مقابلات

المقابلة التي أجراها معه موقع المنار الالكتروني حول مؤلفه "الإمام الخميني.. الأصالة والتجديد" في 9/5/2012

ثقافة التكليف للإمام الخميني قادتنا إلى الانتصارات

الشيخ قاسم لموقع المنار: ثقافة التكليف للإمام الخميني قادتنا إلى الانتصارات


يؤنسك في جلسته، ويشعرك أنك في حضرة الإمام الخميني الراحل (قده) وجداناً وإحساساً وفكرا وعقيدة، فكيفما تقلّب الحديث معه يشدك دوما إلى رحاب من المودة الأخوية الصادقة والعاطفة الإنسانية الراقية في تعامله معك وهو يحدثك "بعيدا عن التسجيل" عن بداية عمله في تشكيل حركة المقاومة وحزب الله في لبنان، حيث كان لـ"التكليف" الشرعي، المفهوم الذي أعاد الإمام الخميني أحياءه بين جنبات حياتنا اليومية، دورا كبيرا وفاعلا في ثبات مسيرة المقاومة والتضحيات حتى وصلت إلى تحقيق هذه الانتصارات الحقيقية والانتشار الكبير في العالم. إنه سماحة الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله، في مكتبه المتواضع توقفنا معه حول أهم الموضوعات التي طرحها في كتابه الجديد والذي حمل عنوان "الإمام الخميني (قده): الأصالة والتجديد".
كتاب "الإمام الخميني (قده): الأصالة والتجديد" يجمع بشمولية فكر الامام الراحل

موقع المنار: كتب العديد من الباحثين عن مسيرة الإمام الخميني (قده)، فما هو المستحدث الذي تضيفونه إلى هذا الكتاب؟.
الشيخ قاسم: منذ فترة وأنا أفكر بكيفية تقديم فكر الإمام الخميني (قده) بطريقة متكاملة ومترابطة وذلك من خلال تناول مواقف وآراء عدة صدرت عنه في مجالات مختلفة في الحياة السياسة والاجتماعية والثقافية في داخل إيران وخارجها. ولاحظت أن الكتب بشكل عام تنحو منحى تخصصيا في جانب واحد، مثلا هناك من كتب عن المرأة عند الإمام الخميني أو الجامعة والحوزة أو الفكر السياسي كذلك صدرت منشورات جمعت أقوال الإمام (قده) في جانب واحد من الجوانب. ورأيت كتبا حللّت شخصية الإمام وأفكاره ولكنها أسهبت في الحديث والتحليل بحيث أن كلمات الإمام لم تكن واضحة في داخل البحث وإنما اختلطت خطبه مع رأي الكاتب وكانت مجتزأة بطريقة مخلة وأعطت جانبا أحاديا أو ركزت على بعض الأفكار دون غيرها. أما في هذا الكتاب فقد اخترت مروحة واسعة من الموضوعات التي تعرض لها الإمام (قده) وصلت إلى 35 عنوانا. وتبحرت في قراءة كل ما نقل عن الإمام الخميني في كل عنوان من العناوين إلى درجة أني أطلعت على 300 او 400 وثيقة أو محاضرة أو كلمة او موقف حول هذا العنوان. واخترت من هذه الكلمات أبرز ما يمكن أن يؤشر إلى المسار الذي اختاره الإمام (رض) وما يمكن استنتاجه من خمسة مواقف أو عشرة لأشكل من هذه الرؤية في العنوان الواحد نمط تفكير في هذه القضية أو العنوان الذي تمّ التعرض له. من هنا رأيت أن فكرة الكتاب جديدة حيث تعرضت لخمس وثلاثين عنوان تقريبا وأخذت المسار الذي حدده الإمام في هذا الأمر أو في موضوعات متنوعة في السياسة والعقيدة والثقافة والناحية الاجتماعية والقضائية والنظرة إلى المرأة والشباب وغير ذلك. وما ساعدني في عملية البحث هذه هو ترجمة "صحيفة النور" التي تجمع جميع ما قاله الإمام منذ سنة 1963 حتى وفاته وبعد ذلك تمّ تنقيحها وتحولت إلى "صحيفة الإمام" وهذا ما أتاح لي الإطلاع على كل ما جمع حوله في 21 جزء تقريباً، إضافة إلى الكتب الأخرى المتناثرة التي كتبت عنه ما جعل البحث بحثاً موسعا يضم استنتاجات دقيقة إلى حد عال.
إيران بفضل "لا شرقية ولا غربية" الدولة الوحيدة التي تقف اليوم شامخة في خياراتها

موقع المنار: شعار "لا شرقية ولا غربية" رفعه الإمام الخميني وأثار استغراب العالم آنذاك. اليوم بعد تجربة الحكم الإسلامي في إيران، كيف تقوّم هذه التجربة وإلى أي مدى نجحوا في تطبيق مفهومها الذي نظمه الإمام؟.
الشيخ قاسم: شعار "لا شرقية ولا غربية" له جانبان، الأول فكري والثاني عملي. الجانب الفكري هو تعبير عن اختيار الإسلام في مقابل الشيوعية والماركسية، أي في مقابل الشرق والغرب، في المنظومتين اللتين كانتا مطروحتين في ذلك الوقت. فالإمام في طرحه هذا الشعار أراد القول إنه يحمل المنهج الإسلامي بعيدا عن المنهجين الماركسي والرأسمالي، وبالتالي شعب إيران يريد اختيار تطبيق الإسلام في حياته. وقد نجح الإمام نجاحا باهرا لأنه استطاع أن يحول الفكرة الإسلامية إلى دستور وإلى نظام حكم معاصر فاستفتى الشعب على هذا الخيار . الآن نحن في إيران أمام جمهورية إسلامية تحكم بالإسلام وتعود إليه، هذا من الناحية النظرية. أما من الناحية العملية فـ"لا شرقية ولا غربية" تعني عدم التبعية السياسية للشرق أو للغرب. وبالفعل إيران منذ نشأتها حتى الأن لم تتبع للاتحاد السوفياتي سابقا ولا لأميركا خلال هذه المرحلة كلها. بل أميركا فرضت عقوبات على إيران منذ بداية الثورة الإسلامية المباركة لأنها لم تستطع تطويعها. وفي وقت واحد هي أيضا ليست مع روسيا لاحقا كحالة تابعة وإنما من الواضح أن إيران اليوم تشكل خصوصية سياسية لها علاقاتها وامتداداتها في العالم ولكنها متميزة في خياراتها التي لا تخضع فيها للأحلاف الدولية، وبذلك تكون إيران قد طبقت عمليا مفهوم فكرة "لا شرقية ولا غربية" استفادة من الآية القرآنية "زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، نور على نور، يهدي الله لنوره من يشاء..". فاليوم نحن أمام الدولة الوحيدة في العالم الثالث التي تقف شامخة في خياراتها، ومتميزة، ولعل اكثر ما يميزها على المستوى العملي هي أنها الدولة الوحيدة في العالم التي تقول لا للاحتلال الإسرائيلي لشبر واحد من الأرض بينما نرى دول العالم تقريبا إما أنها تناقش في مساحة فلسطين ومساحة "إسرائيل" أو في كيفية التسوية مع الإقرار بوجود الكيان الصهيوني. وهذا الأمر مميز بالنسبة إيران الإسلام في التعبير عن هذه القضية.
"التيار الإصلاحي" انحسر بعدما تبيّن أن سعي الغرب كان حثيثا لإقلاق إيران

موقع المنار: نلاحظ في الإعلام الغربي أنهم يشيرون دائما إلى وجود تيارات مختلفة في إيران، بين من يدعو إلى تطبيع العلاقات مع الغرب الأميركي، ومن يريد الخروج من عباءة الإمام الخميني تحديدا من ولاية الفقيه، إلى أي مدى هناك تشكل مؤثر لهذه التيارات في إيران؟.
الشيخ قاسم: إيران سلكت منذ البداية طريق حرية الرأي والتعبير ولذلك منذ قيام الدولة الإسلامية المباركة، نشأت حركات وكان يوجد حركات أخرى بعضها مخالف لوجود الجمهورية الإسلامية بالأصل. ولقد سمح لهذه الحركات أن تعبر عن نفسها ولكن عندما استخدمت السلاح وبدأت تقوم بتفجيرات واغتيالات تصدى لها النظام . بعد ذلك نشأت تيارات لها قناعات مختلفة عن تركيبة النظام، إما رغبة بإجراء بعض التعديلات في النظام الإسلامي نفسه وإما رغبة بإجراء تغييرات جذرية. ولقد تبين أن من يطلق عليهم تسمية "الإصلاحيون" هم الذين اتخذوا مسارا في السنوات الأخيرة تدعو إلى تقليص صلاحيات الولي الفقيه وإجراء تعديلات جوهرية في بنية النظام الإسلامي وهم الذين دعوا أيضا إلى علاقات خاصة مع الغرب تتجاوز المواقف المبدئية والخصوصية التي نشأت عليها إيران.
ولكن في المقابل هناك جهات أخرى متمسكة بالنظام الإسلامي بما هو عليه الحال القائم، أي ليس مطروحا لديهم أي تعديل بصلاحيات الولي الفقيه أو في تركيب الدستور الإيراني وإن كانوا يعملون لتحسين الأداء على مستوى السلطة التنفيذية والبلديات وما شابه. وبما أن تيار الإصلاحيين هو تيار محدود في مقابل التيار الآخر المؤيد لدستور الجمهورية وقيادة القائد كما هما نجد أن الإصلاحيين انحسروا كثيرا بعد انتخابات الرئاسة العام 2009. إذ تبين أن سعي الغرب كان حثيثا لإقلاق إيران وإحداث فوضى داخلية وتغيير في تركيبة النظام وكان لهم دعم خارجي واسع جدا، ولكن الشارع الإيراني التفّ حول قيادة الإمام الخامنئي(حفظه الله ورعاه) ورفض المنهجية الغربية المطروحة. واليوم انتخابات مجلس الشورى التي جرت في العام الحالي تثبت الميول العامة للناس وكثافة الإقتراع التي وصلت إلى 65 بالمئة تدل على أن الناس ما زالوا متمسكين بهذا الدستور الإيراني بكل خصوصياته، وخاصة أن مسألة ولاية الفقيه في إيران ليست مسألة تعبدية معزولة عن الحياة، وإنما هي جزء من الدستور الإيراني الذي ذكر صلاحيات للولي الفقيه وواجبات عليه وآليات اختياره أو محاسبته أو عزله ما يعني ان المسألة ليست في دائرة الفكرة وإنما هي في دائرة الحياة اليومية المعاشة والتطبيق العملي. وطبيعي أن يكون هناك مؤيدون ومعارضون، المهم أن الأكثرية الساحقة والمؤثرة هي مع نظرية ولاية الفقيه ومع ما يقرره الدستور وليس مطروحا لديها إجراء أي تعديل.
الإمام الخامنئي في "حاكمية الشعب" أثبت الجدوى العميق لنظرية الإمام الراحل

موقع المنار: يربط الإمام الخميني (قده) بين ولاية الفقيه ودور الشعب، واليوم يقول السيد الخامنئي بحاكمية الشعب، هل هناك من اختلاف بين الرؤيتين أم أن الثانية تعد تطورا للأولى كان لا بد منه؟.
الشيخ قاسم: لا يوجد فرق بين ما طرحه الإمام الخميني (رض) من دور للشعب وبين ما يقوله الإمام الخامنئي من حاكمية للشعب. لعل الإختلاف بالمصطلح ومحاولة إخراجه إلى حيز المناقشة النظرية والعملية، لأنه إذا راجعنا بدقة نجد الإمام الخميني أسس لدور الشعب من خلال اللجوء إليه واستفتائه في كثير من المحطات حتى ان الشعب هو من وافق على دستور الجمهورية الإسلامية وعلى حكم جمهوري إسلامي، وهو الذي اختار أعضاء مجلس الشورى ومجلس الخبراء، الذين يختارون الولي الفقيه، واعضاء البلديات وما شابه. وما زلت أذكر انه كان يوجد انتخابات أثناء الحرب الإيرانية – العراقية ونصح البعض الإمام الخميني أن يؤجل الانتخابات بسبب سقوط بعض الصواريخ على مدينة طهران، فرفض سماحته تأخر الانتخابات ولو ليوم واحد. وبالتالي كان حريصا على أن يكون للشعب كلمته. وكان هذا مسلكه طوال حياته وحكمه للجمهورية الإسلامية. أما الإمام الخامنئي يؤكد من خلال طرحه أن خيار الإمام الخميني في مسار الشعب هو الخيار الحاكم في إيران وأساسي، وأن حاكمية الشعب هي في الواقع تحت سقف حاكمية الإسلام، وليست خارجة عنه، فيستطيع الاختيار وفق ما يشاء ضمن الحلال والحرام، وليس بشكل مطلق. وهذه الحاكمية لا توصل إلى تشريعات فاسدة أو منحرفة على المستوى الفكري والعملي والاقتصادي والسلوك الفردي. فتأكيده على حاكمية الشعب متناغم تماما مع قاله الإمام الراحل. ولعلنا إذا عدنا إلى الدستور الإسلامي يمكننا أن نجد بشكل مباشر النص الصريح لدور الشعب الذي أكد عليه الإمام الراحل مرارا وتكرارا، فهو يقول على سبيل المثال في المادة الأولى للدستور الإسلامي يقول :"نظام الحكم في إيران هو جمهوري أسلامي صوّت عليه الشعب بأكثرية بلغت 98.2 بالمئة من مجموع أصوات الناخبين المؤهلين عبر الإستفتاء العام".
إذاً هذا يؤكد على أن الشعب هو صاحب الخيار. وفي المادة 56 يقول :"الله سبحانه هو الحاكم المطلق على العالم والإنسان وهو الذي فوّض حق تقرير المصير الاجتماعي ولا يجوز لأحد سلب هذا الحق الإلهي. مما يؤكد أنه لا يمكنه إلزام الشعب بأي خيارات لا يريدها او ان يتحكّم بخياراته. في المادة السادسة من الدستور يقول :"في نظام الجمهورية الإسلامية الشعب هو مصدر السلطات يمارسها عن طريق الانتخابات على ألا تكون القوانين متعارضة مع الإسلام لذلك في المادة 72 من الدستور يقول لا يحق لمجلس الشورى الإسلامي سنّ قوانين تتعارض مع مبادئ وأحكام المذهب الرسمي للبلاد مع الدستور". ما يؤكد أن المنظومة التي كان يراها الإمام الخميني عن الشعب، في أنه يختار في مساحة التشريع والتفاصيل والتنفيذ ما يكون تحت سقف الإسلام. ولكن لا أحد يلغي حق اختيار هذا الشعب، حتى اختيار الولي الفقيه والموافقة عليه. هذا ما أكده الإمام الخامئني (حفظه الله ورعاه) عندما تحدث عن حاكمية الشعب وفصلها في مقابل ما يقولونه عن الديمرقراطية.. يوجد الآن تفسير من قبل الإمام الخامنئي لمنظومة الإمام الراحل في التعبير عن حاكمية الشعب. فهي في مقابل الديمقراطية التي يتحدثون عنها في الغرب، والفرق الأساسي بينهما أن حاكمية الشعب هي أن يقرر الشعب ما يريد تحت سقف الإسلام. أما الديمقراطية هي أن يقرر الشعب ما يريد دون ضوابط أو سقف يحكمه. من هنا ليس غريبا أن يشرّع مجلس النواب البريطاني مثلا الشذوذ ويضع له قوانين ويصبح في دائرة الحماية ما يؤدي إلى تخريب الأسرة في المجتمع لتمشي باتجاه منحرف حيث ستظهر أثارها الخطيرة في المستقبل بشكل مدمر. بينما في نظام الجمهورية الإسلامية يستطيع مجلس النواب أن يقرر في شؤون الأسرة ما يريده ضمن ضوابط الأسرة وحفظ الأحوال الشخصية كما أمر بها الإسلام.
"إيران بلد بقية الله" لا تعني استبعاد الدول والشعوب الأخرى بحال اختارت خط الولاية

موقع المنار: يسمي الإمام الخميني إيران "بلد بقية الله" ألا يعني هذا استئثارا وتفردا منه بحصر الشعب الإيراني في هذا الخط واستبعاد الأخرين؟!.
الشيخ قاسم: الشعب الإيراني هو الذي اختار نظام الجمهورية الإسلامية وقيادة الإمام الخميني (قده)، وهذا اختيار للأفكار والقناعات والالتزامات.. اختاروه لأنه في نظرهم نائب الإمام المهدي (عج) بالعمل وبدون تنصيب رسمي مثل النواب الأربعة الذي نصبّهم الإمام المهدي بنفسه. فعندما يتحدث سماحته أنه يريد لعمله ولدولة إيران في خدمة الإمام الحجة (عج) وهو ما ينسجم مع طرحه للرؤية الإسلامية المتكاملة والتي طرحها على الشعب ووافق عليها، هنا من الطبيعي قبول الشعب لفكرته في أن تكون هذه الدولة دولة الإمام المهدي (عج). وإذا دخلنا في تفاصيل الحياة اليومية للشعب الإيراني نجد أنه في جهاده ضد العدوان العراقي على إيران كان مندفعا إلى أقصى حد وقدم مئات الاف من الشهداء. كل ذلك بروحية الدفاع عن الجمهورية الإسلايمة التي هي دولة بقية الله. فعندما يقول بأن إيران دولة بقية الله، إنما يعبر عن التزام إيران بالمنهج الذي يريده بقية الله (عج)، ويأمل أن تكون في خدمته. وعلى المستوى الشعبي كل الناس المتدينون يتمنون أن يكونوا في خدمة الإمام الحجة وأعوانه وأنصاره. وهذا جزء من التربية الإسلامية التي نتربى عليها والتي نؤمن بها، إذاً إعلان الإمام أن إيران هي دولة بقية الله هي إعلان عن الإرادة الشعبية وعن قناعاته الإسلامية، وبأن هذا الخط الثوري الذي لا يتبع للشرق أو الغرب ويحكم بالإسلام من الطبيعي أن يوصل إلى الإمام المهدي (عج).
أما مسألة اعتبار البعض أن هذا استبعادا لهم، فالإمام عندما قال إن إيران بلد بقية الله وأن الحرس الثوري الإسلامي هو حرس بقية الله وان الشعب الإيراني هو شعب بقية الله، هذا لا يعني أن لا توجد بلدان أخرى يمكن أن تلتحق ببقية الله، وهذا لا يعني أن شعوبا أخرى لا يمكنها أن تكون مع بقية الله. وأقول لك بكل وضوح نحن نعدّ حركتنا "حزب الله" في لبنان أننا مقاومة تعمل في خدمة بقية الله، واننا مستعدون في كل لحظة، عند ظهوره إن شاء الله تعالى، لتسليمه الراية وليقرر ما يريد. وفي النهاية ارتباطنا بالولي الفقيه هو ارتباط ببقية الله الأعظم، فكون إيران بلد بقية الله لا يمنع من أن تختار بقية البلدان وبقية الشعوب أن تكون كذلك.
"التكليف الشرعي" ثقافة عظيمة أحياها الإمام الخميني قادتنا إلى الانتصارات
موقع المنار: تشرحون في كتابكم مفهوم التكليف الذي أعاد إحياءه الإمام الخميني (قده)، لينسحب هذا المفهوم الديني على السياسي مما أعطى لهذه المسيرة سمة ثقافية مائزة. كيف تقومون تجربة هذا الأداء في الحياة العامة في إيران أو في تجربة حزب الله في لبنان؟.
الشيخ قاسم: ميزة الإمام الخميني العظيمة أنه أحيا مجموعة من المفاهيم الإسلامية الأساسية والأصيلة التي تعد مفتاحا للثبات ولتقديم النموذج الأفضل، ومنها مفهوم التكليف. لأنه فرق كبير بين إيمان الإنسان بضرورة الانتصار المادي الحسي وإلا سيغير من قناعاته ذلك لأنها لم تترجم على المستوى العملي، وهذا ما نسميه اتباع المصلحة الفردية، وبين إيمانه بحق فيعمل له حتى ولو لم يؤدٍ إلى انتصاره المادي المباشر وقد يكون زرعا ينبت بعد أجيال. وبالتالي مستوى التضحية المقدمة تختلف باختلاف هذه النظرة. فإذا نظر إلى التكليف قدم كل شيء سواء حصّل على النتائج التي يرغبها في حياته أو لم يحصّلها، بينما إذا ارتبط بالمصلحة عندها سيلحق النتائج الآنية حيث توصله إلى تنازلي عقائدي أو ثقافي أو فكري وربما يصل بعد حين إلى الإنحراف ويصبح أمام فكر أخر.. فالإمام الخميني (قده) قاد إيران بمنظومة التكليف الإلهي بصرف النظر عن النتائج، بعضهم يقول إنه كنا ننصح الإمام ألا يدعو إلى بعض التظاهرات قبل انتصار الثورة الإسلامية خوفا من سقوط الدماء، فكان يقول لهم إذا لم نتحرك نحن، ولو سقطت بعض الدماء، متى يمكننا التحرك وماذا يمكننا أن نغير؟!.. فلنتحرك وبعد ذلك يفتح الله تعالى لنا .. وهكذا كان . وعندما كان يريد أن يأتي إلى مقر مهرباد من نوفل لشاتو من باريس نصحه البعض بخطورة الأمر، فلم يرد عليهم، وقال إن تكليفه الأن يقضي بالحضور بين الشعب الإيراني "فإذا كان لله إرادة أصل وإذا لم تكن له إرادة في ذلك أموت، لكن أكون قد قمت بتكليفي الذي قدرت أنه صحيح في هذه المرحلة وفي هذه اللحظة". وهكذا بالنسبة للحرب العراقية- الإيرانية وللمواقف من قضية فلسطين وقضايا أخرى، فكان، قدس سره، يدرس قضية الحق مع الظروف الموضوعية، فيقوم بتكليفه وبالتالي فبعض النتائج كانت مرة وبعضها كانت عظيمة لكن في المحصلة دائما كان الخط يسير بمستوى تصاعدي.

هذا الأمر ينطبق على تجربة حزب الله في لبنان، فقد كانوا يقولون لحزب الله كيف تقاتل أقوى دولة موجودة في المنطقة، وهل تتأمل مع كل هذا الضغط العالمي والسياسي ومجلس الأمن أن تحرر الأرض؟!.. حرام أن تدفع بهؤلاء الشباب إلى القتل، وكان حزب الله يجيب علينا تكليف إخراج المحتل بالطريقة والأساليب التي تتوفر، فقد قال تعالى:"وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم". ونحن نعمل بالحد الأدنى لإقلاق العدو في رسم المسار، وبعد ذلك قد لا نتوفق نحن ولكن قد تتوفق أجيالنا، ونكون قد زرعنا طريق المقاومة والمواجهة التي هي الطريق الضروري والطبيعي واللازم من أجل فتح هذا المسار باتجاه التحرير. وبالفعل نصرنا الله تعالى في أيار 2000 وبعد ذلك في حرب العام 2006 انتصارات عظيمة جدا جدا لم يكن يتوقعها أحد من كل المراقبين ما يعني أن مسار الحق يتطلب القيام بالتكليف بصرف النظر عن تشخيص المصلحة الآنية والمنافع التي تتغير وتتبدل. من هنا ثقافة التكليف ثقافة عظيمة جدا.