محاضرات

الشيخ نعيم قاسم: النموذج الإسلامي للأسرة

الشيخ نعيم قاسم: النموذج الإسلامي للأسرة
كلمة نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في افتتاح مؤتمر الأمن الأسري 2 نحو نموذج إسلامي للأسرة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا حبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم أيها الحفل الكريم ورحمة الله وبركاته..
أحيّي جمعية الرابطة اللبنانية الثقافية على اهتمامها بهذه الموضوعات الحساسة والمهمة والأساسية التي ترتبط بالأسرة، وأسأل الله تعالى أن يوفق القيّمين عليها لنشر نتائج هذا المؤتمر والمؤتمرات السابقة، ولتحقيق نتائج أفضل لمصلحة بناء الأسرة المسلمة.
رَسَمَ الإسلام هيكلًا بتفريعاتٍ مترابطة، شكلَّت الصورة الكاملة للنموذج الإسلامي للأسرة، والذي يحقِّق الأمن الأسري، ويساعدنا على استكشاف الإجراءات العملية لزواج وأسرة سعيدين.

1.    النموذج الإسلامي 
 

أولًا: النموذج الإسلامي للأسرة قائمٌ على توزيع الحقوق والواجبات، بناءً لقاعدتين أساسيتين: 


القاعدة الأولى: الانطلاق من المكوِّنات التكوينية التي يتميز بها كل من الرجل والمرأة، فجاء التشريع ليتعامل مع هذه المقومات، ويوجِّهها بأوامر ونواهي، تساعد الإنسان على أن يسثمرها بأفضل درجات الاستثمار، كما هو الإسلام الذي يوجِّه كل مفاصل حياة الإنسان نحو المستوى الأعلى وهو الكمال.
 

القاعدة الثانية: تحقيقُ أفضل تنظيمٍ للأداء، من خلال أوامر ونواهي تشريعية، تأخذ بعين الاعتبار حُسن الإدارة، وكيفية أداء الحقوق والواجبات، من خلال توزيعٍ دقيق جدًا، فللرجل صلاحيات وواجبات، وللمرأة صلاحيات وواجبات، والتوزيع بينهما قائمٌ على حسن الإدارة، قال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾

نلاحظ هذا التوزيع من مطلع الآية، مع تبيان علَّة التوزيع، فقد أعطى الرجل صلاحية القوامية لسببين: 
 

السَّبب التكويني: بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، والسبب التشريعي: ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾، فالرجل مأمور ومسؤول بأن ينفق من الأموال على حاجات الأسرة. وقال للمرأة: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ ، فهي التي تحفظ الأسرة وتحفظ المنزل بكل خصوصياته، وفق أوامر محددة في كيفية الحفظ، ضمن حدود الطاعة التي رسمها الإسلام، وأوامره بمسؤوليتها ومسؤولية الرجل في تربية الأولاد. 

إذًا توزيع الحقوق في الأسرة المسلمة قائمٌ على المقومات التكوينية، وتنظيم الأداء، على أساس سلسلة من الأوامر والنواهي الشرعية. هذا التوزيع يؤدي إلى النتيجة المرجوَّة وتحقيق الهدف وهو: بناءُ الحياة السعيدة على هذه الأرض، فالإسلام يريد من تنظيم الأسرة تلبية مطلب أساس لا بدَّ أن يتوفر للإنسان على هذه الأرض، وهو الأداء الأفضل والسعيد. ولا بُدَّ من الإلفات إلى النظرة الخاطئة التي طالما اعتقد بها الكثيرون، بأنَّ الحياةَ محلُّ ابتلاء، والابتلاء يعني بأن نعيش الشقاء، والشقاء يؤدي بأن نُكافأ عليه وتعويضًا عنه في جنَّة الله تعالى في يوم القيامة! وهذا خطأٌ محض. الحياةُ محلُّ ابتلاء وهذا صحيح، ولكنَّ المطلوبَ أن ننجح في الابتلاء، ونجاحنا في الابتلاء يؤدي إلى السعادة، ثم تكون مكافأتنا عند الله تعالى لأننا أحسنا استثمار مع ما أعطانا إياه، فمن عاش سعادة الدنيا عاش سعادة الآخرة.

قال تعالى في خلق الأزواج والدعوة إلى الزواج: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ . في البداية أعطى الله تعالى السَّكن تكوينيًا بمجرد عقد الزواج، وبعد ذلك تشريعيًا من خلال الأوامر والنواهي. فالمودَّة والرَّحمة هي جَعْلٌ من الله تعالى، كيف؟ جَعَلَ الله لكم مودَّةً ورحمةً بالتشريعات التي قرَّرها من خلال الأوامر والنواهي، فإذا التزمتم بها وصلتم إلى المودَّة والرَّحمة، فالمطلوب منكم أن تبذلوا الجهد لتصلوا إليهما. هذه النتيجة تُطَمئِنُ الإنسان، وتُسعده، وتُشعِره بلذة هذه العلاقة والحياة الزوجية. 
خَتَمَ الله تعالى الآية بقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾، فهذا المضمون يتطلَّبُ وعيًا وإدراكًا حتى نفهم طبيعة هذا الهيكل الزوجي وأهدافه.

الأمر الثاني في ترتيب الهرم: أعطى الإسلام أولوية الأسرة وتربية الأولاد وخاصة بالنسبة للمرأة، لا على قاعدة أن تُحاصَر في منزلها، ولكن على قاعدة أن تتحرَّر فتُعطي بإحسان في أدائها وحفظها لمنزلها وتربيتها لأولادها، فإذا ما خرجت إلى المجتمع، خرجت إنسانةً قد أدَّت أعظمَ واجبٍ من واجباتها، لتقوم بالواجبات التفصيلية المجتمعية الأخرى بحسب استطاعتها.

قال الإمام الخامنئي(دام ظلُّه): "أن تكون المرأة امرأةً يُعدُّ بالنسبة لها نقطة امتياز وافتخار، وليس فخرًا للمرأة أن نُبعدها عن المحيط النسائي والخصائص النسائية وأخلاقها" ، قيمتها أنَّها أنثى وامرأة تتميز بخصائص، هذه الخصائص تتفجَّر عطاءً عميقًا ومؤثِّرًا من خلال بنيان الأسرة، إذا أحسنا تعريف الأسرة، ورسمنا نموذجها بشكل صحيح، وتابعنا الأداء بسلوكيات الإسلام.

وهنا يحضرني النموذج المثالي بين علي(ع) وفاطمة(ع)، فكما ورد عن الإمام الباقر(ع): "إنَّ فاطمة(ع) ضَمنَتْ لعلي(ع) عمل البيت والعجين والخبز وقمّ البيت، وضَمنَ لها علي(ع) ما كان خلف الباب، نقل الحطب وأن يجيء بالطعام" . لفتني في هذا النقل عن الإمام الباقر(ع) أنها ضَمنَتْ وضَمنَ، وكأنَّ هذا التوزيع جاء بالاختيار من دون الوقوف عند السقف الذي رسمه الإسلام، فهي ضَمنَتْ بملء إرادتها، وهو ضَمنَ بملء إرادته، أعطت مختارة وأعطى مختارًا، فتحوَّلت العلاقة بين علي(ع) وفاطمة(ع) إلى نموذجٍ للأسرة المسلمة. وصفَ أمير المؤمنين علي(ع) أداء الزوجين المميز: "فوالله ما أغضبتُها، ولا أكرهتُها على أمرٍ حتى قبضَها الله عزَّ وجلّ، ولا أغضبَتْني، ولا عصَتْ لي أمرًا، ولقد كُنْتُ أنظرُ إليها فتنكشفُ عنِّي الهمومُ والأحزان" .

 2.    مرتكزات أساسية 


تحتاج الأسرةُ الناجحة إلى مرتكزين أساسيين: 

الأول: تعزيزُ التربية الإيمانية، والرادع الداخلي، فهذا أساسٌ لحسن التطبيق، لأنَّه مع وجود الإيمان توجد الرقابة الإلهية، ومع وجود الإيمان يوجد العطاء من دون مقابل، ومع وجود الإيمان يوجد الانضباط في إطار الأوامر الشرعية، بمعنى أنَّ الإيمان يدفع إلى التخلي عن بعض العناوين الخاطئة والمنحرفة، والتي تجرُّ الأسرة إلى نتائج سلبية، وإذ بالإيمان يحفظها، لأنَّه يجعل لدى الإنسان (رجلًا أو امرأة) رادعًا داخليًا لينتبه، فإذا ما أخطأ صحَّح وتاب، وإذا ما أحسن فتَّش عن الرّقي أكثر، وهو يبتغي من خلال ذلك مرضاة الله تعالى، فيكونُ قد تقدَّم مرتاحًا ومطمئنًا في علاقته مع الله تعالى.

الثاني: السلوك، وهو أمرٌ جوهري، والمطلوب هو السلوك المستقيم والخلوق الذي لا بُدَّ أن يكون صفةً ملازمة للإنسان في الحياة العامَّة، متحقِّقة بمعزل عن الزواج، فمن لم يكُن سلوكُهُ في المجتمع سلوكًا حسنًا، فمن الصعب أن يكون سلوكُهُ داخل المنزل سلوكًا حسنًا. لا تصلح حياة الإنسان بوجهين ولسانين، يتصرف في المنزل بطريقة، وفي المجتمع بطريقة أخرى، من هنا الحرص على أن يكون المستوى السلوكي في كيفية التصرف والتعامل واللياقات الاجتماعية وحسن الخلق ومكارم الأخلاق والعلاقات مع الآخرين والذكاء العاطفي... كل هذه الأمور يجب أن تكون متوفرة في الإنسان (رجلًا أو امرأة) قبل أن يدخل إلى مؤسسة الزواج، ليستطيع أن ينجح زوجًا أو زوجة.

والملفت ما جاء في الآية الكريمة وفي الرواية عن رسول الله(ص) في هذا المجال، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ ، الآية تتحدث عن الزوجية، والطلب من الله تعالى أن يكونوا للمتقين إمامًا، يعني أن التوفيق بقرَّة الأعين من الأزواج والأولاد مرافقًا لإمامة المتقين، والوصول إلى المرتبة العليا، فالنجاح في الحياة الأسرية نجاحٌ في المجتمع، كما أنَّ التقوى في المجتمع تعني التقوى والنجاح داخل الأسرة، فالتقي تقيٌ وناجحٌ داخل الأسرة وخارجها، وهو يحوِّل الأسرة بطريقة الأداء الصحيح إلى مستوى راق، ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ (رجلًا وامرأة).

أما النبي(ص) فوجَّهنا إلى مَنْ نرضى من المتقدمين للزواج لخطبة البنت، قال(ص): "إذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَه ودِينَه فَزَوِّجُوه، إِلَّا تَفْعَلُوه تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وفَسادٌ كَبِيرٌ" ، كان من الممكن أن يكتفي بالقول: إذا جاءكم من ترضون دينه، لأنَّ الدِّين يتضمَّن الأخلاق، ولكنَّ الدِّين يثبِّت مكارم الأخلاق ويأمر بها، أمَّا سلوكها فمسؤولية المؤمن، الذي قد يحمل الدين ولا يطبّق منه شيء. يجب أن يكون الإيمان مصحوبًا بالأخلاق، فبها -كتطبيقٍ للدين- تنجح الحياة الأسرية. لماذا؟ قدَّمَ الأخلاق ثم تحدث عن الدين، بعض المفسرين قالوا: لأنَّ السلوك هو الذي يؤثر في الحياة الأسرية، أمَّا إذا كان أحدهم قائمًا لله تعالى مصليًا وصائمًا... وفي كل تصرفاته مع زوجته يكون سلبيًا، فما نفع هذا التدين في الحياة الأسرة؟ المفروض أن تتحول الأفعال إلى سلوك حسن، "إذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَه ودِينَه فَزَوِّجُوه، إِلَّا تَفْعَلُوه تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وفَسادٌ كَبِيرٌ" ، فلا تفتشوا عن المال (ولا مشكلة في جمع السلوك والدين والمال)، واجعلوا الأولوية للأخلاق والدين. فإذًا يوجد مرتكزان أساسيان: الإيمان والسلوك، وهذا ما يجب أن يكون موجودًا في الحياة العامة لينعكس على حياة الأسرة.
 

3.    خطوات عملية
 

أقترح خطوات عملية من أجل إنجاح الأمن الأسري:

الخطوة الأولى: ضرورة نشر البرامج التثقيفية عن دور الإنسان في الدنيا. وللأسف فإنَّ أكثر الناس لا يعرفون أدوارهم في هذه الدنيا، والأسئلة ما زالت تُطرح: نأكل لنعيش أم نعيش لنأكل؟ هذا الجمال للإبراز أم للإخفاء؟ هذه الدنيا نتنة أم مسرح عمل؟.. هناك أسئلة تتطلب أن ننشر برامج تثقيفية عن دور الإنسان في الدنيا. وبما أنَّ الرجل والمرأة في مواقعهما المختلفة هما أساس هذه الحياة، علينا أن لا نقتصر في التثقيف على المرأة، يجب أن نثقف الرجل والمرأة، وليس صحيحًا أن يعتقد الرجال بأنَّ لديهم معلومات كافية! أدعو إلى برامج تثقيفية للرجال والنساء لأنَّنا بحاجة إلى هذه البرامج.

فلنسترشد بكلام الإمام الخميني(قده) عن المرأة والرجل وموقعهما بالنظرة الإسلامية: "حقوق المرأة في النظام الإسلامي هي كحقوق الرجل، فلها حق الدراسة، وحق العمل، وحق التملك، وحق التصويت، وحق كسب الأصوات. وللمرأة حقٌ في جميع المجالات التي للرجل حقٌ فيها، ولكن أيضًا ثمة موارد محرَّمة على الرجل لأنَّها تُسبِّب ظهور الفساد، كذلك فإنَّ بعض الموارد محرَّمة على المرأة لأنَّها تسبِّب الفساد" . المقياس لدى الإسلام ليس تمايز الرجل عن المرأة، لا، المقياس هو الحلال والحرام، الواجب والحرام، وقرَّر واجباتٍ كثيرة مشتركة بين النساء والرجال. نسمع بعض الكلام العشوائي الذي لا علاقة للإسلام به، يقولون مثلًا: لماذا تصرّون أن تحموا المرأة وتمنعوها من الخروج الليلي الحر، بينما لا تمنعوا الرجل من ذلك، هل لأنَّ الرجل غير المرأة؟ لماذا؟ هل لأنَّ الرجل إذا شرَّق وغرَّب لا يظهر عليه والمرأة يظهر عليها! تقييم الإسلام يكون دائمًا على أساس الحلال والحرام، وعندما يرتكب الرجل حرامًا فهو مسؤول، وكذلك المرأة، ولا صحة للتقييم على أساس من يظهر عليه ومن لا يظهر عليه، فكل إنسان مسؤول، رجلًا كان أو امرأة، فيعاقَب أو يتوب إلى الله تعالى ويعود إلى رشده.
 

الخطوة الثانية: توفير المعرفة عن النموذج الإسلامي للأسرة قبل الزواج. وذلك بالتعليم والتدريب، وأتمنى لو يتم إجراء دورات ولقاءات ومحاضرات وحتى تطبيقات عملية كأمثلة وتجارب ومسابقات، حتى الذين لم يقدموا على الزواج بعد، ليعرفوا ما هي الصلاحيات وما هي الضوابط وما هي الواجبات؟.

الخطوة الثالثة: تعريف كلا الجنسين عن طبيعة ومتطلبات الآخر. لماذا نطوِّق المرأة بعنوان الحياء فلا نتيح لها أن تعرف طبيعة الرجل وخصائصه الجسدية والنفسية؟ ولماذا لا يتعرَّف الرجل على خصائص المرأة الجسدية والنفسية ليُحسن التعامل معها بحسب متطلباتها وخصائصها وخاصة في الحياة الزوجية؟ علينا أن نُهيئ طريقة صحيحة للتعريف، وبالتأكيد ليس عبر الدروس أو الأفلام الإباحية أو التي تخدش الحياء، وأن نبتعد عن كل ما يؤدي إلى إثارة الغرائز. أذكر عندما كنا في صف البكالوريا القسم الثاني، تعلمنا دروسًا عن الوراثة من جينات الأهل والأجداد، وتفاصيل كثيرة عن طبيعة الرجل وتكوينه وطبيعة المرأة وتكوينها، وكانت تمر الدروس بشكل عادي وطبيعي جدًا، فهي دروس علمية وتعليمية تنسجم مع مرحلتنا العمرية، وتُقدَّم بأسلوب منهجي وموضوعي.

نستطيع أن نكلف طبيبة أو مختصة تشرح للنساء عن المرأة بكامل تفاصيلها وخاصة في المسألة الجنسية، وتشرح لهن عن الرجل وخاصة في المسألة الجنسية، والعكس صحيح بالنسبة للرجال، وذلك بأسلوب علمي وموضوعي ومادَّة مختارة بعناية. لماذا نرفض الحديث عن الجنس مباشرة وخاصة للبالغين والمقبلين على الزواج؟ يقولون لا تتكلم بهذا الكلام فالمجتمع لا يتحمَّل، ودع الأولاد يكتشفون بأنفسهم عند الحاجة! يحدثنا القرآن الكريم بشكل طبيعي عن الكثير من الأمور التي لها علاقة بالحياة الزوجية ونتائجها والمحرمات والمحللات وبعبارات صريحة جدًا، لكنَّ مجتمعنا دخل في حالة ملتبسة فأصبح الحديث عن هذه الموضوعات محل إشكال، ولم نعد نميِّز بين الحديث العلمي والحديث الذي فيه إثارة، فلنُنظِّم طريقة للتعريف الصحيح، فنتفادى الاشكالات المطروحة، لأنَّه إذا لم تعرف المرأة الرجل ولم تعرف نفسها، ولم يعرف الرجل المرأة ولم يعرف نفسه، من الصعب أن تكون الحياة الأسرية سعيدة. بعض الأزواج يقول بعد مضي خمس وعشرين سنة زواج: لو كنت أعلم أن هذه هي خصائص المرأة، والعكس مع المرأة كذلك، لكانت حياتنا أفضل حياة، فقد عاشوا خمس وعشرين سنة زواج كتجربة بينهما، حيث كان بإمكانهما توفير الخسائر والمعاناة لو تعلموا واستفادوا من تجارب الآخرين.

من يتصفَّح كتب الروايات وخاصة الكتب الأربعة المعتمدة لدينا، فسيجد الكثير من التفاصيل الحياة الجنسية السليمة، وعن كيفية تعامل المرأة مع الرجل في العلاقة الخاصة والتهيئة لها، وكيفية تعامل الرجل مع المرأة ومساعتها لينجحا معًا في العلاقة الزوجية الخاصة، فالإسلام يربي ويقدم العلاج، لذا أدعو إلى الاهتمام بتعريف الجنسين كل واحد منهما عن طبيعة ومتطلبات الآخر.

الخطوة الرابعة: تربية الرجل على حسن الإدارة والتعامل الأسري، فهو قوَّام، والقوَّامية إدارة، أليس المطلوب أن نعلِّمه كيف يدير؟ ما الذي نفعله مع الشباب؟ إذا أصبح عمر الشاب عشرين أو ثلاثين سنة، يُقدِم على الزواج، ولا يسأل أحدًا عمَّا يقوم به لحسن إدارة الحياة الزوجية، ولا يعطيه أحدٌ تعليمات عن حياته الجديدة. فإذا سألناه: كيف ستدير الأسرة؟ يقول: الله تعالى يدبر الأمور ويُعين إن شاء الله تعالى، وكما كان أبي يفعل أو جدي... سأفعل! ينبِّهنا الإمام الخامنئي(دام ظله) بأن لا يستغل الرجل سلطته وقوته فيرتكب الحرام: "يجب ألَّا يستغل الرجال قدراتهم البدنية وبعض الخصوصيات الأخرى للإجحاف بحق النساء داخل كيان الأسرة" . أعظم رجل في الإدارة هو الذي يكون الأوفى في أن يعطي المرأة كل العاطفة، فيأخذ منها كل شيء، أمَّا بالسلطة والسيطرة والقهر فلا يأخذ شيئًا، ويسود العناد بين الزوجين، ولا يعطي أحدهما حقوق الآخر.

الخطوة الخامسة: تربية البنت على الحياء والحشمة وعدم التركيز على جسدها. البنت تحتاج إلى حماية ورعاية أكبر، وأحد الأخطاء الشائعة في تربية البنت هو التركيز على جسدها منذ الصغر، فلدى الأمهات العبارات الدارجة للبنت منذ صغرها: جسمك حلو، شعرك حلو.... كله حلو بحلو، ولا مرة تقول لها: عقلك حلو، والكتاب الذي تقرأينه حلو، ...، هذا خطأ تربوي. يقول الإمام الصادق(ع): "البنات حسنات والبنون نعمة، فالحسنات يثاب عليها والنعمة يُسأل عنها" ، لماذا هنَّ حسنات؟ الحسنة منسجمة مع الرقَّة ومع العطاء من دون مقابل، فإذا أحسنت تربيتها تكون لك حسنات عند الله تعالى، فاعمل معها برقة لتوصلها إلى التربية الأفضل.

الخطوة السادسة: تفعيل منظومة الشروط الملحقة بالعقد. إلى الآن، عندما نزوِّج شابًا وفتاة، نكتفي بالصيغة الشرعية، ما يُرتِّب الحقوق والواجبات المقرَّرة في الشريعة. علمًا أنَّنا اكتشفنا الكثير من الإشكاليات في زماننا الحاضر تتطلب حلولًا. مثلًا: بعض الرجال يحتجُّون بحقهم وقوامتهم فيقمعون المرأة ويخنقونها بآرائهم وسلوكهم الفظ، وعندما تكبر المشكلة، ويصبح استمرار الزواج مستحيلًا، يتمسك بحقَّه بالطلاق، ويُبقيها معلَّقة لعشر سنوات قبل أن يطلقها؟!، مثال آخر: خدمة المرأة في المنزل، هل هي مسؤولة عن الخدمة أم لا؟ من الناحية الشرعية بحسب مترتبات العقد، لا تتحمَّل المرأة مسؤولية الخدمة المنزلية، وهو لا يتقبَّل عمليًا هذا الأمر.

مثال ثالث: موضوع الخروج من المنزل، للرجل الحق بأن يأذن لزوجته أو لا يأذن بالخروج، ولدى بعض المراجع عدم الإذن مقيَّد بحق الاستمتاع، وماذا عن التعسُّف بالمنع تسلُّطًا؟ وهل من حل؟
بإمكاننا أن نضع شروطًا في عقد الزواج تعالج كل هذه المشاكل، وحبذا لو نعتمدُ نصًا فيه الشروط التي تعالج مجموعة من القضايا العالقة، فنُطلع الزوجين قبل العقد على الشروط المحتملة، فيختارا منها ما يناسبهما ويعالج هواجسهما، وبذلك نكون قد طوَّرنا طريقة التعاطي مع عقد الزواج، وعالجنا المشاكل التي برزت أمامنا. حبذا لو نُعمِّم مثل هذه الثقافة. في إيران اليوم يلتقي شخصٌ مكلفٌ من المحكمة بمن يريدا الزواج، فيطلعهما على ورقة الشروط ويشرحها لهما، فيختاران منها ما يناسبهما ويتفقا عليه، ثم يوقعان على ورقة الشروط، ثم يجري عقد الزواج بناء على الشروط، وهذا ما يعالج القضايا التي نحتاجها. 

4.    تربية الأولاد

تربية الأولاد ركن من أركان الأمن الأسري. سأتحدث عن نقطتين بإطلالة سريعة: 

أولًا: ضرورة توفير بيئة سليمة للأولاد، بمسؤولية الأب والأم، وبحسن اختيار المدرسة والصحبة والتسلية والأنشطة... وأن يوفِّرا له البيئة السليمة في كل حركة يتحرك فيها الولد، فلا يضعانه في مدرسة تخالف تربيتهما، لأنَّ تأثيرها عليه كبير جدًا، والبيئة السليمة تحميه من التأثر بالأمور الخاطئة.

ثانيًا: تعزيز الرقابة من قبل الأهل وخاصة على وسائل التواصل، وتعزيز الرقابة الذاتية بغرس الإيمان والطاعة عند الولد. رقابةٌ نُمارسها عليه، ورقابةٌ نُعوّده عليها ليراقب نفسه.

5.    مسؤوليتنا في التحرك العام
 

ثلاثة أمور أراها ضرورية للتحرك على المستوى العام:
 

أولًا: رفض العبث بقوانين الأحوال الشخصية المعمول بها في المحاكم، ورفض استبدال هذه القوانين بقوانين مدنية مهما كان عنوان هذه القوانين، لأن المطلوب أن نعود إلى الشرع لنستفتي الفقهاء ونتعرف على الحلول التي تعالج قضايانا ومشاكلنا، ثم نعدِّل في المحاكم الشرعية في قوانين الأحوال الشخصية بناءً على إشارة الفقهاء، والاستفتاءات الدينية من مصادرها. لأنَّ الأحوال الشخصية بالنسبة إلينا هي دينٌ شرَّعه الله تعالى، وأمَّا بالنسبة لآخرين فالأحوال الشخصية اجتهادٌ بشري، ونحن لا نقبل أن يتحايل بعضهم بالعنوان المدني لقضية من القضايا فيتسلَّلون من خلالها للبدء بكسر حرمة قوانين الأحوال الشخصية بحجج شتى. إذا كانت لدينا مشاكل فلنذهب إلى تعديلها من داخل قوانين الأحوال الشخصية ومن خلال المسوِّغ الشرعي للتعديل والأدلة المؤيدة لذلك، وفي بعض الأحيان قد لا يكون هناك إمكانية للتعديل وهذا الموضوع يُتابع مع المعنيين ومع الفقهاء.

لاحظنا في الفترة الأخيرة، أن هناك مجموعة موجَّهة، تتناول قضايا الأحوال الشخصية قضية قضية وبشكل جزئي، وتخوض بها حملة إعلامية ليتمكنوا من إجراء التعديل المناسب، وكانت آخر حفلة فاشلة هي تشريع قانون الاغتصاب الزوجي، تحت عنوان العنف الأسري، وهذا أمر مخالف لأصل الزواج، ما هذه البدعة: اغتصاب زوجي بعنوان العنف الأسري؟! وصلنا في النهاية إلى أنَّه إذا كان العنف الأسري يعني ضربٌ للمرأة وللولد... لا مشكلة، فهذا قانون مدني له علاقة بالضرب، ويعاقب عليه الجاني، لكن احذروا العبث بقوانين الأحوال الشخصية فهذا أمرٌ مرفوض.

ثانيًا: إقامةُ حملة توعية لرفض الإباحية والابتذال في بعض وسائل الإعلام، وسن القوانين المناسبة وتحميل المسؤوليات في هذا المجال، إذ لا يحق لأي وسيلة إعلامية، ولا يحق لأي جهة مُعْلِنة أن تقدِّم للجمهور أمورًا تخدش الحياء تحت عنوان حرية الرأي، وماذا عن الإضرار بتربية الأولاد؟ وماذا عن تأثير هذه الأمور على البيئة الأسرية والمجتمعية؟ لا يحق لهؤلاء أن يتصرفوا بهذه الطريقة.

ثالثًا: نؤكد على أن بناء الأسرة هو الأمر الطبيعي الذي يجب أن نحرص عليه، ونعلن بكل وضوح حرمة العلاقات الجنسية خارج الزواج، والتعامل مع المثلية كانحراف تربوي أخلاقي يتطلب إصلاحًا، ومن يروِّج يجب أن يعاقب، أما من يُبتلى فنحن مع إعانته ليتخلص من هذه البلوى، ولكن لن تكون المثلية يومًا حقًا طبيعيًا لأنها خلاف الطبيعة وخلاف الإنسانية وخلاف التشريعات وخلاف الذوق البشري، وهذه طريقٌ تؤدي إلى ضرب بنيان الأسرة. وها هو الغرب ماثلًا أمامنا، وهو يتجه يومًا بعد يوم إلى إلغاء عنوان الأسرة، بينما نحن نعتبر بأنَّ البداية هي الأسرة، وهي أساس الأمن النفسي والمجتمعي، وهنا يحضرني ما قاله الإمام زين العابدين(ع) عندما تحدث عن العلاقة الزوجية: "وأما حق رعيتك بملك النكاح، فأن تعلم أنَّ الله جعلها سكنًا ومستراحًا وأنسًا وواقية" . وهذا هو الحل الذي يؤدي إلى كل عوامل الهدوء النفسي والاستقرار.
 

والحمدلله رب العالمين