـ نحن قلقون ممن يعملون في الخفاء لإيجاد أزمة بين السنة والشيعة، وقلقون ممن يتصدّرون بعض الأعمال أو يدلون بتصريحات تثير الحالة المذهبية، وإن كانت حتى الآن لم تصل إلى نقطة الخطر، لكن يجب ان نرفع الصوت مبكراً كي لا تتأزم الأمور وكي لا يستفيد من هذه الفتنة المذهبية أعداء الإسلام وأعداء العراق وأعداء الاستقلال. مهما كانت توجهاتهم وتطلعاتهم. نحن في الخانة التي تدعو إلى تفويت الفرصة بالكامل قولاً وعملاً على أي إثارة بين السنة والشيعة، فهناك استحقاقات كبيرة تتطلب أولوية، وهناك احتلال أميركي يجب ان يخرج وأن يعمل العراقيون لإدارة شؤونهم بأنفسهم، وهناك واقع عراقي يتطلب نهضة اقتصادية وسياسية واجتماعية تحتاج إلى تضافر الجهود، وهناك محاولة إسرائيلية لاستثمار الواقع العراقي، ولا بد من الالتفات إليها قبل ان تتوغل في العراق وتستفيد من الفوضى الموجودة هناك فتؤثر في النسيج العراقي وتشكل خطراً على هذا البلد، وكذلك هناك انعكاس لما يجري في العراق على كل دول الجوار كالسعودية والكويت وغيرهما. وهذا يفترض ان لا نستهين بما يجري لأنه سينعكس على بلدان الجوار بشكل مباشر.‏

هل لديكم مبادرة معينة أو مشروعاً مفصلاً لتعزيز أجواء الوحدة الإسلامية؟‏

ـ عندنا اتصالات بعدد كبير من علماء السنة والحركات الإسلامية السنية والشيعية وببعض الاخوة العراقيين، ونحن نحاول ان نثير هذه القضية، وإذا كانت هناك خطوات عملية محددة فسنقوم بها إن شاء الله تعالى. لكن الحديث العلني عن هذا الموضوع وطرح المبادئ العامة يؤثر في فهم الآخرين للمنطق الذي نتحرك على أساسه، وهو يصل بشكل أسرع على المستوى الشعبي وعلى مستوى القيادات ويساهم في إيجاد حالة ضاغطة لمواجهة الفتنة.‏

برزت في السنين الماضية إشكالية كبيرة حول العلاقة بين الإسلام والغرب، أو بين العرب والمسلمين من جهة والدول الغربية من جهة اخرى، كيف تنظرون إلى هذه الإشكالية؟‏

ـ الواضح أن المنطقة عاشت حالة انعدام وزن لفترة من الزمن، واعتبر الكثيرون أن العلاقة يجب ان تكون إما مع الشرق وإما مع الغرب، من جراء التوازن الدولي الموجود آنذاك، وقد أدت إلى حالة من التماهي إلى درجة سلمت فيها الكثير من الأوراق لمصلحة هذه العلاقة. ثم سقط الشرق الممثل بالاتحاد السوفياتي، وبقي الغرب الذي حاولت أميركا ان تتصدره بشكل مباشر، وفكّر بعض الذين كانوا في الإطار الشرقي ان يعودوا إلى بناء توازن جديد له علاقة بالتعامل مع الغرب بشكل أوسع إلى أن حصلت التطوّرات الأخيرة والتي أبرزت حالة من الضغط واللامعقولية والمطالب اللامحدودة، وقد كان الغرب قد عمل في الفترة السابقة على إيجاد منظومة "ثقافية ـ سياسية" تطال المثقفين والسياسيين لينظّروا لفكرة التبعية بشكل مباشر، لكن كل هذه العناوين أثبتت فشلها وأبرزت مشكلة كبرى على صعيد واقع منطقتنا، لأنها تمثل خزاناً استثمارياً على المستوى البشري وعلى مستوى الموارد الطبيعية ولا تمثل حالة من الاحترام لدى الطرف الآخر والرغبة بإيجاد خصوصية والمحافظة عليها كجزء من الاعتراف بحقوق الآخر. مع ذلك تطرح مسألة العلاقة مع الغرب كإشكالية وكواقع عملي موجود. واعتبر ان هذه العلاقة يجب ان تبنى على أسس مختلفة عما كانت عليه سابقاً، بمعنى آخر ان يتوقف الانسحاق والانهزام وعقلية التبعية وأن تستبدل بالبحث عن موارد قوتنا وقدرتنا على التأثير وحاجة الغرب لنا فنستفيد من هذه الموارد والحاجات لبناء علاقة نكسب من خلالها أكثر من ان تكون علاقة تجرّد إمكاناتنا وطاقاتنا لتجعلها على الرف في مقابل الاستسلام والتلقي، وهذا يتطلب جهداً كبيراً من أصحاب الفاعلية والرأي والمثقفين والسياسيين المعنيين.‏

يجب أن نعترف بأن عوامل القوة الموجودة عندنا لم تستخدم بطريقة صحيحة، ويجب ان نخرج من دائرة الشعور بالضعف وضرورة الاستسلام دائماً وبشكل مسبق، وأن نخطو خطوات على طريق الحوار والاعتداد بما نملك من ثقة شعبية ومن قدرة في بلداننا وهذا يتطلب آليات للعمل مختلفة عن الآليات الموجودة حالياً.‏

ألا يحتاج الخطاب الإسلامي إلى تغيير وتعديل وخصوصاً في النظرة إلى الآخر، لأنه عادة يغلب على هذا الخطاب الموقف السلبي والعنفي في مواجهة الغرب؟‏

ـ انا لا أوافق على الحديث الشامل عن الخطاب الإسلامي الذي يضع كل خطاب المسلمين بمواقعهم وتنظيماتهم المختلفة في سلة واحدة، وبالتالي هذا النوع من التعميم يضيّع الفرصة في تشخيص المشكلة وتقديم العلاج، لأن الخطاب الإسلامي إذا كان المقصود به خطاب كل حركة أو حزب أو جهة تتحدث باسم الإسلام وتوضع هذه المسائل في سلة واحدة، فستختلط الأمور وسيضيع من أحسن خطابه مع من أساء.‏

لذا اعتبر ان الخطاب الإسلامي الجيد والسليم والمنسجم مع الإسلام من وجهة نظري ولا يعتبر بدعاً من القول والذي يتلاءم أيضاً مع الظروف المعاصرة التي تحيط بنا، هو الخطاب الذي يعيدنا إلى جذور الدين في توجيهاته المنفتحة والتي تغلّب الناحية الدعوية على إصدار الأحكام على الجهات المختلفة، أي بمعنى آخر، لقد انطلقت الرسالة الإسلامية بالدعوة إلى الله لجذب المؤمنين إليها، وهي دعوة حوار ونقاش، وهناك آيات قرآنية كثيرة في هذا الاطار، وفي مخاطبة الكافرين أو المخالفين على قاعدة ان يكون الحوار مبنيا على جدلية ونقاش وإثبات وجهات النظر، لا على قاعدة إصدار الأحكام المسبقة. فإذا أعدنا خطابنا الإسلامي إلى الروحية الدعوية فسنجد الاداء مستقطباً ومنفتحاً ومحاوراً، وهذا ينسجم تماماً مع روحية الإسلام ومع متطلبات الواقع المعاصر. والأمر الثاني ان لا يسلك الخطاب الإسلامي توزيع الحصص في الجنة أو في النار، لأن هذا التوزيع من اختصاص رب العالمين وليس من اختصاصنا، ومن كلّف الناس ان يصنفوا بعضهم البعض. والأمر الثالث ان نضع الامور بموازينها وبمواقعها، فعندما نريد الجهاد في سبيل الله فالجهاد له مقدماته ومعطياته وله من يقرره بالنسبة لولي الأمر، ويتطلب شروطاً ومواصفات دفاعية لها علاقة بمواجهة الاحتلال والتحديات وهذا أمر أساسي في ما نحن فيه.‏

الأمر الرابع، أن يكون الخطاب الإسلامي خطاباً شاملاً يتحدث عن الشؤون التي تهم الناس بشكل عام، لا أن يقتصر على جانب واحد دون الجوانب الأخرى. وأعتقد اننا إذا سلكنا في خطابنا الإسلامي هذه الضوابط فإننا على الأقل نحوذ احترام الآخر حتى ولو لم يوافقنا الرأي، ولو وضع العراقيل في طريق الحوار، وحتى لو لم نصل معه إلى القواسم المشتركة كلها، لكن على الأقل يشعر الغرب انه أمام جهة لها منطقها ولها اطروحتها الكاملة، ونحن في حزب الله اخترنا هذا الاتجاه وعبّرنا عنه واخترنا خطاباً إسلامياً منسجماً مع رؤيتنا ومع تصوراتنا لأساليب العمل الأفضل والأنجح، ويجب أن يكون في حسابنا أن الحوار مع الغرب هو حوار صعب، لأن الغرب ينظر إلى نفسه بأنه في موقع المسيطر ولا يبدأ بالحوار على قاعدة "الندين المتكافئين"، وإنما يخوض في كثير من الأحيان حواراً شكلياً لتسويق السيطرة وهذا يوجد عقدة ومشكلة في عملية الحوار، ولكن يجب ان نتخطاها لمصلحة ان نحدد ماذا نريد وأن نعرف من نحاور وما هي الآفاق التي يمكن ان نصل إليها، حتى لا نبني أحلاماً فارغة.‏

تسود بعض الأوساط الإسلامية مقولات تقسيم العالم إلى "عالم كفر وعالم إسلام" أو "دار حرب ودار سلم"، هل توافقون على هذا المنطق، وبالمقابل هناك مقولات أميركية حول تقسيم العالم إلى محور شر ومحور خير، كيف تتعاطون مع ذلك؟‏

ـ كانت الظروف السابقة لقيام الدولة الإسلامية وما لحق بها تستلزم مصطلحات وتعريفات وضوابط وظروف ربما كان بعضها سليماً وبعضها خاطئاً، لكن لا يمكننا ان نستعير المفردات التي نشأت في ظروف معينة لنعممها على كل الظروف متناسين التطورات المعاصرة وما جرى من اختلاط عالمي جعل هناك قواعد وظروف مختلفة لتقسيم العالم. ومن هنا لا أعتبر ان العالم اليوم قابل لهذا النوع من التقسيم (أي بلاد الإسلام وبلاد الكفر أو بلاد المسلمين وبلاد الحربيين)، فالأنظمة اختلطت الى درجة ضاعت فيها المعالم، نعم يمكن ان نوصف احيانا بأن نقول ان هذا البلد فيه مسلمون او ان هذا البلد فيه مسيحيون او هذا البلد مختلط، كشكل من اشكال التوصيف للواقع الموجود والقوى الموجودة، لكن التقسيمات السابقة لا تصلح للواقع الحالي مع هذه الظروف الدولية المتداخلة والمعقدة، يجب ان ننطلق من مسؤوليتنا الشرعية في ان نعرض ديننا وايماننا وان ننتظر من الآخرين ان يقبلوا او ان يرفضوا ذلك، وبالتالي هذه حريتهم ومسؤوليتهم، وان نتابع عملنا بالتي هي احسن، وبالتالي عندما نتعرض للاخطار نقوم بواجب الدفاع. اما المنطق الاميركي فهو ايضاً منطق مرفوض فان تصنف العالم ما بين من هو مع اميركا ومن هو ضد اميركا، فكل من لا يوافق اميركا على سياساتها وعلى الانسحاق في قراراتها وتطلعاتها يعتبر عدواً لاميركا، هذا منطق استكباري وحربي، يريد ان يقسم العالم الى مسيطر اميركي في مقابل مسيطَر عليهم من شعوب العالم لمصلحة المواطن الاميركي والسياسة الاميركية، وهذه مصادرة لاستقلال الشعوب واختياراتها الحرة، وهو منطق مرفوض بالطبع لان للانسان الحق الكامل في اختيار مواقفه وكيفية عمله، وليس هناك وكيل للعالم لكي يتصرف بالنيابة عنه.‏

مسألة الديموقراطية في العالم العربي الاسلامي طرحت بقوة بعد احداث 11 ايلول، كيف تنظرون اليها، وخصوصا ان الاميركيين يدعون انهم يعملون لنشر الديموقراطية لحل مشكلاتنا؟.‏

ـ الديموقراطية فكرة ملتبسة، في ما يتعلق بما هو مقصود منها، اذا كان المقصود "حكم الديموقراطية" بمعنى ان يختار الشعب منهجا للحياة لا يقارب الاختيار الديني فهذا امر نناقش فيه ولا نوافق عليه. لكن اذا كان المقصود بالديموقراطية ما اصبح شائعاً وخرج عن الاصل الذي انطلقت منه هذه العبارة، وهو ان تكون للناس حريات الاختيار وان نقبل بالتصويت وبآراء الاختيارات الشعبية فنحن مع هذا النوع من الاختيار، والمسلمون ليسوا بعيدين عنه ابداً، وهذا لا يعتبر احتكاراً او خاصاً لا باميركا ولا بالغرب، لذا حاول البعض ان يتكلم عن "ديموقراطية اسلامية" اي بمعنى الديموقراطية التي لا تعود الى الاصل الذي انطلقت منه، بل يقصد بها حرية الاختيار وحرية محاورة الاخر وحرية الاختيار الشعبي وما شابه ذلك، واعتقد ان هذا الامر حق طبيعي للجميع والاسلام طرح هذه المسائل من دون هذه التسمية الحديثة، من خلال اعطاء الحرية بحدودها وضوابطها، حرية العبادة للافراد حتى لو كانوا في بلد واحد وكانوا مختلفين، فهناك مساجد وكنائس وبيع (صوامع واماكن للعبادة) وكل اشكال العبادة التي تتعلق بأهل الكتاب وبالمؤمنين وبالاحترام الكامل لطقوس كل طرف، ما يعني حرية التدين والاختيار. وكذلك هناك الاختيار الشعبي للحاكم المتصدر للحكم والذي دخل عبر عناوين مختلفة تارة كان يقال عنها بأنها بيعة، او كما يجري في ايران عبر الانتخاب الشعبي وما شابه من اساليب مختلفة للتعبير عن دور الشعب في الاختيار. واعتقد ان في ديننا ما يساعد بشكل كامل على اعتماد افضل نموذج من الاختيار الحر والمسؤول. وهنا اذا قاربنا ما يحصل في الغرب وما يحصل في اميركا بالتحديد فإننا نجد ان الشعارات التي طرحوها هي شعارات اصيبت بانتكاسات عملية فاضحة فاليوم لا تشعر ان اميركا تحترم الناس على قدر المساواة، وقد رفضت الكثير من القوانين التي تضع حدوداً واحتراماً للناس لمصلحة المخابرات والاستنسابية، وهذه مصادرة لحرية الناس. نحن نسمع ونقرأ مرات عديدة بأن وسائل الاعلام في الغرب قد منعت من نشر بعض التصريحات او بعض الخطب والآراء على قاعدة بأن هؤلاء الناس يجب الا يكلموا الشعب الاميركي او الغرب، وهذه مصادرة لآراء الناس، فلماذا هم خائفون من هذا الخطاب اذا كانوا واثقين من انه غير نافع وغير فاعل.‏

الديموقراطية بالمعنى العام تمارس في الغرب على المواطنين الغربيين بشكل خاص ويستثنى منهم جزء معين لاعتبارات سياسية وعرقية ودينية. وهناك تجسس خفي لاعتبارات معينة وضغوط خفية. ويقومون في الغرب بأعمال مخالفة للديموقراطية بشكل سري ويدعون انهم ديموقراطيون، علما أنه انكشفوا في عدد من المواقع، بينما هم بالتأكيد يمارسون على منطقتنا حالة من الضغط الكبير. وعليه نحن نقول إن منطقتنا والعالم بحاجة الى حرية الرأي والى الاعتراف بالآخر واحترام كرامة الناس وحريتهم باختيار انظمة الحكم وطبعاً لا أريد ان استفيض بالحديث عن ما هو موجود في الأنظمة العربية من الانعدام شبه التام للديموقراطية وحقوق الانسان والحريات، هذا بفعل الأنظمة التي تدين بأغلبها لاختيار الغرب وأميركا ولا تدين لاختيارات الشعب.‏

كيف تقوّمون واقع المنطقة حالياً وما حققته أميركا، وهل نجحت دول المنطقة في مواجهة الضغوط؟‏

ـ من المبكر التحدث عن النجاح في مواجهة الضغوط الأميركية، بل اقول اكثر من هذا، المنطقة غير مهيأة لمواجهة هذه الضغوط، ولذا نحن بحاجة للحديث عن تعديل في السلوك العام وفي المنهجيات المعتمدة للمواجهة، أي اننا نحتاج الى انشاء ظروف جديدة لمواجهة هذه المستجدات، لأننا سنفشل حكماً اذا واجهنها بالأساليب المتخلفة التي كانت موجودة قبل أحداث 11 أيلول، لكن الرحمة الالهية بنا هي ان المحاولات الأميركية الجديدة للدخول الى المنطقة عن طريق القوة العسكرية المباشرة والاحتلال، تتعرض لانتكاسات فاضحة، فما يحصل للقوات الأميركية في العراق يجعلها في حالة انعدام وزن مما يجعلها تتحدث عن إشراك للأمم المتحدة للتخلص من عبء الكلفة العسكرية والبشرية التي تتحملها على قاعدة "زجّ العالم في المشروع الأميركي"، على أن تبقى السيطرة لأميركا لتستثمر خيرات العراق وموقعه السياسي وتستفيد من نتائج الاحتلال من دون أن تدفع الغرم أو الثمن لذلك. وبطبيعة الحال فوجئت أميركا بما يحصل في العراق حالياً بعكس ما حصل في بداية الحرب على العراق، ويبدو ان رؤيتهم للمستقبل وإعدادهم "لما بعد الحرب" كان ناقصاً وعاجزاً عن تلبية المتطلبات وهم يفاجأون اليوم بالتطورات التي تستدعي منهم ان يطرحوا أفكاراً جديدة ويحاولوا التخلص من الأزمات التي يواجهونها. وأمام هذا الواقع اعتبر ان الغزو الأميركي للعراق أعيقت بعض أهدافه بشكل واضح، وهذه فرصة من أجل أن تستعيد المنطقة أنفاسها وأن تفكر بالطرق العملية لأخذ دورها ومنع امتداد الأثر والسيطرة الأميركية عليها، وهذا يتطلب جهوداً كبيرة، أنا أعتقد ان القدرة موجودة وأن تبلور الاطر التي تساعد على نمو الحس المستقل وتجميع القدرات لمواجهة الأخطار الخارجية موجودة أيضاً، ولكن المطلوب هو التحرك النشط والحيوي لتحقيق ذلك.‏