محاضرات

الشيخ نعيم قاسم: عاشوراء عند الإمام الخامنئي(حفظه الله)/ المحاضرة التي ألقاها في المجلس العاشورائي – جمعية التعليم الديني الإسلامي في الليلة التاسعة من محرم الحرام 1438هـ، في قاعة الجنان،

الشيخ نعيم قاسم: عاشوراء عند الإمام الخامنئي(حفظه الله)/ المحاضرة التي ألقاها في المجلس العاشورائي – جمعية التعليم الديني الإسلامي في الليلة التاسعة من محرم الحرام 1438هـ، في قاعة الجنان،
عاشوراء عند الإمام الخامنئي(حفظه الله)

الكلمة التي ألقاها نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في المجلس العاشورائي – جمعية التعليم الديني الإسلامي في الليلة التاسعة من محرم الحرام 1438هـ، في قاعة الجنان، 10/10/2016م.
عاشوراء عند الإمام الخامنئي(حفظه الله)
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.


السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا ابن رسول الله وابن أمير المؤمنين وابن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، السلام عليك وعلى الأرواح التي حلت بفنائك، عليك مني سلام الله ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم، السلام عليكم أيها السادة العلماء، أيها الحسينيون والزينبيات ورحمة الله وبركاته.
عندما أعددت لكتاب الولي المجدد للإمام الخامنئي (حفظه الله تعالى) تسنى لي إطلاع واسع جدًا على كلماته وخطبه في المواضيع المختلفة التي كانت محل اهتمام لصياغة كتاب الولي المجدد ومن ضمن الموضوعات كان موضوع عاشوراء، ومع ذلك أضفت ما وصل إليَّ من جمعٍ لكتاب بعنوان" دروس عاشوراء" من فكر الإمام الخامئني(حظه الله ورعاه) لأخلص إلى هذه المحاضرة في هذا اللقاء المبارك، التي تعنونت بعنوان "عاشوراء عند الإمام الخامنئي(حفظه الله ورعاه)" ، وأهمية هذا الموضوع مع جمع الكلمات التي قالها في مناسبات مختلفة، هي أني سأحاول أن أرسم خطًا بيانيًا يُبرز أهم الأفكار التي استقاها من عاشوراء، واعتبرها دروسًا تربوية وعلمية مهمة لحياتنا ومشروعنا، وبما أن الإمام الخامنئي(حفظه الله) يتصدر الولاية في هذا الزمان فلتوجيهاته وكلماته معنى التصويب الذي يؤكد ويثبت ما أراد الإمام الحسين(ع) أن يصوبه في معركته الجهادية الكبرى في كربلاء، وسأقسم الموضوع إلى قسمين: الأول يتحدث عن أهداف وآثار عاشوراء، والثاني يتحدث عن إحياء المجالس الحسينية، لأن لكل واحد خطوات في الفكر وفي التوجيه تعطي المؤشرات التي أراد الإمام الخامنئي أن يثبتها ويكرسها.

أما بالنسبة لأهداف وآثار عاشوراء.

أولًا: يعتبر الإمام الخامنئي(حفظه الله ورعاه) أن الإسلام حيٌّ بالحسين وعاشوراء فيقول:"لا شكَّ بأنَّ الإسلام حيٌّ بعاشوراء وبالحسين بن عليّ (عما). وفي القول: "وأنا من حسين"، وبناءً على هذا المعنى، فإنَّ ديني واستمرار طريقي كان بواسطة الحسين(ع). فلو لم تكن واقعة عاشوراء، ولو لم يتحقَّق هذا الفداء العظيم في تاريخ الإسلام, لما قُدِّمت هذه التجربة وهذا الدّرس العمليّ للأُمَّة الإسلامية، ولابتُلي الإسلام يقينًا بالانحراف، كما ابتُليت الأديان قبل الإسلام, ولما بقي من حقيقة الإسلام ومن نورانيّته شيء".

فالإمام يتجاوز خصوصية الإنجاز في الإصلاح، وفي إسقاط مشروع يزيد إلى حياة الإسلام الخالدة والمستمرة عبر الزمن، في هذه المقارنة الرائعة مع انحرافات الرسالات السماوية السابقة بسبب ما تطرأ عليها، ولم يتيسر لها من يقف ليصحح المسار كما تيسر للإسلام، وما تيسر للإسلام هو بتدبير من الله تعالى لأهمية أن تبقى هذه الرسالة خالدة وثابتة.

ثم يقول الإمام الخامنئي(دام ظله): "انظروا إلى الإسلام في هذا العصر كيف أنَّه حيٌّ وبنَّاء, وكلّ هذا من بركات واقعة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين (ع)". أي أننا إذا لاحظنا هذه النهضة الإسلامية العظيمة في هذا الزمن فهي من الآثار ومن البركات ومن النتائج التي أنتجتها كربلاء، ما يؤكد أن حياة كربلاء في زمانها هي حياة ممتدة إلى كل زمان وإلى كل مكان، وهذا ما عبَّر عنه الإمام الخميني(قده) بطريقة أخرى: "كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء"، وفي قولٍ آخر: "كل ما لدينا من عاشوراء".

ثالثًا يعتبر الإمام أن عاشوراء أعطتنا درسًا مهمًا في كيفية مواجهة الظلم، ومتى يصبح تكليفنا الشرعي أن نلجأ إلى الاستشهاد ولو بهذه الطريقة الجماعية والخطرة والكبيرة التي حصلت في كربلاء، يقول الإمام الخامنئي(دام ظله): "الحسين أراد أن يعطي درسًا خالدًا لتاريخ الإسلام عما يجب فعله واتّخاذه من موقف, في مثل تلك الظروف التي يتعرَّض فيها الإسلام للخطر"(55).أي أننا إذا واجهنا خطرًا على الإسلام وتوقف الأمر بين أن نزيل الخطر بشهادتنا ولو كانت صعبة ومرة وفيها تضحيات جسام وبين أن نسكت ونخضع فيزول الإسلام من مسرح الحياة في الفترة الزمنية التي نعيش فيها، هنا درس عاشوراء أننا في موارد الخطر على الإسلام لا بدَّ أن نقدم كل ما عندنا كما قدم الإمام الحسين(ع) كل ما عنده، وهذا له علاقة بالمفصل التاريخي لحياة الإسلام ونهضته واستمراريته، ولذا يقول الإمام الخامنئي عن لحظة الاختيار عند الإمام الحسين(ع)، والكل يعلم أن الإمام الحسين(ع) كان في زمن الإمام الحسن(ع)، وخلال مدة إمامة الإمام الحسن(ع) كان الإمام الحسين(ع) ملتزمًا التزامًا كاملًا، بل بعده لم يطرأ أي تعديل على موقف الإمام الحسين(ع) إلى حين موت معاوية وتنصيب يزيد، معنى ذلك أن الإمام الحسين(ع) ليس بمجرد إمامته وقيادته ذهب إلى هذا الخيار، بل ذهب إلى هذا الخيار في محطة تاريخية لها آثار كبيرة لا بدَّ أن يتجاوزها، ولا بدَّ أن يواجهها من أجل أن يمنع انحراف الإسلام، وهنا قال الإمام الخامنئي(حفظه الله): "لقد اختار الحسين بن علي(ع) الزمان بدقة(زمان موت معاوية وخلافة يزيد)، فتحرك تحديدًا عند ذلك الحد الفاصل بين موت الإسلام وحياته. فإلى أحد جانبي هذا الحد كان موت الإسلام، وإلى الجانب الآخر كانت حياة الإسلام، والإمام الحسين(ع) بحركته هذه أبقى الإسلام حيًا.. (دروس عاشوراء, ص: 76).

إذًا هذا النموذج من التضحية ومن العطاء له علاقة بإنقاذ الإسلام، وإعطائه الحياة الحقيقية التي نعود من خلالها إلى أصل التشريع، وإلى ما أراده الله تعالى من خلال نبينا محمد(ص).

وهنا نقاش عادة ما يدور في المجالس، ويتحدث عنه بعض القراء ويجري نقاش بين المؤمنين حول الهدف من ثورة الإمام الحسين(ع)، وتضيع الأمور في دائرة العاطفة، وفي دائرة إعطاء البعد العظيم لما جرى في كربلاء، فبعضهم يقول: كان الإمام الحسين(ع) مشتاقًا للشهادة فذهب إلى كربلاء ليستشهد، والبعض الآخر يقول: الإمام كان يعرف أنه سيستشهد وبالتالي هو يسير بما رسم الله تعالى، أي هو معزول الإرادة بنسبة من النسب لما قدره الله تعالى وهو راض لأن الله هو الذي قدر هذا، أو البعض يعتبر أن هذه الحالة هي حالة انتقامية من هذا الاتجاه الأموي الذي أساء إلى النبي وآل البيت(عم) فكانت هذه الفرصة السانحة للقيام بهذا العمل، وتحليلات كثيرة يمكن أن تعرض هنا وهناك. الإمام الخامنئي(دام ظله) حسم الموضوع باختصار وكلمات معبرة جدًا لا يمكن أن يتجاوزها الإنسان إذا أراد أن يقف عند الحد الصحيح والسليم، قال: "إنَّ ثورة الإمام الحسين(ع) كانت تأديةً لواجب، وهذا الواجب يتوجّه إلى كلّ فرد من المسلمين عبر التاريخ، وهو أنَّه على كلّ مسلم لزوم الثورة حال رؤية تفشّي الفساد في جذور المجتمع الإسلاميّ بحيث يُخاف من تغييرٍ كلّي في أحكام الإسلام، بالطبع إذا كانت الظروف مؤاتية، وعلم بأنَّ لهذه الثورة نتيجة. وليس من الشروط البقاء على قيد الحياة وعدم القتل وعدم التعرّض للتعذيب والأذى والمعاناة. فالحسين(ع) قد ثار وأدّى هذا الواجب عمليًّا ليكون درسًا للجميع"(61). إذًا هو يؤدي الواجب وهذا الواجب على جميع المسلمين، ولكن ليس واجبًا عشوائيًا بل واجب مشروط بتوفر المقدمات اللازمة، واحتمال تحقق النتائج اللازمة، ولذلك حتى ولو وجدنا فسادًا مستشريًا ومنتشرًا وتبين أننا لن نقدم ولن نؤخر، من قال أن هذا الأمر يصل إلى هذا المستوى من الواجب، الواجب هنا كما فعل الإمام الحسين(ع) إذا كانت الظروف مؤاتية، ولعلم أن لهذه الثورة نتيجة، وبالفعل الظروف مؤاتية لأن مستوى الفساد وصل إلى مرحلة إذا لم يحصل التحرك في هذا الزمان يمكن أن تنقطع السبل لإمكانية تحرك مستقبلي، خاصة أن المتحرك هو الإمام المعصوم المُبشر بالجنة الذي يستطيع أن يعطي رمزية حقيقية تستطيع أن تحمل لواء النتائج العظيمة لهذه الثورة. النتيجة تحققت، وتمت حماية الإسلام من الانحراف ,أصبح الناس يعرفون عبر كل هذا التاريخ من وقت كربلاء وإلى الآن وإلى المستقبل أن الإسلام له خط في الاستقامة، وأن هناك جماعة يحملون الإسلام ويسيؤون إليه ويبتعدون عن دين الله باسم الإسلام هؤلاء منحرفون خارجون بعيدون عن طاعة الله تعالى، ولا يمكن الاعتماد عليهم حتى ولو حملوا لواء الإسلام.

ثم يقول في تبيان طبيعة هذا الواجب، مميزًا بين أمرين يمكن أن يكونا في نظر الناس الهدف، الأمر الأول هو الحكومة والأمر الثاني هو الشهادة، بعض الناس كانوا يستنكرون إذا قيل بأن الإمام الحسين(ع) إنما خرج ليقيم الإسلام ويحكم، وأن هذه المقولة ليست لائقة بحق الإمام الحسين(ع)!فهل هو يحكم لنفسه! هو يحكم بشرع الله تعالى، هو لا يقوم من أجل أن يتسلط ويتأمر وأن يكون خليفة، هو يقوم من أجل أن يرد قيادة المسلمين إلى المؤهل لقيادتها حتى يؤدي التكليف والواجب والتطبيق العملي لقيام الإسلام، كما فعل أمير المؤمنين علي(ع) عندما صبر لفترة من الزمن ثم تصدى وفي الحالتين كان يستهدف أن يعطي النموذج والتجربة وأن يقوم بتكليفه الشرعي للتصدي عندما حان الوقت لذلك مع أنه كان هو صاحب الحق، وكان هو مؤهل لذلك.

يقول الإمام الخامنئي(حفظه المولى): "إنَّ القائلين إذًا الهدف هو الحكومة أو أن الهدف هو الشهادة، قد خلطوا بين الهدف والنتيجة، أبدًا، لم يكن هذا هو الهدف، بل كان للإمام الحسين(ع) هدف آخر (غير الحكومة وغير الشهادة)، كان الهدف هو الوصول الذي يتطلب طريقًا وحركة تنتهي بإحدى النتيجتين: إما الحكومة وإما الشهادة،(فالطريق الذي سيسلكه الإمام الحسين يوصل إلى الحكومة أو إلى الشهادة، فهو لا يريد الحكومة أو الشهادة هو يريد الطريق، يعني يريد تأدية الواجب ويقوم بما عليه، ويريد أن يؤدي تكليفه الذي أمره الله تعالى به، ولكن هذا التكليف بطبيعة الحال سيؤدي إما إلى الحكومة وإما إلى الشهادة، على قاعدة : " قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ" الحكومة أو الشهادة، كتعبير تطبيقي لشكل من أشكل النصر، وكان الإمام مستعدًا لكلتا النتيجتين. فقد أعدّ مقدمات الحكم وكان يعمل لها، وكذلك أعدَّ مقدمات الشهادة وكان يعمل لها، فإذا ما تحقق أي منهما كان صحيحًا، ولكن لم يكن أي منهما هو الهدف، بل كانا نتيجتين. (دروس عاشوراء, ص: 179).

إذا ربطنا بين كلام الإمام الخامنئي الأول والكلام الثاني، الهدف تأدية الواجب على خط الاستقامة والواجب يؤدي إلى الحكومة أو إلى الشهادة، ولديه استعداد كامل للوصول إلى الحكومة ليحكم أو الوصول إلى الشهادة ليقدم هذه القرابين ومن ضمنها جسده الشريف، على قاعدة أن الطريق الذي اختاره هو الذي أدَّى إلى الشهادة ولم يؤدي إلى الحكم في هذه المرحلة التي كان فيها الإمام الحسين(ع).

وطبعًا هذا الأمر يُبطل مقولة أولئك الذين يقولون: أن الإمام خرج للشهادة، حتى في بعض مجالسي مع الأخوة والأخوات في مجال المقاومة وبعض اجتماعات المقاومة أفاجئهم أحيانًا، أقول لهم: أن المقاومة ليست هدفًا بالنسبة إلينا، فيستغرب البعض!، يا جماعة: المقاومة طريق، المقاومة أسلوب عمل، الهدف هو الإسلام، الهدف هو إقامة دين الله على الأرض، الهدف أن نعلي راية الحق، وهذا الهدف إما يؤدي إلى الشهادة وإما ننجح لتحقيق هذا الهدف بنسبة من النسب. فالمقاومة طريق وليست هي الهدف النهائي. ونحن عندما نقول بأننا ننتظر الإمام المهدي(عج) هل ننتظره لنموت أو ننتظره لنحكم، لا، نحن ننتظره ليقيم دين الله على الأرض، إذًا نحن نعمل بتأدية واجبنا بالانتظار والاستعداد لنكون تحت إمرته، وقتها منّا من يستشهد ومنا من يحكم تحت إمرته، ولكن النتيجة هي القيام بالواجب في الانتظار والانقياد تحت راية الإمام المهدي(عج).

هنا يُطرح السؤال الذي كثير من العلماء في فترة من الفترات كان عندهم نقاش فيه: هل الثورة مطلوبة؟ أم أنها غير مطلوبة؟ يعني هل نعمل للإسلام متجنبين حالة الثورة؟ فإذا اعتدى علينا أحد نرد الاعتداء ولكن الثورة يعني المبادرة للقيام بالمواجهة وللتصدي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يؤدي إلى القتل والشهادة، يقول الإمام الخامنئي(حفظه الله ورعاه): "إنَّ الثورة واجبة وإن انتهت إلى الشهادة، ولا فرق في ذلك بين أن تنتهي إلى الشهادة أو إلى الحكم، لأن لكل منهما نوع من الفائدة، يجب العمل والثورة، وهذا هو العمل الذي قام به الإمام الحسين(ع). (دروس عاشوراء, ص: 180).

عندما نخوض بتجربة البعض يقول: نقوم بالثورة ولكن لا توجد نتيجة. أكيد سيكون هناك نتيجة، إذا حصلت الشهادة تراكم لتحقق قدرة ومعنويات وتأثيرًا في الاستقامة للأجيال القادمة، وإذا تحقق الحكم نكون قد قمنا بما علينا واستطعنا أن نحكم، على قاعدة: النصر أو الشهادة.

هنا يؤكد الإمام الخامنئي(دام ظله) أن ما حصل لم يكن موقفًا من شخص يزيد(لعنه الله)، مقارعة الحسين (ع) ليزيد لم تكن ضدّ يزيد الفرد الفاني الذي لا يساوي شيئًا، بل كانت ضدّ جهل الإنسان وانحطاطه وضلاله وذلّه"(63).، أخذنا الإمام إلى المشروع وليس إلى الخصوصية، وهذا المشروع موجود في كل مكان، من هنا يؤكد الإمام أن من أعظم نتائج الثورة الحسينية أنها علمتنا بأن جهتنا المؤمنة يمكن أن تنتصر مع كل الصعوبات، وأن الجهة المعادية قابلة للانكسار والهزيمة. يقول الإمام الخامنئي(دام ظله): "عاشوراء علَّمتنا أنَّ جبهة العدوّ مع كلّ قدراتها الظاهرية يمكن أن تتصدّع، كما تصدّعت جبهة بني أميّة"(72). فالموضوع ليس بضخامة الكفر وعظمته وسيطرته، فبإمكاننا أن نصدع هذه الجبهة ولكن علينا أن نعمل ونصبر.

القسم الثاني الذي له علاقة بمجالس العزاء، يقول الإمام الخامنئي(دام ظله): إنَّ هذه المآتم المقامة والدموع الجارية ليست لمجرد الحزن والبكاء، بل إنَّها للقِيَم"، الحزن والبكاء مطلوب، وهذا جزء من المجالس ولكن هي مخصصة (هذه المجالس) للقيم الصحيحة وقيم الإسلام، وقيم المشروع الكبير الذي نعمل له، قيم الارتباط بالولاية، قيم الانقياد إلى صاحب الزمان(عج)، قيم الاستقامة على ضوء الإسلام حتى ولو واجهنا الصعوبات والتحديات، هذه القيم هي ذخيرة هذه المجالس.

ويشرح الإمام الخامنئي(دام ظله) أن هذه المجالس يجب أن يكون فيها ثلاثة أمور تتميَّز بها مجالس العزاء، وهي: 

"1- تكريس المودة للحسين بن علي (ع) ولأهل بيت النبوة. (علينا أن نعيش معهم الحب والتفاعل " قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى"، الحب هو الدافع والمحرك والقوة، يجب أن يكون مستوى مستوى صلابة علاقتنا القلبية والروحية مع الأئمة(عم) ومع النبي(ص) إلى درجة لا يمكن نزعها ولا خلخلتها ليكون الحب محركها في حياتنا وسلوكياتنا وأعمالنا، وليستمر مشروع واسم محمد وآل محمد(ص).
2- إعطاء المستمع صورة واضحة عن واقعة عاشوراء.(ما الذي جرى في عاشوراء، لأنها إذا كانت غنية بهذه الدروس علينا أن نتعرف عليها).
3- تكريس المعرفة الدِّينية"(68).(ندخل من بوابة عاشوراء لنُعرف الناس على شمولية دين الإسلام، يعني  عندنا دورة 10 أيام وفي هذه الدورة هناك عملية تثقيف واسعة، هناك مفاهيم إسلامية كثيرة منها ما نثبتها ومنها ما نصححه...بحسب طبيعة الظروف التي نعيشها). هذه الأمور الثلاثة مطلوبة في مجالس العزاء.

ويتحدث الإمام الخامنئي(حفظه الله ورعاه) عن بعض الأمور التي تحصل في مجالس عاشوراء، يُبدي رأيًا فيها ويُبيِّن حقائقها، يقول: "من مراسم العزاء اللّطم على الرؤوس والصدور"(69). فاللطم أمر مشروع لأنه تعبير عن الحزن والأسى وليس هناك مشكلة، ولكن يقول الإمام الخامنئي(دام ظله): "ليس من العزاء أن يشجَّ الإنسان رأسه بالسيف ويريق دمه, حتى لو كانت المصيبة قد حلَّت بأعزّ أعزّائه، إنَّها بدعة وليست من الدِّين، ولا شك في أنَّ اللَّه لا يرضى عن ذلك"(70). هذا أمر قطعي، هذا الإدعاء بأن هذا الشكل هو لإرضاء أهل البيت(عم) أو السير على منهجهم أو للتعبير عن موالاتهم، ولا يوجد نص عن الأئمة(عم) يدعو إلى هذا الأمر، أما أن يستنسب شخص شكلًا ويقوم بكل التحليلات التي تؤدي إلى نصرة أهل البيت(عم) على قاعدة أننا إذا أُدمينا نواسيهم، من قال أن المطلوب منك أن نواسيهم بالإدماء!؟ هم لم يطلبوا ذلك، طلبوا أن نبكي ونلطم الصدور، وعلمونا أن نتباكى لأن التباكي جزء لا يتجزأ من تصعيد حالة العلاقة العاطفية مع الحسين وآل البيت(عم) وليس بهذا الشكل لأن هذا الشكل بدعة. ليس مطلوبًا منك أن تتقرب إلى الله تعالى بما لم يشرعه الله تعالى، قم بما شرعه الله تعالى وإذا لم تتقرب من الله فالمشكلة بك تكون بك أنت، وإحياء مجالس عاشوراء كما أمرنا أئمتنا(عم).

أختم بالفكرة العامة التي يركزها الإمام الخامنئي(حفظه الله ورعاه)  فيقول: "إنَّ اختلاق الإضافات، ومزجها بالخرافات، وممارسة الأفعال غير المعقولة باسم العزاء وإحياء ذكرى عاشوراء كلّها لا تخدم قضية الحسين ولا تعبّر عن الولاء للإمام الحسين(ع).(إذا كانت أحداث عاشوراء الصحيحة مئة بالمئة التي نعرفها لا تؤدي إلى أن تقلب مشاعرنا رأسًا على عقب وتشعرنا بالثورة والغضب والارتباط بأئمة أهل البيت(عم) يعني هناك علامات استفهام كثيرة على عاشوراء، فلا يجب أن تقوم بتركيبات، ثم نحن لا نريد أن نفتعل أحداثًا، عاشوراء هي بأحداثها تؤدي المطلوب). لقد رأينا رأيًّا ذات يوم فيما يتعلق بتظاهرات التطبير، فصاح بعضهم من بعيد وهم يقولون: إنَّه عزاءُ الإمام الحسين، فلا تتعرضوا لإقامة العزاء على الإمام الحسين! إنَّ هذا ليس اعتراضًا على العزاء، بل إنَّه اعتراضٌ على تشويه العزاء، فلا ينبغي تشويه مراسم العزاء الحسيني. إنَّ المنبر الحسيني والمجلس الحسيني منطلق لبيان الحقائق الدِّينية، أي الحقائق الحسينية. وفي هذا الاتجاه، ونحو هذا الهدف، لا بدَّ وأنْ تكون انطلاقة القصائد والمواكب والمدائح والمراثي"(71).

أستفيد من هذه التوجيهات للإمام الخامنئي(حفظه الله ورعاه) لأصل إلى خلاصة معاصرة، اليوم قيمة المقاومة الإسلامية أنها تتزود من الإمام الحسين(ع) الصلاح والاستقامة والأهداف النبيلة، فأعطت الجهاد معناه الأصيل الصحيح والنبيل في محله، وكشفت زيف التوجيهات الجهادية الباطلة التي انطلقت من التكفيريين ومن غيرهم، ومن الذين لم ينسجموا في دعوات جهادهم مع أي آية أو توجيه أو رواية لرسول الله(ص)، بينما استطاعت المقاومة الإسلامية أن تجسد صورة الجهاد الحقيقي.

وبكل صراحة أقول لكم: لولا أننا واجهناهم بجهادنا لما سقط نموذج جهادهم، ولولا هذه المواجهة لبقوا مسيطرين يبثون الرعب في الأمة، يمنعون  أحدًا أن يبرز في مقابلهم، فيصبحون الأسياد والقادة والموجهين، ويفرضون اتجاههم على كل الاتجاهات الإسلامية، فلا يعود المعنى الجهادي إلاَّ ما قالوه، فإذا أضفنا تلك الهجمة الغربية الأمريكية الداعمة لهذا النموذج الباطل فسنصبح أمام مفاهيم إسلامية مغلوطة. لو لم تقم المقاومة في زماننا إلاَّ في مواجهة التكفيريين لكان أمرًا عظيمًا جدًا لتصحيح أمر الإسلام والمسلمين، فكيف وقد واجهت التكفيريين وأسيادهم من الإسرائيليين، ليكون النموذج الحسيني نموذجًا حقيقيًا.