محاضرات

المحاضرة التي ألقاها في الليلة الثالثة من عاشوراء 1429 في حي الجامعة في 30/12/2008 تحت عنوان "ورحمتي وسعت كل شيء"

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى بيته الطيبين الطاهرين. السلام عليك يا أبا عبد الله وابن رسول الله وابن أمير المؤمنين وابن فاطمة الزهراء سلام الله تعالى عليهم أجمعين.

السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أهل بيت الحسين وعلى أصحاب الحسين.

من عظيم نِعم الله تعالى علينا أن عرَّفنا بالإسلام، وجعل قيادتنا متمثِّلة بمحمد وآل محمد (ع)، ووجَّهنا لنختار طريقنا اختيار العارف المطمئن، الذي يرجو دائماً رحمة ربه وعطاءاته. من هنا عندما نركِّز الإيمان بالله تعالى ونعمل لتعزيز هذا الارتباط، فإننا نحصل على الخيرات الكثيرة. ما سأتعرَّض له هذه الليلة يرتبط بالرحمة الإلهية،

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى بيته الطيبين الطاهرين. السلام عليك يا أبا عبد الله وابن رسول الله وابن أمير المؤمنين وابن فاطمة الزهراء سلام الله تعالى عليهم أجمعين.

السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أهل بيت الحسين وعلى أصحاب الحسين.

من عظيم نِعم الله تعالى علينا أن عرَّفنا بالإسلام، وجعل قيادتنا متمثِّلة بمحمد وآل محمد (ع)، ووجَّهنا لنختار طريقنا اختيار العارف المطمئن، الذي يرجو دائماً رحمة ربه وعطاءاته. من هنا عندما نركِّز الإيمان بالله تعالى ونعمل لتعزيز هذا الارتباط، فإننا نحصل على الخيرات الكثيرة. ما سأتعرَّض له هذه الليلة يرتبط بالرحمة الإلهية، لأننا بحاجة إلى هذه الرحمة، ولأن الكون قام على الرحمة، ولأن ما نبتدئ به حياتنا هو رحمة الله تعالى وما تنتهي به هذه الحياة هو رحمة الله تعالى، وقد علمنا أن نفتتح كل شيء باسم الله الرحمن الرحيم، لنذكر صفة الرحمة في آية واحدة وفي افتتاح واحد مرتين، المرة الأولى الرحمن والمرة الثانية الرحيم، مع العلم أن إحدى الصفتين يمكن أن تؤدي الهدف المطلوب في الإشارة إلى رحمة الله تعالى، لكنه يريد أن يؤكد علينا بأن رحمته تطوِّقنا من كل جانب، الرحمن كما ورد في التفاسير المختلفة يعني أنه يُنزل رحمته على الناس جميعاً، على المؤمنين والكافرين، أما الرحيم فيعني أنه يُنزل رحمته على المؤمنين فقط، "وكان بالمؤمنين رحيما"، على قاعدة أن الرحمة إذا نزلت على الناس أجمعهم أولاً فلن يلتفت إليها العصاة والطغاة والمنحرفون والتفت إليها المؤمنون، فإنهم يستحقون مزيداً من رحمة الله تعالى وهو الرحيم بهم، وقال الله في كتابه العزيز "ورحمتي وسعت كل شيء"، فسأكتبها للذين يتَّقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون، فرحمة الله عز وجل ليست محصورة بل هي شاملة، هو يرحمنا بما أعطانا من عقل، ويرحمنا بالرزق، ويرحمنا بدفع البلاء، ويرحمنا بطبيعة الحياة التي نعيشها، كل شيء نجد فيه رحمة الله تعالى، يعني اليوم الإنسان الذي يُبتلى في حياته، بأي شيء يُبتلى؟ يُبتلى بأمور محدودة، لكن في الواقع هو مغمور برحمة الله تعالى قبل أن يطلبها وقبل أن يسأل عنها، وعندما عرَّف رب العالمين رسول الله إلينا قال "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، ولذلك نقول عن الاسلام أنه دين الرحمة، لأنه يدل الانسان على الصواب، ويُسعد الانسان في الدنيا ويُثيبه في الآخرة، ولأنه يُبصِّرنا طريق الحياة الحقيقية، هذه رحمة من عند الله تعالى، هو ابتدأها، هو علَّمنا، هو أرسل الأنبياء إلينا، هو دلَّنا على الطريق قبل أن نسأله وقبل أن نطلب منه، ولذلك إرسال النبي (ص) هو رحمة إلهية، وبما أن الإمامة استمرار للنبوة لكن من دون وحي، فالإمامة أيضاً رحمة إلهية بالنسبة إلينا، وفي هذا الإطار يكون الإمام الحسين (ع) بشهادته مصداقاً للرحمة الإلهية، لماذا؟ لأننا لو لم يكن عندنا كربلاء، ولو لم يكن لدينا الامام الحسين (ع)، ولو لم تكن هذه الفاجعة الكبرى التي حصلت في كربلاء، هل كنا سنتحمل بعض المصائب التي تحيط بنا، على الأقل اليوم إذا استشهد لنا ولد، أو مات لنا مجموعة من الناس أو أًصبنا ببلاء معيَّن، نتذكر ما جرى مع الامام الحسين (ع) فيقلُّ بلاؤنا أمام بلائه وهذه رحمة من الله تعالى. إذاً نحن بحاجة إلى أن نتعرف على هذه الرحمة الإلهية من خلال المظاهر المختلفة التي مرَّت علينا في الحياة، وكما قلت: منها وجود الامام الحسين (ع) الذي ضحى وأعطى وعلَّمنا كيف تكون هذه الحياة في طاعة الله تعالى، وكيف يكون البذل مأجوراً عند الله تعالى، أضف إلى ذلك سلوك الامام الحسين (ع) في كربلاء وقبل كربلاء يدل على هذا القلب الكبير وهذه الروحية الكبيرة، يعني نحن كمتدينين صحيح أنكم ترونا أشداء على الكفار لكن رحماء بينهم، تصرُّفاتنا مع الآخرين تنمُّ عن هذه الرحمة التي أودعها الله تعالى في قلوبنا. جاء زهير بن القين إلى الامام الحسين (ع) وأشار بأن يبدأ القوم القتال قبل أن يتكاثروا، فقال الامام الحسين (ع):"ما كنت لأبدأهم بقتال"، فمن تعوَّد على الرحمة وعلى طاعة الله تعالى، والارتباط بالرحمن الرحيم لا يتصرَّف بالحقد والقتل والاعتداء والدهاء على المسلمين الذين يجب أن يأخذوا فرصتهم ليعودوا إلى الله تعالى، ولو أردنا أيضاً أن نتلمَّس التصرف الرحماني للامام الحسين (ع) نذكر المشهد الذي حصل مع جماعة الحرِّ الرياحي، عندما جاء حوالي ألف فارس وجعجعوا بالامام الحسين (ع)، وقبل أن تحصل هذه الجعجعة كان القوم عطاشى وخيولهم عطشى، فالامام احتاط، ولذلك طلب عندما كان في منطقة شراف من جماعته أن يملأوا القرب بكميات كبيرة، من أجل أن يقدِّمها للقوم الآتين، وهذا ما فعله، فجاء القوم وشربوا من الماء الذي حضَّره الامام الحسين (ع)، هذا نموذج عن الروحية الرحمانية الموجودة عند الامام الحسين (ع)، بعد أن شرب القوم أمر بالأذان تمهيداً لصلاة الظهر، وجمع الناس خطيباً فقال لهم: "إنها معذرة إلى الله عز وجل وإليكم، وإني لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت عليَّ رسلكم أن أقدِم علينا فليس لنا إمام، ولعل الله أن يجمعنا بك على الهدى، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم فاعطوني ما أطمئن به من عهودكم ومواثيقكم، وإن كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم"، لقد خيَّرهم بين أمرين: إما يتبعوه كما كتبوا أو يتركوه ينصرف، فسكتوا جميعاً، لكن هنا تبرز أخلاقية الامام الحسين (ع) وطريقة التصرف برحمة مع المسلمين ليُعطيهم الفرصة حتى يفكِّروا ويدركوا. هذه الرحمة علَّمنا الله تعالى إياها، ووالله لو سلَّم الناس لدين الله تعالى لعاشوا السعادة في هذه الدنيا بأجمعهم دون أن تُنقص من أحدٍ على حساب أحد، كل الناس كانوا عاشوا سعداء، لكن للأسف هؤلاء يفكرون بمصالحهم ونزواتهم وشهواتهم ولذا لن يوفقهم الله تعالى، الله تعالى لا يريد أن يُدخلنا النار، لكن نحن الذين نُخطئ ونراكم المعاصي ونصل إلى درجة لا نتوب فيها إلى الله تعالى، عندها نستحق أن نُعاقب، لكن الله عز وجل رحمن رحيم. الرسول (ص) أراد أن يبيِّن رحمة الله تعالى فقل في حديث عن امرأة تحمل ولدا ًبين يديها، فقال لجماعته:"أترَون هذه طارحة ولدها في النار"، قالوا لا وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال " الله أرحم بعباده من هذه بولدها"، أتظنون أن رب العالمين يرغب أن يدخل الناس إلى النار، كلا فهو الذي بدأنا بالرحمة، لكن بعض الناس لا يستحقون، في الحديث "كل بني آدم يدخل الجنة إلا من أبى، من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى"، المشكلة إذاً من الناس، بل تصل الرحمة الإلهية إلى درجة تربيتنا أن نحترم الحيوان وأن نمنع عنه الأذية، يقول الرسول (ص): رأيت في النار صاحبة الهرة تنهشها مقبلة مدبرة، كانت أوثقتها فلم تكن تطعمها ولم ترسلها تأكل من حشائش الأرض"، هذه تربية عن الرحمة والروحية التي تنظر بحسٍّ اتجاه الآخرين، الإنسان والحيوان.

اليوم عندما ننظر إلى غزة وما يجري فيها من الصهاينة أمام أنظار العالم لرأينا هؤلاء المنتشرين في العالم من القادة والحكام الظلمة، هم أسوأ خلق الله تعالى على الأرض، يرَون الناس في غزة يُقتلون ويُذبحون ثم يقفون إلى جانب إسرائيل ويبررون لها، هؤلاء ليس عندهم أي حسّ إنساني. هذه الرحمة الإلهية هي تعليمنا من أجل أن نتعرف على طريق الحق، وفي نقاش لطيف حصل ما أحد العلماء المعاصرين للإمام زين العابدين (ع) وكان اسمه الحسن البصري، نقلوا عنه كلاماً للإمام زين العابدين (ع) قال: ليس العجب ممن هلك كيف هلك، إنما العجب ممن نجا كيف نجا، يعني أن الحسن البصري يقول أنه ليس غريباً أن يدخل كل الناس إلى جهنم إنما العجب ممن يدخل الجنة، فوصل الكلام إلى الامام زين العابدين (ع) فقال: "ليس العجب ممن نجا كيف نجا، إنما العجب ممن هلك كيف هلك مع سعة رحمة الله تعالى"، هنا العجيب فالله عز وجل يقول لك اتقِ الله وادخل الجنة، والله تعالى أعطانا فرص للتوبة والعودة إليه، أعطانا فرص ليغفر لنا ما تقدَّم من ذنوبنا، لكن علينا أن نتَّعظ، بل أكثر من هذا أن رحمة الله وصلت إلى درجة أنه عندما يُعطينا يزيد من العطاء بفضله إلى درجة تفيض عن كل ما قدَّمناه، فإذا ارتكب أحد معصية أو سيئة فما هو عقابه؟ سيئة بمثلها، وإذا قام بحسنة فما هو ثوابها؟ حسنة بعشر أمثالها، "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسيئة فلا يُجزى إلا مثلها وهم لا يُظلمون"، عندما يعطي رب العالمين على الحسنة عشرة وعلى السيئة واحدة، يعني هو يريد أن يُعطيك فرصاً من رحمته ومن فضله، من أجل أن تجتاز العقبات التي تواجهك، وعندما يتحدث عن المجاهدين، يقول "رجال لا تُلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله، والله يرزق من يشاء بغير حساب"، ثلاث إضافات في آية واحدة، أولاً ليجزيهم أحسن ما عملوا، ويزيدهم من فضله، والله يرزق من يشاء بغير حساب فيفتح ِأمامك الخيرات التي لا تتوقف، فإذا دخلت إلى جنة الله تعالى وأنت مؤمن ترى أنه شطب عنك كل ما قمت به من أخطاء ومعاصٍ، لأنك استحقيت بإيمانك وتقواك أن ترتقي إلى الجنة، وهذا من رحمة الله وفضله عليك لا من أعمالك التي قمت بها في الدنيا.

أيُّ غبيٍّ لا يرتبط بالله تعالى وأمامه هذا العطاء، فإذا دعوت الله تعالى وكنت صادقاً في دعواك، وكنت مؤمناً في قلبك والله تعالى يعلم ذلك، فإنه يتعاطى مع دعائك فحسبه لا بحسبك، يعني كما يتصوَّر الله تعالى لا كما تتصوَّر أنت، ليس كما تستحق أنت بل كما هو كرم الله. الإمام الكاظم (ع) يقول:"واعلموا أن الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم ولكن رفعهم بقدر عظمته ومجده"، يعني الانسان المتواضع الذي له مكانة بين الناس، ليست المكانة لتواضعه بل المكانة لأن الله تعالى كرَّمه ورفعه وزاد من مقامه، فيراه الناس أعلى بكثير مما هو عليه لأنه تواضع لله وعمل لله فكرَّمه الله تعالى من فضله وزاده من غير حساب، "ولم يؤمِّن الخائفين بقدر خوفهم لكن أمَّنهم بقدر كرمه وجوده، ولم يفرِّج عن المحزونين بقدر حزنهم ولكن بقدر رأفته ورحمته"، لذلك عندما نطلب رحمة الله يجب أن نطلبها بحيثيتها عند الله تعالى، فإن كنت تريد رحمة الله على قياسك فهي لا شيء، أما إن كنت تريد رحمة الله تعالى على ما يُعطي الله فرحمة الله وسعت كل شيء، ولا يمكن إلا أن تشملك من رأسك إلى أخمص قدميك، وفي كل حياتك توكل على الله يرحمك الله تعالى.

بعد كل هذا يتبيَّن أمران: أولاً أن رحمة الله واسعة وتشملنا في كل حياتنا وتزداد أكثر فأكثر عندما نكون مؤمنين، ثانياً أن الله تعالى يُعطينا من فضله زيادة عن رحمته، وهذه إضافة منه يحتسبها كما يريد من دون أن نستحقها، ولذلك عندما تدعون الله تعالى ادعوه أن يزيدكم من فضله ولا تدعوه أن يحاسبكم يوم القيامة بعدله، لأن الله إن حاسبنا بعدله فلا أحد يعرف إن كان سينجح أو لا، لكن برحمة الله نفوز، وبفضله الفوز مضمون أكثر، لذلك عندما كان يدعو أمير المؤمنين (ع) كان يقول:" إلهي، أنت أجود المسؤولين وأنا أحوج السائلين، يا من لا يرجى إلا فضله ولا يُخاف إلا عدله، عاملني بفضلك ولا تعاملني بعدلك"، هذا الفضل فيه عطاءات إضافية من الله تعالى لا يكتسبها الانسان، هذا الفضل فيه تكريم للإيمان الذي عملت به في الحياة الدنيا، وتحمَّلت وضحَّيت في مقابل المنحرفين لأن هذا الفضل يعطيك على صبرك على البلاء، من هنا علينا أن نرتبط بالله تعالى وبالنبي والأئمة (ع)، وأن نُحيي ذكراهم في سلوكنا وفي حياتنا من أجل أن نرتقي وأن نصل إلى أعلى المراتب بتوفيق وتسديد الله تعالى، وأي شيء آخر غير هذا المسار لا ينفع ولا يُعطينا ولا يريحنا لا في الدنيا ولا في الآخرة. نحن عندما ندعو إلى الاسلام إنما ندعو إلى الارتباط بخالق الكون وبالقوة العظمى التي لا قوة معها، وبالغنى العظيم الذي لا غنى معه، وبالرحمة الإلهية التي تشمل كي شيء، نحن نرتبط بالعزيز القوي المعطاء، ومن يرتبط هذا الارتباط لا بدَّ أن يأخذ الخيرات الكثيرة.