في لبنان انعقد اتفاق الطائف سنة 1989 كنتيجة لحرب أهلية عربية دولية استمرت من سنة 75 إلى سنة 90، يعني 15 سنة منطقة شرقية ومنطقة غربية أدَّت إلى تغيرات في موازين القوى، وأدَّت إلى تظافر جهود إقليمية دولية اجتمعت في الطائف وأنتجت هذا الاتفاق الذي عبَّر عن خطوة نحو انهاء الاختلاف ولكن بالاستفادة من النتائج الميدانية لهذا القتال، يعني التوازن الذي كان موجوداً جعل اتفاق الطائف برعاية أمريكية سعودية سورية عربية وبالتالي لم يعد بامكان الأطراف المعنية أن تقود أي شيء على قاعدة أن هذه النتيجة هي نتيجة للحل، ووافق الأطراف المحليون على هذا الاتفاق وتحول الاتفاق إلى دستور.
منذ سنة 1990 بعد انهاء الحرب وبدأ تطبيق اتفاق الطائف حتى الآن لم يطرح أحدٌ من اللبنانيين تعديل أو تغيير اتفاق الطائف كاتفاق ناظم للعلاقات بين اللبنانيين، لكن كنا نلاحظ في بازار الخلاف السياسي إذا أراد البعض إتهام المعارضة كانوا يقولون: أولئك يريدون تبديل اتفاق الطائف، كيف؟ وبأي طريقة؟ نوع من إخافة الناس أن فكر التغيير ستؤدي إلى حرب والحرب ستعيدنا إلى سنة 1975، وبالتالي بما أن الطائف أُنجزت بعد حرب فأي تغيير في الطائف يستلزم حرباً قبل أن ينجز شيئاً، فمن استخدم فزاعة تغيير الطائف استخدمها ليستحضر فكرة الحرب كتهديد وتهويل على الآخرين، في الوقت الذي لم يطرح أحد تغيير الطائف وتعديله بل كل النقاشات كانت على السياسات المعتمدة في لبنان وليس على القوانين الناظمة للعلاقة بين اللبنانيين، أي السياسات التي اختلفنا عليها؟ اختلفنا على سياسات إدارة البلد، ومستقبل البلد، ودور لبنان في الشرق الأوسط الجديد، وموقع لبنان في مواجهة إسرائيل، وعلاقة لبنان مع محيطه العربي، هذه النقاط التي اختلفنا عليها! إذاً في لبنان اختلفنا بالسياسة، ولم نختلف لتعديل القوانين والأنظمة، ولا لتعديل الطائف. وهذا الأمر سببه وجود رغبة دولية تمثلت بأمريكا بالتحديد لإعادة النظر بتركيبة الواقع السياسي اللبناني، يعني أن أمريكا تريد أن تغير بعض المعادلات في لبنان وفي المنطقة، وبالتالي لا يناسبها الأداء السياسي الموجود، فجاء أول تدخل علني رسمي لا يقبل التأويل ولا التفسير بإصدار القرار 1559، فبدأت المشكلة الحالية عند صدور هذا القرار بضغط أمريكي فرنسي، وهذا القرار من مضمونه يمكن أن نفهم ما الذي يريدونه، القرار لا يريد الاستمرار بالمقاومة في لبنان، يريد إخراج السوريين كسلطة مؤثرة في الواقع اللبناني، يريد إنهاء الوضع الفلسطيني في داخل المخيمات وفي خارجها من دون أن قدرة لديه، ويريد انتخاب رئيس جمهورية وفق معادلة تكون أمريكا قادرة على أن تسيطر على هذا الواقع اللبناني، فلو أردنا أن نجمع هذه العناوين فالأمر واضح: أمريكا تريد أن تسيطر على لبنان.
وتسيطر على لبنان على قاعدة أن يكون لبنان بوابة من بوابات الشرق الأوسط الجديد، كجزء من سيطرتها السياسية في المنطقة، فمشروعها السياسي في المنطقة تريد أن يكون زعماء المنطقة تحت إدارتها، تريد استثمار الأوراق الاقتصادية في منطقتنا، وأيضاً تريد تكملة كل المقومات اللازمة لتقوية المشروع الإسرائيلي.
لذلك ونحن من أواخر العام 2004 يعني منذ صدور القرار 1559 لسنا أمام مشكلة داخلية، نحن أمام مشكلة صراع نفوذ دولي يريد أن يسيطر على لبنان، ويريد أن يقود إلى المشروع الأمريكي الذي أخذ التعبير الواضح"الشرق الأوسط الجديد"، وعلى كل حال وزيرة الخارجية الأمريكية "رايس" في قلب عدوان تموز وفي اليوم التاسع عندما عندما سئُلت بضرورة إيقاف القصف الإسرائيلي والدمار في لبنان، قالت: نحن نشهد مخاض ولادة شرق أوسط جديد"، فاستعارة هذا الموضوع الطبي لتقول أن ما نراها من آلام وأوجاع وصراخ ستكون البشارة بعده بولادة الشرق الأوسط الجديد على الشاكلة الأمريكية، إذاً هي لم تخفي الهدف من العدوان الإسرائيلي، الهدف أن تسيطر وأن يأخذوا لبنان حيث تريد.
إذاً نحن حالياً كنا في مواجهة مشروع أمريكي بدأ تطبيقياً من القرار 1559 وهو يريد تحقيق ثلاثة أمور:
- أولاً: إنهاء وجود المقاومة في لبنان، التي تشكل القوة والقدرة المانعة من تحقيق المشروع الأمريكي الإسرائيلي.
- ثانياً تريد إدارة لبنان كجزء من سيادتها في السيطرة على إدارة لبنان المنطقة من خلال قياداتها وزعماتها ضمن المشروع الأمريكي.
- ثالثاً: تريد تهيئة المناخات الملائمة للمشروع الإسرائيلي التوسعي، كي يستقر وتُعلن الدولة الإسرائيلية، وتحل مشاكل عدم إعلانها واستقرارها على حساب لبنان وباقي دول المنطقة، وطبعاً على حساب الشعب الفلسطيني.
من هنا لم نكن أمام قضية بسيطة في لبنان، ونستغرب من يقول: بأن المشكلة في لبنان هناك من يمثل الطائف وآخر لا يمثله، أو هناك صراع بين الموالاة والمعارضة وكل واحد يريد أن يُحسِّن الشروط والمواقع، لم يكن الصراع في هذه الأمور بالأصل ولا التفكير بهذا الاتجاه، أمريكا بثقلها أتت لترعى مشروعها في لبنان، وأتت من أجل أن تغير المعادلة بكل الوسائل والأساليب البشعة وبكل ما تمكنت من استخدامه من دون استثناء، نحن عندما نقول كحزب الله من ناحية وكمعارضة من ناحية أخرى: أننا كنا نواجه مشروع دولي، لا ننظر كعادات بعض الحركات والتنظيمات في العالم عندما كانوا يقولن عن كل شيء بأنه مؤامرة، أو يقولن عن كل شيء أنه تدخل، لا، فالوقائع موجودة، أصبح لبنان في السياسة الأمريكية مفردة يلقيها أكثر من أي ولاية أمريكية أخرى، أصبحت الزيارات الأمريكية إلى لبنان والتدخل في شؤونه أكثر بكثير مما نعرفه عن أي دولة من دول المنطقة، لأن يوجد توقع عند الأمريكيين أن يسيطروا على لبنان ، ولبنان له موقع جيوسياسي مؤثر في مجاورة إسرائيل، ومجاورة سوريا، في قلب المنطقة، وما يمكن أن تُحدثه من متغيرات.
نحن في الواقع منذ صدور القرار 1559 نواجه مشروع أمريكي كبير جداً، ومعقد جداً، لا نواجه مركز مدير عام أو وزارة زيادة أو وزارة بالناقص، فحزب الله بالحد الأدنى ولا نريد أن نتكلم عن الآخرين لم يتمسك بحصته في عدد الوزراء وإنما وزعها على المعارضين، ولم تكن له مكاسب خاصة وإنما ركَّز على الثلث الضامن بما هو ضامن لسياسات البلد كي لا تقع في مشروع أمريكا في لبنان، لأن انعكاس السياسة سيكون انعكاس على كل شيء على مستقبل لبنان، وانعكاس على مستقبل المقاومة وعلى كل الإدارة الموجودة، فتصبح الأمور الأخرى في داخل البلد مجرد تفاصيل.
لذا كنا أمام مشروع خطير وكبير وكان لا بدَّ أن نصمد وأن نلتفت وننتبه، استسخف الحديث عن أن المشروع هو مشروع ....لاتفاق الطائف، هذه سخافة، مع العلم أن اتفاق الطائف عملياً كل الأطراف لم تنفذه كما يجب، فاليوم في اتفاق الطائف يوجد تشكيل اللجنة الوطنية من أجل إلغاء الطائفية السياسية، لا أحد يلتفت لهذا الأمر على قاعدة من يرفضها يعتبر أنها تخل بالتوازن الطائفي، ومن يريدها يخشى أن يثير حساسية الطوائف الأخرى، فكانت النتيجة أن بنداً من بنود اتفاق الطائف مجمد، وأكثر من هذا ما اتفقنا عليه في الدوحة في التقسيمات الانتخابية على أساس القضاء, والدائرة الانتخابية الصغرى يخالف مضمون الطائف الذي يتحدث عن المحافظة، والحمد لله كان هناك إجماع يعني خالفنا بالإجماع والكل مبسوط، ولكن الاعتراض أن الطائف المقدس أصبح له شيطان.
فالمعادلة السياسية في توافق الأطراف أهم بكثير مع هذه التعقيدات من الالتزام ببعض النصوص طالما أننا نعيش عقدة النفوس، فرأينا أن إراحة النفوس في الدائرة تستلزم أن نتجاوز الطائف وما فيه بالإجماع، ولم نسمع أصوات تقول أن اتفاق مُسَّ وهذا خطر، فالأمر لعبة مصالح، ولعبة المصالح أصبح حولها نوع من الإجماع تقريباً من المعنيين على طاولة الحوار فلذلك تمَّ التجاوز بكل سهولة وبالتالي ليس عندنا مشكلة اسمها مشكلة الطائف.
حل المشاكل القائمة بيننا كلبنانيين حتى لا يكون هنا فتنة وحتى لا يدخل المستكبر بيننا وحتى لا نعقد حياتنا كنا مستعدين للتنازلات التي تؤدي إلى حل حتى ولو كانت الاتفاقات من النوع الذي صدر، وهذا لا يعني أننا غير راضون عن هذه الاتفاقات، لا نحن راضون وكنا مشاركين فيها.
بما أن التحدي هو تحدي أمريكي لسلب لبنان قدرته لم يعد الحديث عن خلاف الموالاة والمعارضة دون أهمية، فجماعة الموالاة تريد أن تحسن شروطها الداخلية من أجل أن تسيطر على السلطة، ومن حقهم أن يسيطروا إذا فكروا أن هذه السيطرة تؤدي إلى فوائد ونتائج حسنة، لكن عندما وجد هذا الفريق أن السيطرة على هذه السلطة لا تتم فقط بالقواعد الدستورية المعتبرة تقاطعت مصالح السيطرة على السلطة مع الرؤية الأمريكية في السيطرة على لبنان، ولم أقول هنا أنهم يريدون خدمة أمريكا بل تقاطعت المصالح، واعتبروا أن دعم أمريكا لهم دعم يساعدهم أم يصلوا إلى ما يريدون وإذا أخذت أمريكا ما تريد لا تؤثر عليهم، وطبعاً رأي أمريكا مختلف، فأمريكا لا تقف مع أحد إلاَّ وتأخذه وتأخذ ما معه، تحاور أمريكا حيث تريد وتحتل حيث تريد وتسيطر على منابع النفط والإمكانات في العالم، وتسبب الاحتباس الحراري، وتهدم الاقتصاد العالمي من أوله إلى آخره، الخ...ولا يستطيع أحد أن يتكلم معه شيء.
بعض الدول العربية اشترت بعشرات مليارات الدولارات الأسهم الفاشلة والتي لا قيمة لها وهي مجرد أوراق غير قابلة للصرف وللنجاح لأنها لا تتجرأ أن لا تشتريها، من أجل الدعم الاقتصادي الأمريكي.
في حرب الخليج سنة 1991 في عاصفة الصحراء وهذه الحادثة ذكرتها أحد الصحف الأمريكية المشهورة قسَّم الأمريكيون كلفة الحرب على حلفائها(السعودية، الكويت، ألمانيا، الخ..) دفعت هذه الدول مبالغها المتوجبة عليها وتأخرت ألمانيا عن الدفع حتى الآخر، عندما أرادوا أن يدفعوا أجبرت أمريكا ألمانيا أن تدفع حصتها ولو ربحت أمريكا بتجميع الحصص، فأمريكا هكذا تعمل : عليك هذا المبلغ عليك أن تدفعه من دون مناقشة.
فلنكن واضحين: أمريكا تسيطر تنهب وتعتدي وتتجاوز عندما لا يعجبها أحد وحتى ولو ضحت بهم،على كل حال نحن نعتبر أننا كنا نواجه مشروعاً أمريكياً خطراً في لبنان ذكرت عناوينه الثلاثة، واستخدمت أمريكا من أجل هذه العناوين الثلاثة أربع أساليب بالحد الأدنى كل واحد منها يدمر بلد وقارة:
- الأسلوب الأول: الاتهامات التي، تبدأ ولا تنتهي حتى نُربك وندافع عن أنفسنا، اتهام أننا نعمل ضد مصلحة لبنان، اتهام أننا دولة ضمن دولة، اتهام أننا نعمل لطائفة دون الطوائف الأخرى، اتهام أن المقاومة خطر ولولاها لما اعتدت إسرائيل، وأغرقونا بسيلٍ من الاتهامات حتى ننشغل بالدفاع عن أنفسنا وحتى تصبح صورتنا سيئة ومشوَّه أمام الناس فنقضي كل الوقت لردود الفعل على الاتهامات، كلها كانت اتهامات باطلة.
- الأسلوب الثاني: تشويه صورة المقاومة بخصوص المقاومة، يعني نعم نعتوا المقاومة بالإرهاب فلم تتأثر، قالوا بأن المقاومة لا تعمل لمصلحة لبنان لم يصدقهم أحد، فإذاً أرادوا إحداث مشاكل داخلية حتى يُبعدوا الناس عن المقاومة ، وحتى يوجدوا حساسيات مذهبية وطائفية لإسقاط فكرة المقاومة، وبالنهاية اعتمدوا فكرة اعتبروها وقَّادة أن المقاومة كانت منطق تسويات مع الحكومة قبل سنة 2000 ولكن بعد سنة 2000 لم يعد للمقاومة دور بعد خروج إسرائيل من لبنان، وحتى في بعض أحاديثهم كانوا يثيرون هذه المسألة على المستوى العربي والدولي ليقول بأن هذه المقاومة تخرج عن الإجماع الدولي والضوابط والأصول، والحمد لله استطاعت المقاومة أن تصمد أمام هذه التشويهات بعملها.
الأسلوب الثالث: دخلوا إلينا بالقوة العسكرية الإسرائيلية بأقصى ما تكون القوة التي استخدمت في منطقتنا، ولمعلوماتكم ما أُطلق من قذائف وصواريخ على لبنان يزيد عن كل ما أطلقته إسرائيل في حروبها السابقة وفي عملياتها منذ أُنشأت إسرائيل حتى الاعتداء على لبنان بما فيه ما أطلقته في اجتياحها سنة 1982 ، كانت تريد إنهاء المقاومة وحزب الله، وإلغاء هذه القدرة والالتفاف الشعبي حتى لا تقوم قائمة لا لهذا الحزب، فعدوان تموز ليس حرب ولا معركة عدوان تموز هو حرب إبادة، عدوان تموز خطة اقتلاع من الجذور، عدوان تموز قرار أمريكي يستهدف جذوة المقاومة في كل المنطقة العربية والإسلامية وكانت البداية بلبنان.
وصف الكثيرون عدوان تموز بأوصاف مختلفة، بعضهم عبَّر عن نجاح المقاومة بأنه معزة، وبعضهم عبر بأنه استثناء من الصعب أن يحصل في التاريخ، وبعضهم اعتبر وهماً كبيراً فكشفتها المقاومة، مهما كانت الاستنتاجات هناك فئة قليلة غلبت فئة كبيرة بإذن الله، هناك سلاح متواضع قهر السلاح الأمريكي الإسرائيلي، وهناك عدد قليل مع إيمانه بالله تعالى أصبح كبيراً في عين العدو. فما حصل في عدوان تموز هو هزيمة كبرى لإسرائيل وانتصار عظيم للبنان ونستطيع أن نفاخر به في كل العالم.
- الأسلوب الرابع: أسلوب الفتنة، الفتنة السنية الشيعية، أحيَّوها من لا شيء، لأنه لا يوجد في لبنان فتنة سنية شيعية، عشرات الآلاف من العائلات في لبنان متزاوجة فيما بينها، ومتداخلة حتى في سكنها ومنازلها...، إلى درجة أنه لم يفكر أحد في كل الفترة السابقة منذ نشأت لبنان حتى هذا التاريخ بمشكلة اسمها الفتنة السنية الشيعية، كنا نجد في لبنان مشكلة مسيحية إسلامية، كنا نجد خلافات على السلطة ولكن لم نكن نشعر في يوم من الأيام أن هناك خلاف سني شيعي، من الذي استحضر هذه الفتنة إلى لبنان؟ أمريكا هي التي جاءت بها لتحرض تحت عنوان أنتم سنة وأنتم شيعة وصعب التعايش فيما بينكم لأن كل فريق يريد أن يأخذ الفريق الآخر ويأخذ المكاسب من طريقه، وهذا غير صحيح، فإذا كانت مشكلتنا بالخلافة أو بالإمامة، كانت مشكلتنا إذا كنا نصلي مكتوفي الأيدي أو مسبلي اليد، حتى سمع بمشكلة بالخلاف على مسجد أو بالصلاة به؟...كل ما سمعناه أن الخلاف هو خلاف سياسي، لأن هذا الخلاف السياسي يخفي لبوساً مذهبياً، إذا أحد تكلم على رئيس الحكومة مسَّ الدار الخلافة السنية، فما علاقة دار الخلافة بالموقع السني وكذلك الأمر بالنسبة للشيعة، وهذا كلام غير صحيح فلم نختلف مع أحد لأننا شيعة ولم يختلف أحد معنا لأنه سني ونحن شيعة. بالمعارضة يوجد سنة ومسيحيون ودروز وشيعة وكذلك بالنسبة للموالاة.
لأنهم يعلمون أن الفتنة المذهبية تحرك العصبيات وتبعد العقل عن التحليل وتمكن للبعض أن يقود التحريض المذهبي إلى داخل التناحر الداخلي فدخلوا إلى الموضوع المذهبي، وفي المقابل كنا نعمل ليل نهار لإبعاد هذا الكأس المر، ولنقول للناس لا يوجد فتنة مذهبية ونعطي الأدلة التطبيقية والعملية ونتحمل الكثير من الإشكالات ولم يصدر عنّا في يوم من الأيام كلام يؤدي إلى التحريض السني الشيعي. انتصرنا على الفتنة في لبنان من دون أن نصوِّب عليها، وخنقنا مشروعها إلى غير رجعة إن شاء الله، وأثبتنا للعالم أن الفتنة السنية الشيعية كانت وهماً وكانت ضوضاء بلا صدى وبلا أصل، فعدنا إلى ما كنا عليه، وإن شاء الله تشهد الأيام والأشهر القادمة المزيد من إخراج هذا العنوان من ساحتنا.
أربعة أساليب من أصعب الأساليب التي واجهتنا للعناوين الثلاثة التي ذكرتها، عندما فشلت هذه الأساليب الأربعة سقطت هذه العناوين الثلاثة التي حاولوا أن يقوموا بها في لبنان.
أمَّا رؤية حزب الله في لبنان:
- أولاً: نحن نؤمن بأن لبنان يجب أن يكون قوياً بمقاومته وجيشه وشعبه، نحن نؤمن بالمقاومة القوية التي يجب أن نقويها أكثر، ونؤمن بتسليح الجيش اللبناني بما يجعله قادراً على مواجهة إسرائيل، ونؤمن أيضاً بأن كل مستلزمات حصول الجيش على هذا المستوى من الإمكانات المادية ومن التسليح ومن التدريب ومن أي جهة كانت لا نتحفظ على حصوله عليها للوصول إلى هذا المقام. لكن لن نتخلى عن قوتنا إلاَّ إذا اطمأننا بأنه توجد قوة تعالج ما كنا نعالجه وتواجه إسرائيل وعندها ننسق كيف يكون هناك تكامل بين قوة المقاومة وقوة الجيش وقوة الشعب وقوة لبنان بشكل عام، ولن نقبل أن يرجع لبنان ضعيفاً.
- ثانياً: نحن نؤمن بالاحتكام لصناديق الاقتراع، وليختر الناس من يشاؤون: مولاة أو معارضة ولن نلجأ إلى الأساليب المشبوه لا ضغطاً ولا إرهاباً ولا غشاً ولا إفساداً، لأنه في النهاية يجب أن يكون للناس حرية الاختيار، من هنا نقول بأن المال الانتخابي الذي يوزع اليوم بلا حساب هو مال فاسد ومفسد في آنٍ معاً، ولكن أطمأنكم أن هذا المال يشتري ضعَّاف النفوس، وبالتالي إذا كنا سنراهن كمعارضة لنجاحنا على ضعاف النفوس يشترونهم أو نشتريهم فسلام عليهم، ولكن عندما نراهن كمعارضة على خيارات الناس الحرة فحينها لا نتأثر إذا ذهب البعض نتيجة شراء الضمائر، فمن يبيع ضميره ببعض الأموال من أجل أن يعطي صوته فهذا لا خير فيه أن يكون معنا.
- ثالثاً: الاختلاف السياسي مشروع، ولكن الفتنة غير مشروعة، وبالتالي نحن نقبل الآخر أن يقول رأيه وأن يعارض أو يوافق كما يريد، ولكن عليه أيضاً أن يقبل رأينا وفق القوانين المرعية الإجراء ولكن من دون أن ندخل من بوابة الفتنة.
- رابعاً: ما جرى منذ اتفاق الدوحة يريحنا ويطمئننا، ونحن مسرورون باتفاق الدوحة وبنتائجه، ولكن نعتبر أن اتفاق الدوحة أنهى مرحلة بدأت مع القرار 1559 وأنشأ مرحلة جديدة، هذه المرحلة الجديدة بعد اتفاق الدوحة لها عناوين أخرى غير المرحلة السابقة، من عناوين المرحلة الجديدة بعد اتفاق الدوحة التهدئة ، انتظار نتائج الانتخابات النيابية، ضعف القدرة الدولية على تغيير المعادلة في لبنان، ترك التوازن لصناديق الاقتراع، تعب الأطراف من أن تعتمد على الأساليب المشبوه والمقيتة والتي أثرت على لبنان.
- خامساً: اكتشاف الشبكة الإسرائيلية التي كانت تعمل لأكثر من عشرين سنة، والتي كانت ترصد شباب المقاومة وكوادرها وأماكن سكنهم، تدل على أن الساحة مخترقة من قبل الإسرائيليين، وطبعاً هذا أمر ليس جديداً علينا، ولم نقل يوماً بأن الساحة مقفلة بوجه الشبكات الإسرائيلية، لكن كلما تفاهمنا أكثر واتفقنا أكثر وعملنا سياسة كلما أنفضح هؤلاء أكثر لأن البيئة لا تساعدهم على العمل، فإسرائيل تعمل في البيئة المتوترة وتستفيد منها، ولكن لا تستطيع أن تحقق إنجازات في البيئة الهادئة، لذلك مسؤوليتنا جميعاً أن نلتفت بأن إسرائيل خطر وهي تلعب في ساحتنا. نعم من الصعب أن تقوم إسرائيل بعمل عسكري كبير على لبنان ليس كرم أخلاق بالنسبة لها وإنما لأنها لم من جرح وهزيمة حرب تموز حتى الآن، خاصة أننا اليوم في وضع أفضل بكثير مما كنا عليه في أيام عدوان تموز وهم ليسوا في وضعٍ أفضل والحمد لله تعالى.
أما هذا الواقع أقول بأننا سنتابع هذه المسيرة ويجب أن نلتفت بأن الحكومة اللبنانية اليوم مسؤولة عن المعالجة الاقتصادية والاجتماعية وهذا الأمر السادس، ولا يجوز أن يكون هناك إهمال لبعض المناطق المحرومة، بل يجب أن يكون هناك إنماء متوازن خاصة أن هناك أموال تصرف، ولكن للأسف حتى الآن لم يكن هناك عادلة كافية، فالمطلوب أن يكون هناك عدالة خلال هذه الفترة على الباقية لحين الانتخابات النيابية كي ننصف بعض المناطق اجتماعياً واقتصادياً.
مع إشادتنا بكل المصالحات التي حصلت، ودعوتنا الدائمة لتعزيزها وترسيخها وسعينا الذي أدَّى إلى نتائج مهمة هذه المصالحات مصالحات سياسية لتوجيه البوصلة باتجاه الخلاف الحقيقي السياسي غير المذهبي ، وليست تحالفات انتخابية، وسنبقى كمعارضة متحالفين مع بعضنا بالانتخابات النيابية القادمة، ولن يكون هناك تحالف رباعي ولا أشكال أخرى من التحالف مع الموالاة، وليختر الناس من يريدون فهذه معركة سياسية حرة وعلى كل من يريد أن يعمل أن يعمل كما يريد.
والحمد لله أن أمريكا ليست بخير ، دخلت في مشكلة الوضع الاقتصادي، وهذا الوضع أربك أمريكا إرباكاً كبيراً، وأثبت أن أمريكا تحاول أن تمد يدها إلى العالم ولكن هي غير قادرة، واستطيع أن أقول بكل جرأة: بدأ زمن السقوط الأمريكي، فعادة كل شعب أو أمبروطورية أو دولة عظمى لها لحظة إشعاع بعد ذلك تبدأ بالهبوط، فأمريكا وصلت إلى قمة إشعاعها وبدأت بالهبوط، لماذا؟ لأنه لا يوجد حقل من الحقول إلاَّ وخسرت فيه أمريكا، في المسألة الثقافية لم تعد تشكل طموحاً وحلماً من قبل الناس كديمقراطية وحقوق الناس...هذه حقوق لأمريكا على حساب الشعوب، عدا عن الفساد الأخلاقي والاجتماعي وتعطيل وتدمير الأسرة. على المستوى العسكري هي لم تنجح لا في أفغانستان ولا في العراق ولم تستطع أن تنقذ إسرائيل. أمَّا على المستوى السياسي فالسيطرة الأمريكية في العالم تتزعزع في أماكن مختلفة، وأخيراً الهزيمة المالية.
إذاً ماذا عند أمريكا لتكون إشعاعاً؟ فاليوم تشعر بأن أمريكا لم تعد قادرة على الإمساك باللعبة كما كانوا وهذه نعمة من الله تعالى.
في المقابل المقاومة في جهوزية ، وهذه المقاومة تجذرت بمنهجها ورؤيتها، وأصبحت نموذجاً للعالم الإسلامي كله، وبالتالي نحن أمام مستقبل إن شاء الله يكون صاعداً.