الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا حبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد(ص)، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه الأبرار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والصالحين إلى قيام يوم الدين.
السلام عليكم أيها السادة العلماء، أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته.
الوحدة الإسلامية عنوان تحدَّث عنه الكثيرون في محطات مختلفة من تاريخ أمتنا الإسلامية، فعارض البعض هذه الوحدة، وتمسك البعض الآخر بها، وحاول كل طرف بحسب وجهة نظره، أن يعطيها من اهتمامه أو أن يغفلها من قاموسه. سأحاول في هذا اللقاء أن أطرح نظرة متكاملة حول الوحدة الإسلامية، علَّها تثير النقاش، وتؤسس أو تساعد في طريق الوحدة، ونحن من دعاتها، لأنها الأصل التي يجب أن نسعى لها.
أولاً: الوحدة أصل، وهذا الأصل مقررٌ في القرآن الكريم، ولا يستطيع أحد أن يدعي ارتباطاً بالإسلام إلاَّ وتلازمه فكرة الوحدة والعمل الوحدوي، قال تعالى في كتابه العزيز:"إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" (الأنبياء : 92 )، وفي آية أخرى:"وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ" (المؤمنون : 52 )""،إنَّ الحديث الإلهي عن الأمة الواحدة هو تأكيدٌ على الوحدة التي يجب أن تجمعنا، وما لفت نظري هو هذا التعبير القرآني " إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً "، فقد تحدَّث الله تعالى عن الأمة الواحدة، ولم يتحدث عن الأساليب الواحدة، أو طرق التفكير الواحدة، أو المذهب الواحد، وإنما تحدَّث عن الأمة الواحدة، أي أن المطلوب هو أن نضع نصب أعيننا كيف تكون أمتنا المترامية الأطراف في البلدان المختلفة واحدة، وكيف تكون أمتنا المختلفة المشارب في تحليلاتها وخصوصياتها الفكرية والثقافية والواقعية واحدة، وكيف يمكن أن يجتمع هؤلاء ليشكلوا هذه الأمة، فالحديث عن الأمة المجتمعة، والأمة المجتمعة لها مفردات، ولها تفاصيل سنأتي على ذكرها عندما نتعرض للنقاط الأخرى، ولكن فلنضع هذه النقطة أساساً لبحثنا، أنَّ المطلوب هو الوحدة في الأمة، والأمة الواحدة التي تجتمع معاً لتنطلق في قضاياها، وفي مسائلها، وفي حاضرها، وفي مستقبلها.
قال تعالى في المقارنة بين الوحدة والتفرقة:"وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ"، فخصوصيات الدنيا وفروقات الأفراد ستجعل التجاذب بين الناس مؤدياً إلى الاختلافات، التي يمكن أن تتحول إلى تفرقة، هنا يرسم الله تعالى الضابطة الأساسية:" وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً "، فإذا اعتصمتم بحبل الله، فهذا يساعدكم على أن لا تتفرقوا، لأنَّ خلاف هذا الطريق المستقيم، ومن دون وحدة الهدف، لا يمكن أن يكون هناك وحدة، ولا يمكن أن يحصل تفاعل. وقال تعالى في تأكيده عن سلبية التفرقة:" وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ"، فلنلاحظ: "وتذهب ريحكم"، يعني تذهب قدرتكم كجماعة بسبب النزاع والتفرقة، فبدل أن تكونوا أمة واحدة مجتمعة تتجسد فيها القوة، وتتمكن من أن تقود مصالحها ومستقبلها، فإذا تنازعتم تفككت الأمة وفشلتم ، فالحديث عن الأمة الواحدة التي لا تتنازع، وتحافظ على وحدتها حتى لا تذهب ريحكم، وهذا أمرٌ يؤكد على وحدة الأمة. عندما نستند إلى هذه الآيات الأربعة من القرآن الكريم، في الحديث عن وحدة الأمة، لا مجال للتحليل والنقاش إذا ما كانت الوحدة مطلوبة دينياً أم لا، الوحدة جزءٌ من الإيمان، والوحدة مقومٌ من مقومات الارتباط بالله تعالى، والوحدة على أساس الإسلام لتكون الأمة واحدة أصلٌ يجب أن نضعه أمامنا، ثم تكون مخططاتنا وخطواتنا وأداؤنا وتثقيفنا وعلاقاتنا ومناهجنا منسجمة مع أن الأمة لا بدَّ أن تكون واحدة، لأننا عندما نضع الأصل نصب أعيننا، يعني أننا وضعنا الهدف الذي سنصل إليه، وهذا واضحٌ في القرآن الكريم.
ثانياً: عندما نعمل تحت سقف وحدة الأمة، هذا يعني أن نذلِّل العقبات التي تمنعنا من الوحدة، أحد طرق تذليل العقبات هو البحث عن القضايا المشتركة التي تهم الأمة بشكل عام، لأن أي قضية تشكل عبئاً علينا ونتفق على معالجتها، تجعلنا في الميدان سوياً، وبالتالي نستطيع أن نجد أنفسنا موحدين على المستوى العملي، من دون الحاجة لأطنان من الكتب تتحدث عن الوحدة، ولعلَّ أبرز عنوانين من عناوين القضايا المشتركة التي تجمع الأمة بلا شك، والتي تهيئ إمكانية أن تكون الأمة موحَّدة هما عنوانا : مواجهة المشروع الصهيوني للعمل من أجل تحرير فلسطين، ومواجهة الاستكبار العالمي المتمثل بأمريكا اليوم لمنعه من أن يسيطر على بلاد وقدرات وخيرات المسلمين، هذان العنوانان هما اللذان يجسدان الوحدة الإسلامية عملياً. وقد لمسنا بشكل واقعي ما حصل مع المقاومة الإسلامية في لبنان، والمقاومة الإسلامية في فلسطين، وكل الذين قاوموا في هذا الاتجاه، فعلى الرغم من أن سمة المقاومة الإسلامية في لبنان شيعية، وسمة المقاومة الإسلامية في فلسطين سنية، لكن كنا نلاحظ أن المشاعر والرؤى والتفاعل الشعبي على امتداد العالم الإسلامي لعنوان المقاومة في لبنان وفلسطين هي مشاعر جياشة ومتفاعلة ومتأثرة، فالنصر هنا نصرٌ للجميع، والانتكاسة انتكاسة للجميع، والتأثر بعنوان الوحدة تأثرٌ عمليٌ وميداني من خلال الشهداء والعطاءات والانتصارات وما حصل في الميدان في مواجهة إسرائيل، هذه وحدة عملية. واليوم إذا بحثنا عن المشاعر عند الفلسطينيين ستجدونهم يحبون المقاومة الإسلامية لارتباطهم بالعمل المقاوم وبسبب الدور الوحدوي، وأيضاً إذا عدتم إلى شباب حزب الله سترون تعلقهم الكبير بفلسطين والمقاومين الفلسطينيين، ما يجعل الناس لا تميِّز ولا تضع الحدود في هذه العلاقة العاطفية والعملية وفي التعبئة والمشاركة، وكذلك ينسحب هذا الأمر على الدول العربية والإسلامية وشعوبها، سواءً أكانت الشعوب من الأتراك أو الفرس أو العرب أو الأردو أو غيرهم من شعوبنا الإسلامية، تحت عنوان الموضوع الفلسطيني، لأنها قضية مركزية تهم العالم الإسلامي، وبالتالي هنا لا تمييز بين السنة والشيعة، فأضرار الاحتلال على الجميع ومنافع التحرير للجميع، فرفعة ومكانة المسلمين ببركة نجاحاتنا في القضية الفلسطينية ستنعكس على كل الأمة، وستستفيد منها كل الأمة، من هنا ضرورة البحث عن القضايا المشتركة، لنحوِّل قضية الوحدة إلى قضية عملية في ميدان الجهاد والسياسة.
ثالثاً: أن نضع نظاماً للأولويات، بحيث نقدِّم مواجهة الخطر الخارجي على الخلافات الداخلية بين المذاهب، من باب أنَّ المواجهة تتطلب إمكانات وأولويات، وبالتالي بما أنَّنا معرَّضون للخطر الخارجي، فعلينا أن نواجه هذا الخطر أولاً، ونؤجل الخلافات الأخرى التي يحاول أن يسعِّرها البعض ويستغلها البعض الآخر، لقد سمعت من عدد من العلماء عند الطرفين من يتحدث على أنَّ الأولوية هي أن نصفِّي ساحتنا من المذاهب الأخرى، ثم نتوجه إلى الأعداء، وأنَّ قتال القريب أولى من قتال البعيد! وأنَّ المرتد أولى في المواجهة من الكافر! وهذه مصيبة كبرى في طريقة التحليل وتعبئة الناس وإثارة المشاعر. نحن نريد أن نصوّب الفكرة من دون أن نقنع هؤلاء، لأنهم لن يقتنعوا معنا، نقول لهم تعالوا إلى نظام الأولويات، إن تواجهنا داخلياً لن يبقى أحدٌ منّا حتى نواجه الخارج، فلا أنتم تسودون ولا نحن نسود، لكن إذا ما واجهنا العدو الخارجي وفَّرنا طاقاتنا وإمكاناتنا، ثم بعد ذلك نتصافى، وفي الواقع أنَّ هذا الخارج سيبقى عقدة العقد، ولذا لن تصل النوبة إلى الخلاف الداخلي بحسب هذه الرؤية. إذاً نظام الأولويات هو الذي يساعد على أن يكون الاهتمام لمواجهة الخارج أكثر وأهم وأولى، وتأجيل كل المشاكل الداخلية، وهذا ما نفهمه من قول أمير المؤمنين علي(ع):" والله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن جور إلاَّ عليَّ خاصة "، على قاعدة أنَّ أمور المسلمين في وحدتهم هي الأصل وهي الأولوية، وبالتالي عندما يكون هذا هو العنوان، لا نلتفت إلى أي شكل من أشكال الخلاف، وهذا ما يوجهنا باتجاه إزالة عقبة من عقبات الوحدة الإسلامية.
إمامنا الخميني (قده) يقول:" لقد جاء الإسلام ليوحِد جميع شعوب العالم بعربهم وفرسهم وأتراكهم وليشكل منهم أمة عظيمة باسم الأمة الإسلامية. ويرسخ أركان هذه الأمة العظيمة التي تستطيع بفضل اتحاد شعوبها وتراص صفوفها أن تقف بوجه جميع المستكبرين الذين يهدفون إلى إخضاع حكومات البلدان الإسلامية لسلطتهم، وفرض هيمنتهم على المراكز الإسلامية"، هذه الدعوة من الإمام الخميني (قده) للوحدة، في نظام الأولويات، لمواجهة الاستكبار، وعدم الانشغال بالخلافات الداخلية.
رابعاً: عدم الانطلاق من نقاط التباين، نقول بكل صراحة، فنحن نتكلم عن وحدة إسلامية وليس عن ملاطفة ولياقة فيما بيننا، هناك خلاف مستحكم في عدد من القضايا الأصلية والجوهرية. الشيعة يقولون بالعصمة للأئمة(عم) والسنة لا يقولون بها، الشيعة يقولون بأولوية الخلافة لأمير المؤمنين علي(ع) والسنة يقولون بالخلافة كما حصلت لأبي بكر الصديق أنَّها الخلافة الطبيعية، الشيعة يقولون بأنَّ الخلافة والإمامة تعيين والسنة يقولون بأنها شورى وانتخاب، ثم بعد ذلك، هناك مصادر للحديث الشريف يعتمد عليها السنة ولا يعتمد عليها الشيعة، ومصادر أخرى يعتمد عليها الشيعة ولا يعتمد عليها السنة، كما يوجد مشتركات بينهم، فإذا أردنا أن نرى المشتركات في العقيدة والمشتركات في الفقه، فإننا سنرى المشتركات كثيرة نعجز عن عدّها، نحن نستطيع أن نعدِّد نقاط الخلاف ولكننا لا نستطيع تعداد نقاط الاشتراك، فنقاط الاشتراك تعدَّ تقريباً 90 أو 95 بالمائة، هناك نقاط اشتراك كثيرة نستطيع أن نراها يومياً ، فمثلاً ترى الصلاة بشكلها وحركاتها ومضمونها تكاد تكون واحدة مع بعض الفروقات المحدودة في داخلها، الصوم يكاد يكون واحداً مع بعض الفروقات المحدودة، هذا في الموضوع الفقهي. أمَّا في الموضوع العقائدي: فموضوع الإيمان بالنبوية، والإيمان باليوم الآخر، والمبادئ والأصول في العقيدة، مشتركة، نعم بعض التفاصيل التي لها علاقة برؤية كل مذهب، بل داخل كل مذهب، هناك رؤى مختلفة بين المذاهب الإسلامية، وأحياناً كثيرة داخل المذهب الواحد بين علمائه.
إذاً من يفكر أن الدعوة إلى الوحدة الإسلامية هي دعوة إلى إنهاء الخلاف حول فكرة العصمة في مقابل عدمها، أو التعيين في مقابل الشورى، أو الإمامة في مقابل الخلافة، فهذا بحثٌ لن يوصل إلى نتيجة، لا الآن، ولا إلى يوم القيامة، لأن الأصول مبنية على هذه الرؤية، وعلى هذا الخلاف، والقناعات، فدعونا لا ننطلق من نقاط التباين الأساسية، التي لا يمكن تعديلها، ولا يمكن تغييرها، لأنَّ أسس المذاهب قائمة على هذا الأساس، إذاً ماذا نفعل؟ علينا أن نهتم بما يمكن علاجه، وما يمكن التفاهم عليه.
خامساً : رفض المنطق التكفيري ومحاصرته بكل إمكاناتنا ثقافياً وإعلامياً واجتماعياً وبكل الوسائل، لأنَّ المنطق التكفيري لأي طرف من الطرفين هو الكارثة، المنطق التكفيري يعني إخراج الجماعة الأخرى من الإسلام. يحتج البعض بأنَّ الروايات تتحدث عن الكفر كثيراً، " فمثلاً رواية: بين الرجل والكفر ترك الصلاة"، ولكن تفسيرها الفقهي لا يعني أن الإسلام أخرجه من الدين أو أخرجه من الملّة، بعض التكفير الذي ورد في الروايات يكون أحياناً لتشديد الكراهية، أو لتأكيد الاستحباب في أمرٍ آخر، وهذا لا يعني أن الإنسان أصبح كافراً وخرج عن ربقة الدين. دعونا من منطق التكفير لأنَّ هذا المنطق هو الذي يقطع أي صلة بين السنة والشيعة، يجب أن نمنع هذا المنطق. كنت أسمع كما تسمعون، عندما يناقش البعض الأمور الخلافية التي لها علاقة بالاهتمام بالأئمة(عم)، أو بزيارة المقابر، أو ببعض الأمور الأخرى التي لا تستحق أن تكون القاعدة التي نربي عليها شبابنا ليل نهار، لنحرضهم على الاختلاف مع الآخر تحت عنوان أن هذا هو الدين، علينا أن نفتش عن إقامة الدين وليس عن الأمور الخلافية التفصيلية،" أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ "، أقيموا الدين في قلوبكم، وأقيموا الدين في مجتمعكم، وأقيموا الدين في حياتكم، " وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ "، لذلك يجب رفض المنطق التكفيري ومحاصرة هذا المنطق، والاكتفاء بالحديث عن الخلاف، يعني يمكن للشيعي أن يقول للسني: أنا لا أوافقك على هذا التفسير لهذه الرواية وأختلف معك فيها، ويمكن للسني أن يقول كذلك، ويمكن للمذاهب مع بعضها أن تقول: رأي العالم الفلاني كذا، ورأي العالم الفلاني كذا، أمَّا رأينا فمخالف لرأيه، والله أعلم. لا مشكلة أن يكون الحديث عن الاختلاف، لأنَّه أمر طبيعي حتى في داخل المذهب الواحد، عندها تكون المناقشة بالأدلة والآيات والروايات، مصحوبةً بالأدب الإسلامي الذي ينظم الاختلاف، حيث يوجد لياقة وأخلاق إسلامية في كيفية التعاطي.
يقول الإمام الخامنئي(حفظه الله ورعاه):" فعالم الدين الذي يقف لخطبة الجمعة أو لغيرها في أحد البلدان النائية، وينهال بالهجوم على فرقة من فرق المسلمين بدلاً من الهجوم على أمريكا وإسرائيل وأعداء العالم الإسلامي والكفر والاستكبار، إنَّ عملاً كهذا ليس عملاً سهلاً وخال من المقدمات أو بعيداً عن الانبعاث الإسلامي، فالذي يستهين علناً بمقدمات فرقة من فرق المسلمين، إنما ينفذ إرادة الاستكبار"، من أنت حتى تكون عندك الفرقة الإسلامية بعلمائها وبقادتها من أولهم إلى آخرهم كفرة؟ ولذلك نحن ضد المنطق التكفيري ومع إبراز الاختلاف بشكل طبيعي".
سادساً: الاعتراف بالمذاهب الأخرى أو السكوت عنها وعدم رفضها، فالمفروض أن نقر لبعضنا بعضاً أنَّ هذه مذاهب إسلامية طالما أن الأسس واحدة، ومن السهولة بمكان أن نعرف أية جهة إذا ادَّعت الإسلام كيف لا تكون إسلامية، عندما تفتقر إلى الأصول والأسس، أمَّا ولنا القبلة الواحدة والقران الواحد، والنبي الواحد، والصلاة الواحدة، فهذه أفضل مصاديق تعزيز الوحدة.
يقول الإمام الخامنئي(حفظه الله ورعاه):" والوحدة الإسلامية معناها واضح، إذ ليس المراد منها تذويب كل المذاهب في مذهب واحد، فالبعض يرى أنَّ طريق الوحدة يتلخص في رفض المذاهب، إلاَّ أن رفض المذاهب لا يحل المشكلة، بل يحلها إقرار المذاهب القائمة حالياً. على كل واحد أداء مهامه العادية في نطاق عمله وموقعه، ولكن عليهم الاحتفاظ بعلاقات حسنة مع بعضهم"، فلا أحد يتحدث عن وحدة إسلامية بإلغاء المذاهب، لذا قدَّمت في حديثي أنَّ الوحدة الإسلامية وحدة عملية على صعيد اجتماع الأمة، وحدة عملية في العلاقات السياسية وفي الشؤون المشتركة، وفي بقاء المذاهب، وفي إبراز الخلاف ولكن بطريقة علمية.
سابعاً: فلنترك دخول الناس إلى الجنة والنار لخالقنا، هو أقدر على تصنيف بعضنا بعضا، وليس من صلاحياتنا أن نقسمهم بين جنة ونار، علينا أن نبلِّغ وندعو إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن نبرز حقيقة الإسلام، وليس علينا أن ندخل الناس إلى الجنة وإلى النار، لأن المقدمات الموجودة عندنا ناقصة حتما،ً وستجعل الأحكام أحكاماً خاطئة، بينما يعلم الله تعالى ما في القلب، ويعلم في الحقائق، فهو الذي يُدخل إلى الجنة وإلى النار.
ثامناً : من الضروري أن يقوم علماء المسلمين والسياسيون بمسؤولياتهم، وأن نواجه مثيري الفتن، وهنا أريد أن ألفت النظر إلى مشكلة حادة، البعض يظن أن الأساس في إثارة الفتن المذهبية والتحريض ضد الآخر منشأه العلماء، ولكن في اعتقادي أنَّ منشأه السياسيون، السياسيون يديرون العلماء في مسألة الفتن ويسخرونهم، والأمثلة واضحة، نرى من خلالها أنَّ إدارة المذهبة سياسية، وإدارة التعبئة علمائية، فالذي يحرض مذهبياً هم السياسيون، ويكون دور العلماء دوراً تعبوياً حيث ينساقون وراء السياسيين. لماذا نرى في بلدٍ من البلدان التحريض المذهبي على أشده على المستوى السياسي، والعلماء يُنَظِّرون تنظيرات لها بداية وليس لها نهاية حول الخلافات بين المذاهب؟ ثم فجأة يتغير الموقف السياسي، فيسكت العلماء ولا يتكلمون! لماذا لا يتابعون هذه التنظيرات، ذلك بسبب الموقف السياسي، هذا يعني أن المذهبة تخدم السياسيين، والفتنة تخدمهم، وهنا على العلماء أن يُظهروا علومهم، وأن لا يكونوا أدوات في مشروع الفتنة، وأن يتوجهوا إلى حركة التبليغ والإيمان والدعوة إلى الله تعالى.
تاسعاً: تحييد النقاش الخلافي عن عوام الناس، وخاصة عبر وسائل الإعلام العامة، فهل يمكن أن يُناقَشْ الشيخ المفيد أو ابن تيمية أو يُناقَشْ أي عالم من العلماء القدامى عبر وسائل الإعلام، وعلى صفحات الأنترنت، مع عامة الناس، الذين لا يعرفون إذا ما كان وضوءهم صحيحاً أم لا؟! أو إذا ما كانت صلاتهم صحيحة أم لا ؟! وإذ بالمحرِّض يطرح الأدلة على عامة الناس محاولاً إقناعهم بما لا يعرفونه ولا يدركون مقدماته!، هذا نوع من التحريض، ونوع من البلهوانية السياسية الإعلامية للفتنة، من يريد أن يناقش فليناقش العلماء، أما مع عامة الناس فهؤلاء ما علاقتهم بالخلافات الحادة الموجودة. وليكن واضحاً أيضاً، إذ لا يمكن أن تحاكم الشيعة على كل كلمة قالها عالم من علمائهم عبر التاريخ، كما لا يمكن أن تحاكم السنة على كل كلمة قالها عالم من علمائهم عبر التاريخ، في النهاية هناك منظومة معقدة، وحتى العلماء فيما بينهم داخل المذهب الواحد اختلفوا. وهل المذهب مقتصر على هذه النقاط الخلافية، أو على آراء بعض العلماء والتي قد تكون شاذة أحياناً؟ أو أن المطلوب بأن يتخلى جماعة هذا المذهب عن هؤلاء ويتبرؤا منهم، كيف يمكن أن يتبرؤا منهم! نعم علماؤنا جميعاً يمكن أن يصيبوا في مواضع ويخطئوا في مواضع أخرى، ما أخطأوا فيه لا نأخذه وما أصابوا فيه نأخذه، وهناك منظومة متكاملة لأخذ الفتاوى والوصول إلى الأحكام الشرعية، من هنا علينا أن لا نخاطب عوام الناس بما يغرر بهم ويضيِّع مقاييسهم، يجب أن نلتفت إلى أن يكون الخطاب مستند إلى عنوان الوحدة أساساً، وأن نبحث عن القضايا الجامعة بين المسلمين في خطابنا، بدل أن نبحث عن القضايا التي تفرق.
عاشراً: من الضروري تعزيز اللقاءات والأنشطة بين المسلمين، بعقد المؤتمرات والأعمال والندوات والأنشطة المختلفة، والزواج، وبناء العلاقات التي تساعد في تذويب الفروقات، وتقبُّل فكرة الوحدة الإسلامية. اليوم نرى المجتمعات المختلطة بين السنة والشيعة أكثر قابلية لتقبل فكرة الوحدة الإسلامية، من المجتمعات السنية الصافية والشيعية الصافية، لأن المجتمعات صافية المذهب الواحد لم ترَ أحداً من الطرف الآخر، ولا تكلمت مع أحد، ولا احتكت به، وليس عندها حاجة ولا اضطرار ولا علاقة ولا مصلحة، أمَّا إذا أصبح هناك تفاعل بأشكال متنوعة، وبأنشطة مختلفة، عندها نستطيع أن نطبق الحديث الشريف للرسول(ص):"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى"، عندها نستطيع أن نفهم هذا المعنى، فنتعاطى معه بطريقة إيجابية.
وأخيراً : من المفيد أن ندوِّن القضايا المشتركة والعناوين الثقافية المشتركة، وأن تكون لنا إصدارات مشتركة، وأن نتحدث عما يجمعنا، بحيث يكون موثَّقاً ثم ننشره بين الناس، إضافة إلى خطابنا الوحدوي على أن ينتشر في أنحاء العالم كافة، وهذا ما يمكن القيام به في مفردات الوعظ والإرشاد والتوجيه، وكلما انعقدت مؤتمرات للوحدة أيضاً من المفيد أن تُثار مثل هذه القضايا، وتُنجز بعض الكتابات التي تتحدث عن هذا الاتجاه، فهذا ما يساعدنا كثيرا لتعزيز الوحدة. وهنا لا بدَّ من تحية لأولئك المؤلفين الذين ذكروا الآراء المختلفة، وهم بطريقة أو بأخرى وحَّدوا، مثل: العلامة الشيخ الطوسي عندما كتب كتاب الخلاف، وعرض فيه وجهات نظر المذاهب المختلفة، أو عندما أقرَّ الأزهر صلاحية التعبد بالمذهب الشيعي الجعفري، وفتح المجال الدراسي للمقارنة بين المذاهب، هذه كلها أعمال مهمة، لأنها تجعلنا نناقش الخلاف بطريقة علمية وموضوعية وطبيعية.
أخلص إلى نتيجة: إذا ما كنا نريد الوحدة حقاً ونحن نريدها، دعونا لا نطلب الوحدة حيث لا إمكانية لها، فلا إمكانية للوحدة الفقهية، ولا إمكانية للوحدة في المذهب الواحد، إنما الإمكانية هي في الوحدة العملية، السياسية، والجهادية، وأيضاً في مجال نشر الخطاب الوحدوي الذي يُبيِّن نقاط الاشتراك، ويقرِّب القلوب، ويجعلنا نعيش معاً من أجل أمة إسلامية واحدة، باستطاعتنا أن نكون كذلك، إن شاء الله تعالى.