محاضرات

المحاضرة التي ألقاها في الليلة الأولى من عاشوراء 1429 في قاعة شاهد في 28/12/2008 تحت عنوان "استمرارية الرسالة"

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد(ص) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.

السلام عليكم أيها السادة العلماء، أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته.

عظم الله أجورنا وأجوركم بمصاب أبي عبد الله الحسين(ع)، وجعلنا الله من أنصاره وأعوانه ومحبيه، ومن المستشهدين في خط الرسالة الإسلامية التي جاهد لأجلها وضحى وأعطى مع أهل بيته وأصحابه، ونسأله جلَّ وعلا أن يجعلنا دائماً من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين علي(ع) وأهل بيته الأطهار.

نحن نحمل هذا الإسلام العظيم، وندعو إلى دين الله تعالى كدين كاملٍ شاملٍ لحياتنا لأجل استقامتها وسعادتها ونيل ثواب الله تعالى يوم القيامة على حسن أدائنا في هذه الدنيا.

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد(ص) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.

السلام عليكم أيها السادة العلماء، أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته.

عظم الله أجورنا وأجوركم بمصاب أبي عبد الله الحسين(ع)، وجعلنا الله من أنصاره وأعوانه ومحبيه، ومن المستشهدين في خط الرسالة الإسلامية التي جاهد لأجلها وضحى وأعطى مع أهل بيته وأصحابه، ونسأله جلَّ وعلا أن يجعلنا دائماً من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين علي(ع) وأهل بيته الأطهار.

نحن نحمل هذا الإسلام العظيم، وندعو إلى دين الله تعالى كدين كاملٍ شاملٍ لحياتنا لأجل استقامتها وسعادتها ونيل ثواب الله تعالى يوم القيامة على حسن أدائنا في هذه الدنيا.

فنحن مأمورون أن نحمل هذا الدين وأن نقيمه في حياتنا، وأن لا نختار معه أمراً آخر وأن لا نستبدله بأي فكرٍ أو قناعةٍ أو منهجٍ أو اتجاه، وعندما نقول بأننا نحمل الإسلام، وعندما يقول تعالى بأن الدين عند الله الإسلام، وعندما يحدثنا رب العالمين:"وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ "، إنما يقصد هذا الإسلام المحمدي الأصيل على نهج أهل البيت(عم)،وهو الدين الذي بدأ بآدم(ع) مروراً بأولي العزم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى(عم) وانتهاءاً بمحمد(ص) كخاتم للأنبياء، واستمراراً بسيد الأوصياء علي(ع) إلى صاحب الراية الكبرى الإمام المهدي(عج)، قال تعالى في كتابة العزيز:" شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ"، فرسالة الإسلام هي الرسالة التي تشمل جميع الأنبياء، ويتابعها الأوصياء، ورسالة الإسلام هي الدين الكامل، الذي نحمله ونعمل من أجل وهذا من أجل حياتنا وسعادتها، ولذا عندما نتحدث عن الدين السماوي نقول بأنه يوجد دين واحد هو الدين الإسلامي، ولا نقول بأنه توجد أديان سماوية بل رسالات سماوية، رسالة إبراهيم ورسالة موسى ورسالة عيسى ورسالة محمد(ص) التي يتجسد فيها الدين الإسلامي الكامل وكل الرسالات السماوية تصب في هذا الدين.

من الذي يحمل هذا الدين الإسلامي، الذي أمرنا الله تعالى أن نقيمه على الأرض، والمقصود بإقامته أن نقيمه في حياتنا الشخصية وفي مجتمعنا، أن نحكم بما أنزل الله تعالى:" وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ "، أن نعمل من أجل تطبيق شريعة الله المقدسة في مفردات حياتنا اليومية وفي علاقاتنا، لا يوجد عند المؤمن أي حيزٍ بعيداً عن الإسلام، لأن في الإسلام كل شيء" ما فرطنا في الكتاب من شيء"، وبالتالي كل ما يحتاجه الإنسان يأخذه من هذا الدين، ولكن مَنْ أولئك الذين يحملون هذا الدين؟ وما هي تسميتهم كما عبر عنها القرآن الكريم" هؤلاء هم حزب الله"، وهناك آيتان في القرآن الكريم تحدثتا مباشرة عن هذه التسمية:تسمية حزب الله، تسمية الجماعة الذين يعملون على الخط الإسلامي الأصيل، تسمية الجماعة الذين يرتبطون بالأنبياء من أولهم إلى آخرهم، وبالأئمة من أولهم إلى آخرهم، تسمية الجماعة التي تتحرك في سبيل الله وتعبر عن المنهج الإلهي، أمَّا الآية الأولى فهي في سورة المائدة، يقول تعالى:" إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ "، هاتان الآيتان في سورة المائدة 55 و 56 نزلتا بحق أمير المؤمنين علي (ع) عندما تصدَّق بخاتمه وهو راكع في المسجد، فهي إشارة مباشرة ودلالة مباشرة على علي أمير المؤمنين(ع)، إذاً من أراد أن يكون من حزب الله من الجماعة المنصورة والفائزة والتي يرضى عنها الله تعالى عليه أن يوالي الله ورسوله والذين آمنوا أي الأئمة(عم)، بدءاً بسيد الأوصياء، لاحظوا معي أن حزب الله هو هذا الخط النبوي الإمامي الذي ينتهي بالإمام المهدي(عج) وكل من سار في هذا المنهج كان من الذين آمنوا ومن الذين قاموا بما عليه. أمَّ الآية الثانية وهي موجودة في سورة المجادلة(22) يقول تعالى:" لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ " حتى أقرب المقريبن إليهم لا يمكن أن يكونوا على مودة معهم ولا على تسليم ولا على اقتداء، لأن المؤمنين إنما يقتدون بمحمد(ص) وآل محمد(عم) ومن سار على دربهم،لا يقتدون بآبائهم أو أخوانهم أو عشيرتهم إذا كانوا معارضين لدين الله تعالى، هؤلاء المؤمنين " أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "، فالملاحظ من الآية الثانية أنها تركز على السلوك التي يؤدي إلى الإنتماء إلى حزب الله، بينما الآية الأولى تركز على الاعتقاد وعلى الارتباط بالولاية، مع العلم أن الثانية أيضاً تتحدث بشكلٍ أو بآخر عن الولاية ولكن ليست بالصراحة الأولى، فمن أراد أن يكون من حزب الله عليه أن يكون مع الله والرسول والأئمة(عم) وأن يخط طريقه بهذا المنهج المتكامل الذي رضي الله تعالى عنه، عندها يتحقق للمؤمنين الرضا ويتحقق لكل أولئك الذين ينتسبون إلى شريعة الله المقدسة الفلاح في الدنيا والثواب العظيم في الآخرة.

من هنا نحن أمام أمرين: الأول أمام رسالة الإسلام الكاملة الشاملة التي نزلت على محمد(ص) بكمالها، وأمام الجماعة الذين يحملون هذه الرسالة وهم حزب الله، وهذه الجماعة مسؤولة عن أن تعرف وتدرك الحقائق وأن تسير في المسار الذي يوصلها إلى مرضاة الله تعالى، ولكن هنا انتبهوا إلى المعالم البارزة العملية التي حصلت من خلال القيادة والقدوة المتمثلة بالنبي والأئمة(عم) وهي قدوة ضرورية، فاليوم كيف تطبق الشريعة المقدسة إذا لم يكن لك قائد ومعلم ومرشد ومربي لن تتعرف على هذه الشريعة بشكل صحيح، لذا قال تعالى عن رسول الله(ص):" لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ " أنتم بحاجة إلى الاقتداء وإلى هذه العلاقة وإلى هذه التربية وإلى هذه الولاية وإلى هذا الانتماء.

نحن نلاحظ وجود أربعة معالم بارزة في التاريخ الإسلامي وفي القدوة الإسلامية هي التي تشكل المفاصل الأساسية للاقتداء والاطمئنان أننا الخط الصحيح:

المعلم الأول: يتمثل برسول الله(ص)، وهو خاتم الأنبياء وسيد الرسل وسيد البشر أجمعين، هو صاحب الرسالة الخاتمة، هو الذي يعطينا كل التاريخ بهذه الشريعة المقدسة التي نزلت قرآناً ووحياً، والتي كانت توجيهاً مباشراً من الله تعالى لنبينا الأكرم(ص)، فالمعلم الأول أننا لا بدَّ أن نكون مع النبي(ص) لنأخذ ونتعلم هذه الرسالة الكاملة ونقتدي بما أمرنا وننتهي عما نهانا عنه. هذه المحطة الأولى محطة الكمال، بحيث ضمنا بإذن الله تعالى أننا اخترنا الطريق الصحيح وهو الإسلام " إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ ".

أمَّا المعلم الثاني وهو معلم الوصاية، وصاية أمير المؤمنين علي(ع)، قال رسول الله(ص) :"أنا مدينة العلم وعلي بابها" ، وعليك أن تدخل من الباب إلى المدينة، وبالتالي لا تستطيع إيجاد صلة مع رسول الله(ص) إذا لم تكن مرتبطاً بصلة مع علي(ع) ليشكل لك صلة الاستمرار بين النبوة والإمامة، فالإمامة هنا هي استمرارية للنبوة ولا يمكنك أن تتمسك بالنبوة أو أن تؤدي تكليفك اتجاها أو أن تستوعب تعاليمها، أو أن تقتدي بمندرجاتها إلاَّ إذا سلكت درب الإمامة لتتعلم وتهتدي وتوالي وتتوضح لك التفاصيل ،"من كنت مولاه فهذا علي مولاه".

أمَّا المعلم الثالث وهو المتمثل باستمرارية الرسالة، فأنت الآن عرفت أساس ومنطلق الرسالة محمد(ص) ثم دخلت الباب من خلال علي(ع)، ولكن كيف تضمن الاستمرارية المستقيمة، نحن بحاجة إلى الاستمرار ، دخلنا الباب ووصلنا إلى النبوة ولكن كيف نستمر ونمنع الشوائب التي علقت في هذا الدين والممارسات الخاطئة، ونعرف الحق من الباطل أثناء العمل ونميز بين المنحرفين والمستقيمين ونكون مع المجاهدين والشهداء في مقابل المنافقين والذين اشتروا هذا الدين لمصلحة دنياهم ولم يكونوا مع الله تعالى.

هنا يأتي الحسين(ع) الذي يشكل الاستمرارية من خلال شهادته ومن خلال كربلاء، وهنا نفهم معنى قول رسول الله(ص):"حسينٌ مني وأنا من حسين أحب الله من أحبّ حسيناً"، فالرسول من الحسين باستمرارية الرسالة والرسالة هذه لم تكن لتستمر لولا كربلاء، لأن كربلاء فضحت حكم بني أمية، كربلاء وضَّحت أنه يوجد تفسيرٌ إسلامي صحيح وتفسير إسلامي بعيدٌ عن الحق، كربلاء كشفت أن الحاكم قد يحكم باسم الإسلام ولكنه قد يكون بعيداً تماماً عن دين الله تعالى، ليس مهماً أن نقول عنه أنه خليفة المسلمين بل المهم أن يعمل بما أمر الله تعالى في القرآن والسنة والشريفة. كربلاء كانت المفصل الأساس في حيات الأمة والتي فصلَّت بين الحق والباطل، والتي أدَّت إلى الاستمرارية، ولولا كربلاء لما عرفنا اليوم هذا التمايز الموجود بين الخط الإسلامي النبوي الإمامي والخط الأموي العباسي المنحرف الذي أبعد الإسلامي عن مسرح الحياة، إذاً نحن بحاجة إلى هذا المعلم وإلى الإمام الحسين(ع) في شهادته في كربلاء.

وأمَّا الرابع فهو معلم الظهور لنور الأرض وصاحب الزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، الذي يؤدي إلى نشر الدين على مستوى المعمورة بأسرها " ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلِئت ظلماً وجوراً"، وعن رسول الله(ص):"المهدي من ولدي تكون له غيبة وحيرة تضل فيها أمم يأتي بذخيرة الأنبياء(عم) فيملأها عدلاً وقسطاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً"، فالارتباط في المسيرة، لا يوجد انفصال، كل السلسلة عندنا هي سلسلة واحدة تترابط من أولها إلى آخرها.

إذاً تحصَّل لدينا أن المعالم البارزة التي تؤدي إلى حمل الإسلام الحق الكامل، والتي تجعلنا من حزب الله كما قال القرآن الكريم، تتمثل بالمثابرة الكاملة والمتابعة والاستمرارية ونشر الدين على مستوى المعمورة، أو بمعنى آخر تتمثل بخاتم الأنبياء محمد(ص) وسيد الأوصياء علي(ع) وصولاً إلى الإمام الحسين(ع) في موقعه كسيدٍ للشهداء وإنتهاءً بالإمام المهدي(عج) ومعهم الأئمة الأطهار الذين يشكلون السلسلة المرابطة للوصول إلى نهايتها إلى تعميم السعادة والانتصار على مستوى المعمورة.

لكن هناك فترة من الزمن تمر ويكون الإمام غائباً فيها، كما هي حالنا اليوم، فالإمام المهدي(عج) غاب غيبته الكبرى في سنة 329هـ ولا زال في غيبته الكبرى، ماذا نفعل؟ كيف نتعرف على الإمام؟ وكيف نتعرف على المعالم البارزة؟ كيف نكون من حزب الله؟ كيف نحمل الدين الكامل الذي أراده الله تعالى؟ لا بدَّ أن نبحث عن القيادة التي تجسد هذه المعاني وهذه المفاهيم وهي التي تتمثل بالنسبة إلينا بولي أمرنا وقائدنا الإمام الخامنئي(حفظه الله تعالى ورعاه) بعد الإمام الخميني(قده) على الدرب الواحد التي تسلم الراية إن شاء الله تعالى لصاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.

من هنا أصبح واضحاً أننا إمَّا أن نكون جزءاً متواصلاً مع حركة النبوة والإمامة، وإمَّا أن نكون خارجها، لا يستطيع الإنسان أن ينتقي وأن يختار، لأنه بذلك يخلط الأمور، والله تعالى قدَّم لنا ديناً كاملاً شاملاً وأرسل لنا مَنْ يعلمنا ويربطنا به ويرشدنا في طريقنا حتى لا نضل، فأي واحد منّا كيف يعرف الحق من الباطل؟ كيف يمكن أن نميِّز؟ هل العلم وحده يكفي؟ أبداً، القدوة هي التي تدلنا والتي ترشدنا، ونحن في هذه الأيام نحيي ذكرى استشهاد الإمام الحسين(ع) أي نأخذ من السلسلة عنوان استمراريتها، ونأخذ من السلسلة ما قال عنه النبي(ص):" حسينٌ مني وأنا من حسين أحب الله من أحبّ حسيناً"، وهذا يدعونا إلى أن نقرأه سيرته وأن نتعلم من مواقفه وأن نكون دقيقين جداً في فهم كل خطوة وكل أداء قام به الإمام الحسين(ع) لأنه يبصرنا الطريق لأنه معلم من معالم استمرارية الرسالة.

أنا أشفق على هؤلاء الذين لم يعرفوا الحسين(ع)، على أولئك الذين لم يتعلموا في مدرسة الحسين(ع)، على أولئك الذين لم يطلعوا على ما جرى وما قال وما عبَّر عنه ولماذا تحرك وإلى أين وصل، لأنهم سيخسرون كثيراً، كربلاء ليست حادثة في التاريخ، كربلاء مدرسة لاستمرارية الإسلام المحمدي الأصيل، كربلاء معلم يدلنا على نهاية الطريق التي توصل إلى الله تعالى، من تركها خسر كثيراً وابتعد عن الجادة الصواب، لأن الإمام الحسين(ع) كما قال عنه الرسول(ص) وعن أخيه الإمام الحسن(ع):"الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا"، يعني أن الإمام الحسين(ع) هو إمام معصوم ، والمعصوم هو القدوة وهو الذي لا يخطئ ولا ينسى ولا يسهو، هو الذي يبلغ الرسالة كما أتت من عند الله تعالى، هو الذي يدل على الخط المستقيم، كيف يغفل البعض التعرف على الإمام الحسين(ع) وعلى هذا المنهج، هذه الاستمرارية كيف تجسدت؟ تجسدت بما قاله الإمام الحسين(ع) في رسالته إلى أخيه محمد ابن الحنفية:" وأني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله، أريد أو آمر بالمعروف وأن أنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي"، يعني هناك خطوة إصلاح في الأمة، خطوة أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وخطوة الاقتداء بمحمد(ص) وعلي(ع) ، ثلاثة عناوين أساسية هي التي أدَّت إلى الإصلاح والاستمرارية وتوضيح الاستقامة، خطوة الإصلاح في الأمة وخطوة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخطوة السير بسيرة محمد وعلي وهذا أمر مطلوب من أجل استمرارية الرسالة. بعد ذلك إذا كانت الرسالة بهذه الشمولية، وكانت الاستمرارية ببركة دماء الإمام الحسين(ع) الذي رفض أن يسلم للحاكم الظالم وأسقط العنوان الإسلامي المنافق المشوه، ووضَّح معالم الدين للأمة إذا كان كذلك إذاً نحن مدينون لكل ما أتى من بعد كربلاء للإمام الحسين(ع) في أدائه، وهذا ما يفسر كلام الإمام الخميني(قده) عندما قال:"كل ما عندنا من عاشوراء"، فلولا عاشوراء لضاعت هذه المعالم، لولا عاشوراء لصعب التمييز بين الحق والباطل، لولا عاشوراء لما انفرزت الناس والقيادات ولما استطعنا أن نفهم تماماً موقع القيادة العملية للأمة، لذلك كل ما عندنا من عاشوراء، العزة من عاشوراء، التربية على الشهادة من عاشوراء، انتصار الدين من عاشوراء، انتظار الإمام انتظاراً إيجابياً صحيحاً لإعلاء الدين من عاشوراء، الوقوف بوجه الظلمة من عاشوراء، رفع راية الإسلام من عاشوراء، البكاء والتعلق بالله تعالى من عاشوراء، حب أهل البيت من عاشوراء، انتصار إيران الإسلام من عاشوراء، انتصار حزب الله في لبنان من عاشوراء، عظم الله أجوركم بشهادة الإمام الحسين(ع).

ربما اعتقد البعض أن فهمنا لكربلاء هو فهم مشاعر وعواطف وتعلق ، لا هو أكبر من هذا بكثير، عندنا المشاعر والعواطف والتعلق ولكنها ممزوجة بالتفاني بحب الله تعالى والإيمان أن هذا هو الخط الذي يسعد البشرية ويثيبها في آخرتها. نسأل الله تعالى أن يوفقنا لنكون على هذا المنهج، وقد رأينا بأم العين كيف أننا عندما سلكنا درب عاشوراء نصرنا الله تعالى ووفقنا في مواقع كثيرة، رغم قلة العدد والعدة، من كان يتوقع في العالم أن تنتصر قلة مؤمنة في لبنان على أعتى جيش في المنطقة مدعوماً من كل المستكبرين بكل الأسلحة والإمكانات السياسية والإعلامية، وبكل الدعم بالوسائل كافة ومع ذلك انتصر حزب الله على إسرائيل، هذا ببركة المنهج العاشورائي، وهذا ببركة الاستعداد للتضحية والقناعة بأن هذا الأمر بيد الله وعند الله تعالى. نعم عندما نقول بأن النصر هو نصر إلهي لأننا نؤمن بأن الله يمد المؤمنين، ولأننا نؤمن بأن قلتنا وضعفنا لا يمكن أن تغلب كثرتهم وإمكاناتهم، ولكن عندما تحصل الغلبة هذا لأن الله تعالى مدنا" وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى "، نعم نؤمن بدعم الله تعالى وبطبيعة الحال إنهم لا يؤمنون لأنهم لا يعرفون الله تعالى.