محاضرات

المحاضرة التي ألقاها في الليلة العاشرة من عاشوراء 1429 في منطقة مارون مسك في الشياح في 6/1/2009 تحت عنوان "اختيار الافضل"

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا وقائدنا وحبيبنا محمد وعلى بيته الطيبين الطاهرين.

السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلَّت بفنائك، عليك مني سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم، السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين، وعلى الشهداء الذين قدموا لمسيرة الإسلام المحمدي الأصيل منذ آدم إلى يومنا هذا والذين يقدمون لهذه المسيرة إلى قيام يوم الدين، والسلام عليكم أيها الحسينيون والزينبيات ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا وقائدنا وحبيبنا محمد وعلى بيته الطيبين الطاهرين.

السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلَّت بفنائك، عليك مني سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم، السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين، وعلى الشهداء الذين قدموا لمسيرة الإسلام المحمدي الأصيل منذ آدم إلى يومنا هذا والذين يقدمون لهذه المسيرة إلى قيام يوم الدين، والسلام عليكم أيها الحسينيون والزينبيات ورحمة الله وبركاته.

على الرغم من الفترة الزمنية الطويلة التي مرَّت شهادة الإمام الحسين(ع)فإننا لا زلنا نشعر بأن الشهادة حصلت بالأمس، لأن طبيعة أداء الإمام الحسين(ع) هي طبيعة استمرارية لا تتوقف في زمانها وإنما تستمر عبر الزمن، ألم يقل:"إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله(ص)"، وها هو الإصلاح يتحقق من خلال المؤمنين والمؤمنات في هذا الزمان وفي كل زمان، ألم يقل نبينا الأكرم(ص):"حسينٌ مني وأنا من حسين"، فالحسين استمرارية لنبوة محمد(ص)، وهذه النبوة هي الخاتمة، وهذه النبوة هي التي يرتفع لواؤها إلى قيام يوم الدين وعلى يد إمامنا المهدي(عج)، من هنا فإن الزمان الذي مرَّ على هجرة رسول الله(ص) وهو 1430 سنة، والتوقيت الذي مرَّ على شهادة الإمام الحسين(ع) وهو 1369 سنة، لأن الشهادة حصلت في سنة 61هـ أي أن علينا أن نطرح هذا الرقم من 1430 حتى نصل إلى هذه النتيجة، مع ذلك هذه الحياة حياة إمامنا الحسين(ع) مستمرة باستمرارية الدين، ترى ما هو السر في هذه الدين العظيم الذي واجه التحديات والصعوبات وطرأ عليه النفاق والانحراف، وجاءت سلاطين الجور ليبعدوه عن ساحة الحياة، وضحى الأئمة(عم) والعلماء والمجاهدون عبر التاريخ تضحيات كبرى كاد الإنسان يشعر معها أنها التضحيات الأخيرة وأن الدين لن تقوم له قائمة، ثم بعد ذلك نرى هذا الدين ينتعش ويقف ويصدح في الآفاق، ونرى شخصاً واحداً كالإمام الخميني(قده) يأتي في القرن العشرين بعد أكثر من 1300 سنة على شهادة الإمام الحسين(ع) ليحمل رايته ويقيم دولة الحق في إيران في مواجهة الشرق والغرب، ليعلنها جمهورية إسلامية ويعطي النموذج العظيم على الإسلام، ثم تأتي الراية الأصيلة لحزب الله فتثبت حضورها في مسرح المقاومة لتذل أعداء الله الصهاينة ومن وراءهم، ولتبعث في الأمة حالة من العزة والمعنويات، كل هذا يُظهر لنا أن الدين عاد بحمد الله، وهذا ما يبشرنا بعصر الظهور إن شاء الله تعالى.

إذاً لماذا استمر هذا الدين؟ لأن الله تعالى أراده أن يكون على هذه الأرض، وقد اختار الله لنا كبشر من كل شيء الأفضل، لأننا نحن أيضاً كما قال تعالى خلقنا في أحسن تقويم:"لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم"، فأراد أن يعطي للإنسان الأفضل خلقاً بين مخلوقاته مكانة ودوراً وعظمة، ولكن أحياناً الإنسان هو الذي لا يقبل، هو الذي لا يهتم بهذه المكانة، هو الذي ينحرف، " لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلاَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ "، لماذا رددناه أسفل سافلين؟ لأن هذا الإنسان لم يأتمر بأوامر الله تعالى، لم يحمد دين الله تعالى، لم يكافح في مواجهة نزواته وشهواته الشخصية، أمَّا من فعل هذا فقد ارتفع وعلا، لقد اختار الله تعالى لنا الأفضل من كل شيء، ولكن علينا نحن أن نختار هذا الأفضل، عن أبي عبد الله(ع) عن رسول الله(ص) أنه قال:"إن الله عزَّ وجل اختار من الأيام الجمعة، ومن الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر، واختارني على جميع الأنبياء، واختار مني علي وفضله على جميع الأوصياء، واختار من علي الحسن والحسين، واختار من الحسين الأوصياء من ولده، ينفون عن التنزيل تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل المضلين، تاسعهم قائمهم وهو ظاهرهم وهو باطنهم(عج)"، إذاً رب العالمين اختار لنا الأفضل في كل شيء، وهذا الأفضل لنرتاح ونطمئن ونأنس في هذه الدنيا، ولنصل إلى الملكوت الأعلى في أسهل وأيسر الطرق.

من نعم الله تعالى علينا أن كان من بيننا قائد كالإمام الحسين(ع) يعلِّمنا ويربينا ويؤدبنا ويقدم التضحيات أمامنا حتى نتعلم منه فتهون التضحيات مهما بلغت بل نشعر مع التضحية أننا نعيش السعادة كما علمنا الحسين(ع) " إني لا أرى الموت إلى سعادة والحياة مع الظالمين إلاَّ برما"، هذا هو المنهج الأفضل الأحسن ، حتى أن رسول الله(ص) عندما حدثنا عن الأمر الإلهي له، ماذا أمره الله تعالى قال:" وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ "، دائماً الإنسان يجب أن يفكر بأن يكون في الطليعة، لا أن يفكر الإنسان بأن يكون في المستويات المتدنية، أو في الحالات التي يكاد يُزحزح إلى النار ولكن الله تعالى ينقذه في اللحظات الأخيرة، يجب أن نعمل دائماً للأفضل والأرقى، ولا نقول كما يقول البعض: نحن لا نريد من الله تعالى إلاَّ أن نتزحزح عن النار، وكما قال تعالى:"كل نفس ذائقة الموت...فاز" صحيح أنه من زحزح عن النار فقد فاز ولكن عليك أن تفكر أيها الإنسان أن تتزحزح فقد عن النار وأن تكون في الحالة التي يمكن أن تدخل هنا أو هناك، عليك أن تكون الأفضل حتى يعطيك الله وحتى يكرمك، ولأنه حتى في الجنة هناك مراتب، أليس الأفضل أو تكون مرتبتنا مع محمد وآل محمد(ص).

لا يرضى المسلم أن يكون إنساناً عادياً، وتأكدوا أنه بإمكاننا ذلك، وبإمكاننا أن نفوق العالم بالأفضلية، وبإمكاننا أن نقدم التجربة التي لا يقدمها أحد على الإطلاق، الله تعالى يقول:" وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ "إذا كنتم تحملون رسالة الإسلام، هذا التفكير يجب أن يكون بأذهاننا، واليوم لا نقوم بحركة سياسية ولا جهادية من أجل بعض المكاسب البسيطة العادية والمحدودة، ونحن لا نقاتل من أجل أمتار من الأرض، ونحن لا نقاتل من أجل أن نتفوق على من معنا في وطننا، نحن نقاتل من أجل أن نأخذ حريتنا وكرامتنا وسيادتنا وعزتنا، نرفع رؤوسنا بإيماننا وبالطريق نحرر الأرض ونأخذ المكانة ونرفع الأوطان، نحن نفكر أكثر بكثير مما يفكر أولئك الذين يتحدثون عن مركزٍ أو جاه ، نحن نريد مركزاً عند الله، ونريد جاهاً عند الله، ونريد مكانة عند الله تعالى في الآخرة، وبالتالي من كان يريد هذا عند الله يعطيه الله في الدنيا نصراً وعزاً ومكانة وعظمة، أليست المقاومة اليوم في الموقع الأعلى بين الشعوب وبين الأمم ترفع رأسها بطاعة ربها وطرد الصهاينة من أرضها، هذا نموذج عن المعنويات الكبرى الذي نريدها كأناس يؤمنون بالله تعالى.

في هذه الليلة سأذكر لكم نقاشاً دار بين أحد أصحاب أمير المؤمنين علي(ع) وهو زيد من صحان العبدي، كان الأمير(ع) يستعد لأحد المعارك،فجاءه شيخٌ واستنصحه بعض النصائح، فنصحه مجموعة من النصائح وكان معهما زيد بن صحان العبدي، استغل زيد الفرصة ليسأل الأمير(ع) سأذكر بعض الأسئلة التي سألها زيد وبعض الإجابات التي أجابها الأمير علي(ع) لأنه زيد سأل حوالي 25 سؤالاً وأجابه الأمير(ع) عليها، وكانت الأسئلة تتمحور حول الأفضل للإنسان، والأسوأ الذي يجب أن يتجنبه الإنسان.

سأل زيد: أي سلطانٍ أقوى وأغلب؟

فقال الأمير(ع): الهوى.

(لأن هوى النفس تجر الإنسان وتغريه بحيث أنه يسقط في المهالك بترويج الرغبة المحرمة التي يقدمها الشيطان للإنسان، لذلك قال تعالى:" فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى"، فنهي النفس عن الهوى عمل كبير جداً يتطلب جهوداً من الإنسان، والأمور السيئة أو الحسنة تبدأ صغيرة وتكبر شيئاً فشيئاً عبر الممارسة والأعمال التي يتربى عليها فيصبح الإنسان ملتزماً بدين الله في مقام كبير أو يصبح بعيداً عن دين الله في أسفل سافلين، وكل إنسان عنده سلطان في نفسه ويجب أن تبقى محذراً لنفسك بالتوكل على الله تعالى" اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك").

فقال زيد: فأي ذلٍ أذل؟

قال الأمير(ع): الحرص على الدنيا.

(المقصود بالحرص على الدنيا ، الحرص على شهوات ومحرمات الدنيا، وعلى منكرات الدنيا، فإنسان يتمسك بأي شيء يربطه بالدنيا حتى ولو أدَّى ذلك إلى ارتكاب المعصية وعدم طاعة الله تعالى، مثلاً واقعياً: على الانترنت فتحوا شركة على قاعدة أن هذه الشركة يضع الإنسان فيها الأموال ويأخذ الأرباح مضاعفة وإذا أحضر أشخاص ودخلوا في هذه الشركة يأخذ أرباح مضاعفة وبعد فترة من الزمن تغلق الشركة على الانترنت وتختفي، سأل بعض الأخوة: هل هذه المعاملة محرمة أم لا؟ فأجاب مكتب الوكيل الشرعي أن هذه المعاملة محرمة، لماذا؟ لأن المعاملات المحللة عندنا بيع أو شراء أو إيجار ...وهذه معاملة ليست محللة لأنه لا يوجد شيء تشتريه، تضع أموال وتأخذ شيء في ربا من ناحية وناحية أخرى المعاملة ليست محللة، فالمقياس ليس الربح أو الخسارة إنما هو شرعي أو غير شرعي، فإذا كان شرعياً فهذا أمر جيد وإذا كان غير شرعي فهذا أمر محرم، إذا تمسكت بالمال الحرام يعني أنك تحرص على الدنيا حتى ولو كان عن طريق الحرام، هذا نموذج من نماذج الحرص على الدنيا).

قال زيد: فأيُ عملٍ أفضل؟

فقال الأمير(ع): التقوى.

("إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، لم يقل أكرمكم عند الله أكرمكم ، ولم يقل أكرمكم عند الله أغناكم مالاً، ولم يقل إن أكرمكم عند الله أجملكم،...، فإذا أردتم الأفضل اعملوا لتكونوا الأتقى "وفي ذلك ليتنافس المتنافسون لأن التنافس على التقوى مشروع، إذ أن الأجر عند الله تعالى ولن تأخذ من درب أحد، فما أعظم الإمام الحسين(ع) الذي قدَّم فكان الأتقى بعطاءاته وارتفع عن الله تعالى في الدنيا والآخرة).

ثم سأل زيد: فأيُ عملٍ أنجح؟

قال الأمير(ع): طلب ما عند الله تعالى.

(فإذا كنت بحاجة إلى أي شيء اطلب من الله تعالى، لا تذل نفسك، اطلب كل شيء من طول العمر والموقع والمال...، يمكن أن تكون مصلحتك أن لا يلبي لك طلبك ودعائك، وعند الله كل شيء وهو الغني وهو صاحب العطاء).

قال زيد: فأيُ صاحبٍ أشر؟

قال الأمير(ع): المزيِّنُ لك معصية الله تعالى.

(فمثلاً "يأتي شخص ويقول: أنا مدعو إلى حفلة وأعتقد أنه في هذا الحفل يوجد محرمات فيستشير صاحبه ويقول له: ما رأيك؟ فيقول له صاحبه: لا تضيق على نفسك، الله يغفر لك وهي ليلة وتمر ، واستغفر لالله تعالى" يزين له المعصية ويهونها عليه، الصاحب الذي يزِّن المعصية شرير وليس صاحباً، إنما الصاحب من ينصح أخاه وصاحبه من الوقوع في الأعمال المحرمة والمنكرة).

قال زيد: فأيُ الخلق أشقى؟

فقال الأمير(ع): من باع دينه بدنيا غيره.

(كما فعل عمر ابن سعد، وجماعة أهل الكوفة الذين قاتلوا الإمام الحسين(ع)، مثل ما يعمل العملاء الذين يقاتلون مع إسرائيل ويكونون عيوناً لإسرائيل، ومثل عملاء أمريكا الذين يكونون ضد شعوبهم، وكما يفعل وعاظ السلاطين الذين يخدمون السلطان بانحرافه ويبيعون دينهم بدنيا غيرهم،...)

ثم قال زيد: فأيُ الخلق أقوى؟

فقال الأمير(ع): الحليم.

(فالحليم أقوى خلق الله تعالى، لأن الإنسان إذا تعرض للغضب ثم ضبط نفسه وتحول من الغضب إلى الصبر، وأكثر من ذلك عفا أثناء غضبه، هذا يعني أنه يملك نفسه بقوة، هذا هو الأقوى، "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ "، روي عن الإمام الحسين(ع) "أن فتى عنده ارتكب جناية وخطيئة، فأراد الإمام الحسين(ع) أن يعاقبه وكان عبداً،

فقال العبد للإمام الحسين(ع): والكاظمين الغيظ.

قال الإمام(ع) : كظمت غيظي.

قال العبد: والعافين عن الناس.

قال الإمام(ع): لقد عفوت عنك.

قال العبد: والله يحب المحسنين.

قال الإمام الحسين(ع): أنت حرٌ لوجه الله تعالى ولك ضُعف ما كنت أعطيك".

ليس هيناً على الشخص أن يكون حليماً في طاعة الله تعالى. أو كما فعل أمير المؤمنين علي(ع) عندما كان يقاتل عمر بن عبد ود العامري، فرآه القوم قد توقف للحظات من دون أن يقضي على عمر لأن الأمير(ع) كان فوقه، فبدأ المسلمون يتساءلون : ما الذي جرى مع الأمير(ع)، ثم قضى عليه الأمير(ع)، فسألوه عندما عاد ما القصة مع عمر بن ود العامري وما لانتظارك في قتله. قال(ع) : كنت أهم أن أقضي عليه(بعض الروايات تقول أنه بصق في وجه الأمير، وأخرى تقول تكلم كلاماً عن الله تعالى) فغضبت فخشيت أن أقتله غضباً لنفسي فصبرت حتى هدأ غضبي ثم قتلته غضباً لله تعالى).

فقال زيد: أي الناس أحمق؟

قال الأمير(ع): المغتر بالدنيا وهو يرى ما فيها من تقلب أحوالها.

( فيتعلق الشخص في الدنيا وهو يعرف أنا لن تبقى له كما لن تبقى لغيره، تجد الشخص يهتم ويتألم من الصغيرة والكبيرة، ويعتبر أن الدنيا هي أكبر همٍّ بالنسبة إليه، فمهلاً فهل الذين عمَّروا قبلك قدروا أن يحافظوا على أعمارهم؟ لم يقدروا، فبيوتهم خاوية، فإذاً الدنيا ليست آخر الهم كما يقول الله تعالى عن الدنيا عن الدنيا " وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ "، فالدنيا ممر طريق، ولعب ولهو، " وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ")

ثم قال زيد: فأيُ الناس أشد حسرة؟

فقال الأمير(ع): الذي حُرم الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين.

(هناك أناس لا يربحون الدنيا ولا الآخرة، وكل من عصى لن يأخذ شيئاً من الدنيا وسيكون في جهنم في يوم القيامة، لماذا؟ لأن الدنيا لذات الدنيا تمر سريعة فيكون قد خسر الدنيا والآخرة).

قال زيد: فأيُ المصائب أشد؟

قال الأمير(ع): المصيبة بالدين.

(ليست المصيبة من يخسر الولد أو المنزل أو مالاً فكل هذه الأمور تعوض، فالمصيبة أن يخسر دينه، لأنه إذا خسر الإنسان دينه فقد خسر الهدى، والاستقامة، والإيمان، وخسر محمد(ص) وعلياً وفاطمة والحسن والحسين(عم)، خسر الإمام المهدي(عج)، خسر هذا المقام الرفيع الذي يكون له في الدنيا، فضلاً عن الثواب في الآخرة، فكل من خسر هذا الدين لم يربح شيئاً على وجه الأرض ولو كانت الدنيا كلها معه، فمن خسر الدين هو الذي أصيب بالمصيبة الكبرى).

هل تعلمون أن هذا الدين الذي تحملونه هو وثيقة المرور إلى جنة أعدت للمتقين، هل تعلمون أن هذا الدين هو الذي يعطيكم العز والمكانة والأرباح الدنيوية ثم المكافأة عند الله تعالى، هل تعلمون أن هذا الدين هو الذي يجعلكم أحباء لله تعالى يحبكم وتحبونه، ترضون عنه ويرضى عنكم" رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ").

ثم قال زيد: فأيُ الكلام أفضل عند الله تعالى؟

فقال الأمير(ع): كثرة ذكره والتضرع إليه ودعاؤه.

(إذا أردت أن تخاطب ربك اقرأ القرآن الكريم، هذا خطاب الله تعالى إليك، وكأنك تستمع إليه وترد بالتحية، إذا أردت أن تتواصل مع الله تعالى فادعوه بالأدعية المختلفة، قل له: يا رب أنا عبد أناجيك اطلب منه ما تريد، ابكي بين يديه، تذلل له، تذرع وتكلم بهذا الكلام العظيم ، فوالله ما سمع الله عبداً يدعوه ويناجيه إلاَّ وأمده من عنده ومن عطاءاته، فهو كريمٌ يعطي من ناداه، ويلبي من ناجاه، ويكون مع من قاتل معه وعمل معه في سبيل الله، فنسأله تعالى أن نكون دائماً من الذين يناجون ربهم ولا يناجون أحداً غير الله جلَّ وعلا).

هذه عينات من مكاسب عاشوراء، من مكاسب هذه اللقاءات الطيبة التي تمكننا من أن نتعرف على نهج الإسلام العظيم، هذا النهج الذي كلما اغترفنا منه كلما وجدنا أنه بحرٌ لا ينضب، وأنه مددٌ لا ينفذ، " قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً "، الحمد لله الذي أكرمنا في زمان أننا سرنا مع خط الولاية، مع الإمام الخميني(قده) مع الإمام الخامنئي(حفظه الله ورعاه) لنتعرف على خط النبي(ص) والأئمة(عم)، الحمد لله الذي جعل منّا الشهداء، جعل منّا السيد عباس والشيخ راغب والحاج عماد وكل الشهداء العظام لأنهم واكبوا نصراً أعطانا الله تعالى إياه وأكرمنا به هذه نعمة من الله جلَّ وعلا.