الوحدة بعناوينها المختلفة خيرٌ كلها، والفتنة المذهبية أو التفرقة شرٌ مطلق في أحسن حالاتها. بالوحدة نضمن سلامة الطريق، أمَّا بالتحريض المذهبي فالمسار يؤدي إلى الانحراف باتجاه الكراهية والرفض للآخر وسد أبواب الهداية.
المقاومة هي العنوان الأبرز في مواجهة الفتنة المذهبية، فالتعاون مع كل الذين يقاومون إسرائيل لا حدود له، ولا ينظر الحزب إلى مذهب المقاوم، بل قام الحزب بتأسيس السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي عام 1997 والتي ضمت في صفوفها من جميع الطوائف والمذاهب، حيث كان الشرطان الوحيدان لانتماء أي عنصر إلى السرايا: الإيمان بالمقاومة المسلحة لمواجهة الاحتلال، وعدم وجود شبهة عمالة لإسرائيل، ولا علاقة للحزب بإيمانه الديني أو المذهبي أو عبادته أو سلوكياته الشخصية أو موقعه الاجتماعي.
ان القضايا المشتركة التي تجمعنا، والتي تهيئ إمكانية أن نكون موحَّدين هما عنوانا : مواجهة المشروع الصهيوني ، ومواجهة الاستكبار العالمي المتمثل بأمريكا اليوم لمنعه من أن يسيطر على بلادنا وقدراتنا وخيراتنا .
ولا ننس أنَّ أهم أساليب أمريكا المعتمدة هو التركيز على عنوانين: الاعتدال والفتنة المذهبية. ويقصدون بالاعتدال به تجريدنا من هويتنا الإسلامية التي يلصقون بها التطرف والإرهاب، ويعملون على حماية الأنظمة الاستبدادية، وخنق الحريات الثقافية والدينية فيها، وتركيز الصراع بين الأنظمة وشعوبها بقمع الأنظمة لها.
إنَّ دور العلماء أساس في التصدي لتوضيح معالم الدين وتكاليف المؤمنين، فهم الذين يربون الناس على الإسلام الأصيل، أو يحرضونهم على التعصب المذهبي ومواجهة المذاهب الأخرى بعداوة. إنَّها مسؤولية العلماء في خطبهم ومحاضراتهم وخطابهم العام أن يوجهوا المسلمين نحو الوحدة الإسلامية، والتعاون على البر والتقوى، وحقهم أن يكونوا جميعاً جسداً واحداً، فإذا ما نشروا هذه المفاهيم، قرأها وسمعها المسلمون في كل البلدان، ما يشكل رصيداً للاجتماع والاعتصام بحبل الله تعالى، عندها يكون السلوك المذهبي سلوكاً عبادياً، وأما المواقف السياسية العامة والكبرى فيحكمها عنوان وحدة المسلمين، وعدم التعارض بين مذهبية الالتزام الديني الفردي ووحدة الموقف السياسي للمسلمين.
إنَّ أداة الفتنة المذهبية سياسية يقودها بعض الحكام والمواقع السياسية، وإدارة التعبئة المذهبية علمائية يقودها بعض العلماء الذين يهمهم أن يجمعوا حولهم مريديهم ولو انهارت بلاد المسلمين، وبما أنَّ الخلاف المذهبي الديني غير مطروح بشكل عام للوصول إلى حلٍّ له، وليس مطروحاً أن يتم اعتماد مذهب واحد في مقابل إلغاء المذاهب الأخرى، ولا توجد قضايا دينية محل إشكال حتى في الأحياء والمجتمعات المختلطة مذهبياً، إذاً، لا يوجد قضية اسمها الخلافات المذهبية، وإنما القضية هي الخلافات السياسية، التي يقودها حكام أو زعماء أو قادة، ويحتاجون إلى إثارة الخلافات المذهبية لشد عصب جماعتهم معهم أو منعهم من التأثر بالآخرين، وعندها ينساق بعض العلماء الذين يروجون للفتنة المذهبية من حيثيات التحرك السياسي، الذي يقوده السياسيون، ويغذيها بعض علماء الدين لخدمة هؤلاء السياسيين، فإذا أصبحت مصلحة السياسيين التهدئة المذهبية، تصدى هؤلاء العلماء لتبيان منافع التعاون وعدم إثارة الفتنة!