محاضرات

المحاضرةالتي ألقاها في الليلة الرابعة من عاشوراء 1429 في تحويطة الغدير في 31/12/2008 تحت عنوان "التضحية والعلاقة مع الله".

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد(ص) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.

السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين وابن فاطمة الزهراء سلام الله عليهم أجمعين.

السلام على الحسين، وعلى علي ابن الحسين، وعلى أهل بيت الحسين، وعلى أصحاب الحسين، والسلام على الشهداء الذين قدَّموا لمسيرة الإسلام منذ آدم إلى قيام يوم الدين، والسلام عليكم أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته.

بمجرد أن نتذكر الإمام الحسين(ع) تحضرنا التضحية، وتحضرنا العطاءات العظيمة التي تجسدت في هذا الرجل الذي انطبع في أذهاننا وفي زماننا وفي كل زمان أنه سيد الشهداء بلا منازع، والتضحية هذه هي نمط تربوي إسلامي يركز فينا استعداد العطاء، واستعداد التحمل للبلاءات والمصائب

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد(ص) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.

السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين وابن فاطمة الزهراء سلام الله عليهم أجمعين.

السلام على الحسين، وعلى علي ابن الحسين، وعلى أهل بيت الحسين، وعلى أصحاب الحسين، والسلام على الشهداء الذين قدَّموا لمسيرة الإسلام منذ آدم إلى قيام يوم الدين، والسلام عليكم أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته.

بمجرد أن نتذكر الإمام الحسين(ع) تحضرنا التضحية، وتحضرنا العطاءات العظيمة التي تجسدت في هذا الرجل الذي انطبع في أذهاننا وفي زماننا وفي كل زمان أنه سيد الشهداء بلا منازع، والتضحية هذه هي نمط تربوي إسلامي يركز فينا استعداد العطاء، واستعداد التحمل للبلاءات والمصائب المختلفة، ولنواجه التحديات التي تمر بنا في هذه الحياة، واليوم سأستعرض لكم ثلاث نماذج من التضحية:

النموذج الأول: هو النموذج الذي يعطي فيه المضحِّي ويبذل ثم يرفع الله تعالى عنه البلاء في هذه الدنيا، فتبرز تضحيته بشكل مباشر ويُبتلى ويعاني ويتألم ويعيش المرارات الكثيرة، ولكن الله تعالى يكافئه في الدنيا ويرفع عنه البلاء، أمَّا في الآخرة فهو في عليين. هذا النموذج هو نموذج النبي أيوب(ع)، الذي عانى المعاناة الشديدة، وكما تذكر الروايات أن النبي أيوب(ع) خسر أولاده جميعاً، وعاش فقراً مدقعاً، وابتُلي بمرضٍ عضال أقعده عن الحركة، وتخلى عنه الناس وابتعدوا عنه إذ لم يجدوا فيه رجاء، كان نموذجاً للمصائب، وأصبح مثلاً عندنا عندما نقول"فلان صَبَرَ صَبْرَ أيوب"فكان مستوى المعاناة والتضحية والصعوبات والعقبات عالٍ جداً، لكن الله تعالى رأى صبر أيوب وتوكله على الله تعالى، ورضاه بما قسم له، وكان دائماً يلجأ إليه ويدعوه ويأمل بأن ينقذه فكرَّمه الله تعالى فشفاه من مرضه وأعاد له أولاده الذين ماتوا أحياء، وأضاف إليهم عدداً مشابهاً من الأولاد، وارتاحت حياته واطمأن وأصبح في حالة مرتاحة جداً، وكان له نذر بأن يضرب زوجته لخطأ ارتكبته وأساءت من خلاله، فأرشده الله تعالى إلى طريقة في حل مشكلة النذر، لأنه في النذر قال أنه سيضربها بمائة عصا، معنى ذلك أنها يمكن أن تموت بين يديه، لكن الله تعالى أرشده: أن يا أيوب اختار الطريقة المناسبة، جاء إلى العشب الذي ينبت على الأرض فأخذ عشبة وجمع منها مائة وضربها بها مرة واحدة، وبالتالي وفى نذره الذي نذره فخلص من حنث هذا النذر. عن هذه الحادثة يقول تعالى في كتابة العزيز في سورة ص:" وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأُولِي الألْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ"، إذاً هذا نموذج من التضحية والمعاناة والبلاء الذي يصل إلى الإنسان إلى درجة لا تطاق معه الحياة ويخسر كل شيء لكن يبقى رجاؤه بالله موجوداً فيكرمه الله تعالى في الدنيا ويرفع عنه البلاء.

النموذج الثاني: يختبر الله تعالى الإنسان باستعداده للبلاء، هل هو مستعد للبلاء أو غير مستعد؟ لكن قبل أن يقع في الاختبار والامتحان يعفيه الله تعالى من هذا البلاء، فيكون الاختبار على استعداده من دون أن يتحمل وزر البلاء والتضحية وهذا ما حصل مع النبي إبراهيم(ع)، إبراهيم النبي امتحنه الله تعالى، فطلب منه أن يذبح ولده وهذا أمر غير معقول وغير مألوف وهل يعقل أن يذبح الإنسان ولده، لكن لأن الأمر من الله جلَّ وعلا والله أدرى بالمصلحة وهو كنبي يعرف أن تكاليف الله تعالى هي لمصلحة الإنسان استعد لذبح ولده، والأروع أنه أخبر ولده إسماعيل(ع) بأن أمر الله تعالى قد أتى بالذبح فاستجاب إسماعيل(ع)" قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاء اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ "، الأب أقدم على الذبح والابن وافق لأن يسلم لأمر الله تعالى كلاهما أبدى استعداداً للتضحية بأغلى ما يمكن، إسماعيل يضحي بنفسه وإبراهيم يضحي بفلذة كبده أن الأمر الإلهي قد أتى، وعندما همَّ إبراهيم بالذبح جاءه الله تعالى بكبشٍ وكان فداءً عن إسماعيل وارتفع أمر الذبح لإسماعيل وتوجه إلى الكبش وتبيَّن أن إبراهيم صبر على التكليف الذي فيه البلاء الكبير لكن لم يقع فيه عملياً بفديه بكبش والله تعالى كرّمه بعد ذلك في الدنيا والآخرة، ورد في الآيات الكريمة في سورة الصافات:" فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاء اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ "، إذاً هذا نوع من الاختبار والبلاء حيث أبرز الله تعالى استعداد إبراهيم للتضحية واستعداد إسماعيل للتضحية من دون أن تحصل هذه التضحية بفداء الكبش.

النموذج الثالث: أن يتعرض الإنسان للتضحية ويبذل ماله ونفسه، ويُقتل في سبيل الله تعالى ثم تكون المكافأة في الآخرة، وبالتالي يقع البلاء في الدنيا بشكل كامل وهذا ما حصل مع الإمام الحسين(ع)، كان بلاؤه أعظم بلاء، وكان اختباره أكبر اختبار، لأنه كما ذكرت أن النبي إبراهيم(ع) ابتلي باستعداد ولم يُبتلى، أيوب(ع) اختبر بابتلائه ثم ارتفع عنه البلاء، أمَّا الإمام الحسين(ع) اختبر بالابتلاء واستشهد وانتقل إلى رحمة الله تعالى في يوم القيامة، هذا نموذج أرقى وأعلى ولذا هو سيد الشهداء، لأن مع قدَّمه كان النفس والأهل والأصحاب في أصعب ظرف لخدمة دين الله تعالى حتى يبقى اسم محمد(ص) عالياً في الآفاق كما أراد الله تعالى نقياً صافياً وليبق هذا الدين أصيلاً واضحاً مستقيماً ينتقل إلى الأجيال فلا يدنس بأولئك المنافقين الفاسقين الذين حاولوا أن يدسوا في هذا الدين وأن يبعدوه عن الإسلام المحمدي الأصيل.

ما هي ردة فعل الإمام الحسين(ع)؟ هو ذاهبٌ إلى المعركة وهو يعرف أن كربلاء يعني الشهادة بكل تفاصيلها ولم تكن غائبة عنه فكانت واضحة، لم تكن لديه توقعات غير الذي حصل فهو الإمام معصوم ومبلغ، هو الذي قال من المدينة المنورة عندما تحدث مع أم سلمة زوج النبي(ص) قال لها :"شاء الله أن يراني قتيلاً وأن يرى النساء سبايا"، فالصورة واضحة بالتسبة للإمام الحسين(ع)، إذاً هو يعلم النتائج ويعلم مستوى التضحية، ومع ذلك أقدم واستمر بروحية عالية وبجرأة وثقة، وكانت معه السيدة زينب(ع)، وكان معه الرجال والأطفال والنساء والشباب كلهم بهذه الروحية العظيمة حيث ذهبوا على كربلاء وهم يعلمون تماماً أن النتيجة هي الشهادة العظيمة بين يدي الإمام الحسين(ع)، ماذا قال في كربلاء عندما حمل ولده عبد الله وقد أطلق عليه السهم وقتل بين يديه، قال عبارة مشهورة:" هوَّن ما نزل بي أنه في عين الله" ماذا هذا الموقف الرائع للإمام (ع) في قلب المعركة يعيش مع الله تعالى، في قلب التضحية يشعر بأن المدد الإلهي موجود، في ليلة عاشوراء يطلب تأخير المعركة من أجل الصلاة، في يوم عاشوراء يبقى على دعاءٍ واتصال بالله تعالى لا يتراجع قيد أنملة طالما الله تعالى هو المشرف وهو الرقيب، يذكرنا بمحمد(ص) عندما ذهب إلى الطائف ليدعو الناس إلى الإسلام، عندما رفضوا في مكة المكرمة وآذوه وقال النبي(ص):"ما أوذي نبي في قومه مثل ما أوذيت"، بعد أن بذل الجهد وبعدما قام هؤلاء برمي الأشواك في طريق النبي(ص)، وزوجة أبو لهب تلحق به وتقوم بالإهانة والشتائم، وأبو لهب ينفِّر الناس منه، وأصحابه يعذبون في مكة المكرمة، وبلال يعذب وسمية تقتل لتكون أول شهيدة في الإسلام، وياسر يقتل ليكون شهيداً في سبيل الله تعالى، بعد كل هذه المعاناة ماذا فكر النبي(ص)؟ فكر النبي أنه طالما أن الطريق أقفلت في مكة إذاً لنذهب إلى الطائف لندعو إلى الله تعالى لنبلغ رسالة الإسلام، هذه هي الروحية العظيمة، ذهب إلى الطائف وهناك وجهاء القوم وجهوا الأولاد والأطفال والشباب ليرموا الرسول(ص) بالحجارة ويطردوه من الطائف، أدميت قدماه فجلس جانباً في أحد البساتين، ومما قاله(ص):"إن لم يكن بك عليَّ غضبٌ فلا أبالي"، في عظمة التضحية ولا تفكروا بأن هذا الأمر بسيط هذا نتيجة بناء روحي أخلاقي إيماني ، هذا نتيجة تواصل مع الله تعالى.

عندما نحيي ذكرى عاشوراء إنما نحييها لنتعلم من سيد الشهداء الأقصى في التضحية، ومهما قدمنا نحن لم نقدم إلاَّ القليل فيما قدَّم، ومهما فعلنا لم نفعل كما فعل الرسول(ص)، وفي الحديث عن الرسول(ص) :"الأنبياء أشد بلاءً ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل"، ذلك أننا مهما ابتلينا وألمت بنا المصائب، ومهما كانت عندنا الصعوبات من الأهل أو الأولاد أو القوم أو العدة أو الحكام فإن هذه البلاءات ستكون قليلة إذا ما قيست ببلاءات الأئمة والأوصياء والأنبياء، وعلينا إذا كنا نقتدي بهم أن نتحمل هذه البلاءات لأن من تحمل منَّا وسعى إلى أن يكون مقتدياً برسول الله(ص) والأئمة(عم) ارتقى ليصل إلى مرتبة تدنو من الأئمة (عم)، فهنيئاً لمن كان من أحباء وأولياء محمد وآل محمد(عم) في العمل الصالح.

وعندما نتحدث عن التضحية تذهب أفكارنا على الشهادة والقتل في سبيل الله تعالى، وهذا ليس هو المجال الوحيد للتضحية، الرجال يضحون والنساء يضحين والشباب والشابات الجميع عندهم مجالات للتضحية في أمور كثيرة في حياتنا اليومية، ليست التضحية مقتصرة على مواجهة الأعداء والشهادة في سبيل الله تعالى، عندما يتحمل الإنسان أن يكون فقيراً في طاعة الله، ويمكن أن يكون غنياً إذا عصى الله تعالى هذا ابتلاء واختبار، عندما تقبل الأخت أن تكون محجبة وأن تدافع عن حجابها في زمنٍ يُدعى فيه الناس والشابات إلى الجمال وإبراز المفاتن وإبراز المكانة الكبيرة التي تكون للسافرات والبعيدان عن طاعة الله ومع ذلك تتحمل هذه المرأة فتلبس حجابها اقتداءً بفاطمة(ع) وتحتسب أجرها عند الله تعالى ولو قالوا لها ما قالوا، ولو أهانوها، ولو أشعروها أنها خسرت ما أعطاها الله تعالى من جمال ولم تبرزه أمام العالم، لأنها تعلم أن جمالها هو منحة إلهية لها لتبلى به وتختبر به، فهو جمالٌ للزوج والأهل والأقارب، وليس جمالاً للآخرين وللأجانب وهذا ما يجعلها تصبر وتتحمل، وهذه تضحية كبرى لا بدَّ أن تؤخذ بعين الاعتبار عندما تحتسب أجرها على الله تعالى وأنها تتحمل في سبيل الله جلَّ وعلا.

مجالات التضحية متعددة، قد تكون التضحية أحياناً مع الأهل، مع الأولاد والأصحاب والأقرباء، لأن تضطر أن تتخذ منهم موقفاً سلبياً لأنهم ليسوا مع الله تعالى، الله تعالى يقول:" قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ"، إن فضلتم هؤلاء الثمانية على الله تعالى والرسول(ص) والجهاد في سبيله فأنتم خارج دائرة الاستقامة، أمَّا إن فضلتم الإيمان بالله تعالى وبرسوله والجهاد في سبيله بكل المعايير بالجهاد النفسي والعملي وجهاد الأعداء ، فإذا وقف الأب يرفض وإذا وقف الابن عائقاً وإذا وقف المسكن جاذباً وإذا الذهب مبعداً عن طاعة الله نرفض كل هذه طاعة لله تعالى، فإذا كانت مع الله كنا معها، أمَّا إن كانت مع غير الله لم نكن معها هذه هي التضحية الحقيقية التي ترفع من مقام الإنسان.

ما هو المحور التي يرتكز عليه بناء التضحية؟ المحور الأساس هو العلاقة مع الله تعالى، فإذا أراد أحد أن يدخل إلى مكان به ظلام ماذا يستخدم؟ الضوء حتى يرى أمامه. وإذا أحد أراد أن يدخل إلى مكان مقفل ماذا يستخدم حتى يخترق هذا المكان؟ شيء يفتح هذا المكان. إذاً نحن بحاجة إلى ما يدلنا على الطريق بحيث تنفتح أمانا الطرقات، وتنار أمامنا الظلمات، وتنكشف أمامنا الحقائق، ونعرف البداية والنهاية ونصل إلى مرضاة الله تعالى، ما هو هذا الذي يجب أن يكون معنا؟ الصلة بالله تعالى، لذلك أدعوكم أن تفكروا ليل نهار كيف تكونون مع الله تعالى، كيف تعززون علاقتكم به، الصلاة تقربهم من الله، الخمس يقربكم من الله، الصوم يقربكم من الله، الدعاء يقربكم من الله، الشكر يقربكم من الله، الذكر يقربكم من الله، ذكر الله دائماً على ألسنتكم يقربكم من الله، البسملة قبل كل شيء تقربكم من الله تعالى، كل هذه الأمور مفاتيح للعلاقة مع الله تعالى، فإذا أحسنا استخدامها أصبحت علاقتنا بالله تعالى قوية، ومن أصبحت علاقته بالله تعالى قوية أخذ المدد من الله، فيأخذ مع ضعفه قوة من الله، ومع قلة صبره دعماً من الله، ومع بلائه عطاءات من الله، ومع ظروفه المعقدة اطمئنان يأتيه من الله تعالى، حتى أنه يتحول في هذه الدنيا مع كل مصائبها ومشاكلها إلى إنسان مطمئن لأن الله تعالى معه"وهو معكم أينما كنتم"، بالتالي فإننا بحاجة إلى هذه الصلة، فمن كان مع الله يعزز علاقته به، يناجيه، يحادثه، يطلب منه ولا يطلب من أحد على الأرض، عندها يصبح الأقوى والأقدر، ويصبح السائر على الخط المستقيم، أنصحكم بالعودة إلى الله فإنكم تملكون الدنيا وتربحون الآخرة بإذن الله تعالى.

ماذا يقول تعالى عن أولئك الذين يرتبطون بالله تعالى حق الارتباط، يقول:" إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ "، هل تعتقدون أن الإمام الحسين(ع) كان يسير في المعركة قوياً جريئاً شجاعاً لا يهاب أحد والكل يهاب منه لولا أنه مدَّ صلة مع الله تعالى تُشعره بالطمأنينة، هو يرى العسكر ولكنه لا يراهم، يرى أسلحتهم لكنه لا يبالي بها، أوليس هذا الموقف هو لله تعالى، وكما قال علي الأكبر:"لا نبالي أوقع الموت علينا أم وقعنا على الموت"، لن الإيمان هو السبيل يرسم هذا الخط الذي أراده الإمام الحسين(ع).

وعندما يحدثنا رب العالمين عن أهل الكهف يقول:" نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى "، كل قصة أهل الكهف ليقول لنا رب العالمين بأنهم فتية آمنوا بالله تعالى ولأنهم آمنوا أمدَّهم الله تعالى بالهدى وزادهم هدى، فإذا آمنتم أيها الناس فسيزيدكم الله تعالى " وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً "، فإذا كنتم من الذين آمنوا بالله تعالى فستفتح الله تعالى أمامكم الطريق وتشعرون في كل يوم أنكم ازددتم إيماناً فوق الإيمان، فإذا سأل الواحد منكم نفسه من أين أتتني هذه الزيادة من الإيمان لم أفعل شيئاً جديداً: صلاتي أصليها، دعائي أدعو به الله تعالى، إذاً كيف ازددت إيماناً؟ اعلم أنك مع الله تعالى ولا يكون امرئ مع الله تعالى إلاَّ ويعطيه من مدده ويشهر بعد حين أن النور يخرج من قلبه على لسانه في حياته ويعيش الطمأنينة في هذه الحياة الدنيا.

الإنسان في علاقته مع الله واستعداده للتضحية يتحول إلى طودٍ شامخ لا يسّمه أحد، لاحظوا العبارة التي استعملها جلَّ وعلا يقول:" يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا "، لو اجتمع العالم على أن يناقشك بفكرة أو رؤية إسلامية لعجز الناس وكان الحق معك، لو اجتمع العالم من أجل أن يتحدوك في منهج يحملونه ومعك الإسلام سيبقى الإسلام مسيطراً، أنت تحمل كلام الله ومن حمل كلام الله كان ثابتاً على الأرض، والآخرون يبحثون عن الكلمات وعن المواقف وعن القناعات ، هم يرتبكون وضائعون، أمَّا أنت فعلى الخط المستقيم والله تعالى يقول لك:" يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ "، ألا ترضى أن تكون ثابتاً كما ثبت محمد(ص) وآل محمد(عم).

تحصل لدينا أن التضحية مفتوحة أمامنا، قد يبتلينا الله تعالى كما ابتلى أيوب(ع)، وقد يبتلينا كما ابتلى إبراهيم(ع)، وقد يبتلينا كما ابتلى الإمام الحسين(ع)، علينا أن نكون مستعدين لكل أنواع البلاء، والمحور الذي يساعدنا في أن نتحمل أي تضحية وأي بلاء هو علاقتنا مع الله تعالى، هذه العلاقة تجعلنا قادرين على أن نضحي في الأمور الصغيرة وفي الأمور الكبيرة، وأن لا نرى التضحية الشهادة في سبيل الله وننسى التضحية في البيت وفي العلاقات الأخوية، وفي الحي وفي الشارع، وفي كل مكان يوجد فيه تضحية، إذا آذاك أخوك وعفوت عنه هذه تضحية، إذا اعتدى عليك أخوك وتصرف بأخلاق الإسلام هذه تضحية، إذا وجدت أن مصلحة المسلمين تقتضي أن تكون معهم يداً واحدة وهذا ما يجب أن يكون على الرغم من كل الصعوبات والعقبات كنت تجد نفسك الأقدر لكن المسيرة تتطلب أن تتحمل أن يقودك من دون أدنى منك مستوىً لكن لمصلحة الإسلام هذه تضحية، هناك تضحيات كثيرة يمكن للإنسان أن يقوم بها، بالعفو عند المقدرة، بالتربية الصالحة، بعدم التسلط، بالانتباه بالضوابط الشرعية. فعندما نتعلم التضحية من الإمام الحسين(ع) نتعلمها في الأمور الصغيرة ونتعلمها في الأمور الكبيرة، وبالتالي إذا تطلب منّا الأمر أن نكون في مواجهة العدو مهما كان الثمن ومهما كانت التضحية فنحن حاضرون، لولا مسار الإمام الحسين (ع) في حياتنا لما انتصرت المقاومة الإسلامية على إسرائيل في تموز2006، لولا هذه التربية العظيمة لمحمد(ص) وآل محمد(عم) لما كنا في كل مواقعنا رجالاً ونساءً، شباباً وأطفالاً في موقعٍ متقدم نتعاون جميعاً لمواجهة أعداء الله تعالى، كلٌ في موقعه حتى أن العدو حار ماذا يفعل؟ هو لا يقاتل المسلحين فقط بل يقاتل الأطفال الذين لا يخافونه لأن من ارتبط بالله تعالى لا يخاف أحداً سوى الله جلَّ وعلا.

فالتضحية نتائجها دائماً نتائج عظيمة، الإمام الحسين(ع) استشهد في كربلاء ونحن نبكيه، لكن بالله عليكم أي عظيم في التاريخ يحيى ذكره كما يُحيى ذكرى الإمام الحسين(ع)، هو الأعظم هو تاج الرأس، هو المفخرة، هو العز، هو الذي نتغنى به، نبتهج نعيش حالة معنوية عظيمة أننا من أنصار الإمام الحسين(ع) الذي أعطى وضحى وبذل، هو ربح الدنيا والآخرة لأنه قدَّم ما عليه ووصل إلى الرفيق الأعلى في أحلى وأفضل موقع، ونحن عندما نسير على منهجه نلحق به إن شاء الله تعالى، إذاً التضحية خير والتضحية بنتائجها عظيمة وليست خسارة، نعم نحن نبكي الإمام الحسين(ع)، نبكي لأننا نملك مشاعر وعواطف ومن الطبيعي أن نشعر معه في هذه المأساة، لكن لا يحولنا البكاء إلى أشخاصٍ منهزمين بل هذا البكاء يدفعنا للعمل للجهاد للتحرك وللاقتداء ولمواجهة الظالمين، ولذا نفصل تماماً بين حركة مشاعرنا التي هي تعبيرٌ عن إنسانيتنا وبين مواقفنا التي تربينا فيها على الإسلام وعلى أن نكون في الموقع الأول في التضحية والجهاد.