السؤال الأول: بداية سماحة الشيخ، قيل أن حرب تموز كانت بهدف استرداد الأسيرين..لماذا اختار حزب الله هذا التوقيت للقيام بهذه العملية علماً أن الأسيرين أمضيا وقتاً طويلاً في الأسر؟ ما الأسباب التي دفعت حزب الله لاتخاذ القرار بهذه العملية؟
من المعلوم أنه كان عند الإسرائيليين مجموعة من الأخوة المجاهدين المحتجزين والمأسورين لأسباب عدة، من الأخوة اللبنانيين من مختلف الفصائل التي عملت في لبنان في مواجهة المشروع الإسرائيلي، وكان حزب الله يطالب دائماً بالإفراج عن الأسرى ولم يكن الإسرائيلي يستجيب في بعض المحطات التي كان فيها تبادل مع جثث أو أسرى من الإسرائيليين بيد حزب الله، إلى أن كانت عملية التبادل الأخيرة، حيث بقي عميد الأسرى سمير القنطار محتجزاً عند الإسرائيليين ولم يقبلوا إطلاقه، ولكن كان هناك وعد ضمني غير مباشر أنه بعد مرور فترة زمنية على إطلاق سراح الأسرى وعلى رأسهم شيخ الأسرى الشيخ عبد الكريم عبيد والحاج أبو علي الديراني، يمكن أن يُطلق سراح الأخ المجاهد سمير القنطار في مرحلة لاحقة، طالت هذه المرحلة ولم يطلق الإسرائيليون سراحه، فوجد حزب الله أنه لا حل إلاَّ بأسر جنود إسرائيليين من أجل أن يفاوض عليهم، والأمر الأساس عند حزب الله هو أن يعلم الإسرائيلي أن الحزب لا يقبل بأن يكون لدى الإسرائيلي أسرى من لبنان أو من حزب الله، وكذلك هو يسعى دائماً للإفراج عنهم، فهذا موقف مبدئي تعزز من خلال أسر الجنديين الإسرائيليين.
السؤال الثاني: اعتبر فريق 14 آذار وبعض الأنظمة العربية أن ما قام به حزب الله مغامرة سيدفع ثمنها، وأن حزب الله دفع بلبنان إلى الهاوية...ما كان أثر هذا الموقف وغيرها على حزب الله ومن اشتداد الحرب؟ ألم يخش حزب الله من انقلاب القاعدة الشعبية عليه أقلها تلك المناصرة لهذه القوى؟
للأسف الأنظمة العربية في واد آخر، فهي في حالة تصالحية مع إسرائيل بشكل عام، بعض هذه الأنظمة لديها سفارات عند الكيان الإسرائيلي وبالعكس، وبعضها لديه علاقات معينة، وهناك أيضاً من يتقابل سراً عبر الأمريكيين أو غيرهم مع الإسرائيليين، إذاً أغلب الأنظمة العربية هي في حالة تصالح مع إسرائيل بشكل عملي، ولا يريدون تحرير فلسطين، ولا إعادة الحقوق الفلسطينية. أما فريق 14 آذار فهو محسوب على هذا الخط الذي يؤمن بالحالة التصالحية مع إسرائيل، حتى لو كانت محتلة للأراضي، ولو كان لديها أسرى، ولو كانت في حالة عدوان دائم على لبنان، من هنا، هناك اختلاف في المنهج، على هذا الأساس عندما انطلق حزب الله في عمليته اعتبروا أنه يقوم بعمل في الاتجاه المقاوم وهم لا يؤمنون بالعمل المقاوم بالأصل بل يؤمنون بالحالة السلمية مع إسرائيل ولو كانت محتلة ولو كانت تأسر، لذلك أطلقوا هذه العبارات بأن حزب الله مغامر كجزء من الضغط السياسي من أجل أن يتراجع حزب الله عن موقفه وأن يعيد الأسيرين بلا قيدٍ أو شرط، ولكن هذه الخطوات فشلت من قبلهم.
نحن وطنَّا أنفسنا على أن نتخذ مواقفنا مراهنين بشكل أساسي على صحة موقفنا من ناحية وعلى وجود قاعدة شعبية تؤيدنا، ونعلم تماماً أنه لن يكون التأييد كاملاً من كل الناس في لبنان ولا في المنطقة ولا في العالم، ولكن الرصيد الذي نمتلكه من القاعدة الشعبية التي تؤيدنا هو رصيد مهم ومؤثر، ولم نكن نخشى من هذه القاعدة الشعبية. أما القواعد الشعبية الأخرى التي لها انتماءات سياسية فهي قد رهنت مواقفها بمواقف هؤلاء الذين يمثلون خطاً آخر، وهذا مفهوم لدينا منذ اللحظة الأولى ومأخوذٌ بعين الاعتبار.
السؤال الثالث: لقد شكل صمود المقاومة بوجه أقوى عدوان صهيوني معجزة في تاريخ الحركات المقاومة...ما هي برأيكم الأسباب التي ساهمت في صمود المقاومة وسط الدمار والمجازر؟ وكيف انعكس صمود الشعب المقاوم على أداء المجاهدين؟
في الواقع أستطيع القول أن المقاومة الإسلامية كنموذج استثنائي في القرن العشرين بنت قاعدتها وتربية مجاهديها على عامل الإيمان بالله تعالى، وعلى الثبات والجهاد في سبيل الله، وعلى رؤية الحق الذي يعتبر مقياساً دون مناورة في السياسية، وهذا ما جعل قوة الشباب المجاهد في حزب الله قوة استثنائية تذكرنا بالآية الكريمة "إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ" بإذن الله، لأن قوة الشخص مع الإيمان تتضاعف أضعافاً كثيرة، وهذا ما لمسناه في مواجهة الجبن الإسرائيلي، إضافة إلى ذلك هناك بيئة مقاومة تشكلت تربوياً خلال السنوات الطويلة بعد بروز حزب الله في سنة 1982، وهذه القاعدة الشعبية متفاعلة بشكل كامل لأنها مؤمنة إسلامياً ووطنياً، وتعتبر انها جزء لا يتجزأ من المعركة، ولذا هناك تبادل في التفاعل من ناحية يقدم المجاهدون فترتفع معنويات الناس، ويؤيد الناس المجاهدين فيندفع المجاهدون أكثر، أي أن المعنويات متبادلة ولكن أساسها هذه الروحية الجهادية العالية عند الشباب المجاهد والطاهر.
السؤال الرابع: كيف انعكست حرب تموز على الخارطة السياسية والإقليمية والدولية؟ وكيف استطاعت هذه الحرب أن تُسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد؟
حرب تموز كشفت القدرة الإسرائيلية بأنها قدرة قوية عندما لا يواجهها أحد، وعندما لا يقف بوجهها المجاهدون، ولكن عندما نعد العدة بحسب قدرتنا على قاعدة قوله تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ "، فإنَّ بإمكاننا أن نحقق إنجازاً كبيراً على هذا الوهم الذي اسمه "الجيش الذي لا يقهر"، والذي أخافونا منه كثيراً في العقود السابقة. لقد أثبت التحرير سنة 2000م أن إنجاز المقاومة إنجاز تاريخي استثنائي حيث خرجت إسرائيل بلا قيدٍ ولا شرط بعد احتلال دام 52 سنة منذ سنة 1948 إلى سنة 2000، وهذا ما عزَّز قناعتنا أن القدرة التي تمتلكها المقاومة تستطيع أن تواجه التحديات مهما كانت، ولذا استعدت المقاومة بعد سنة 2000 وعندما حصلت حرب 2006 كانت المقاومة بالمرصاد، والحمد لله أثبتت بصمودها أنها قادرة على أن تهزم المشروع الإسرائيلي، وهذا ما حصل في عدوان تموز. وبالفعل نستطيع أن نقول أن مشروع الشرق الأوسط الجديد تحطم على أبواب لبنان في سنة 2006 على الأقل هذا ما قالته "رايس" وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك في اليوم التاسع عندما سألها بعض الصحافيين عن سبب عدمك التدخل الأمريكي لإيقاف الحرب رغم كثرة الآلام، فقالت: هذا أمر طبيعي، هذه آلام مخاض ولادة شرق أوسط جديد. إذاً هي عبرت عن الهدف الذي أمرت أمريكا من خلاله إسرائيل أن تهجم على لبنان في بداية صياغة مشروع جديد للمنطقة، بالتأكيد هذا المشروع تكسر عند أبواب لبنان.
السؤال الخامس: انقسمت التقييمات حول نتيجة حرب تموز بين فريق اعتبر أن حزب الله قد انهزم وآخر أقر بالانتصار... ما هي المعايير التي تستندون إليها في إعلانكم الانتصار؟ وكيف حمى حزب الله هذا الانتصار في العالم العربي عامة وفي الداخل اللبناني خاصة؟
إذا أردنا أن نعرف الانكسار من الانتصار، علينا أن نلحظ المؤشرات الميدانية والنتائج العملية، وأبلغ النتائج وأهمها نأخذها من اعترافات العدو الإسرائيلي، الذي أقر بما لا يقبل الشك بأنه انهزم أمام حزب الله، وكانت لدى إسرائيل لجنة تحقيق قد عبرت عن هزيمة إسرائيل، وبدأت تبحث عن أسباب هذه الهزيمة. أما من جهتنا فنحن نعتبر أن عدم تحقق أهداف إسرائيل في سحق حزب الله، وفي السيطرة مجدداً على قسم من لبنان، وفي تحقيق بعض الأهداف الإسرائيلية، هذا بحد ذاته يعد انتصاراً، نحن حطمنا كحزب الله المشروع الإسرائيلي الذي كان يريده الأمريكي والإسرائيلي من خلال حرب تموز، كان يريد سحق المقاومة، المقاومة بقيت، وكان يريد تعديل ميزان القوى، ميزان القوى تصاعد عند المقاومة، وكان يريد فرض شروط لأمن إسرائيل، وإذا بالنتيجة تتحقق من خلال القرار 1701 من دون تحقيق الأهداف الإسرائيلية. واليوم قوة حزب الله تعاظمت كثيراً، إذاً هناك هزيمة إسرائيلية وانتصار للمقاومة.
السؤال السادس: قرأنا بعض التحليلات الصحفية التي تعتبر أن ما يحدث الآن في سوريا ودخول حزب الله في هذه الأزمة هو نتيجة لإنتصاره في حرب تموز، إلى أي مدى يرتبط انتصار حزب الله في حرب تموز بالحرب الأممية الدائرة على الأرض السورية؟
يوجد مسار اسمه المسار المقاوم الذي انتهجه حزب الله، والذي يهدف إلى تحرير الأرض وحماية الوجود، وهذا بالتحديد ما قام به حزب الله في تحرير سنة 2000 وفي صد عدوان تموز، والآن بعد أن تطورت الأوضاع في سوريا ووصلت إلى حد بدأت تشكل فيه تهديداً مباشراً للمقاومة، ارتأت المقاومة أن تقوم بمساهمتها في صد هذا العدوان على المشروع المقاوم. نحن نعتبر أن ما يحصل في سوريا هو محاولة ضرب سوريا المقاومة، ليحل محلها سوريا الداعمة لإسرائيل والمواجهة لكل المشروع المقاومة في المنطقة، وبالتالي نحن إنما قمنا بهذا العمل كجزء لا يتجزأ من مشروع تحصين المقاومة، ولمنع تحقيق الأهداف الإسرائيلية من ورائها، وهذا يعتبر محطة من محطات المواجهة، نعم يمكن القول أنه نتيجة حرب تموز التي منعت إسرائيل من أن تحقق هدفها من بوابة لبنان ارتأت أن تدخل بطريقة جديدة عبر الولايات المتحدة والدول العربية والغربية بحرب على سوريا، بحجة الإصلاح الداخلي ليضربوا حلقة من حلقات المقاومة، فقد يكون أحد نتائج حرب تموز أنها وجهت الأنظار إلى ضرورة ضرب سوريا كواحدة من محور المقاومة، ولكن الحمد لله النتائج إلى الآن جيدة، والمشروع الأمريكي الإسرائيلي يصاب بهزائم.
السؤال السابع: شهدنا في حرب تموز انقساماً في العالم العربي بين الأنظمة والشعوب العربية. ما هي قراءتكم لوقوف الشعب العربي إلى جانب المقاومة فيما كانت الأنظمة تعمل على إسقاطها؟ وهل ما يسمى بالربيع العربي هو نتيجة لهذا الانقسام والفجوة؟
النظام العربي الرسمي هو نظام أقرب إلى التفاهم مع إسرائيل والقبول بها لا عن قناعة إنما كجزء من المحافظة على المناصب والكراسي والمراكز، لأن الإدارة السياسية في العالم العربي محكومة بالسلطة الأمريكية الغربية، وهذا ما يتطلب تنازلات كبيرة من الأنظمة لمصلحة بقاء وتثبيت المشروع الإسرائيلي، أما الشعوب فهي متحررة من هذا الأمر لأن ليس لها التزامات اتجاه أحد، وهي تتطلع إلى الحقائق، الشعوب تؤمن بتحرير الأرض، وتؤمن باستعادة فلسطين، وتؤمن برفض المشروع الإسرائيلي، وتؤمن بأن المنظومة الذي يجب أن تكون عليه المنطقة هي منظومة الاستقلال عن الوصاية الأجنبية وعن السيطرة الإسرائيلية.
أما ما حصل فيما أطلق عليه تسمية الربيع العربي فهذا له علاقة بالأزمة القائمة في كل المنطقة بين الشعوب والحكام، الغالبية العظمى من الحكام هم من المستبدين، وبالتالي هناك فساد وظلم وتعقيدات في داخل الأنظمة، والناس تطالب بحقوقها وأصبحت منفتحة على عوالم جديدة وتطورات معاصرة، لذا الناس تطالب وهذا ما أدَّى إلى سقوط الأنظمة في ثلاثة بلدان هي: تونس ومصر وليبيا، على قاعدة رفض الاستبداد الذي كان يمارسه الحكام.وبالتأكيد هناك فجوة موجودة بين الشعوب والحكام في منطقتنا.
السؤال الثامن: سماحة الشيخ، هل نحن أمام حرب شبيهة بحرب تموز في هذه المرحلة إذا فشلت المراهنات على سقوط النظام في سوريا؟
لا نستطيع أن نتكهن حول الأساليب التي يمكن أن تنتهجها إسرائيل فيما لو فشل مشروع إسقاط سوريا المقاومة، وفي كل الأحوال نحن دائماً نعمل في حزب الله لنكون على استعداد وجهوزية لأي تطورات يمكن أن تنشأ، وبالتالي إذا فكر الإسرائيلي في يوم من الأيام أن يعتدي على لبنان فالمقاومة بالمرصاد، بمعنى آخر نحن لا نبني أن موضوع عدوان إسرائيل على لبنان قد انتهى، بالعكس هناك احتمالات مستقبلية أن يحصل هذا العدوان، ولكن متى وكيف وهل يكون قريباً أو بعيداً، هذا رهن بكثير من التطورات والمعطيات، المهم أننا على جهوزية لأي تطور.
السؤال التاسع: بما تتوجهون عبر مجلة مرايا لبنان بمناسبة ذكرى حرب تموز؟
لا بدَّ من توجيه تحية للشعب المجاهد، والمقاومة المجاهدة، والجيش المجاهد، لأنَّ تكامل الجيش والشعب والمقاومة، كان له الأثر الكبير في تحقيق هذا الإنجاز في حرب تموز، واليوم هناك هجمة من طواغيت الأرض أكانوا عرباً أم أجانب ضد مشروع المقاومة لأن الكثير من مشاريع الفساد والظلم والسلطة ستسقط إذا أخذت الشعوب حقوقها، وإذا فشل المشروع الإسرائيلي في منطقتنا، علينا أن نصبر ونبقى متماسكين، ومهما كانت التحديات كبيرة، فإن الرد عليها هو بالأمل بالمستقبل بإذن الله تعالى، وطالما أن الله تعالى قد وفقنا لمجموعة من الانتصارات التي تحققت على قلة عددنا وعدتنا، وكثرة الضاغطين والمتآمرين علينا فإنَّ النصر سيكون دائماً إن شاء الله حليفنا مع التوكل على الله تعالى والصبر، قال تعالى: "وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ".