مقابلة مع الأستاذ نصير الأسعد:24/8/2002
الملخص: تؤكد مصادر دبلوماسية عربية في واشنطن أنه على الرغم من طبول الحرب التي تقرعها الولايات المتحدة ضد العراق، فإن ثمة مجموعة من المعوقات الأساسية التي لا تزال موجودة وتحول دون الإقدام الأمريكي عليها بـ"سرعة".
في طليعة المعوقات أنه بالرغم من تفوق ما تسميه المصادر "جناح الصقور" في الإدارة الذي يدعو إلى حسم الخيار الحربي بأسرع وقت، فإن الصراع داخل الإدارة لا يزال قائماً، ذلك أن ثمة "حمائم" فيها وفي الجيش أيضاً، وإذا كان "جناح الصقور" استعجالاً للحسم يسوق لفكرة أن الحرب على العراق لن تكون طويلة لأن نظام الرئيس صدام حسين غير متماسك وسيسقط بأسرع مما يمكن تصوره، وأن الجيش العراقي والوحدات القتالية الموازية سينقلون عليه بفعل أن ولاءهم له مهتز، فإن جناح الصقور يرد بأنه يمكن ألا يكون صدام حسين شعبياً لكن لا يجوز الاستهانة بقوة الجيش، كما لا يجوز الاستخفاف بأن النظام إذا وجد نفسه محشوراً فقد يستخدم أسلحة كيماوية أو بيولوجية، فأي مصلحة إذاً في الحرب إذا كانت ستدخل الولايات المتحدة في مستنقع فتكون نتجت جبهة أخرى في وقت لم تنته حرب أفغانستان بل لعلها لا تزال في بداياتها.
معوقات
وإلى الجدل داخل الإدارة تضيف المصادر أن واشنطن سمعت من الدول العربية الأساسية، من سوريا ومصر والمملكة العربية السعودية والأردن وغيرها موقفاً سلبياً من الحرب التي تُسمى اصطلاحاً "ضربة" وأبدت وزارة الخارجية الأمريكية تفهماً لذلك لا بل استخدمته في الصراع مع "الصقور" للقول إن الحرب تشكل تهديداً لعدد من الأنظمة العربية.
وتقول أن أوروبا كلها معترضة، فصحيح أن رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير يبدي تعاطفاً مع الموقف الأمريكي لكن الاعتراضات في بريطانيا شاملة بما في ذلك حزب العمال الحاكم. وتوضح أن للدول الأوروبية جميعاً مصالح اقتصادية في العراق، وروسيا مثلاً دائنة للنظام العراقي وليست مستعدة للتفريط بهذه الديون.
وتشير إلى أن تركيا الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة، تبدي نوعاً من المقاومة للحرب على العراق، حتى لو كانت في النهاية، أي عندما تتخذ واشنطن القرار ستسير فيه، ولا مصلحة لها في دولة أو شبه دولة كردية على حدودها.
وإذ تعرب المصادر الدبلوماسية العربية عن اعتقادها أن المعوقات ليست بسيطة، تشدد على أن ما تطرحه لا يعني حكماً أن المعوقات المذكورة ستؤدي إلى إلغاء خيار الحرب أمريكياً، لكنها تتابع عرض مجموعة من الاعتبارات المتناقضة.
فمن العوامل التي تعطي الصقور دعماً، أن اللوبي الإسرائيلي في أمريكا يؤيد الضربة أو الحرب الأمريكية ضد العراق لاعتبارات تتعلق بالمكانة التي يمكن للعراق أن يعيد ترميمها من ناحية، لكن الاعتبارات تتعلق باستغلال إسرائيل للحرب على العراق في المسألة الفلسطينية. وفي هذا المجال يلعب صقور الإدارة على نقطة رئيسية مفادها أن الرئيس الأمريكي جورج بوش كسب الانتخابات الرئاسية الأخيرة بأقلية محدودة وهو لم يكسب أصوات اليهود، وأن بوش بحاجة في انتخابات الكونغرس القريبة إلى مساعدة اليهود، وبما أن معظم المساندين له داخل الحزب الجمهوري من المسيحيين الأصوليين المؤمنين بالتوراة التي يؤمن بها بوش نفسه بها، فإن استخدام الحرب ضد العراق لمصلحة إسرائيل أشبه بـ" الأمر الإلهي".
غير أن "الحمائم" يركزون في جملة ما يركزون عليه، على أن الموضوع الفلسطيني لا يزال مشتعلاً، وأن الأنظمة العربية لا تستطيع أن ترى في الوقت نفسه حرباً مفتوحة على الفلسطينيين وأخرى على العراق، ويمكن أن يهز هكذا وضع استقرار الأنظمة فيهتز الاستقرار الإقليمي ضد مصلحة الولايات المتحدة، أما الأمر الثاني الذي يركز عليه "الحمائم" فهو ينطلق من التساؤل: ما النفع من عمل عسكري إن لم يكن في العراق من يستطيع إكماله سياسياً؟ ثم هل هناك ما يضمن أن قوى المعارضة العراقية تستطيع أن تمسك نظام الحكم في بغداد؟.
حزب الله
وفيما لا تجزم المصادر الدبلوماسية العربية بحصول الحرب ولا تحدد البديل المحتمل منها، وتلفت إلى معوقات سواء أمام حسم خيار الحرب أو بعد حدوثها، تبرز قراءة مميزة لـ"حزب الله" في لبنان للمسألة العراقية وتداعياتها.
في هذا الإطار يقول نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم أن الإدارة الأمريكية برئاسة بوش تضع في حساباتها منذ أن تسلمت مقاليد البيت الأبيض ضرب العراق كأولوية، ويلفت إلى تقرير صاغه أحد كبار مستشاري الإدارة ريتشارد هاس تحدث عن ضرورة ضرب العراق وإهمال القضية الفلسطينية، لأن ضرب العراق يحمي قابلية تفكيك القوى في المنطقة وتقسيمها بما يسهل إمساك أمريكا بالمنطقة وتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية، بينما تعتبر القضية الفلسطينية من المقدسات التي تجمع العرب والمسلمين وتؤسس لتكتل في مواجهة السياسات الأمريكية.
ويضيف الشيخ قاسم أن هاس أورد في تقريره أن الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون ورئيس الوزراء السابق ايهود باراك ارتكبا خطأً عندما وضعا خطوات الحل النهائي على السكة، لأنه يتضمن مقدَّس القدس، وهو مقدس بالنسبة إلى الجانبين العربي والإسرائيلي، ولا يمكن حله بسهولة، وأنه كان ولا يزال من الأفضل أن تعالج القضية الفلسطينية كرزم مفككة وعلى المدى الطويل، وأن يتم الإنصراف إلى موضوع العراق.
"أصل" الأولوية العراقية
ويلفت الشيخ نعيم إلى أن أول خطوة أمريكية باتجاه تسليط الضوء على الموضوع العراقي، تمثلت بتوجيه الطائرات الأمريكية بعض الضربات إلى العراق في بداية ولاية بوش من دون إنذار مسبق، ومن دون مبرر سوى التأشير إلى الشروع في هذا المخطط الذي له علاقة بالسيطرة الأمريكية على المنطقة. ويشير إلى أنه مع أحداث الحادي عشر من ايلول الماضي، بدت ذريعة أفغانستان مقنعة أكثر لتحقيق هدف أمريكا في السيطرة على منابع الثروة في تلك المنطقة، واستطاعت الولايات المتحدة أن تجر العالم بأسره إلى مواقعها في مواجهة "الإرهاب" الذي أصبح صفة قابلة للالتصاق بأي جهة تقرر واشنطن أنها عدوة لمصالحها. ويقول أن أمريكا بعد الحادي عشر من أيلول لم تعد بحاجة إلى لإستحضار الأدلة الاتهامية إنما باتت تقرر التهمة والمستهدف لتفتش من ثم عن الذرائع التفصيلية للقيام بالخطوات الميدانية.
ويعرب نائب الأمين العام عن اعتقاده أن العراق في دائرة الاستهداف الأمريكي المسبق والمستجد في آنٍ. ويقول أنه يمكن قراءة سيناريوهات مختلفة للمنطقة في إطار ضرب العراق ولا يوجد سيناريو واحد نهائي، فكما يعتبر تقسيم العراق محتملاً كذلك يعتبره بقاؤه واحداً في حال تيسرت إدارة سياسية ملائمة من وجهة النظر الأمريكية، أمراً محتملاً أيضاً، ويرى أن الخيارات ليست محسومة بشكل نهائي عند الإدارة الأمريكية إنما يوجد إطار عام اسمه السيطرة (وفي إطارها تثبيت إسرائيل وتحقيق ضماناتها السياسية والأمنية). لذلك ففي رأي الشيخ نعيم قاسم أن الحديث عن ضرب العراق يجر إلى حديث عن التأثير على الخارطة السياسية للمنطقة وليس الجغرافية، أي خارطة بقاء بعض الأنظمة أو سقوطها وبروز بعض القوى وانحسار قوى أخرى وصياغة تحالفات جديدة تأخذ في الاعتبار مصالح إسرائيل من ناحية، وتشديد السيطرة الأمريكية على منابع النفط التي تعتبر من أهداف واشنطن من ناحية ثانية.
العقبات في وجه واشنطن
ويوضح المسؤول الكبير في حزب الله أنه لو كانت الظروف مؤاتية لما تأخرت الضربة كثيراً، ويعتبر أن العقبات التي تعيق الحرب الأمريكية كثيرة، فهناك أولاً عدم وضوح حجم الخسائر التي ستدفعها أمريكا، وهناك ثانياً عدم وضوح شكل النظام المستقبلي وكيفية التوفيق بين الأطراف العراقية بما يؤدي إلى إدارة لا تؤثر على سياساتها، وهناك ثالثاً الخوف الكبير من الكويت ودول المنطقة من نتائج عسكرية قد تزج الكويت في أثمان باهظة نتيجة إمكان استخدام الأسلحة العراقية، كما ذكرت بعض التقارير، وثمة رابعاً افتقار دول المنطقة إلى الأدلة حول أهداف الحرب الأمريكية، ووجود تعاطف شعبي عربي وإسلامي مع الشعب العراقي، هو تعاطف يصل في بعض حالاته إلى التعاطف مع النظام العراقي نفسه... وثمة خامساً نقاش أمريكي داخلي حول الجدوى من العدوان وأثمانه... وأخيراً هناك النتائج التي ستنعكس على القضية الفلسطينية والكيان الإسرائيلي في ظل الآفاق المسدودة أمام حلول سياسية تحيد القضية الفلسطينية عما يجري في العراق وتحول دون ان تأخذ بعداً يعيق الحرب على العراق بالتداخل الفلسطيني-العراقي.
يؤكد الشيخ نعيم أن الشروع في العدوان على العراق ليس سهلاً، وهذا ما يفسر برأيه المواعيد التي تأجلت مراراً لهذا العدوان من أيار إلى تموز إلى أيلول فإلى ما بين كانون الثاني والربيع المقلبين، الأمر الذي يشير إلى تعقيدات موضوعية وواقعية. ويضيف أن الولايات المتحدة إذا كانت تملك المبادرة في تحديد ساعة الصفر بعد تجاوز كل العقبات المشار إليها آنفاً، فإنها لا تعرف التداعيات والخسائر، إذ يكفي تنامي الشعور المعادي للولايات المتحدة والذي يزداد بسبب السياسة الأمريكية بعد الحادي عشر من أيلول وبسبب الطريقة الفرعونية التي يتعاطى بوش بها، ليكون هذا العداء النظري قبل المباشرة بالعدوان مؤشراً إلى ما يمكن أن تكون عليه الأمور بعد ذلك، وإلى ذلك يضاف من وجهة نظر قاسم أن النظام العراقي في حالة اليأس من احتمال بقائه سيتصرف بطريقة خارجة عن المألوف، وهذا يدخل في أسباب معوقات عند أمريكا ويفسر الرعب الحاصل عند بعض الدول العربية المحيطة.
احتمالات سلبية ... وإيجابية
ويقول أن الضربة للعراق قرار سياسي يتجه نحو التنفيذ، لكن في السياسة يمكن أن تحصل تطورات ولو بنسبة معينة يمكن أن تؤخر أو تعيق ولا أعلم إذا كانت توصل في مثل حالة العراق إلى إسقاط الفكرة".
بيدى أن القيادي المرموق يعتبر على افتراض أن القرار الأمريكي حسم، أن ضرب العراق سيحدث انقلاباً سياسياً على مستوى المنطقة وستتغير موازين اللاعبين، وستكون المنطقة أمام تطورات كبرى بعضها إيجابي وبعضها سلبي، ويعرب عن اعتقاده أن أحداً لا يملك صورة حقيقية ونهائية عما يمكن أن تكون عليه الأمور، لكن ثمة برأي الشيخ نعيم احتمالات منها أن تسقط أمريكا في الوحل العراقي فتعاني من نتائج حركتها.. ومنها أن تستغل إسرائيل فرصة ما يجري في العراق لمزيد من الضغط والعدوان على الفلسطينيين. ويشير إلى أنه على افتراض أن أمور العراق انجزت كما تريد أمريكا وهو أمر صعب، فإن استهداف إيران وسوريا ولبنان والمقاومة في لبنان وفلسطين، فضلاً عن صيغة الأنظمة في السعودية والكويت وغيرها، سيكون مطروحاً أمريكياً، لكن كيف ستسلك التطورات عندئذٍ، فذلك هو السؤال الذي يجيب عنه الشيخ نعيم قاسم بالقول إن" هذه القوى والمواقع تمتلك خياراتها للصراخ".
وفي ما يعزز بعض الآفاق المفتوحة، يختم نائب الأمين العام لحزب الله بالتأشير إلى ان العراق ليس أفغانستان، فالخصوصية الجغرافية مختلفة، والتداخل العربي الإسلامي مختلف، والقوة العسكرية العراقية مختلفة... ومشاعر المحيط بالإرتباط مع القضية الفلسطينية غير موجود في أفغانستان... مما لا يجعل تجربة ما حصل في أفغانستان قابلة للنقل بحذافيرها بل ربما يؤدي نقلها إلى نتائج عكسية.
بين الشيخ نعيم قاسم والمصادر الدبلوماسية العربية عدة تقاطعات في المعطيات والتحليل، بيد أن الشيخ لا يكتفي بالتحليل بل يوجه الأنظار نحو "مهام" مقبلة في مرحلة لا يُخفي أنه لا يفترض لها وجهة وحيدة محتمة هي الإطباق الأمريكي (والإسرائيلي)، لا بل هو يسلط الأضواء مسبقاً على "تناقضات" في المشروع المعادي، ويدعو إلى عدم الاستهانة بها... وهي تناقضات قد لا يكون مآلها واضحاً سلفاً لصالح إرادة الشيخ في أن تكون لمصلحتـ"نا" لكنها جديرة بالاهتمام بطبيعة الحال.