الكاتب: نصير الأسعد
الملخص: بُعيد توقيع الرئيس الأميركيّ جورج بوش على "قانون محاسبة سوريا"، بدا "حزب الله" بوصفه طرفاً معنياً على نحو مباشر بهذا "القانون"، مقللاً من أهميته الى حد اعتبار أنه محدود الفاعلية، ولن يترك أثاراً مهمة. لماذا؟
وفي هذا الإطار يرى نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم ان "القانون" مر بثلاث مراحل، الأولى عندما كانت الإدارة الأميركية تعلن أنها لا تؤيد صدوره، والثانية حيث شجعت عليه بقوة، والثالثة إذ أقدمت على إفراغه من معظم مضمونه عبر إعطاء الرئيس الأميركي صلاحية اختيار ما يريد منه. ويعتبر الشيخ قاسم انه كان لكل مرحلة من هذه المراحل هدف محدد وصولاً الى الهدف الذي تتطلع واشنطن اليه الآن وقد أضحى "القانون" مقترناً بتوقيع بوش.
مراحل "القانون"
ويعرب قاسم عن اعتقاده ان الإدارة الأميركية أرادت في المرحلة الأولى أن يكون "مشروع القانون" سيفاً مسلّطاً على سوريا بهدف ابتزازها لانتزاع تنازلات منها في لبنان وفي المسألتين الفلسطينية والعراقية بما يوفر للولايات المتحدة أرضية مؤثرة من دون ثمن مدفوع، فزاوجت بين التهويل بـ "القانون" وبين إبداء "التفهم" للضرورات السورية شرط أن تقدّر سوريّا حشرة الادارة المستعدة مع ذلك لمنع إصدار "القانون" إذا استجابت سوريا للمطالب الأميركية.
ويقول القيادي البارز في "حزب الله" انه بعد أن تبين ان سوريا تسيرُ في اتجاه لا يتأثر بهذه المناورة الأميركية لأن خسائر التنازلات المطلوبة أميركياً من سوريّا كبيرة جداً وتتعارض مع حقوق دمشق، كانت المرحلة الثانية التي واكبت الزيارة الشهيرة لوزير الخارجية الأميركي كولن باول الى العاصمة السورية في أيار الماضي، عندما حمل "المطالب العشرة" الموزعة بين مختلف الملفات في المنطقة. وهنا أيضاً، أكدت سوريا استحالة الاستجابة الا في نطاق محدود و"شكلي" الى حد معين، وتجسد ذلك في الإقفال الطوعي للمكاتب الاعلامية الفلسطينية، وفي إعلان عدم مسؤولية دمشق عما يجري من مقاومة في العراق، وذلك في موازاة تأكيد حق لبنان والفلسطينيين في الدفاع عن حقوقهم، ورفض سوريا أن تكون "شرطة" أو "حرساً" لأميركا وإسرائيل. ويبدي المسؤول الحزبي اقتناعه بأن هذه المواقف السورية عززت لدى واشنطن التفكير في رفع وتيرة الضغط السياسي بالتوافق بين الإدارة والكونغرس، بـ "أمل" إيجاد حالة "تُفهم" سوريّا ان ثمة تطورات قد تحصل، ولذا كان العدوان الإسرائيلي على "عين الصاحب" بغطاء أميركا، في ما يشبه الاعلان عن ان "الصبر ينفذ" وأن النتائج ستكون وخيمة".
وفي هذا المجال بالتحديد، يسجّل الشيخ نعيم قاسم للرئيس السوري بشار الأسد "ثباته وصموده وحسن قراءته للوقائع ما جعل الموقف السوري يحافظ على وتيرته بل ينتقل الى الدفاع عن الحق المشروع للمقاومة في لبنان وفلسطين، والى إعلان عدم استعداد سوريّا لتقدّم شيئاً ليست مسؤولة عن أثاره ونتائجه خاصة في ما يتعلق بالاحتلال الأميركي للعراق، وقد واكب هذا التطور استقبال دمشق لعدد من الفاعليات العراقية كتعبير عن دور سوري مشروع مع الشعب العراقي من دون تحمّل مسؤولية عما يقره هذا الشعب من اختيارات". وعند هذا الحد، يعتبر قاسم ان المرحلة الثالثة بدأت لكن "لا يمكن لأميركا أن ترفع الوتيرة أكثر مما رفعتها حتى الآن، ولذلك فان واشنطن حرصت على موقف لا يؤدي الى قطيعة مع سوريا أو الى حشرها في دائرة الاضطرار الى خيارات لا تعجب أميركا وإسرائيل". ويوضح ذلك بالقول ان "أميركا تدرك مساحة الحركة السورية ومدى تأثيرها فيما لو انعدمت سبل الالتقاء".
ويقرأ الشيخ قاسم المرحلة الثالثة بوصفها "تراجعاً تكتيكياً ولو احتفظ الأميركيون ببعض المعنويّات". والأساس في اعتباره المرحلة الثالثة بمثابة تراجع تكتيكي أنّ ربطاً قد حصل لـ "قانون المحاسبة" بقرار الرئيس بوش تنفيذ تفاصيله أو عدمه، وأن ذلك تزامن مع إرسال سفيرة الى سوريّا. وفي تقديره ان "القانون" فقد الكثير من اجراءاته واحتمالاته العملية.
ولا يتردد نائب الأمين العام لـ "حزب الله" في استنتاج ان معنى هذا المآل لـ "القانون"، هو أن "قنوات الاتصال السوري ـ الأميركي لم تقفل وليست محكومة الى الشروط الأميركية"، مضيفاً أنه "لا يمكن لأميركا الاستغناء عن سوريا التي لديها ما تعطيه لأميركا في مجالات محددة".
من العمل العسكري الى الضرورة الرادعة
ومن هذه المقدمات التي توحي بأن ثمة متغيرات محدودة لا تنعكس على حزب الله استراتيجياً، ينتقل قاسم الى التشديد على أن الموقف السوري حيال المقاومة "معلن وصريح في اعتبارها حقاً مشروعاً للبنان"، ويستدرك بالقول "انّ هذا لا يعني تدخلاً في الأداء اليومي للمقاومة". ويضيف "كم هو سخيف تصور ان المقاومة تتحرك بتوجيهات وكم هو دقيق وسليم انها تستفيد (كما الانتفاضة الفلسطينية) من الغطاء السياسي الذي توفره سوريّا".
ويلفت الى أنه بالنسبة الى لبنان "لا يوجد أي تغيير في المعادلة القائمة، فإسرائيل تحتل مزارع شبعا، والأهم انها تمثل بصرف النظر عن المزارع خطراً على لبنان والمنطقة". ويستطرد ليقول ان "المقاومة أثبتت جداوها في التحرير من ناحية وفي تشكيل قوة ردع وحماية للبنان ومصالحة من ناحية أخرى، وهي تشكل قوة فعالة في مساندة الحق الشرعي الفلسطيني من ناحية ثالثة"، ليخلص الى انّ "المقاومة حالة ضرورية للبنان لا حالة مؤقتة مرتبطة بالاحداث الجارية". ويوضح الشيخ نعيم قاسم أكثر بالقول "عندما نتحدث عن مزارع شبعا فقط، يمكن أن يكون الحديث عندئذ عن ارتباط واقع المقاومة بالمزارع لكن عندما نتحدث عن خطر إسرائيلي مستمر لفترة طويلة فهذا يعني اننا أمام ضرورة المقاومة لفترة طويلة لمواجهة هذا الخطر على مستوى لبنان والمنطقة". ويشدّد على أن "المقاومة تحولت بفضل التطورات من عمل عسكري لطرد الاحتلال الى ضرورة رادعة للوقاية من التوجهات العدوانية الإسرائيلية". ويقول محذراً ان "المقاومة في حالة جهوزية تامة ولا تجدي التهويلات والتهديدات نفعاً"، مضيفاً "نتعاطى مع الأعمال العدوانية بجدية وفاعلية ولا تستفزنا التصريحات وبعض المحاولات المعنوية لأننا نعلم انها فقدت أثرها".
المسألة الفلسطينية
وفي ما يبدو أنه تعزيز لقناعاته بأن المعادلة القائمة في لبنان وحوله لم تشهد تغييراً يذكر، يعلق القيادي البارز في "حزب الله" على ما أعلنه بوش قبل أيام قليلة بالنسبة الى المسألة الفلسطينية، فيعتبر أن "الرئيس الأميركي لم يقدم شيئاً انما اكتفى بتصريحات غائمة ليست لها ترجمة مادية عندما تحدث عن دولة فلسطينية من غير بلورة لحدودها وتفاصيلها وتوقيت اعلانها". ويرى أن "الدولة الفلسطينية عنده فكرة غائمة يمكن الا تتحقق نهائياً طالما ارتبط شرط تحقيقها بالقضاء على الانتفاضة في وقت يعطي إسرائيل كل الدعم الذي لا تلغيه اللطافة الزائدة في معرض استنكار بناء إسرائيل لجدار الفصل".
ويختم الشيخ نعيم قاسم بالتشديد على أنه "اذا أضيف الى ما تقدّم، الارتباك الأميركي في العراق والاهتزاز في الأفكار الأميركية بشأن العراق، ثم بداية المعركة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة بما تؤدي اليه من انشغال للرئيس وإدارته فيها، يمكن استنتاج ان الملف الفلسطيني ليس في أولوية الادارة الأميركية في هذه المرحلة"، ويسجل أنه "اذا وجدنا حراكاً أميركياً فهو حراك الضرورة وليس لوضع الحلول على السكة العمليّة".
المعادلة التي يصوغها نائب الأمين العام لـ "حزب الله" هي على قدر من الوضوح: "قانون محاسبة سوريّا" محدود الفاعليّة والتأثير، ارتباك أميركي في العراق ودخول واشنطن مرحلة الانتخابات الرئاسية، و"علاقات عامة" في الموضوع الفلسطيني.. الأمر الذي يجعل الحسابات السياسية للحزب قائمة في جزء منها على "التناقضات" الأميركية في المدى المنظور.