مقابلات

مقابلة للشيخ قاسم مع الاستاذ نزار حمزة حول حزب الله

- ما هي ولاية الفقيه ؟‏

- ما هي ولاية الفقيه ؟‏

ولاية الفقيه هي المسؤولية التي يتصدى لها أحد الفقهاء الذي يكون عالما عادلا ومجتهدا يستطيع استنباط الأحكام الشرعية من الشريعة المقدسة ، وهو يتصدى لشؤون المسلمين بحيث يدير قضاياهم العامة التي ترتبط بشؤون الأمة والحكومة بشكل عام ، أي بمعني آخر الفقيه هو الذي يتحمل المسؤولية في الإدارة السياسية والمالية وادارة الشؤون العامة للدولة والأمة معاً ، وهذا الأمر يختص بشخص واحد في زمان واحد أو في بلد واحد وعليه ذكر الإمام الخميني (قدس ) في كتاب البيع في الجزء الثاني عن هذا الموضوع في ما لو تعدد وجود المجتهدين العدول الذين يصلح كل واحد منهم أن يكون ولياً للفقيه فقال : فان وفق أحدهم بتشكيل الحكومة يجب على غيره الاتباع وان لم يتيسر إلا باجتماعهم ، يجب عليهم القيام اجتماعاً، ولو لم يمكن لهم ذلك أصلا لم يسقط منصبهم أي أنهم يكونوا صالحين للولاية وان كانوا معذورين في تأسيس الحكومة ، لان الظروف الموضوعية طبعاً لا تساعدهم على تأسيسها ، ومع ذلك كان لكل منهم الولاية على أمور المسلمين من بيت المال الى إجراء الحدود أي نظام العقوبات بل على نفوس المسلمين ،إذا اقتضت الحكومة التصرف فيها فيجب عليهم إجراء الحدود مع الإمكان وأخذ الصدقات والخراج والأخماس والصرف في مصالح المسلمين وفقراء السادة وغيرهم وسائر حوائج المسلمين والإسلام فيكون لهم في الجهات المربوطة بالحكومة ما كان لرسول الله (ص) والأمة من بعدهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ،‏

2 - هل هي ولاية تكوينية أم ولاية محددة ؟‏

في الواقع الولاية التكوينية هي من مختصات النبي (ص)الأئمة (ع) كما ورد عندنا، لان المقصود بها ان يجري الله تعالى على أيديهم قدرة في التصرف الإعجازي في بعض الأمور الكونية التي تكون خلاف المألوف بحسب القوانين الطبيعية والتي يراها الناس ، ولكن بالنسبة للفقيه لا تكون له هذه الولاية التكوينية ، وانما تكون له الولاية التشريعية والمقصود بها ما ذكرناه في الإجابة على السؤال الأول وهي التي تشمل كل شؤون الدولة والأمة التي ترتبط بقضاياه السياسية والاجتماعية والمالية والثقافية العامة .‏

3 - إذا وجد أكثر من مرجع تقليد في عصر واحد ما هي علاقتهم بولي الفقيه الجامع لشرائط التقليد هل يتبعون مرجعيته ؟هل لهم الحق في الخروج عن طاعته ؟‏

هنا يجب ان نميز بين مرجع التقليد والولي الفقيه ، فمرجع التقليد هو الذي تتوفر فيه الشروط من أجل استنباط الأحكام الشرعية ويشعر بنفسه انه الأعلم ، حسب رأي اغلب الفقهاء حول شرط الاعلمية فيتصدى لشؤون المرجعية والإفتاء ويجتمع حوله عدد من العلماء والناس فيكون مرجعاً للتقليد ، في كل زمان يوجد عدد من مراجع التقليد وليس مرجع واحد ،نعم قد يبرز شخص على أشخاص آخرين قد يكون لشخص عدد من المقلدين أكثر بكثير من الشخص الآخر ، لكن يمكن أن يتواجد في زمان واحد عدد كبير من مراجع التقليد كما يمكن ان يوجد في بلد واحد عدد قليل أو كثير من مراجع التقليد ، ولاحظنا في الفترة الأخيرة منذ 20 سنة أو 30 سنة ان عدد مراجع التقليد كانوا يصلون في بعض الحالات الى 15 مرجعا في مختلف البلدان الإسلامية ، بل كان يوجد في بلد واحد أكثر من أربعة أو خمسة مراجع خاصة في إيران او في العراق ،وبالتالي لم يكن هناك مشكلة في هذا الأمر على المستوى الفقهي ،نعم بعضهم له عدد قليل من المقلدين وبعضهم له عدد كثير من المقلدين ،يوجد من هؤلاء شخص أو اثنان أو ثلاث هم الأبرز عادة .‏

أما موضوع الولي الفقيه ،فهو المتصدي لأمور الحكومة والإدارة ومتابعة الشأن السياسي والاجتماعي أي بمعنى آخر هو حاكم على الأمة ليس فقط على الدولة ، وبالتالي لا يمكن ان يكون هناك أكثر من ولي فقيه واحد على الأقل في دولة واحدة ، لو قلنا كما يذكر بعضهم انه يمكن مع تعدد البلدان أن يوجد عدة أولياء ، ولكن هناك رأي آخر يقول انه حتى ومع تعدد البلدان لا يمكن آن يوجد إلا ولي واحد ، وولي الفقيه ليس مشترط فيه أن يكون مرجعاً ، نعم يمكن أن يكون مرجع تقليد وهذا عنصر إضافي ويمكن أن لا يكون كذلك ، المهم أن يكون مجتهداً أي أن يكون قادراً على استنباط الأحكام الشرعية مثلاً الإمام الخميني (قده) من اللحظة الأولى كان مرجع تقليد وكان ولياً للفقيه، الإمام الخامنئي حفظه الله ورعاه كان ولياً للفقيه ولم يكن مرجعاً في بداية استلامه للولاية إنما كان مجتهداً ، ولكن بعد سنوات وصل الى رتبة المرجعية فأصبح مرجعاً وولياً للفقيه في آن معاً ، على هذا الأساس يوجد عندنا ولي للفقيه ويوجد عندنا مراجع للتقليد،و ليس مطلوباً من المراجع ان يتبع بعضهم البعض الآخر في مسألة المرجعية ، لكن في مسألة الولاية على جميع المراجع في بلد واحد( أو على القول بوجود ولي فقيه واحد مع تعدد البلدان)فعلى جميع المراجع عدم الخروج عن طاعة الولي الفقيه الواحد وأوامره ملزمة لان الأمر يرتبط بالإدارة العامة والسياسة العامة وحكومة المسلمين والقضايا الكبرى التي تتابع وهذه لا يمكن ان تخضع لأراء متعددة بل يجب ان يكون هناك مركزية في هذا الأمر ،نعم في شؤون المرجعية هناك أمور فقهيه تفصيلية وصغيرة وفردية وبسيطة لا يضر التعدد فيها لأنها عبادات ومعاملات على مستوى الأفراد .‏

4 - هل يجب على التنظيم او الحزب أن يأخذ إجازة من الفقيه ولي الأمر بصفته صاحب الحق الشرعي بإدارة الشؤون السياسية للمسلمين هل هذا ما اتبعه حزب الله منذ نشأته في الحصول على إجازة من الإمام الخميني (قدس) ؟‏

نعم،يجب على التنظيم أو الحزب ان يأخذ إجازة من الفقيه ولي الأمر والسبب في ذلك هو حصوله على مشروعية عمله ،إذ انه سيقوم بأعمال ونشاطات وسيأخذ قرارات بمعاداة جهات ومصادقة جهات أخرى وهذه كلها تخضع للاعتبارات الشرعية ،أين يجوز لنا ان تكون لنا علاقات مع جهات معينة أو أين لا يجوز ، أين يجب ان نقاتل ونواجه الأعداء وأين لا يجوز القتال ،فالدم مسؤولية هذه كلها يقوم بها التنظيم عادة وبالتالي لا يستطيع ان يخوض في هذه الأمور التي تمس الأمة دون أخذ إجازة من الولي الفقيه ، أما حزب الله فقد انشأ وأخذ إجازة من الإمام الخميني (قدس) في القواعد العامة لعمله وهكذا يكون تدخل الولي الفقيه عادة ، أي انه يعطي المبادئ والقواعد ولكن لا يدخل في التفاصيل بطبيعة الحال مثلا الإمام الخميني (قدس ) قال يجب ان تزول إسرائيل من الوجود،وأعتبر أن مواجهة الصهيونية بعد احتلالها للبنان أمر شرعي وواجب وان الدماء التي تسقط هي دماء شهادة ومأجورة عند الله تعالى ولكن كيف يتم هذا وكيف ينظم حزب الله شؤونه وكيف يهيء المقومات اللازمة وكيف يعد عناصره ويعبئهم وكيف تكون الأولويات في طريقة أدائه هذه أمور تفصيلية لقيادة الحزب مسؤولية متابعتها ولا يتدخل الولي الفقيه في هذه التفاصيل فهو يرسم الخط العام عادة‏

5 - هل حزب الله تحت قيادة الولي الفقيه الإمام الخامنئي ؟‏

طبعاً بعد وفاة الإمام الخميني (قدس) انتقلت ولاية الفقيه الى الإمام الخامنئي حفظه الله تعالى ورعاه ،وعليه نحن نعتبر ان القيادة لنا هي قيادة الإمام الخامنئي ولكن كما ذكرت بأنها قيادة تعطي الخطوط العامة بشكل عام .‏

التشكيلة التنظيمية للحزب :‏

هل هو تنظيم حزبي سياسي يكون قيادة بديلة عن قيادة العلماء ويكون مؤطراً تنظيميا كباقي الأطر أم تنظيم بقيادة العلماء حيث تكون قيادة فئوية ما يصح عنه التعبير بالهيئة العلمائية أو هو من التنظيمات التنفيذية وهي تشكيلات إجرائية لتسير الأعمال تكون بإشراف الحزب ؟‏

حتى أسهل هذا الأمر عليكم أشرح لكم كيف هي التشكيلة التنظيمية للحزب .‏

هناك فكرة شائعة وسائدة ان قيادة الحزب هي قيادة علمائية للواقع ان هذا الأمر ليس صحيحاً ، نعم في قيادة الحزب علماء وغير علماء فهناك من مع تعمق في الدراسة الدينية الى ان وضعوا العمامة على رؤوسهم، وهناك من تعمق في الدراسة الدينية أو فهمها بالإجمال وأصبح مؤمناً بهذا الخط الإسلامي ولكنه لم يتعمم او لم يصل إلى درجة عالية من العمق في التفاصيل الدينية وان كان ملماً بالإجمال ، أي ان المطلوب في القيادة هي ان تكون قيادة مؤمنة بأن الإسلام هو الحل ، وتملك معلومات إجمالية تؤهلها للدفاع عن هذا الإسلام وبمعرفة أبعاد هذا الإسلام والضوابط الشرعية الموجودة فيه هذا الحد الأدنى فعندما توفر في الشخص يكون الشخص مؤهلاً للقيادة إذا تم اختياره كما سأذكر بالكيفية ،وبما ان العلماء أقدر على فهم المضمون الإسلامي وعندهم سعة اطلاع وعندهم التزام قوي وثابت وعندهم مضمون مملوء بهذا الوعي الإسلامي نرى ان التصدي يكون لهم أكثر من غيرهم ،فيبرزون في قيادة المسيرة أكثر مما يبرز الآخرون نظراً للخصوصية العلمية والوعي الديني الذي يحملونه، وعليه بالنسبة لحزب الله هو عبارة عن حزب يأخذ القواعد العامة من الولي الفقيه أما في التفاصيل فإنه يقتدي بالمنهج الإسلامي وتكون له قيادة هي الشورى وهذه القيادة مختلطة من علماء وغير علماء بمعنى العمامة وعدم العمامة ولكن كلهم ملتزمون بالإسلام ويفهمون الحد أدنى الضوابط الإسلامية العامة وتكون تشكيلة الحزب في الواقع هي تشكيلة إدارة تنظيمية من أجل توزيع الأدوار ومن أجل قيادة الساحة فمثلاً الحزب يتعاطى الشأن السياسي والشأن الجهادي والشأن الاجتماعي والشأن الثقافي والشأن التربوي هذه الشؤون كل واحد منها يتطلب آلية متابعة واختصاص بالحقل الذي يهتم فيه هؤلاء الذين يعملون من أجل ان ينجحوا ، فموضوع الحزب يجمع بين ثلاثة أمور عادة :‏

1- الإيمان بالفكر الإسلامي .‏

2- العمل الإداري التنظيمي لتوزيع الأدوار وإدارة الشؤون .‏

3- التخصص في الشأن الذي يعمل فيه هذا الشخص حتى ينجح فيه ويبرع فيه .‏

إذ لا يمكن مثلاً أن يدير المسألة التربوية المدرسية من لا يعرف شيئاً في المدارس ولا يكون مختصاً في هذا الأمر ، وعليه في حزب الله يوجد مجموعة من الكوادر الأساسيين الذين يبلغون المئات هؤلاء يجتمعون مرة كل ثلاث سنوات من أجل انتخاب قيادة منهم اسمها الشورى ومؤلفة من سبعة أعضاء ويترشح لهذه القيادة من توفرت فيه بعض المواصفات التنظيمية الداخلية التي تنطبق عادة على حوالي سبعين أو ثمانين شخص من مجموع هؤلاء الكوادر ومن يترشح منهم هو الذي يخضع للاختيار والانتخاب ،فقد يترشح عشرة والمطلوب اختيار سبعة عندها تجري عملية انتخابية كاملة لاختيار السبعة،وقد يترشح عشرون وبالتالي يتم اختيار السبعة من العشرين ولا يكون التوزيع توزيعاً مناطقياً أو رتبياً ، إنما المطلوب اختيار سبعة كأعضاء للشورى من يترشح من المؤهلين ضمن المواصفات المذكورة في نظامنا الداخلي يستطيع ان يترشح ويتم الانتخاب على هذا الأساس ،فإذا تم اختيار السبعة يوزع هؤلاء السبعة الأعمال عليهم ، فهم الذين ينتخبون الأمين العام منهم ونائب الأمين العام ويوزعون الأدوار الأخرى في المهمات الموجودة في قيادة الشورى .‏

6 - هل سيبقى العمل في ولاية الفقيه قائماً على الرغم من دخول حزب الله في التركيبة السياسية اللبنانية ؟ وإذا كان الجواب بنعم نرجو التفضل بشرح الجواب ؟‏

من الطبيعي ان يبقى العمل بولاية الفقيه قائماً ، لأني كما ذكرت ان ولاية الفقيه هي ولاية شرعية ، هي التي تعطي الشرعية لعمل حزب الله وهي ترسم القواعد العامة وتقول ما هو شرعي وما هو غير شرعي ،أما أداء حزب الله السياسي على المستوى اللبناني هذا أمر تفصيلي له علاقة بحزب الله ،نعم أصل تعاطي حزب الله مع الساحة اللبنانية ،هل يجوز هذا التعاطي مع الحكم أم لا يجوز ؟ هل يصح أن يعمل في انفتاح على الأطراف أو لا يصح ؟ هي قواعد عامة يوافق عليها الولي الفقيه عادة وهو الذي يعطي شرعية لها والشرعية موجودة في هذا الاتجاه ،ولكن إذا تقدم حزب الله في أدائه وفي عمله وتوسع في داخل الحياة السياسية اللبنانية وأفلح في مواطن وأخفق في مواطن فهذا له علاقة بإدارة حزب الله المباشرة لأن الولي الفقيه لا يتدخل في هذه التفاصيل ويرسم القواعد العامة .‏

7- هل الدخول في النظام السياسي يجب ان ينحصر في البرلمان والمجالس المحلية أي لا يتعداها الى الوزارات والعمل التنفيذي ؟‏

لا يوجد مانع شرعي من الدخول في النظام السياسي اللبناني بكامله سواء كان في الوزارات او البرلمان او المجالس المحلية ، ولكن هناك تشدد للدخول الى الوزارات أكثر من التشدد في البرلمان والمجالس المحلية ، اذ ان البرلمان والمجالس المحلية هي مجالس تمثيلية للناس ، وبالتالي يبقى الإنسان حراً للتعبير عن رأيه وقناعاته وهو ليس في موقع السلطة الذي يتحمل مسؤولية العمل الإجرائي فلا يتورط في مخالفات شرعية ،بينما في الوزارة هذا عمل تنفيذي يجب ان يكون الدخول مدروساً جيداً وفي ظرف واداء يضمن معه الإنسان ان لا يضطر الى ارتكاب مخالفات شرعية ، فدقة الدخول الى الوزارة أصعب من التعاطي مع البرلمان والمجالس المحلية ودراسة موضوع الوزارة يأخذ منا عادة نقاشاً كبيراً قبل ان نحسم كل حكومة بحكومتها ، والى الآن لم ندخل في أي حكومة لأننا شعرنا بأنه قد توجد مخالفات شرعية من ناحية ومن ناحية أخرى لن يكون لنا قدرة تنفيذية كافية للتعبير عن القناعات التي نحملها دون ان نتورط في حمل سلبيات أداء هذه الحكومات بسبب طريقة التسويات المعتمدة في لبنان وانعدام القواعد الحاكمة للمنهج العام .‏

8 - هل الانخراط الكامل في النظام السياسي على المدى الطويل وليس على المدى القصير يتعارض مع ولاية الفقيه لا بل لا يعني ضرب أحد الأسس العقائدية التي يقوم عليها حزب الله ؟‏

الانخراط في النظام اللبناني هو انخراط منسجم مع القناعات التي نحملها ،أي أننا في المجال الذي نشعر فيه بوجود محرم او انحراف عن المسار الذي يسمح به الشرع فنحن لا نقدم وإذا شعرنا أن الأداء لا يتضارب مع موضوعنا الشرعي فإننا نقدم ،وبالتالي طريقة تعاطينا مع النظام اللبناني طريقة تأخذ بعين الاعتبار ضوابطنا ولا نسلم بالكامل لكل النظام بكل تركيبته،بل نعتبر ان هناك عناصر فساد في هذا النظام وعناصر يجب تغيريها وتبديلها وتعديلها ،نعم قد نتمكن وقد لا نتمكن ،نحن نقوم بجهدنا وما علينا ونحاول ان نقنع الآخرين بعملية التغيير ،ولكن إذا لم يقتنعوا نكون معذورين عملنا ما علينا ولكن لا نشارك ولا نقدم على عمل لا ينسجم مع إيماننا وقناعاتنا ،من هنا طالما ان هذا الخط هو الخط المعتمد فلا إشكال في ضرب أي أساس من الأسس العقائدية ، لأننا في الواقع لا نتبنى النظام اللبناني على علاّته بالكامل وندافع عنه بالمطلق ، إنما نحن نتبنى العمل ضمن هذا النظام ضمن لا ينسجم مع القناعات التي نحملها فنحجم تارة ونقبل أخرى بحسب القدرة على إنجاز العمل الإيجابي والبناء وهذا يعني في النهاية بقائنا تحت سقف ولاية الفقيه والمسائل الشرعية ولا تعارض في هذا الأمر طالما أننا لن نقدم على أي عمل فيه حرام، أذكر مثلا نحن نؤمن بأن القمار محرم ولا يجوز اللعب فيه ومع أننا موجودون داخل المجلس النيابي أحيانا تأتي تشريعات لتتحدث عن كازينو لبنان وتتحدث عن شروط المقامرة أو ما شابه نحن نقف بوجه هذا القانون ولا نؤيده ولا نساهم فيه ولا نشجعه لكن لا نستطيع ان نغيره هذا أمر آخر ،الا أننا لا نشارك في إخراجه بصيغته المرتبطة في دعهم القمار .‏

الشق الآخر في الأسئلة يتعلق بالجهاد‏

1-ما هي أشكال الجهاد ؟‏

عندما نتحدث عن الجهاد إنما نتحدث عن مضمون واسع جداً ، فالجهاد كما ورد في التعريفات اللغوية بذل الجهد واستفراغ الوسع في مواجهة العدو ، ويطلق ايظا على المدافعة ليتوسع ليشمل الشيطان ،أي ان الإنسان يجاهد نفسه في مواجهة الحرام ويواجه العدو لذي يتصدى له ليدفع عنه العدوان ويواجه المغريات التي تأتيه بمحرمات خارجية حتى لا يقع فيها ويخالف الوضع الشرعي ، فالجهاد في الواقع هو عنوان واسع جدا ولذا ذكر في الآية الكريمة التعبير القرآني :" وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم ما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل" فإذا الجهاد هو أمر واسع يشمل تطبيق أحكام الشريعة هذا يتطلب أن نجاهد النفس من انحرافاتها ونجاهد العدو في عدوانه وظلمه ونجاهد تجاه الشهوات ،يعني أن نواجه كل ما يمكن أن يبعدنا عن الشرع المقدس سواء كان بالطريقة النفسية أو الطريقة العملية ،بالطريقة المادية أو العسكرية كل هذا اسمه جهاد ،حتى أن الله تعالى يقول في القرآن الكريم :" يا أيها الإنسان انك كادح الى ربك كدحاً فملاقيه :"يعني ان طبيعة الحياة هي طبيعة معاناة ومواجه يعني كل شيء يتطلب منا التعب ، وهذا الجهد عندما يكون في اتجاه الهدف السليم يسمى جهاداً ،أما أشكال الجهاد ، نحن نعتبر ان التقسيم الإجمالي للجهاد المعتمد ،هو التقسيم التالي : جهاد أصغر وجهاد أكبر .‏

- الجهاد الأكبر هو جهاد النفس ،أي المجاهدة التي تحصل داخل عقل ونفس الإنسان ليمتنع عن أي محرم وعن أي أبعاد عن خط الطاعة لله تعالى .‏

- أما الجهاد الأصغر فهو القتال ضد الأعداء بطريقة عسكرية مباشرة مما يدل ان الجهاد الأكبر هو واسع جداً في نواحي حياة الإنسان كافة الشخصية والعامة ،واما الجهاد الأصغر فهو قتال العدو المباشر ، وقد ورد عندنا في الروايات أن سرية من سرايا المسلمين كانت تقاتل وعادت فاستقبلها رسول الله (ص) ووقف خطيباً بهم قال :مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر " قالوا وما الجهاد الأكبر يا رسول الله (ص) قال (ص) : جهاد النفس ،أي ان قتالهم كان جهاداً أصغر لأنه عمل محدود وصحيح ان فيه تزكيه للنفس ولكن لولا الجهاد الأكبر الذي هو جهاد النفس وحسن اختيار طريق الشريعة المقدسة بعد معاناة ومعاندة ومواجهة للمغريات ومواجهة للانحراف لما وصل الإنسان الى درجة يقدم نفسه ويقاتل ولذا اعتبر القتال جهادا أصغر لانه نتيجة لهذه المعاناة النفسية وهذا القرار الاستراتيجي في اختيار الشريعة المقدسة‏

2- ما هي الوسائل المتبعة لاقامة الحكم الإسلامي ؟ إذا لم تكن الظروف مؤاتيه لإقامة حكم في لبنان ما السبل والوسائل لتعزيز أقامته؟‏

الحكم الإسلامي يقوم بالقناعة به ،إذا توفر مجموعة كبيرة من الناس تؤمن بالحكم الإسلامي وكان هناك قيادات تؤمن بالحكم الإسلامي فعادة الأكثرية هي التي تجذب الأمور باتجاه إقامة الحكم الإسلامي بوسائل الإقناع وبوسائل الاختيار لأنه قد ورد في القرآن الكريم " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي " إذا لا يمكن إقامة الحكم الإسلامي بالقوة وإنما يفترض أن يقوم بناء على الاختيار ، هذا شأن يشمل لبنان وغير لبنان ، نحن نعمل الآن في لبنان ولكن إذا لم يختر اللبنانيون الحكم الإسلامي، لا يكون هناك حكم إسلامي ،ولكن هذا لا يعني ان نكون مقتنعين بغير الحكم الإسلامي أن نعمل جهدنا فنقنع الناس سنقدم التجربة سنقدم النصيحة ونقول لهم ما في الحكم الإسلامي من خيرات وإيجابيات إذا اقتنعوا معنا طبق الحكم الإسلامي وان لم يقتنعوا نكون معذورين في عدم تطبيقه ونحاول في أدائنا وممارستنا ان نقترب من الأحكام الشرعية فلا نخالفها ،لذا السبيل المعتمد من قبلنا هو الإقناع والإقناع فقط، أما ما جرى في التاريخ من محاولات فرض لإقامة الإسلام عند بعض الشعوب وبعض الأماكن فهذه قضايا تاريخية نحن لا نؤمن بها ولا نعتقد بسلامتها وبالتالي هذا له علاقة بالرؤية والمنهج .‏

3- ما الفرق بين الجهاد الابتدائي والجهاد الدفاعي ؟‏

- الجهاد الدفاعي هو جهاد عن النفس والبلد والأمة عندما تتعرض لخطر خارجي واحتلال فلا بد ان تقاتل هؤلاء المحتلين لتطردهم من أرضك وبالتالي تكون بذلك قد قمت بالجهاد الدفاعي فمثلاً مواجهة إسرائيل في رأينا وتصورنا هو جهاد دفاعي لأننا ندافع عن بلدنا وأمتنا وكرامتنا وهذا حق مشروع ويستطيع الفقيه أي فقيه متصدي وخاصة الولي الفقيه ان يعطي إذنا بالجهاد الدفاعي .‏

-أما الجهاد الابتدائي فالمقصود به غزو بلد آخر ،يعني لو افترضنا ان بلداً ما لا يؤمن بالإسلام واعتبر البلد الآخر المؤمن بالإسلام ان المطلوب نشر الإسلام في هذا البلد الآخر،فهنا إذا كان يوجد قرار بالغزو الابتدائي او بالهجوم الابتدائي فهذا يسمى الجهاد الابتدائي، بحسب آراء أغلب فقهائنا ،يعتبرون ان الولي الفقيه وان الفقهاء الآخرين لا يحق لهم أن يقرروا الجهاد الابتدائي ، الوحيد الذي يستطيع أن يقرر الجهاد الابتدائي هو النبي أو الأمام المعصوم وطبعاً معروف أن عندنا إمام معصوم ما زال موجوداً هو الإمام المهدي الذي سيظهر في آخر الزما ن (عج) ، لكن لا يستطيع الفقهاء الآخرون أن يقرروا الجهاد الابتدائي وهو بداية غزو بلد آخر دون أن يكون هناك طابع دفاعي ورد للظلم ومواجهة للاحتلال .‏

4- أين يبدأ الجهاد الأصغر والجهاد الأكبر وأين ينتهي كل منها ؟ وهل الجهاد الأصغر والجهاد الأكبر حلقة مترابطة ؟‏

طبعاً أنا ذكرت أنها تعتبر حلقة مترابطة لان الجهاد الأكبر هو التعبئة النفسية لمواجهة كل أشكال الانحراف والتأسيس على البناء على قاعدة الإسلام والالتزام ومن ثمرات الجهاد الأكبر أن يصبح الإنسان مقتنعاً ببذل نفسه وماله قربة إلى الله تعالى وفي مواجهة الأعداء فيأتي الجهاد الأصغر كنتيجة لهذا الإيمان وهذا الالتزام فلولا الجهاد الأكبر لما كان هناك جهاد أصغر .‏

5 - هل يصح أن الجهاد الأصغر هو الجهاد بالسيف أو باليد ضد عدو مرئي ؟ هل الجهاد الأكبر هو جهاد كلمة وقلب أم هو جهاد نفس فقط ؟‏

ذكرت أن الجهاد الأكبر هو جهاد النفس ، وجهاد النفس طبعاً سينعكس إجراءات عملية بأن يبتعد الإنسان عن المحرم بأن يدفع عنه المحرم وعادة نطلق الجهاد الأصغر فقط على المواجهة العسكرية ،كل أنواع المواجهة الأخرى لا تسمى جهاداً أصغر إنما هي جزء من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لان مثلا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقول رسول الله (ص) من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان ، ولو افترضنا ان هناك محرماً يرتكب أو واحداً يظلم واحداً آخر وأنا جئت لدفع هذا الشخص حتى لا يعتدي على الشخص الآخر،إذا أنا أمنع قيام هذا الشخص بالمنكر هذا لا يسمى الجهاد الأصغر ،إنما هذا جزء من الإيمان الذي نلتزم به فيدخل في تصنيف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .‏

6- هل نستطيع القول بأن حزب الله بين سنة 82 و 91 اعتمد الجهاد الأصغر والجهاد باليد وبين 92 و 2000 اعتمد إضافة الى الجهاد باليد جهاد الكلمة من خلال العمل السياسي والبرلماني ؟‏

أنا لا أعتقد ان هذا التقسيم تقسيم دقيق والسبب في ذلك ان حزب الله منذ سنة 82 اعتمد على الجهاد الأصغر في مواجهة العدو المحتل واستمر هذا الأمر الى الآن وهو ما زال مستمراً ، اذا لا زال حزب الله في جهاده الأصغر يقوم بواجبه لطرد المحتل ،اذا فان الجهاد الأصغر لم يتوقف ، نعم الحياة السياسية في لبنان لم تكن موجودة قبل سنة 90 لان المنطقة الشرقية كانت منفصلة عن الغربية وكان هناك عون وكان يوجد حكومتان تقريباً في البلد وكادت تكون الحياة السياسية معدومة في لبنان ، عندما حصل اتفاق الطائف بدأت الحياة السياسية تأخذ منحى آخر في هذه المرحلة حزب الله دخل في هذه الحياة السياسية وشارك في الانتخابات النيابية وكان له دور ، فعندما لم يبرز دور سياسي واضح لحزب الله من سنة 82 الى 90 فالسبب الأساس يرتبط بأمرين :‏

الأمر الأول ان حزب الله كان لا زال في طور التكوين ، والاهتمام الجهادي ضد إسرائيل كان مسلط عليه الأنظار بشكل مباشر ويحتاج الى اهتمامات استثنائية .‏

والأمر الثاني ان البلد لم تكن في حياة سياسية في الأصل فكيف يعمل شخص في جو لا يستقبل هذا النوع من الحياة السياسية ، ولكن من سنة 90 تطورت قدراتنا من ناحية والظروف الموضوعية أصبحت قابلة للتعاطي السياسي عموماً فعملنا بشكل عام وبدأنا نعبر بالكلمة بالموقف السياسي بالعلاقات سّمها ما شئت ، لأن كل سعي يقوم به المسلم الملتزم هو جهاد يعني ضمن الجهاد العام .‏

7 - كيف ترون استمرار جهاد المقاومة بعد تحرير الجنوب ؟‏

نحن في الواقع لم نتكلم حتى الآن عن ما بعد تحرير الجنوب ، اعتبرنا ان المطلوب كمرحلة أولى ان ننتهي من تحرير مزارع شبعا والإفراج عن المعتقلين والأسرى وعندما يحصل تحرير كامل للجنوب اللبناني والأسرى والمعتقلين عندها سنقول كيف نتصرف فيما يتعلق بواجبنا اتجاه قضية فلسطين واتجاه الأمور المرتبطة في منطقتنا ،يعني المطلوب أن نقرر لاحقاً الأداء العملي كيف سيكون ، نعم في الإطار النظري نحن نؤمن بوجوب تحرير فلسطين إلا ان الإطار العملي مسألة مختلفة لها تفاصيل أخرى قررنا ان لا نتحدث عن الإطار العملي لما بعد الجنوب لما بعد التحرير الكامل حتى لا نحرق المراحل وحتى لا نتحدث عن أمر قبل أوانه ،سنتحدث في الوقت المناسب إنشاء الله تعالى ، ولكن في هذه المرحلة التي نحن فيها ضد إسرائيل الجهاد الأصغر موجود والجهاد الأكبر موجود لأن مزارع شبعا لا زالت محتلة ،إذا يوجد جهاد أصغر، وان أصل أيماننا يدفعنا الى ان يكون في كل حياتنا جهاد أكبر .‏

8 - هل تستطيع القول بأن تجربة حزب الله الرائدة في الجهاد والمقاومة ستكون المشروع الأكبر لحزب الله يحمل على المستوى القومي والإسلامي وبالتالي الجهاد لتحرير القدس بدأ من اللحظة الأولى الاحتفال لتحرير الجنوب ؟‏

كما ذكرت نحن لم نحدد كيف سنتعاطى مع موضوع تحرير القدس لكن كإيمان نظري نحن نؤمن بأن تحرير القدس لا يمكن ان يتم إلا بالمنهجية نفسها التي تم فيها تحرير القسم الأكبر من الجنوب وكذلك البقاع الغربي ، والتجارب تدل على ذلك والآن الفلسطينيون وصلوا الى مأزق حقيقي بعد أوسلو بسبب العناد الإسرائيلي‏

ووصلوا الى إقامة انتفاضة الأقصى وعمليات عسكرية تقوم بين الحين والآخر وقد تتطور مسألة المقاومة عندهم الى درجة كبرى ، أنا لا أنكر انهم استفادوا مما أعطاه حزب الله من الهام بسبب أدائه في الجنوب والبقاع الغربي واضطرار إسرائيل للخروج مندحرة والانتصار الكبير الى حصل بسبب المقاومة واستعادة الأرض الذي كان ثمرة طبيعية لهذا الأداء وهذا سيشكل معلماً مهماً ، لكن كيف سيتصرف حزب الله في هذا الموضوع كما ذكرت هذا أمر لن نتحدث عنه قبل انتهاء التحرير الكامل للجنوب ،إذ نعتبر أنها مرحلة مقبلة‏

ولسنا مستعجلين لإعطاء موقف ميداني رسمي في هذا الأمر .‏