محاضرات

المحاضرة التي ألقاها "كيف نعيش الحياة" في حفل تأبين الشاعر الأستاذ حسين حيدر في قرية بدنايل في البقاع في 2/11/2008

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق على مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد(ص) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه الأبرار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والصالحين إلى قيام يوم الدين.

السلام عليكم أيها الحفل الكريم ورحمة الله وبركاته.

يمكن للإنسان أن يجد لنفسه خصوصية في الحياة، على الرغم من أنه يشترك مع الآخرين بالجسد والروح، ولكنه يتميز بنموذج العطاء، فكيف إذا كان العطاء من أجل حياة الأمة، ومن أجل نصرها وعزِّها.

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق على مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد(ص) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه الأبرار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والصالحين إلى قيام يوم الدين.

السلام عليكم أيها الحفل الكريم ورحمة الله وبركاته.

يمكن للإنسان أن يجد لنفسه خصوصية في الحياة، على الرغم من أنه يشترك مع الآخرين بالجسد والروح، ولكنه يتميز بنموذج العطاء، فكيف إذا كان العطاء من أجل حياة الأمة، ومن أجل نصرها وعزِّها. كما تتعدد موارد العطاء، منهم من يعطي بالقلم، ومنهم من يعطي باللسان، ومنهم من يعطي بالجسد، لكنه في نهاية المطاف يحمل معه كل هذا العطاء ليتوج العزة والنصرة لأمتنا ولأجيالنا. لقد ساهم المرحوم الأستاذ حسين حيدر بشعره ومواقفه في حالة التعبئة لنهج المقاومة، ورفع شعارات نحتاجها من أجل سلوك الطريق نحو الهدف الحق، لقد تميَّز فقيدنا بحمله للقضايا الأساسية الحيَّة منذ شبابه، أي أنه لم يكن غائباً عن النهج السليم، فمع التطور ومع المتغيرات التي حصلت بقي دائماً مع فلسطين، مع نهج المقاومة ومع قضايا العرب والأمة والوحدة وعبَّر عنها بشعره حتى أنه قبل أن يغادرنا ملأ الساحات بالحب والعشق للمقاومة، وأعلن البيعة مراراً وتكراراً ليقول بأن قلبي معكم وقلمي معكم وأنا معكم فرحمة الله عليك أيها المقاوم بالقلم واللسان والعطاء والفاتحة إلى روحه الطاهرة.

هي الحياة التي أرادها عزيزة، وهي الحياة التي لا يميِّزها البعض، فيخطأ بين حياة إلزامية هي الجسد والروح، وبين حياة اختياره تحيي العقل والقلب والأمة والإنسان، ما نريده هي الحياة الحقيقية التي لا تنتهي بجسدٍ فقد قدرة الحركة تماماً، بل تلك الحياة التي تبقى مع فقدان الجسد سواءً بما وعد الله في الآخرة أو بما يبقى من رصيدٍ للإنسان بين أحبته وأمته وشعبه.

الحياة التي نريدها هي الحياة العزيزة التي تعبر عن الإنسانية، ولعلَّ البعض ضاع في فهم الحياة فظنها بيتاً وقصراً وطعاماً وشراباً ومركزاً، لكن هذه الأمور هي من الأمور البالية التي لا تصلح أمام الحياة ولا قيمة لها، ما أروع التعبير الإلهي عندما ميَّز بين الحياة ومتاعها، فقال تعالى:" زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ "، هذا متاع وليس حياة، نحن نريد الحياة ولا نريد المتاع الزائل، نحن نريد الحياة التي توصلنا إلى حُسن المآب عند الله تعالى، نحن نريد الحياة التي تُشعرنا بإنسانيتنا وكرامتنا وعزَّتنا، نحن نريد الحياة التي تتفجر من يد مقاوم يعطي في سبيل الله فيسقط الجسد لترتفع الروح، ويسقط الجسد لترتفع الأمة ويتحرر الوطن، هذه هي الحياة التي نريدها وهذه هي ثقافة الحياة التي نسعى إليها.

قال تعالى في كتابه العزيز في التعبير عن الحياة الحقيقية:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ "، هذه دعوة الله إلى الحياة الحقيقية، فأنت حيٌ في هذا القالب، ولكن ماذا تضع في هذا القالب، وماذا تضع في هذا العقل، وماذا تضع في هذا القلب،" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ "، هذه هي الحياة بالاستجابة إلى أوامر الله تعالى، ويقول رسول الله (ص):" لا تغفل عن قراءة القرآن فإنَّ القرآن يحيي القلوب"، ميزته هي هذه الحياة التي يعطيك إياها وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي لتكون مستقيماً، وباستقامتك تعيش معنى الحياة الحقيقية التي يريدها الله تعالى . أمَّا أمير المؤمنين علي(ع) فيأخذنا إلى أحد معالم الحياة أيضاً، ويفصل بين الموت والحياة بمفهومٍ إنساني وليس مفهومٍ جسدي فيقول:"الموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين"، فقد يسقط الجسد لكنك تحيا، وقد يبقى الجسد ولكنك تكون ميتاً، ذاك الشاعر وقف في أحد المرات وهو يرى اجتماعاً عربياً لمؤتمر من المؤتمرات وقد أزعجه تكرار المؤتمرات بلا فائدة فقال:" جلسوا على أرائكهم سبحان خالقهم عاشوا وما شعروا ماتوا وما قبروا"، لأن الحياة الحقيقية ليست بالجلوس إنما الحياة بما ينتج عن المرء من عطاء، ولذا قال الإمام الرضا(ع):"من جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت فيه القلوب"، هكذا نحن نفهم الحياة، وهكذا نريد الحياة، ولذا عندما نؤبن فقيدنا الأستاذ حسين حيدر أو عندما نؤبن شهداءنا، أو عندما نؤبن أشخاصاً عاشوا بيننا وتميزوا بصفاتٍ عملية وأخلاقية، أو عندما نؤبن من سعى على عياله، ومن خدمت في بيتها، ومن عمل من أجل الراحة والاطمئنان في طاعة الله تعالى، كل أولئك يكونون أحياء عند ربهم يرزقون، لأنهم عاشوا معنى الحياة الحقيقية، ونحن نؤمن بأن الحياة متواصلة، هذه الحياة تنتقل إلى البرزخ والبرزخ حياة، وبعد البرزخ يأتي يوم القيامة والقيامة حياة، ولذا قال تعالى:" وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ "، "أحياءٌ" ليست صفة لهم لتكريمهم بل هي توصيفٌ لحقيقتهم، هم أحياء نعم أحياء، أحياء في قبورهم ولكننا لا نراهم،" أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ "، وهذه هي الحياة التي نعمل لها والتي نسعى لها.

عندما سلكنا درب المقاومة إنما سلكناها كطريقٍ للحياة، ولم نسلكها كطريق للموت، بحثنا من خلال المقاومة عن عزتنا، بحثنا من خلال المقاومة عن كرامتنا وعن أرضنا وعن شرفنا وعن مكانتنا وسيادتنا واستقلالنا، لم تكن المقاومة بالنسبة إلينا في أي يوم من الأيام ثمناً لموقع سياسي أو مكسباً آنياً أو خصوصية قروية أو مناطقية أو طائفية أو غير ذلك، بل هي الرمز الذي يوصلنا إلى أهدافنا الكبرى، إلى شعورنا بإنسانيتنا ووجودنا وحضورنا، كانت المقاومة حلماً فأصبحت حقيقة واقعة أمام العالم، كانت المقاومة أغنية فتحولت إلى مسار بين الناس، دخلت إلى كل بيت، ودخلت إلى كل عقل وقلب، واستطاعت أن تصبح ثقافة تواجه ثقافة الهزيمة، وقوة تقهر ضعف الاستسلام، ومكانة تواجه ذاك الإحباط الذي أصاب أمتنا لفترة طويلة من الزمن.

هذه المقاومة هي الأمل والكرامة وهي الحياة، ولا يستطيع أحد أن يقتلعها من قلوبنا ولا من عقولنا ولا من بلدنا، لأنها لم تعد مجرد فكرة بل تحولت إلى سيلٍ من الدم العتيد، لم تعد مجرد نقاشٍ بين أفراد أو جهات بل أصبحت متجذرة في كل أسرة وفي كل قرية وفي كل مدينة وفي كل شارع، وعلى هذا الأساس علينا أن نفتخر بمثل هذه المقاومة، وأن نسعى لتعزيزها وتقويتها والدفاع عنها، لا لأنها تمثل كسباً لفريق بل لأنها تمثل كسباً للبنان وللشباب وللمستقبل وللأجيال.

أولاً نرى انتصاراً عظيماً حصل في لبنان سواءً في أيار سنة 2000 بالتحرير الأول، أو في تموز سنة 2006 بالانتصار الثاني، لم يكن بإمكاننا أن نرى مثيلاً له في منطقتنا لعشرات أو مئات السنين، ألم ترزخ إسرائيل فوق قلوبنا وبلداننا لمدة ستين عاماً من دون أن يُحقَّق في مواجهتها مثل هذا النصر الكبير العظيم الذي أسقطها وأسقط قوتها التي لا تقهر، وجعلها تهتز في ردعها وفي مكانتها، هذا انتصارٌ تبحث عنه الأمم لتتغنى به ولو كان عند غيرها، فكيف إذا كان عندها ومن خلال أولادها وشبابها وبناتها وشيوخها وأطفالها، هذا نصرٌ يتمنى العالم أن يحصل في زمانه ليتمتع بعظمته، فكيف إذا عشناه يوماً بيوم وساعة بساعة ولحظة بلحظة، أولئك الذين يتنكرون للنصر لا يستطيعون عيشاً، وأولئك الذين لا يقبلون النصر عليهم أن يعيدوا النظر في رؤيتهم وفي منهجيتهم، لأن النصر هذا ليس كلمة أو فكرة تناقش في كتاب، بل هو واقعٌ أثبت نفسه وزلزل إسرائيل وأسقط قياداتها السياسية والعسكرية، وأعلن أمام الملأ أن مقاومة لبنان شامخة شموخ الجبال، وأن رجال المقاومة رجالٌ أشداء استطاعوا أن يقهروا الآلة الإسرائيلية الأمريكية وأن يحموا بلدهم وأن يحرروا أرضهم، هذه الأمور نراها بيننا في كل حي وفي كل شارع وليست مجرد سيرة نقرأها في الكتب أو نناقشها فيما بيننا.