بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد(ص) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم أيها السادة العلماء، أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته.
لا بدَّ في البداية بتحية خاصة لمعهد الرسول الأكرم(ص) لما يقوم به من دور رائد، ولما يحدثه في بلدنا ومنطقتنا من خطوات نعتقد أنها ستؤسس لنمطٍ علمي سيكون رائداً ومواكباً للتطورات التي تواكب زماننا الذي نعيش فيه. ولا أخفي أن ما يقوم به هذا المعهد هو خطوة جريئة بحسب تقاليد الحوزة العلمية التي أثرت في فترات طويلة من الزمن أن تبقى على قديمها وتقليديتها على قاعدة أن هذا القديم هو الخير، ونحن لا ننكر ذلك، ولكن في آنٍ معاً يمكننا أن نوجد صلة الوصل بين هذا القديم والاستفادة مما أتاحه الله لنا من أساليب ومعارف وإمكانات يمكنها أن تحقق أهداف الشريعة المقدسة بأبسط الطرق والأساليب مع الكثرة الكاثرة من الناس حيث دخل عدد كبير مع الزمن وتغير الوضع الذي كانوا يجتمعون به مع عدد قليل من الناس، فلا بدَّ أن نصل إلى العدد الأكبر وهي هذه الجمهرة الكبيرة من الناس في العالم، مع اللهفة لمعرفة دين الله تعالى، ومع الاستعداد لتسليم الراية لصاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، هنا أوجه هذه التحية الخالصة للجهود الكثيرة التي يبذلها هذا المعهد على المستوى العلمي وعلى مستوى تطوير الإمكانات والقدرات لمواكبة هذا الزمن.
نحن اليوم نجتمع لنكرم مجموعة من الأخوة الذين تفوقوا ونجحوا وتخرجوا في عامهم الدراسي، ومن حقهم أن يفرحوا ومن حقنا أن نفرح بهم، أنا لا أعتبر أن هذا التقليد هو تقليد عادي بسيط أو لا قيمة له ، بالعكس من المفيد أن يقف الإنسان عند كل محطة من المحطات ليتأمل ما أنجزه فإذا كان في الخير والصلاح يفرح به فرحاً لا يخرجه عن تواضعه وعلمه واستقامته على طاعة الله تعالى وهذا أمرٌ مشروع، فنحن فرحون بكم وإن شاء الله تفرحون بمزيد من العطاء والإنجاز إلى أن تنتهي ساعات الحياة لدى كل واحد من هؤلاء المتخرجين.
لطالما ذكرنا الآية الكريمة عندما نتحدث عن التمييز بين العلم والجهل، أو بين المتعلمين وغير المتعلمين فنقولها مرددين لها"قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"، ويمكن الاستنتاج من جزء الآية الكريمة بأن العلم يرفع ويميز ويفتح الطرق، وبطبيعة الحال لا يمكن أن يستوي المتعلم مع الجاهل، وبالتأكيد التمايز حاصل والفرق يصبح شاسعاً وبعيداً كلما زاد العلم من ناحية وزاد الجهل من ناحية أخرى، ولكن في هذه الآية خصوصية لا بدَّ أن نلتفت إليها حتى لا يكون الاختيار المجزء دافعاً لإطلاق المعنى من دون رسم الحدود والضوابط التي أدَّت إلى هذا المعنى، الآية تقول:" أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ"، هذه هي الآية الكريمة التي تربط بين المقدمة والخاتمة، وتعطي الاستنتاج على ضوء هذا المقدمة، وبالتالي هناك ثلاثة أمور تشكل الدعائم الأساسية للتمييز بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون.
" أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً "، هذا هو الأمر الأول العبادي، والعبادة هو خيار يستطيع الإنسان من خلاله أن يبني نفسه وأن يتواصل مع ربه، وأن يحدد استقامته، وأن يهذب مساره، وبالتالي هذه العبادة هي الركيزة الأساسية التي تجعل الإنسان قادراً على تقويم شخصيته مستقيمة في الطريقة التي أرادها الله تعالى، الصلاة التي نصليها صلة مع الله لنأخذ منه ونهذب مسارنا ونحدد طريقنا بشكل دقيق، يحذر الآخرة، وهذا هو الهدف أن نصل أن تكون أعمالنا أعمالاً تؤدي إلى أن نحمل صحيفة أعمالنا في الآخرة ونحن قادرون على اجتياز الصراط على قاعدة ما نحمله من عملٍ يساعدنا بالحصول على الشفاعة والرحمة والتسديد الإلهي والدخول إلى الجنة، "وابتغ بما آتاك الله الدار الآخرة ..."، فالدار الآخرة هي المطلب، يوم الحساب هو الذي يجب أن ننظر إليه، وهذا يعني أن ننظر إلى السلوك الذي يتبع شخصيتنا في أدائنا العملي " وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ "، لتكون المحصلة أن يصل الإنسان في أداءٍ يُبيِّن أنه كان يحذر الآخرة وكان ملاحظاً لأدائه بشكل دقيق يمكنه من الاستقامة في خط الإسلام ويرجو رحمة ربه، لأنه من غير الرحمة الإلهية لا يستطيع أن يحصل على شيء، ومن غير التسليم لله تعالى وتفويض الله لله تعالى بعد القيام بما علينا لا يمكن أن ننال المغفرة، علينا أن نثق بأن الله تعالى يعطينا وأن الله يرحمنا، علينا أن نثق بأن رحمته واسعة " وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ "، "فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ "، فالله تعالى بكتابتها وسريانها على المؤمنين الذين يلتزمون بهذا الخط، وبالتالي لا بدَّ أن نعيش فكرة الرحمة الإلهية في حياتنا لنتأمل أن نتجاوز العقبات وأن نصل إلى المطلوب.
هذه هي الأمور الثلاثة : العبادة والعمل الذي يوصلنا إلى الآخرة، ورجاء الرحمة الإلهية لنتجاوز الصراط، من علم أنها الأسس التي تنقذه والتي تقوِّم مساره والتي توصله إلى الله تعالى هو الذي يتميز عن غيره" قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ ".
هذا المسار هو مسارٌ يؤدي إلى السعادة وإلى الثواب في الآخرة، لكنه يحتاج إلى المعلم، يحتاج إلى المرشد، من هنا كان النبي(ص) هو الرسول والنبي والإمام والهادي والمعلم، وتابعت سلسلة المسيرة شخصيات عظيمة تمثلت بأئمة أهل البيت(عم) وعلى رأسهم سيد الأوصياء أمير المؤمنين علي(ع)، نحن بحاجة إلى أن نكون مع القائد القدوة مع النبي محمد(ص)، مع أمير المؤمنين علي(ع) مع الأئمة المعصومين(عم) مع الإمام المهدي(عج)، من أجل أن تترابط مسيرة القيادة وصولاً إلى الالتزام بالولاية بكل مفاعيلها السابقة والحالية والمستقبلية بمسيرة النبوة والإمامة وولاية ولي الأمر الإمام الخامنئي(حفظه الله ورعاه) وصولاً إلى الإمام المهدي(عج) كسلسلة توصلنا إلى هذا المقام لا على قاعدة التشابك في العصمة وإنما على قاعدة الإدارة والقيادة، وهنا نحن مع المعصومين الأربعة عشر الذين يوصلونا إلى هذا الخط ونحن بحاجة إليه لنعبر.
بكل صراحة من سوء التوفيق للكثير من المسلمين أنهم لا يعلمون، لأن العلم يتطلب المعلم، والمعلم ليس بنات الأفكار وإنما المعلم هو الرسول(ص) والأئمة(عم)، وهنا لا نحتفل بالغدير على قاعدة الفرح بيوم أغر وعظيم مرَّ في التاريخ، بل لأنه يومٌ نعيشه معه الآثار الحاضرة والمستقبلية بكل فعالية، فالغدير هو الباب"أنا مدينة العلم وعليٌ بابها" والباب مدخلٌ إلى الرسول(ص)، والدخول إلى هذا المدخل هو استيعاب لحركة الإسلام في حياتنا حتى تستقيم وحتى نعمل لكمال الدين.
فهنيئاً لمن والى أمير المؤمنين علي(ع)، ولمن فهم توجيهات الرسول(ص)"من كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه"، وهنيئاً من سار على هدي القرآن" إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ "، هذا المسار الذي يجعلنا نتبصر ونتوفق في دنيانا قبل أخرانا، وبالتالي نحن بحاجة إلى أن ننهل من هذا المعين الذي يعطينا القوة، القوة في الفكر، والقوة في الروح، والقوة في السلوك، والقوة في الاستقامة، وهذا ما يعيد لنا إنسانيتنا الحقيقية ويجعلنا نتمايز في هذه الدنيا ونكون كمبلغين ودعاة إلى الله تعالى يؤدون الهدف المطلوب ويصلون إلى ما أراد الله تعالى.
أنتم في هذا المعهد تقومون بالعمل الريادي لتوجيه الأمة وتعليمها وتعريفها لمنهج الإسلام الحق على خط أهل البيت (عم) وهذا عملٌ كبير ، هو الذي أنجز كل ما نراه من إنجازات، عندما نتحدث عن انتصار الإسلام على يد الإمام الخميني(قده) وعلى يد الشعب الإيراني المسلم في إيران إنما نتحدث عن هذا المنهج منهج أهل البيت(عم)، وعندما نتحدث عن انتصارات المقاومة الإسلامية في لبنان إنما نعود أيضاً إلى هذا المنهج الذي كان السبب والأساس، لم تكن القوة التي نراها في مواجهة إسرائيل قوة عضلات يملكها شباب تدربوا على حمل السلاح بل كانت قوة الإيمان التي عبَّرت عنها عضلاتهم فكانت نموذجاً مختلفاً لنماذج التنافس الجسدي أو المادي أعطى عبرة لمن يعتبر وأعطى نموذجاً للعالم بأن الإيمان يصنع المعجزات وأن من كان مع الله كان الله تعالى معه " وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ " وهذا ما حصل في عدوان تموز في مواجهة العدو الإسرائيلي الغاشم.