مقابلات

في حوار مع صحيفة "الانتقاد"... الشيخ قاسم: سقط طاغية العراق، لكن الشعب العراقي يحتاج إلى ان يتخلص من أي طاغية آخر، ولا يعتبر الاحتلال الأمريكي بديلاً لهذا الأمر، إنما البديل هو حريته واستقلاله

رأى نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في اعتقال الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، "سقوطاً لمرحلة طاغية"، وشدد على أنه "يجب أن لا ننسى أن الاحتلال الأميركي هو عبء على صدر الشعب العراقي الذي هو بحاجة ملحة اليوم قبل الغد لإنهاء هذا الاحتلال، من أجل أن يختار طريقة حياته بكل حرية". وتوقع سماحته استمرار المقاومة المسلحة العراقية، مشيراً إلى "أنه لا يُعلم ما إذا كانت هذه المقاومة تدار بشكل مباشر من قبل الرئيس المخلوع" .‏

الكاتب: حسين رحال وسعيد حمية‏

الملخص: رأى نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في اعتقال الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، "سقوطاً لمرحلة طاغية"، وشدد على أنه "يجب أن لا ننسى أن الاحتلال الأميركي هو عبء على صدر الشعب العراقي الذي هو بحاجة ملحة اليوم قبل الغد لإنهاء هذا الاحتلال، من أجل أن يختار طريقة حياته بكل حرية". وتوقع سماحته استمرار المقاومة المسلحة العراقية، مشيراً إلى "أنه لا يُعلم ما إذا كانت هذه المقاومة تدار بشكل مباشر من قبل الرئيس المخلوع" .‏

واعتبر سماحته أن قانون محاسبة سوريا اعتداء أميركي واضح على سوريا بصرف النظر عن مفاعيل هذا الاعتداء، وأن هذا القانون هو عنوان سياسي ضاغط بامتياز وليس عنواناً عملياً يستطيع أن يغير المعادلة بشكل كبير، لافتاً إلى أن الحديث عن مشابهة التجارب الأخرى للتجربة العراقية حديث فيه سطحية بالغة وعدم قراءة كافية لواقع المنطقة .‏

ودعا المراهنين على أميركا إلى أخذ العبرة من اعتقال صدام حسين وكل الذين رمتهم بعدما انتهى دورهم وكانوا معبراً لها للمراحل التالية .‏

وجدد سماحته موقف حزب الله الرافض للتوطين جملة وتفصيلاً، كاشفاً عن أن حزب الله بصدد إقامة مؤتمر لمواجهة التطبيع، وانتقد وثيقة جنيف معتبراً أنها ضد مصلحة الشعب الفلسطيني وتصب في مصلحة شارون الذي يعاني من مأزق سياسي نتيجة عدم قدرته على تثمير أدائه العدواني في مواجهة الفلسطينيين وانتفاضتهم.‏

وفي الشأن المحلي أكد سماحته أن حزب الله مصمم على الدخول في هموم الناس ومطالبهم على قدر إمكاناتنا وبالتعاون مع القوى السياسية الأخرى إذ لا يمكن للحزب أن يتحرك نيابة عن الآخرين .‏

مواقف الشيخ قاسم جاءت خلال مقابلة أجرتها "الانتقاد" مع سماحته وتناولت المستجدات الإقليمية والمحلية، وحدد موقف الحزب منها، وهنا نص الحوار:‏

ـ أولاً نبدأ من اعتقال الرئيس العراقي صدام حسين، هناك عدد من التحليلات كل تذهب باتجاه، كيف تنظرون الى هذا الحدث وإلى تداعياته على الاحتلال وعلى الوضع في العراق؟‏

لا شك في أن اعتقال الرئيس السابق صدام حسين هو سقوط لمرحلة طاغية أدى الى فتن ومشاكل وعقبات كثيرة للشعب العراقي. ومن حق الشعب العراقي ان يتنفس الصعداء بعد انتهاء هذه المرحلة.‏

لكن يجب ان لا ننسى ان الاحتلال الاميركي هو عبء آخر جاثم على صدر الشعب العراقي، وهو بحاجة ملحة اليوم قبل الغد لإنهاء هذا الاحتلال، من أجل ان يختار طريقة حياته بكل حرية. فلم تكن مشكلة الشعب العراقي محصورة بالطاغية صدام لنعتبر ان الاعتقال قد أنهى كل شيء، انما تعرض هذا الشعب لمحنة جديدة هي محنة الاحتلال الاميركي، وهو بحاجة أيضاً الى ان ينتهي منها من أجل أن يبني مستقبله بشكل مستقل ومستقر في آن معاً. ولا شك في أن هذا الاعتقال سيؤدي الى تداعيات معينة في داخل الواقع العراقي تؤدي الى مواقف متفاوتة، الا أن الأغلب هو هذه الراحة للشعب العراقي في هذه المرحلة. وإذا كان السؤال يرتبط بمدى تأثير هذا الأمر على ما يحصل من مقاومة عسكرية للاحتلال الاميركي، فأعتقد أن هذه المقاومة ستستمر بسبب وجود عوامل عديدة لها، اذ لم تكن محصورة بأنصار النظام السابق، ولا يُعلم اذا كانت تدار بشكل مباشر من الرئيس المخلوع، بل ربما لا تكون هذه الادارة مباشرة. كما يمكن انتظار ردود فعل حول هذا الأمر بشكل أو بآخر.. اذا لم تكن المقاومة المسلحة العراقية ضد الاحتلال الاميركي مرتبطة أساساً بشخص صدام، انما هي في دائرة أوسع من هذا، وهناك عوامل أخرى ومساعدة لهذا الأمر. كما أنه في التقييم العام، نحن ننظر الى ان الشعب العراقي عموماً كان يتطلع الى هذه المرحلة التي ينهيها بطريقة تزيل مخاوفه، وهو بحاجة الى أن يؤسس الى ما بعدها.‏

ـ هل تعتقدون ان الاميركي سيحاول استغلال هذا الحدث؟‏

من الطبيعي ان يحاول الاحتلال الاميركي استغلال هذه الفرصة ليعتبرها مناسبة لتسجيل انتصار خاص على قاعدة مشروعه في طريقة احتلال العراق والأهداف التي رسمها، لكن هذا لا يلغي أن مبررات الاحتلال للعراق غير صحيحة، وأن أسلحة الدمار الشامل التي كانت سبباً مباشراً لاحتلال العراق غير موجودة على ما يبدو، ووجود محطة من محطات الانتقام الشخصي والتشفي من قبل الرئيس الاميركي لتسجيل موقع في الانتخابات الاميركية القادمة لا يغير من معادلة حقيقية، ان الوضع في العراق صعب ومعقد ويحتاج الى انقاذ وإلى تضافر جهود كل القوى الاسلامية والوطنية وكل الأعراق العربية والكردية بما يؤدي الى عدم اثارة مشاكل داخلية على المستوى المذهبي أو على المستويات الأخرى، فلم يكن صدام يوماً ليمثل مذهباً، ولم تكن المعارضة يوماً تمثل مذهباً آخر، انما هناك طاغية أدى أداءً سيئاً في العراق وارتكب أعمالاً شنيعة، ولا بد من أن يعاقب على أعماله. لكن هذا لا يصنف في خانة أحد، انما يصنف في خانة حق الشعب العراقي في ان يستعيد حريته مجدداً.‏

بكلمات بسيطة نستطيع أن نقول: سقط طاغية العراق، لكن الشعب العراقي يحتاج الى أن يتخلص من اي طاغية آخر، ولا يعتبر الاحتلال الاميركي بديلاً لهذا الأمر، انما البديل هو حريته واستقلاله وخياراته البعيدة عن الفرض والتدخل.‏

ـ هل يمكن القول ان الاميركيين باعتقال صدام قد حققوا الأهداف من احتلال العراق، سواء على صعيد العراق نفسه أو الدول المحيطة به؟‏

ذكرنا في السابق وقبل بداية الاحتلال الاميركي للعراق، ان هذا الاحتلال يريد تحقيق ثلاثة أهداف: الأول السيطرة على النفط بشكل مباشر، والتأثير على بنيته في المنطقة وعلى المستوى العالمي.‏

الثاني دعم المشروع الاسرائيلي من خلال اسقاط كل عوامل القوة، ولإعطاء نموذج يخيف ويرعب ويُسقط القدرة الفلسطينية على المواجهة، ويشكل ضغطاً على الانتفاضة.‏

والثالث اجراء تغييرات بنيوية وسياسية وثقافية في كل المنطقة لتلتحق بالركب الاميركي على مستوى التوجهات والقناعات، وهذا يجر الى انسحاق على كل المستويات الأخرى، لتعيش المنطقة بحالة تبعية مطلقة من الفكر الى السياسة والاقتصاد وكل مفصل من المفاصل. أي إننا أمام مشروع استكباري استعماري جديد بصيغة السيطرة العسكرية للنفاذ الى الأهداف السياسية والاقتصادية والفكرية.‏

لكن بعد مرور فترة من الاحتلال للعراق، يتبين أن الهدف الثالث هو الهدف المركزي والأساسي، وهو السيطرة الفكرية والسياسية وما يستتبعها من تغيير في نمط الحياة في المنطقة. وقد عبّر بوش عن هذا الأمر مراراً بأساليب مختلفة عندما قال إنه يريد تغيير الأيديولوجيات في المنطقة وفرض الديمقراطية ولو ببعض الأساليب المعدلة، وتغييرات سياسية لبعض الحكومات وتعديلات في المناهج التربوية وطريقة عمل الجامعات.‏

كذلك هو عمل على تركيز بعض الاعمال الاعلامية وصرف موازنات لكيفية دراسة تغيير البنية الفكرية والثقافية الموجودة في المنطقة. وأعتقد أن بوش يحمل مشروع المعاداة للاسلام، ومحاولة تكريس اتجاه ليسهل عليه ان يحيط ويمسك بالمنطقة بشكل مباشر، بعد أن عجزت أميركا عن تسويق أفكارها بطريقة سليمة.‏

أما الهدفان الآخران، فكان يمكن ان يتحققا من دون حاجة الى احتلال.. السيطرة على النفط كانت مقدورة من خلال الصفقات، وقد علمتنا الأنظمة في المنطقة أنها قابلة لهذا الأمر، وكذلك كان النظام البائد مستعداً لمثل هذا الأمر.‏

أما الموضوع الاسرائيلي، فالواضح أن مستوى الدعم الاميركي الكبير لن يزيد عليه كثيراً أن يحصل ضغط من خلال البداية العراقية.‏

هذان الهدفان هما في الطريق، لكن الهدف المركزي هو ضرب البنية العقائدية الاسلامية السائدة في المنطقة العربية والعالم الاسلامي، التي أثرت في منع الدخول الاستكباري بشكل مريح وكما يريد في كل التفاصيل.‏

من هنا اعتقال صدام يعتبر عملاً محدوداً جداً ونتيجة عادية وطبيعية لهذا الكم الهائل من الحضور الاميركي في العراق. وبطبيعة المواجهة لا أعتقد انهم يعتبرونها نهاية المطاف، بل هي خطوة من خطوات عملهم في العراق.‏

ـ أشار الاميركيون أكثر من مرة الى أن نيتهم تعميم نموذج احتلال العراق على المنطقة، هل تعتقدون ان مثل هذا الأمر ما زال وارداً، أم أنه للضغط والتهويل على بعض الدول التي تعارض المشروع الاميركي؟‏

لم يخجل الاميركيون من التعبير مراراً أنهم يريدون من تجربة العراق واحتلاله أن يكون نموذجاً للمنطقة يهددونها من خلاله، ويضعون هذه التجربة في حقل التهويل واستخراج التنازلات المختلفة، وإلا أصاب بلدان المنطقة ما أصاب العراق من احتلال وتداعيات وسيطرة مباشرة.‏

هذا العنوان طُرح مراراً من قبل الاميركيين، وهم في لقاءاتهم مع عدد من المسؤولين في الدول المحيطة بالعراق يتحدثون بهذا المنطق، ويهددون علناً في آن معاً.‏

سوريا غير العراق‏

ـ هل تعتقون ان ما صح على العراق يصح على سوريا وغيرها من دول المنطقة؟‏

يجب ان يكون واضحاً أن العراق يختلف تماماً عن سوريا وعن باقي دول المنطقة، فلكل دولة خصوصياتها، ولكل دولة موقعها الشعبي او الدولي اوالاقليمي. كذلك لكل دولة عوامل قوة خاصة لا يمكن إغفالها.‏

الحديث عن مشابهة التجارب الأخرى للتجربة العراقية حديث فيه سطحية بالغة وعدم قراءة كافية لواقع المنطقة.‏

وإذا كان الحديث عن سوريا، فالتجربة تدل بما لا يقبل الشك على ان التعاطي مع سوريا يختلف تماماً عن التعاطي مع عراق صدام. عراق صدام كان قد غزا المنطقة مرتين من خلال العدوان على ايران والكويت، وأدى أداءً على مستوى المنطقة والواقع الدولي جعل هناك حالة من التوتر، وكذلك كان متسلطاً داخل بلده، وقام بأعمال إجرامية كبيرة.. اذاً كان هناك نظام معزول عملياً على المستوى الشعبي وعلى المستوى الاقليمي وكذلك على المستوى الدولي، ومع ذلك رأينا كيف دخلت أميركا بصعوبة متجاوزة الأمم المتحدة ومعتدية على الشعب العراقي بقراراتها وأهدافها. أما سوريا فهي في حالة من الموقعية الجيدة على المستوى الدولي، لها احترامها وهي عضو في مجلس الأمن، وكذلك لها علاقات ودية ومتعاونة مع كل المحيط العربي، وهي تحمل لواء الصمود والدفاع لمواجهة الاحتلال الاسرائيلي، وتؤيد المقاومة والانتفاضة، ولديها وضع شعبي متفاعل مع الرئيس بشار الأسد.‏

وهكذا توجد خصوصية سورية متكاملة تختلف تماماً عما كان موجوداً في العراق. وقد رأينا كيف جرت محاولات كثيرة في فترة ما بعد العراق للضغط على سوريا بالتهديد العلني من خلال نقاط باول العشر التي أتى بها الى سوريا، او بقانون محاسبة سوريا او بتهديدات متفاوتة بين الحين والآخر، ومع ذلك رأينا ان السوري يتصرف بطريقة واضحة ومفهومة للجميع، فسوريا مؤيدة للمقاومة لأنها حق مشروع، وهي لا تقبل ان تقدم تنازلات على حساب مبادئها، ولها حقوق مشروعة في أرضها وفي مواجهة المشروع الاسرائيلي لا بد من أن تحصل عليها. في المقابل هي مستعدة لأي عمل يحمي الواقع الدولي في المنطقة من الارهاب والاعمال الارهابية، وهذه الصورة أصبحت جلية وواضحة، ما جعل الاميركيين يخففون اللهجة ويستدركون أنهم سيحدثون مشكلة تجاوز الواقع العراقي لمراحل كثيرة، وستؤدي الى ارباكهم وتخريب مسار سياسي يريدونه في المنطقة، اذ لا يمكن التعاطي مع سوريا بشكل مشابه لما جرى في العراق. نحن نرى سوريا اليوم تقف صامدة وواضحة وتعبّر عن قناعاتها، ولا تستطيع أميركا ان تتجاوز هذه الخصوصية، ولو حاولت ان تسطح المشابهة بين سوريا والعراق، أو بين العراق والدول الاخرى، ايران وغيرها، وعليه أنا لا أعتبر أن تجربة العراق قابلة للتكرار.‏

ـ في هذه الأجواء أقرّ الاميركيون مشروع قانون محاسبة سوريا، البعض يتوقع ان هذا المشروع سيغير معادلات في المنطقة، وهناك من أيّد أو روّج لهذا المشروع، ما هو توقعكم لهذا القانون، وما رأيكم بهذا الأداء السياسي لبعض اللبنانيين؟‏

قانون محاسبة سوريا اعتداء أميركي واضح على سوريا بصرف النظر عن مفاعيل هذا الاعتداء، وبصرف النظر عن حدود القدرة الاميركية أو الرغبة الاميركية باستخدام هذا القانون. وأنا أعتقد أنه لا يحمل في هذه المرحلة الفعالية التي أُنشئ على أساسها القانون منذ بداية الأمر، أي عند طرحه في الكونغرس ومحاولة الادارة الاميركية التعاطي معه بسلبية، مثل الاعلان عن عدم رغبتها في أن يأخذ هذا القانون مساره المباشر، وذلك لاستخدامه وسيلة ضغط على سوريا.. لكن فيما بعد تبنت الادارة الاميركية هذا القانون كجزء من تصعيد حالة الضغط، الا ان القارئ للقانون بصيغته النهائية المعدلة والمخففة عما كان عليه في بداية الأمر، يجد أنه أعطى الصلاحيات الكاملة للرئيس بوش ليستخدم من القانون ما يشاء. أي ان القانون غير ملزم لبوش في تطبيقه، كما ورد فيه مساحة كبيرة من المرونة التي أُعطيت للرئيس بوش قد يستخدمها في عملية التفاوض مع سوريا، علّه يستطيع ان يستدرج مواقف كان يريدها من الضغط السابق ولم يحصل عليها تحت عنوان تجميد تنفيذ القانون اذا قدمت سوريا شيئاً. لكن لا أتصور ان هذا القانون سيكون له آثار فعلية وجدية، سواء على الاقتصاد السوري الذي لم يعتمد يوماً على قاعدة الربط بالاقتصاد الاميركي، وليس هناك تعاون تجاري واسع، بل هو محدود جداً، وسوريا لها علاقات واسعة مع الدول الأوروبية والدول الأخرى، وهذه تساند سوريا وتتفاهم معها. بل العنوان الأساس لقانون محاسبة سوريا هو عنوان سياسي ضاغط بامتياز، وليس عنواناً عملياً يستطيع ان يغير المعادلة بشكل كبير. اضافة الى ذلك يأتي تعيين السفير في دمشق كأول خروج عن القانون على المستوى العملي وتفريغ جزء من مضمونه، وهذا في الواقع انتصار للموقف السوري، لأن الحكمة في ادارة الملف من قبل القيادة السورية جعلت أميركا غير قادرة على حشد مبررات كافية ومقنعة للتصعيد.‏

لنكن واضحين أكثر، لا تستطيع أميركا تجاوز تأثير سوريا وموقعها في المنطقة. ففي الوقت الذي تملك فيه أميركا وسائل ضغط على سوريا، تملك سوريا أيضاً وسائل ضغط تزعج أميركا بشكل أو بآخر، وكلاهما يعرف هذا الأمر، فسوريا ليست مجردة من وسائل الضغط، وليست معزولة حتى يكون الانقضاض عليها سهلاً، وتاريخها في الأزمات مع أميركا تاريخ حافل، سواء مع الجمهوريين او الديمقراطيين والادارات المختلفة خلال عشرات السنين السابقة بسبب القضية الفلسطينية وتداعياتها، وما أضيف اليوم هو من الأمور التي ما كان يجري مثلها في الماضي.. وعليه نعتبر أن أثر القانون العملي محدود، لكن عنوان الاعتداء السياسي قد حصل بشكل واضح ضد سوريا، وهذه نقطة سلبية في الأداء الاميركي تضاف الى نقاطها الكثيرة.‏

ويبدو أن أميركا لم تتعلم بعد من غزوها لأفغانستان وبعد ذلك العراق، يكفي أن نقرأ مؤشرات الكراهية لأميركا في العالم العربي والاسلامي التي تزداد يوماً بعد يوم، ولا تستطيع مراكز الابحاث ولا بعض ملايين الدولارات التي تعطيها الادارة الاميركية لتغيير هذه المنهجية لتثبت ان الاداء الاميركي الطاغوتي ينعكس سلباً بشكل اضافي على الاميركيين، وهذا الموقف من سوريا هو موقف عدواني في الواقع يستدرج تفاعلاً مع سوريا وتعاوناً معها وتعاطفاً شعبياً حولها، وبالتالي أعتقد ان العقلية الطاغوتية الاميركية ستؤدي الى مزيد من الانكسار على المستوى الفعلي للادارة، وهذا يظهر بعد حين.‏

أما من أيّد وروّج لهذا المشروع من لبنان فهو في الواقع لا يشكل تأثيراً فعالاً، اذا ظن البعض أنه بتأييد قانون محاسبة سوريا قد حقق انجازاً في لفتة أميركية له فهو مخطئ تماماً. لقد عودتنا أميركا ان تستخدم من يعمل في ركبها ثم ترميه جانباً من دون أن يكون له شيء، فهي قد استخدمت غيره في أعمال كبيرة وضخمة كما حصل مع صدام ومع عدد من الجهات في منطقتنا، وعندما انتهى دورهم وفائدتهم رماهم الاميركيون، وكانوا هم معبرهم الى المرحلة التالية. لبنان لا يمكن ان يعود الى الوراء، فبعد أن تحرر بعمل المقاومة وتخلص من فتنته الداخلية وحقق حالة من الاجماع الداخلي حول تحريره واستقراره واستقلاله، لم يعد تحرك أي فريق أو أي جهة يؤدي دوراً مؤثراً.. وعليه نحن لا نحتاج الى أميركا لاستقرار لبنان، نحن نحتاج لأن تتركنا أميركا من أجل أن نشعر بحالة استقرار واستقلال، لأن مصائبنا من أميركا، ولأنها لم تكن يوماً محررة ولا نصيراً لشعوب منطقتنا، بل كانت دائماً صاحبة مصالح تستخدم الأفراد والحكام والجهات المختلفة لمصالحها. لقد آن للجميع ان يفهم هذا المنطق الاميركي، وأن لا يعتدّ البعض بنفسه كثيراً ويعتبر أنه يمكن ان يحقق شيئاً بهذا الانسحاق أمام المشروع الاميركي.‏

الرهان على أميركا‏

ـ ماذا نقول للمراهنين على أميركا في هذه اللحظة؟‏

ـ لا بد من الاقرار أن القوة الأميركية في العالم هي قوة كبيرة استطاعت حتى الآن أن تفرض وجودها وحضورها بقوة السلاح على كل العالم.‏

لكن هذه القوة لا تستطيع أن تفرض إرادتها على الشعوب ولا تستطيع أن تستقر كاحتلال في أي بلد من البلدان، كما لا يمكن أن تتابع مسارها على هذا الشكل على المستوى العالمي، فالعالم يتغير ولا بد أن تحصل ردود فعل وأن تحصل عوامل جديدة تنعكس على أميركا في خارج بلدها وفي الداخل، ونحن نرى أن الاعتراض على مواقف بوش كثيرة، وهي تختلف عما كانت عليه قبل غزو العراق، ما يدل أن الأمور لا تبقى على حالها، لذا انصح المراهنين على الخارج وخاصة على أميركا أن يلتفتوا بأن أميركا مكروهة في المنطقة بشكل كبير جداً وأنها لا تستطيع ان تروج لما تريد، فتستخدم قوة السلاح، إذاً هي محتلة، وهي طاغية ومعتدية، وعليه من أراد أن يبني بلده ومنطقته عليه أن يفتش عن القوى الحية وعن أولئك الذين يفكرون بالاستقلال والحرية والمستقبل، وأن يتعاون معهم من أجل أن يسمع الجميع أن بلدانهم متحررة وقادرة على مواجهة التحديات.‏

ـ على الصعيد المحلي، لوحظ اهتمام زائد من قبل حزب الله في الملفات الداخلية من الضمان، إلى الجامعة اللبنانية وخلافه من الملفات الداخلية، ما أظهر للرأي العام بأن هناك رؤية جديدة لحزب الله، أولوية حزب الله لموضوع المقاومة، كيف يمكن أن توضح لنا الأمر؟‏

ـ حزب الله يميز بين مرحلتين، مرحلة ما قبل التحرير، ومرحلة ما بعد التحرير، ما قبل التحرير كانت الجهود منصبة بشكل كبير للعمل المقاوم، وكنا نعتبر أن هذه الأولوية تستنفد كل شيء، ومن أجلها يمكن التنازل والتخلي والصبر على الكثير من القضايا الداخلية، إذ ان هم الاحتلال أكبر بكثير من أن يجمع مع هموم أخرى، ستةلد تنافساً داخلياً على اقتسام الجبنة بين مجموعة من الأطراف ونضيع في هذا الاقتسام فنخسر امكانية استمرار المقاومة.‏

ولعل السؤال المركزي الذي يوجه للكثير من القوى التي تخلت عن المقاومة أو تراجعت في عملها المقاوم، كانت اجابتهم الواضحة بأنهم لا يستطيعون المتابعة بين العمل الداخلي وعمل المقاومة فاهتموا بالعمل الداخلي وتركوا المقاومة.‏

أمام هذا الواقع كنا نعتبر أن الدخول في سياسة وحسابات الوضع الداخلي سيعيق الاجماع حول المقاومة، ونحن كنا نعلم الثمار التي سيحصل عليها لبنان فيما لو تحرر وفيما لو استطاع أن يحقق هدفه، والحمد لله حصل التحرير، وتبين أنه انجاز عظيم وكبير وانعكس على الاستقرار الأمني، وعلى استدراج الرساميل العربية والاجنبية، وعزز موقعية لبنان في المنطقة، والآن يتحدثون عن انعكاسات الأمن على لبنان في النواحي الاقتصادية والسياسية والاستقطابية وإقامة المؤتمرات.‏

وبعد التحرير وجدنا أن المطالب الاجتماعية ملحة ومطالب المناطق كذلك، والحجة والعذر في أن الاحتلال موجود، والدولة غير قادرة على التصرف قد سقطت بشكل مباشر، إضافة إلى أننا لم ننته من أولوية استمرار المقاومة، يمكن الجمع بطريقة مدروسة بحيث لا يؤثر على جهوزيتها وفعاليتها واهتماماتها وفي آن معاً يحصل اهتمام داخلي في القضايا المختلفة. الناس يأملون من حزب الله أن يعمل في السياسة الداخلية، وحزب الله حزب متكامل، فهو ليس مهتماً بجانب دون آخر، وإن أعطى الأولوية لجانب دون آخر، وعليه كجزء من مسؤوليتنا الاجتماعية الإسلامية لا بد أن نعمل في الموضوع الداخلي.‏

ـ ألا تعتقدون أن العمل في الساحة الداخلية فيه الكثير من التعقيدات والمتاهات؟‏

ـ لا أخفي أن هناك تعقيدات في الوضع الداخلي، خاصة ان نموذج الأداء اللبناني نموذج غير مبني على أسس واضحة، انما تجد الأعمال تخضع للمواقع السياسية المختلفة، وتلتبس الأمور بشكل كثير فتضيع الكثير من التحركات والأهداف، ثم نتمنى لو أن الانتخابات النقابية والطلابية والعمالية تجري على أسس مطلبية، لكن دائماً نلاحظ أن فئات تتفق في مكان على شيء وتختلف في مكان آخر على شيء آخر، ويكون العنوان النجاح أو الفشل للأشخاص وليس للبرامج العملية. عندما تحصل تحركات لا تفهم بأن هذا التحرك هو موالاة أو معارضة لأن أركان السلطة يتدخلون في التحرك فيحركونه أو يوقفونه.‏

وهذا ما حصل مع الاتحاد العمالي العام، وبالتالي تشعر أن الحركة المطلبية ليست مستقلة بمطالبها ما يجعل التحرك ضبابياً، ويقع في مطبات لا يستقر إلى نهايتها، هذه عقد حقيقية موجودة في عملية التحرك لكن صممنا مع ذلك أن ندخل في هموم الناس ومطالبهم على قدر إمكاناتنا.‏

ولعل الكثيرين يسألون أين حزب الله، لماذا لا يتحرك بفعالية أكثر، حتى اننا سمعنا من الكثير من القوى بأن على حزب الله أن يتصدر العمل النقابي المطلبي كما تصدر العمل المقاوم، وأنه بامكانه أن يقدم تجربة لم يقدمها غيره، لكن فات هؤلاء ان الفرق كبير جداً بين العمل المطلبي والعمل المقاوم، وبين الشؤون الداخلية وشؤون المقاومة، بكل صراحة شؤون المقاومة فيها موت وشهادة والكثيرون يهربون من الموت والشهادة، فلذلك تقل المنافسة خاصة مع عدم معرفتهم بالنصر وأن الأمر كان مستبعداً لكن حصل التوفيق الإلهي، وأعتقد أن بعض الجهات لو كانت تقدر أن النصر قادم لكانت مستعدة أن تقدم بعض التضحيات بما أن النصر مضمون.‏

لكن في العمل الداخلي هناك تقاسم مصالح، وهناك مكاسب شخصية وفردية، وللجماعة المحيطين بالأشخاص، وهنا يحصل صراع ونزاع حتى الموت من أجل هذه المصالح، ولو كانت هناك مبررات منطقية أو قانونية، أو فيها عدالة، وإنما كل المبررات هي مبررات المصلحة. لذا الصراع في الواقع الداخلي له بعد مختلف عن المواجة مع العدو الإسرائيلي، فبالتالي خسارة المعنويات والمواقف الشريفة في الواقع الداخلي لا يمكن أن تعوض بسهولة، إذا دخل الانسان في براز كما يدخل البعض.‏

نحن كحزب عندنا مبدأ وعلى أساسه هناك نظافة في التحرك ورؤية متكاملة للعمل، لا بد أن تكون مقنعة لمصلحة الناس، وأن تكون شرعية بحسب إيماننا. من هنا صعوبة الحركة الداخلية بالنسبة لنا كبيرة جداً، بسبب الواقع الصعب الذي تعيشه القوى والأحزاب والفعاليات وبسبب طريقة الأداء اللبناني بمعنى آخر.‏

نحن نقر بصعوبات الحركة الداخلية، ومع ذلك صممنا أن ندخل بالقدر الذي لا يجعلنا نضيع في متاهات التعقيدات الداخلية. نحن لا نريد أن نكون جزءاً من الفوضى ولا نريد أن ندخل في مشاجرات سياسية، لذا نسّقنا عملنا، حملنا بعض الملفات، وبدأنا نعمل عليها، وكان آخر ملف، ملف الجامعة اللبنانية، وكنا واضحين مع رابطة الاساتذة اننا معكم والى جانبكم، قرروا ما تشاؤون، لا نريد أن نتدخل معكم، ولا نريد ان يتدخل معكم أحد. هناك مصلحة في أن تكون جامعة الفقراء، جامعة منتعشة قانونياً وبشرياً وأن تكون متقدمة على غيرها، ويجب أن نحمي 75 ألف طالب يدرسون في هذه الجامعة، وعليه أكملوا الى المحل الذي ترونه مناسباً، ونحن معكم في التحرك من دون أن نتدخل فيما تطالبون به طالما أنه ضمن مصلحة الجامعة والبلد، والكل يعلم ان التظاهرة الحاشدة التي حصلت كان لحزب الله المشاركة الكبيرة فيها لقناعتنا بضرورة التصدي، وهذا الأمر المرتبط بالجامعة لا يتوقف عند الجامعة، ففي أي قطاع من القطاعات يحصل تحرك جدي ويجمع الاطراف المعنية ويكون متجهاً لمصلحة عامة لا خاصة، فحزب الله سيكون مع هذه الجهة، لكن لا يمكن للحزب أن يكون متحركاً بالنيابة عن الآخرين، وفي موضوع رفع رسوم الكهرباء تحركنا بفعالية، ويومها كان عندنا نحو ثمانية نواب امام مجلس الوزراء مع عدد من الناس يعتصمون، وكان لهذا الموقف اثر في منع زيادة الرسوم على الكهرباء، لكن هناك مشكلة حقيقية اسمها فعالية حركة الناس في قضاياها، وعدم تسيسس المطالب والقضايا الملحة بطريقة تؤدي الى تفريغها من محتواها.‏

نحن كحزب سنكون مستمرين في هذا الاتجاه لكن نريد ان نرى تجاوباً ايضاً حتى من المطالبة.‏

احباط‏

ـ لدى الناس احباط كبير من امكانية التغيير في الحياة السياسية اللبنانية كيف يمكن لحزب الله ان يقدم البديل؟‏

اوافق معك ان الاحباط الموجود عند الناس بشكل عام واليأس من امكانية التغيير جعل هؤلاء يتفرجون، في كثير من الاحيان يكتفون باللعن والشتم والانتقاد وهم جالسون على كراسيهم، وهذه ازمة حقيقية، سبب هذه الأزمة هو تركيبة النظام السياسي في لبنان وطريقة توزيع المغانم والحصص التي تلغي القانون وتصادر الكفاءات وتؤدي بادارة البلد الى ادارة شبه بالمزرعة، وهذا انعكس ايضاً على تعقيد الحركة السياسية في البلد، نحن لا نعتبر أنه توجد حركة سياسية فعلية، توجد تصريحات سياسية، وبراءة ذمة من خلال بعض البيانات، بمعنى ان الكثيرين ممن يتصدون للتصريح والكلام انما يريدون ان يقولوا اننا قمنا بما علينا، لكن ما هي الاجراءات العملية؟ هناك ضعف، ونقص كبير، وتعقيد للاجراءات العملية. في تصوري ان الحل يبدأ من الناس ومن القوى التي تتحرك باسم الناس ومعها، وبأن يتخذ قرار جدي وجريء بالاستعداد على أن يكون الناس في الشارع للضغط الدائم مهما كانت الصعوبات، وعندها تتغير الظروف يوماً بعد يوم، وتتحول الحركة النقابية والعمالية وحركة المطالب العامة الى حركة فعّالة، عندما تكون مدعومة بضغط شعبي، انا ادعو جميع الطلاب والاساتذة والعمال والناس بشكل عام ان يستجيبوا للتحركات ذات الطابع الشعبي لنثبت مجدداً ولو بعد فترة من الزمن ان اي مطلب من المطالب يهم مجموعة كبيرة من الناس ينزل لهم ناس الى الشارع ويتصدون مع ممثليهم من نواب والحركات السياسية ليرى الحكام أن الشارع حيوي، وأنه لا يمكن اغفال مطالبهم، أما عندما يكتفي الكثيرون ببعض البيانات ولا يكون لها فعالية عملية على الارض فإن المعنيين سيتجاوزونها، فهم قد اعتادوا على هذا النوع من البيانات، الحل من وجهة نظري ان يعود الناس الى الشارع في كل مطالبهم من دون ان يستحضروا الاحباط واليأس والترقبات التي حصلت، والا فلا تغيير مع هذه الذهنية، ومع التخلي غير المسؤول عن الدور الشعبي الذي يجب ان يقوم به كل فرد.‏

ـ امام انسداد هذا الأفق أين دور حزب الله، لماذا لا تقومون بحركة نوعية في هذا الاطار مع القوى الأخرى، خاصة ان البلد مقبل على الانهيار؟‏

لا نحتاج الى تجربة جديدة اسمها لقاء لجان وتجمعات ومسميات، وعريضة تحت عنوان الاجماع الوطني، واننا سندخل في تعقيدات ومتاهات جديدة، انا افضل ان ندخل الى الأمر من بوابة الموضوعات لا من بوابة البرنامج السياسي الشامل الذي يصعب تحقيقه في جمع الناس عليه.‏

ـ هل تعتقدون ان وضع برنامج اجتماعي شامل أفعل للتحركات المطلبية؟‏

من الصعب التحدث عن برنامج اجتماعي متكامل بحيث يجمع الجميع حول رؤيته، البديل عندنا ان تطرح قضايا الموضوعات الوطنية العامة التي تهم جميع الناس ويتم التداول فيها، وتكون لها لجانها واعمالها من خلال من يتصدى لها، كما حصل مثلاً في تجربة رابطة الاساتذة المتفرغين الجامعيين، هذه القضية واضحة لجامعة وطنية ولجميع الناس، لا داعي لان يتصدى الاحزاب ويقفوا في الواجهة، فلتتصدَّ هذه الرابطة وتقوم بواجبها ونحن ندعمها ولسنا بديلاً عنها، هذا النمط هو الأفضل في التحرك لتحقيق مطالب الناس.‏

ـ ألا تعتقدون ان التنافس الذي يحصل بين القوى السياسية احياناً يفقد اي تحرك معناه وأهدافه؟‏

نحن بحاجة الى تعزيز التعاون بين القوى والأفرقاء لانتاج حركة اجتماعية مطلبية نقابية تستطيع ان تحقق المطلوب، ولسنا بحاجة أن نتنافس، من تكون له الأولوية في قيادة الحركة النقابية أو السياسية؟ ونحن نرى الصراعات الموجودة التي مزقت الحركة النقابية بسبب تجاذب السيطرة عليها، نحن نريد حركة فعالة، لا تتم بيد واحدة، وانما بالتعاون مع الآخرين، وعندما نتحدث عن ان حزب الله مسؤول، أنا أقول نعم حزب الله مسؤول، لكن بالتعاون مع الآخرين، فإذا لم يكن الى جانبه الآخرون فلن يتمكن وحده من تحقيق المطلوب. نحن نطلق دعوة واضحة وصريحة للتعاون بالشكل الذي يراه الآخرون مناسباً، نحن حاضرون في الساحة، في الاجتماعات واللقاءات، وفي تنسيق اعمال اجتماعية محدودة، حاضرون لبرنامج كامل ولكل أشكال التحرك والتنسيق والتعاون، ولكن لا نستطيع وحدنا أن نكون في الميدان لاننا لا ننتج والسهام تأتينا من كل جانب، ولكن ننتج عندما نكون مترابطين مع كل القوى.‏

ـ الاجماع الذي حصل حول مطالب الاساتذة في الجامعة اللبنانية هل يمكن أن يتكرر في مطالب أخرى كالضمان وخلافه؟‏

يمكن ان تكرر هذه التجربة، لكن فلنقرأْ تماماً ما حصل في الجامعة لتستفِد في أماكن أخرى، الحركة تبدأ أولاً من أصحاب العلاقة وثانياً بدعم القوى والاحزاب، فلا بد أن تجتمع الجهات المسؤولة من متابعة شؤون الضمان، وهم يجرون الاتصالات المناسبة والأحزاب حاضرة، ونحن جاهزون أن نكون في الطليعة في ملف الضمان لحمايته من الخصخصة والسرقة والتضييق والتمييع، لأنه يعبر عن حقوق المستضعفين والعمال، ولا بد ان تعود اموال الضمان من قبل الدولة، وان يكون هناك محاسبة حقيقية، وعدم التفريط به.‏

ـ كيف هي العلاقة بين حزب الله والأطراف المسيحية، وهل هناك لقاءات أو اتصالات معينة مع هذه الأطراف في هذه المرحلة؟‏

من الخطأ الحديث أن الساحة المسيحية وكأنها كتلة واحدة، وكأن المطلوب ان يتم التعامل معها بمنطق واحد. ففي الساحة المسيحية أطراف وقوى واختلافات في وجهات النظر، وأفرقاء، لذا فالأفضل أن نحدد من المقصود بالتعامل، فإذا كان المقصود البطريركية المارونية، فنحن على علاقة معها، وهذا الأمر ليس بجديد وهو قديم من سنوات طويلة.‏

بالنسبة "لقرنة شهوان" فيوجد تواصل مع أفرادها، أي لا يوجد تواصل مع "القرنة" ككتلة كاملة. أو في بعض الاجتماعات التي تضمهم وتضم غيرهم مثل اللقاء الوطني للحوار، خاصة ان القرنة في الواقع تشكل تنوعاً لا يحمل صفة تنظيمية واضحة حتى نتحدث عن اطار يمكن التعاطي معه بتناغم، وهناك اختلافات بين أفراده، أما الكتائب فعلاقتنا بهم جيدة، وهم جزء من الأحزاب والقوى الوطنية، وهناك شخصيات فاعلة سواء كانت وزارية أو نيابية نتعاطى معها، وعلاقتنا جيدة ومتفاعلة، يبقى هناك التيار العوني و"القوات اللبنانية" وحالياً لا يوجد تنسيق أو تواصل فعّال بسبب المواقف التي تطلق بين الحين والآخر، وهذا الأمر يستدعي تغيير الطرف الآخر لبعض طروحاته لتكون العلاقة ممكنة.‏

ـ كانت لافتة مشاركتكم في مؤتمر حزب الكتائب، والقاؤكم كلمة باسم الاحزاب، في أي سياق تأتي هذه المشاركة، هل هي في اطار تعريب حزب الكتائب أو مزيد من اللبننة لحزب الله؟‏

قيادة حزب الكتائب طلبت من الأحزاب اللبنانية الاسلامية ممثلاً يتحدث باسمها في المؤتمر وتمنت ان يكون من حزب الله وحزب الله وافق، وذهبت الى هذا المؤتمر ممثلاً عن القوى والأحزاب اللبنانية والاسلامية والوطنية وفي آن معاً وممثلاً عن حزب الله، وبالتالي لا تعبر مشاركتنا تعريباً لحزب الكتائب فاختيار التعريب والموقف الوطني هو اختيار الحزب نفسه، وبالتالي ما عبّر عنه رئيس الحزب الاستاذ كريم بقرادوني في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر ببيان سياسي وطني وعربي، ويدرك أن تغييراً واضحاً في مسار حزب الكتائب وطريقته في التأثير، فقد أقرّ مؤتمر حزب الكتائب ما قاله رئيسه، أي ان هناك منهجاً جديداً في هذا الحزب بدأ يولد ويأخذ مداه في الواقع العملي، لذا التغييرات الحاصلة في حزب الكتائب ليست من باب مشاركتنا لكنها اشارة منا نحن بدعم هذه التوجهات واشارة منهم بالرغبة في التواصل مع هذا الاتجاه، ومعروف ان حزب الكتائب اليوم داعم للمقاومة بشكل واضح وجدي، ونحن في المقابل أيضاً اعتبرنا هذه المشاركة منسجمة مع توجهات حزب الله المنفتحة على كل الاطراف السياسية خاصة عندما تكون أهدافها وبرامج عملها برامج وطنية تنسجم مع التوجهات التي يحملها.‏

ـ كيف تقوّمون الوضع على الحدود مع فلسطين المحتلة، خصوصاً بعد الاعتداءات الصهيونية الاخيرة وفي ظل التهديدات الاسرائيلية المتكررة؟‏

لا تطور حاصل في الجنوب سوى الاعتداء الصارخ الذي حصل ومقتل الصيادين في تلك المنطقة، وقد أعلن حزب الله عن موقفه في بيان واضح لذا لا يمكن الحديث عن تطورات غير عادية، انما هناك نوع من الرقابة منسجمة مع الظروف الاسرائيلية المعقدة التي لم تستطع تجاوز الانتفاضة ولم تستطع تحقيق أهداف شارون في التقدم الى الامام بقواته التوسعية، لكن بين الحين والآخر تطلق "اسرائيل" تهديداتها، فيتحدث بعض المسؤولين عن عنتريات من أجل رفع معنويات الاسرائيليين، لكن لا اعتقد أنها تنفعهم كثيراً، لأن الاسرائيليين لم يعودوا مقتنعين بمثل هذه التصريحات.‏

نعم لسنا في وارد ان ننفعل أو نتأثر في هذه التصريحات. نحن نتعامل مع الاعمال، اذا كانت "اسرائيل" ستعتدي على لبنان في أي وقت من الأوقات فإنها ستتلقى بالطبع رد فعل قاسياً ومؤثراًَ، وستجد أن الاعتداء على لبنان مكلف جداً. أي حماقة يمكن ان ترتكبها "اسرائيل" أو أي مغامرة يمكن ان تقوم بها فهي ستجد رد فعل مناسباً، وهذا ما يعرفونه تماماً وهذا ما حمى لبنان خلال هذه الفترة القريبة.‏

ـ في يوم القدس اعلن الامين العام ان اي اعتداء اسرائيلي سيرد عليه حزب الله الى اوسع مدى، برأيكم ما قصد الامين العام؟‏

يحكى عن الرد الى المدى المناسب لكن لم يكن هناك حدود وتفاصيل وجاء قياس الكيلومترات من جانب الاسرائيليين، فليقيسوا الكيلومترات التي يريدونها، نحن نتحدث فقط عن رد فاعل وقاس بما يحمي شعبنا وبلدنا، أما قياسه وطريقته وتفاصيله فهذا أمر متروك لوقته والرسالة واضحة، والمعطيات عندهم أيضاً واضحة.‏

الاسرى‏

ـ هل هناك أي مستجدات على صعيد قضية الأسرى وهل ما زال الوسيط الالماني يتابع وساطته؟‏

عندما يحصل أي جديد في ملف الأسرى يستدعي الحديث أو تعريف الرأي العام، سماحة الأمين العام لحزب الله سيتحدث بشكل صريح، لأن من حق الناس أن تعرف التطورات عند حصولها، والأسلم لهذا الملف أن يكون في دائرة التفاوض السري، فلا تخضع تطوراته للاهتزاز أو لا تسقط أمام التجاذب الاعلامي، وبالتالي فإن الاجراء المقترح حالياً، أو الاجرء الذي كان متبعاً هو بأن يكون هناك تفاوض سري ثم تعلن النتائج، المفاوضات حتى الآن مستمرة، وعندما يحصل اي نتيجة سلبية او ايجابية فيعلن الأمر.‏

ـ ما هو موقف حزب الله من التوطين وهل هناك خطوات معينة لدى الحزب في هذا السياق على صعيد توحيد وتمتين الموقف اللبناني تجاه هذا الأمر؟‏

التوطين مرفوض من حزب الله جملة وتفصيلاً، ومهما كانت مبرراته، أساساً نحن نؤمن بحق عودة الفلسطينيين الى بلادهم، وأن لا بديل عن فلسطين في أي مكان آخر، واننا نعتقد أن ما أثير اميركياً هو محاولة لتفريغ القضية الفلسطينية من محتواها بشكل تدريجي بقطع الكثير من العناوين المتفجرة بحيث يوصلوا الفلسطينيين الى محل لا تكون عندهم بعض القضايا موجودة، ولذا نرى ان هذا المشروع مشروع خطر، وهو محاولة للالتفاف على الحق الفلسطيني، نحن تحركنا في هذا المجال مع القوى والاحزاب وأعلنا رفضنا لهذا المشروع، كما اننا في صدد التحضير لمؤتمر بهذا الخصوص.‏

ـ هل بدأت التحضيرات العملية لهذا المؤتمر؟‏

نحن في المرحلة الاولى، وهي مرحلة الاعداد لاقرار تنفيذ المراحل اللاحقة.‏

ـ ما هو موقف حزب الله من وثيقة جنيف، وهل هذه الوثيقة تشكل أساساً ما لاستئناف عملية التسوية؟‏

وثيقة جنيف، وثيقة ضد الشعب الفلسطيني، ومؤامرة عليه، وهي أدنى مستوى قدم الى الآن لمعالجة القضية، وهي لمصلحة المطالب الاسرائيلية في السياسة، بحيث تأخذ "اسرائيل" من وثيقة جنيف ما عجزت عنه في المواجهة والعدوان. وبالتالي نحن نرفضها، ويرفضها الكثير من الفصائل الفلسطينية، اعتقد انه كان المقصود منها هو ايجاد نوع من الفراق السياسي في الواقع الفلسطيني الاسرائيلي، وبالتالي لم تكن هدفاً لذاتها وانما كانت تريد ان توجه رسالة لشارون بضرورة البحث عن معالجة سياسية، ورسالة سيئة الى الفلسطينيين، تصب في مصلحة شارون. لا اعتقد ان لها فعالية عملية، لأن القصد في الاتجاه الحالي هو أن شارون مطلق اليد واميركا تدعمه في اطلاق يده، وعندها ملاحظات جزئية لا تؤثر على المسار العام، لذا لا محل لحل سياسي، وانما الاداء هو عسكري شاروني يحاول ان يرسم الخطوات السياسية على ضوء التطور الميداني، والمعلوم أن عقبات شارون كثيرة، وخاصة ان الانتفاضة صمدت صموداً رائعاً، وبالتالي الآن نعتبر زمن التراوح في المكان، او الاستنزاف غير المنتج "لاسرائيل"، بانتظار ان تنتهي الانتخابات الاميركية، والانطلاق نحو الحل في القضية الفلسطينية الاسرائيلية.‏

ـ ثمة مساعٍ مصرية حثيثة لايجاد هدنة بين الفلسطينيين والاسرائيليين، هل يمكن الوصول الى هكذا هدنة؟‏

مشروع الهدنة، اعلنت الفصائل الفلسطينية عدم موافقتها عليها لأنها تحقق امناً "لاسرائيل" دون ان تحقق حماية للفلسطينيين، وعلى كل حال هذا الأمر مفتوح، ولكن لا يبدو أن الأمور متجهة الى هدنة في هذه المرحلة، وخاصة ان المحشور اليوم هو الاسرائيلي وليس الفلسطينيين، ربما كان الوضع الفلسطيني صعباً في ما سمي بالهدنة السابقة لأن المقصود كان التقاتل الفلسطيني الفلسطيني، فخرجت النتيجة باعلان وقف اطلاق النار من جانب واحد، لكن الاسرائيلي تابع في قتل القيادات وخرب كل شيء، وهذا ان شاء الله سيكون في مصلحة الفلسطينيين.‏

اما اليوم فالفلسطينيون مجمعون على أن الاسرائيلي لا يريد أن يعطي شيئاً لأن المطلوب منهم أن يقدموا كل شيء، وهم لا يقبلون ذلك سواء كانوا يريدون تحرير فلسطين بالكامل او جزء في فلسطين، وعليه "اسرائيل" في مأزق لانها استخدمت كل شيء ولم تنته الانتفاضة، فليس عندها شيء تستخدمه، وهنا يأتي تطبيق شارون المتسرع لأنه عاجز عن ايجاد حل، وان يجد فلسطينياً يتفاهم معه، وهذا يعني بشكل آخر أن شارون في مأزق سياسي وانه لا يستطيع ان يثمر اداءه العدواني في وجه الفلسطيني.‏

حوار : حسين رحال‏

سعد حمية‏