محاضرات

الشيخ نعيم قاسم:ركائز الموقف الحسيني: المسار والمنهجية/ المحاضرة التي ألقاها في منطقة الرويس، المجلس المركزي في الليلة الثانية من محرم الحرام 1438 هـ،

الشيخ نعيم قاسم:ركائز الموقف الحسيني: المسار والمنهجية/ المحاضرة التي ألقاها في منطقة الرويس، المجلس المركزي في الليلة الثانية من محرم الحرام 1438 هـ،
ركائز الموقف الحسيني: المسار والمنهجية

الكلمة التي ألقاها نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في منطقة الرويس، المجلس المركزي في الليلة الثانية من محرم الحرام 1438 هـ، 03/10/2016.
ركائز الموقف الحسيني: المسار والمنهجية


بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد(ص)، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، السلام عليك يا أبا عبد الله، والسلام عليك يا ابن رسول الله، وابن أمير المؤمنين وابن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، السلام عليك وعلى الأرواح التي حلَّت بفنائك، عليكم مني سلام الله ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم، السلام عليكم أيها الحفل الكريم ورحمة الله وبركاته.
نجتمع في كل عام لنحيي ذكرى عاشوراء، ويزداد الإحياء عطاءً وتوجيهًا ومعنويات، نجتمع في كل عام لنعيد التأسيس من جديد، ولنستذكر المواقف والدروس والعبر، ولكننا لا نغادر في حياتنا خلال العام إشعاعات الحسين(ع) ودماء الحسين وعطاءات الحسين(ع)، نجتمع في كل عام لنتعلم من جديد، لأن الدروس الموجودة في عاشوراء هي كل الحياة وكل العبر، هي كل الماضي والحاضر والمستقبل، هي كل التوجيهات التي نحتاجها لاستقامة الحياة وسعادة الدنيا وثواب الآخرة، هذا الاهتمام بعاشوراء مصدره أنه يعطينا الحياة الحقيقية.

اليوم سأتحدث عن ركائز الموقف الحسيني، وهي ثلاث:

الركيزة الأولى: هي ركيزة الإصلاح، الذي دعا إليها وعمل من أجلها، وقد خطَّ بقلمه وصية إلى محمد ابن الحنفية: " وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب(ع)"، في كل عام وربما في أغلب المجالس نسمع هذه الوصية ويتكرر هذا النداء، وقد سطره الإمام ليبقى وصية ووثيقة تبلغ المستقبل لكل الأجيال، ونحن نكرر لنستخلص المعنى والعبرة من هذا الكلام الموثوق المتين الذي يوجه حياتنا، إمامنا الحسين(ع) يريد الإصلاح، ويدعو إلى الإصلاح، فإذا كنت من أنصاره وأعوانه والعاملين بين يديه عليك أن تنتبه دائمًا لخصوصية الإصلاح في حياتك، الإصلاح في الفكر والإصلاح في العقيدة، والإصلاح في السلوك، والإصلاح في السياسة، والإصلاح الحياة العملية اليومية، لأننا غالبًا ما نقع تحت موجة تفسيرات خاطئة، وتحليلات بعيدة عن الحقيقة وعن الإسلام الذي أراده الله تعالى. 

من الذي يُبين الحق من الباطل؟ من الذي يُعرِّفنا الصواب من الخطأ؟ من الذي يحدِّد لنا تكليفنا؟ هذا الإصلاح مطلوب، لأننا من خلاله نستطيع أن نتبصّر طريق الحق، ولاحظوا معنا، أيُّ إصلاح طالب به إمامنا الحسين(ع)، الإصلاح الذي قاله بعده "أريد أن آمر بالمعروف" أولًا،  "وأنهى عن المنكر" ثانيًا، "وأسير بسيرة جدي رسول الله(ص) "ثالثًا، وسيرة أمير المؤمنين علي(ع)" رابعًا، يعني الإصلاح الذي يستند إلى الأسس الثابتة الذي أرادها الله تعالى لنعود إليها فنصحح أخطاءنا ومسارنا وسلوكياتنا وكل ما اجترحناه من خطأ وانحراف عن خط الاستقامة.
الإمام الحسين(ع) أراد أن يدعو إلى الإصلاح، أراد أن يقول لنا: أيها الحسينيون، أيتها الزينبيات، إذا أردتم أن تكونوا مع الموقف الحسيني فابدؤوا بالركيزة الأولى وهي ركيزة الإصلاح، صححوا شؤونكم، صححوا أفكاركم، انتبهوا إلى المعالم الدقيقة التي توصلكم إلى الحقيقة وإلى الله تعالى، علينا أن ننتبه ودائمًا يجب أن نعمل للإصلاح، ودائمًا يجب أن نرى ما هو المسار الصحيح والحقيقي الذي هو الإسلام فنصلح أعمالنا على ضوئه، هذه ركيزة أولى أرادها الإمام الحسين(ع) في موقفه الكربلائي.

الركيزة الثانية: رفض الاستسلام، تذكرون أنه في خطبة الإمام الحسين(ع) الثانية في كربلاء قال: "ألا وإن الدعيِّ ابن الدعيِّ قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلة، يأبى الله ذلك لنا، ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حميّة، ونفوس أبية، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد وخذلان الناصر" لا يمكن أن نقبل بأن نستسلم وأن نكون أذلة، وأن نخضع، وأن نقبل بالأمر الواقع المنحرف البعيد عن الله تعالى. هنا يتبادر إلى الكثيرين أن رفض الاستسلام هو رفض الاستسلام في المعركة فقط، لا، رفض الاستسلام في كل الحياة، دائمًا ما يُعرض عليك أيها الإنسان أن تكون بين الحق والباطل، بين الاستقامة والضلالة، بين الإيمان والهوى، بين الطاعة لله تعالى والرضوخ للشيطان، هل تستسلم للشيطان؟ هؤلاء الناس الذين عصوا الله تعالى استسلموا للشيطان، أذلوا أنفسهم، هؤلاء الذين ضلوا وحملوا الفكر المنحرف استسلموا للشيطان، هؤلاء الذين اختاروا التبعية والعبودية والمأمورية للكفر ولدول الكفر، والدول الإقليمية، للعشيرة، لأي موقف من المواقف التي لا تكون منسجمة مع الانضباط ومع طاعة الله تعالى، هؤلاء يكونون مستسلمين، الإمام(ع) جاء ليقول: لا تقبلوا بالذلة ولا تستلموا ولا تخضعوا للباطل، ولا تكونوا أتباعًا للشيطان، ولا تقبلوا أن تنحرفوا عن طريق الحق من أجل أهوائكم ومن أجل رغباتكم، من أراد منا أن يكون مع الموقف الحسيني عليه أن يرفض الاستسلام، يرفض الاستسلام للعدو المقاتل، يرفض الاستسلام للعدو الذي يريدنا أتباعًا له، يرفض الاستسلام للدول الكبرى التي تريد مصادرة حرياتنا، يرفض الاستسلام للفكر المنحرف الذي يسخِّر ما عنده من أجل أن يأخذنا إلى قناعاته وتوجيهاته. 

هذه ركيزة أساسية من ركائز الموقف الحسيني، إذا أردت أن تكون حسينيًا عليك أن ترفض حمل الأفكار الخاطئة، أو أن تسير مع القناعات المنحرفة. لاحظوا، السيدة زينب(عها) كيف صحَّحت المفاهيم، لأن هناك مشكلة في المفاهيم الخاطئة، فهناك من يظن أنه يعمل بطريقة صحيحة ولكن للأسف يكون مضللًا، قال تعالى: "قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً"، من هم الأخسرين أعمالا؟ يظنون أنهم على الحق، يصبحون أتباعًا للباطل، يقبلون الانقياد للغرب وللشرق  وللسلوكيات المنحرفة ولكل الأعمال التي يحاول الآخر أن يروج لها، بمعنى آخر: يأسرنا هؤلاء بانحرافهم، كما كان يزيد يريد أن يأسر الإمام الحسين(ع) بالبيعة والتبعية فقط من أجل الحياة التي منحها الله تعالى للإنسان والتي هي ليست بين يدي يزيد ولا ملكًا له. السيدة زينب(عها) قالت ليزيد: "ولئن اتخذتنا مغنماً،  لتجدنا وشيكاً مغرماً، حين لا تجد إلاَّ ما قدمت وما ربك بظلام للعبيد، فإلى الله المشتكى وعليه المعول"،أتظن يا يزيد أنك ارتحت، لا، أنت خسرت، لماذا؟ لأنك اتخذت بنات رسول الله(ص) والذرية الصالحة أسارى، وقتلت ابن بنت رسول الله(ص)، وهي التي قالت في مواجهة أهل الكوفة: "ويلكم يا أهل الكوفة، أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم، وأي كريمة له أبرزتم، وأي دم له سفكتم، وأي حرمة له انتهكتم! لقد جئتم بها(بعملكم) صلعاء عنقاء سوداء فقماء خرقاء شوهاء، كطلاع(ما حوته) الأرض أو كمعىء السماء، أفعجبتم أن مطرت السماء دماً، ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون. فلا يستخفنكم المهل(الفرص)، فإنه لا يحفزه(يدفعه) البدار (المسارعة)، ولا يخاف فوت الثأر، وإنَّ ربكم لبالمرصاد"، هل هذه هي الأعمال الصحيحة التي تعتقدون بها، من يسلِّم منكم لهذا النموذج من الأعمال هو مستسلم للحاكم الظالم، مستسلم للفكر المنحرف، مستسلم لطاعة الشيطان. 

أيها المؤمنون لا تستلموا لا لعدو ولا لفكر ولا لانحراف ولا لهوى، لا تستلموا لأمريكا ولا للدول الإقليمية، لا تستلموا لأهوائكم التي ترغبكم بإتباعها، لا تستلموا للأفكار المنحرفة التي تغريكم بالمناصب والعطاءات، الاستسلام أوسع بكثير من الاستسلام في المعركة وإنما الاستسلام في أي مكان.

الركيزة الثالثة: المواجهة والجهاد، عندما يقتضي الأمر أن تكون هناك مواجهة يجب أن يكون المؤمن مستعدًا للقتال وللمواجهة حتى ولو أدَّى ذلك إلى قتله في داخل المعركة، ولو قُطعت الرؤوس والأيدي والأرجل قربة إلى الله تعالى للدفاع عن الحق والإسلام، وما فعله الحسين(ع) نموذج من أعظم وأرقى مواجهة حصلت في التاريخ، أنه المسدد المؤيد من الله تعالى يعمل على الأرض كما يجب على البشر أن يعملوا، ليقول لله تعالى: أرضيت يا رب، فيقدم ما عنده ويستشهد(ع) مع قطع الرأس وقتل الأصحاب وسبي النساء قربة إلى الله تعالى لتكون مواجهة الإمام الحسين(ع) أعظم مواجهة في التاريخ لتقويم مسيرة الإسلام ليُعبد الله على الأرض بحقٍ وصدق.
في حديثه (ع) مع جماعة الحر الرياحي عندما جعجع به : " ألا ترون أن الحق لا يُعمل به، وأن الباطل لا يتناهى عنه! ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فإني لا أرى الموت إلاَّ سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلاَّ برماً"، هل تغرونني بالحياة الدنيا، لا قيمة لهذه الحياة مع الظلم، وإذا كنتم تعتقدون أني أموت وأنتهي، لا، أنتم مخطئون، أنا أموت سعيدًا في أرقى لذة أعيشها، لأني أختم حياتي وشعاري : الله أكبر، والنصر لله والعزة للمؤمنين.

الركائز الثلاث: الإصلاح، ورفض الاستسلام، والمواجهة، كل واحد منها بحاجة إلى الركيزتين الأوليين، كل واحد منا بحاجة إلى الإصلاح ورفض الاستسلام، لأنه دائمًا هناك تطورات في الحياة العائلية والاجتماعية، والتطورات في المجتمع  والسياسة وفي القتال مع العدو، كل واحد منا رجلًا كان أو امرأة، انتبهوا الموقف الحسيني ليس موقفًا للرجال فقط، وإنما هو موقف للرجال والنساء والشباب والشابات والأطفال والكهول، هو موقف كل من ينبض فيه روح الإنسانية، لذلك نقول: أن الموقف الحسيني موقف الزينبيات وموقف الشباب وكل فرق الناس، عندما نقول بأننا نريد الإصلاح ورفض الاستسلام في حياتنا كل واحد منا بحاجة إلى الإصلاح ورفض الاستسلام حتى لا يخضع للمنكرات وحتى يصحح المسيرة بطريقة صحيحة.

أما الركيزة الثالثة والتي هي المواجهة، أحيانًا يمكن أن تحصل وأحيانًا يمكن أن لا تحصل، لكن على المؤمن أن يكون مستعدًا لها، إذا تطلب الأمر مواجهة، أهلًا وسهلًا بالمواجهة ولو أدَّت إلى الموت : " قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ"، إذا لم يتطلب الأمر المواجهة فبمجرد أن يكون الإنسان مستعدًا فهذه مكرمة تنسجم مع ركائز الموقف الحسيني الثلاث.

هذه الركائز الثلاث لماذا؟

لنحفظ حدود الله جل وعلا، لنعرف الحق من الباطل، لنلتزم شريعة الإسلام المقدس، قال تعالى: "وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ"، وكل واحد يفسر الإسلام على هواه، وكل واحد يبدأ بنقاش إسلامي فيضيع الإسلام ويميعه، (أوباما "من غير شر" يقول بأنه يؤيد الإسلام المعتدل! مرحبا أوباما، من هو حتى يؤيد الإسلام المعتدل؟ ومن طلب شهادتك؟) هو يقصد الإسلام المعتدل يعني الإسلام الفارغ من المحتوى، الذي تطبقه السعودية فلا دين ولا إيمان ولا تقوى، وإنما قربة  إلى أمريكا، وصلاة خاوية من الروح لا تصل إلى الله تعالى بل لا تصل إلى سقف المسجد، هذا الإسلام يُعجب أمريكا ولكنه ليس إسلامًا لله تعالى.

وتظهر جماعة الإسلام عندهم أن يبقروا البطون ويقتلوا الأطفال ويسبوا النساء، وهذا كله قربة إلى الله تعالى بنظرهم! هل هذه هي حدود الله؟ "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"، لا تعرفون الجزء اليسير من الرحمة، فكيف تكونون دعاة إلى الله، أنتم دعاة للشيطان بلباس الإسلام لتشوهوا الإسلام، ولكن مع الحسين(ع) والحسينيين والزينبيات لا يمكن أن يتشوه الإسلام فرجال الله في الميدان يرفعون لواء الحق ويعرِّفون الناس عليه.
بعض الأمثلة التطبيقية لهذه الركائز الثلاث: الإصلاح ورفض الاستسلام والمواجهة: 

واحدة من تعريفات السياسة وهي موجودة في لبنان: قالوا: السياسة فن الكذب والخداع، كلما استعطت أن تخدع الجمهور وتكذب على الآخرين، وتسوف وتماطل، وإذا أرادوا أن يضغطوا عليك بأمر تهرب إلى أمر آخر، وإذا واجهوك بتفسير تعطي تفسيرًا آخر، وإذا قالوا عنك كذاب أثبت أنك الصادق الذي لا يكذب أبدًا من خلال كلمات وروايات ما أنزل الله بها من سلطان، هذه هي السياسة؟ السياسة أن تسوس أمور الناس، وأن تأخذهم إلى صلاحهم، وأن تؤدي خدماتهم. البعض الآخر يقول: السياسة هي التكيُّف مع كل ناعق، يعني مرة تراه في اليمين وأخرى في الشمال، ونقل السلاح من كتف إلى كتف وهذه الأمور كلها تحصل في لبنان، وكل هذه التبديلات والتغيرات  تحصل بحسب المصالح الشخصية والاستفادة، هذا النموذج لا ينسجم مع الموقف الحسيني.

الإمام الكاظم(ع) يقول لصاحبه فضل بن يونس: "أبلغ خيرًا, وقل خيرًا, ولا تكن إمعة. قلت: وما الإمعة؟ قال: لا تقل: أنا مع الناس, وأنا  كواحد من الناس،  إن رسول الله(ص) قال: "يا أيها الناس, إنما هما نجدان(طريقان): نجد خير, ونجد شر, فلا يكن نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير".(الإمعة: يعني كلمة أنا مع، يعني أن يكون مع الناس في كل أحوالهم، إذا شربوا الخمر يشرب، وإذا انحرفوا ينحرف، وإذا ظلموا يظلم...، فالإنحراف يبدأ من عدم اختيار المسار الصحيح)، عليك أن تختار الطريق الصحيح، وليكن لك موقف ولا تكن متذبذبًا بين هؤلاء وهؤلاء، لا تكن إمعة، خذ موقفًا، وارفض الاستسلام، وخذ المواجهة لتكون شريفًا عزيزًا تعيد الأرض بكرامة، أما إذا كنت إمعة فلا موقف ولا دور، ولا تقبل أن تصلح في حياتك ولا يمكن أن تصل إلى أي نتيجة، وهذا موقف بعيدٌ تمامًا عن موقف الإمام الحسين(ع)، وهذا هو الموقف الذي جعل أكثر المسلمين يبتعدون ولا يقفون مع الإمام الحسين في كربلاء.

على كل حال هناك أناس لديهم منهجية التفلُّت من الموقف، هؤلاء اتباع الهوى، أيُّ إنسان عندما سيأخذ موقفًا عليه أن يعتمد على ضوابط وحدود، وإلا فإنسان من دون
موقف، كقول الشاعر: 

رأيت الناس قد ذهبوا إلى من عنده ذهب فمن لا عنده ذهب فعنه الناس قد ذهبوا
رأيت الناس قد مالوا إلى من عنده مال فمن لا عنده مال فعنه الناس قد مالوا


هناك جماعة تلحق أهواءها ورغباتها، نحن عندما تربى بموقف الإمام الحسين(ع) إنما نتعلم كيف نكون أصحاب موقف، وركائز الموقف الحسيني يجب أن تكون حاضرة.
مثل آخر: موضوع الوطن: اليوم إذا أردت أن تأخذ خطابًا عن الوطن وطلبت من جميع القوى والشخصيات من دون استثناء، تكلموا كلمة عن الوطن، ترى أن كلماتهم فقط عسلًا، الوطن الذي يجب أن نفديه بأرواحنا وقلوبنا، الوطن يجب أن يكون مقدمًا، هذه الكلمات لا تكلف شيئًا (قلم الرصاص ثمنه 250 ل، والورقة 250 ل، وهناك واحد يكتبهم من دون ثمن، فكل القصة عن الوطن تكلف 500 ل ل)، من الذي يكون مع الوطن: الذي يغني ويتغزل بالوطن أو الذي يبذل دماءً من أجل أن يحرر الوطن؟ من قاتل على الحدود وطرد إسرائيل هو الوطن، من عمل من أجل الإصلاح في الداخل على قاعدة الألفة لمصلحة بناء الوطن هو الوطن، من يرفض التبعية للاستكبار هو الوطن، من يُبقي دمه على كفه هو الوطن، من لا يكون مستعدًا لمصافحة إسرائيل ومصالحتها هو الوطن، فالذي يريد أن يقول أنه وطني فليقل ماذا عمل؟! كم إسرائيليًا قتل؟ كم صارخًا اشترى ودعم بها المقاومة؟ فنحن نعرف أن هناك قوى كانت تعمل في الخفاء وفي العلن من أجل الترويج لإسرائيل، وأن إسرائيل قوية ولا نقدر عليها. اليوم من يريد أن يكون وطنيًا يجب أن يكون عنده قواعد الإمام الحسين(ع): إصلاح ورفض الاستسلام والمواجهة، هذا هو الوطن الحقيقي، ولا يعتبرنَّ أحد الوطن جبنة للتقسيم حتى يأكل منه ويملأ بطنه وبطن أولاده وأحفاده، حتى يعطي زبانيته، هذا ليس وطنيًا، الوطني هو الذي يضحي ويعطي ويقدم ليرتاح الناس ويطمئن الناس ببركة دماء الشهداء كما فعلت المقاومة.
مثل آخر عن وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك، واتس آب، ...)، كل هذه العائلة التي اسمها وسائل التواصل الاجتماعي، اليوم بعض الناس يروجون أن وسائل التواصل الاجتماعي إنما صُممت وانتشرت لتفتح الناس على بعضهم من دون أي خصوصية، لتجعل الثقافة واحدة والفكر واحد والقناعات واحدة، وأن يكون الإنسان حرًا وأن يفعل ما يشاء وأن يعرض ما يشاء، من دون أي قيد أو أي ضوابط، هذا هو الشيطان بحد ذاته، وسائل التواصل هي عبارة عن وسيلة، كما قال النبي(ص): "نجد خيرًا ونجد شرًا" إذا أحسنت استخدامها فهي نجد خيرًا، وإذا أسأت استخدامها فهي نجد شرًا، فقل لي: كيف تستخدم هذه الوسائل، وكيف تنتبه كيلا يدخل العدو إلى داخل عقلك وروحك قبل أن يدخل إلى بيتك، ميزة هذه الوسائل أنها حرب ناعمة، يدخل إلى عقلك وقلبك ويؤثر فيك الطرف الآخر الذي يستخدم الوسيلة من ضمن الأشياء التي يروجونها. يقول لك صحيح "ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما" ولكن إذا تكلم رجل مع امرأة على الواتس آب فهي في مكان وهو في مكان آخر ولم يخلُ الرجل بالمرأة وبالتالي الشيطان ليس ثالثهما!  من الثالث معها" المخابرات الأمريكية" فيقول لا مشكلة في ذلك!! أو مجموعة جالسين مع بعضهم في غرفة واحد وتجدهم كلهم يتكلمون على الواتس آب، وهم يصلون رحمهم، فصلة الرحم تكون بالاطمئنان على حالهم وتسامرهم مع بعضهم، أما أن تبقى على الواتس آب لمدة طويلة!! والأسوأ من ذلك الحب عبر الفايس بوك والواتس آب وهو حب عذري وأن الله يحب الحب العذري، من أين تأتون بهذه الأقاويل؟! هناك حب يؤدي إلى زواج ولا مشكلة في هذا، وإذا كان هذا الحب لا يؤدي إلى زواج تضع له حدًا. فكيانك كله تعلق بالطرف الآخر من خلال هذه وسائل التواصل، وعقلك ذهب مع الطرف الآخر، حياتك تقضيها وتعيشها مع الهوى، ورياح الحب التي تعميها، وتتعطل كل مصالحك وعلاقاتك وأعمالك، وتقول بأن هذه أمورًا عادية ولا تؤثر في شيء!! استعمل وسائل التواصل الاجتماعي بالعمل وبالإصلاح والدعوة إلى الله تعالى، واستعملها لدعوة الأصحاب والاطمئنان عليهم، وهناك أعمال كثيرة تقدر أن تقوم بها.

رُبَّ سائل: ما علاقة ركائز الموقف الحسيني بوسائل التواصل الاجتماعي؟ 

أولًا: الإصلاح، إصلاح المفاهيم الخاطئة التي بدأت تدخل على مجتمعنا لتسيء إلى خصوصياتنا، وتدمر بيوتنا، وتضيع أوقاتنا، وتخرب أسرنا، وتحرمنا من تربية أولادنا.
ثانيًا: رفض التبعية، هناك مفاهيم خاطئة تنتشر وأنت تابع لها ومروج لها، تذلك وتجعلك ضعيفًا أمامها، عليك أن تضع لها حدًا. وموضوع المواجهة فيجب أن يكون الإنسان مستعدًا ويجهز نفسه للمواجهة.

من هنا أقول: من أراد أن يتعلم من الحسين(ع) ليأخذ هذه الركائز الثلاث وليعمل عليها ليضبط الحدود الشرعية (الحلال والحرام)، فليس كل شيء في الحياة مطلق، فكل شيء في الحياة له ضوابط، ولولا هذه الضوابط لن تقدر أن تربي أولادك، ولولا هذه الضوابط لما قدرت أن تسهر الليالي للنجاح في الامتحان، ولولا هذه الضوابط لما تعبت عشرة ساعات في اليوم لتأمين القوت اليومي لأولادك....، كلنا بحاجة إلى حدود، الله تعالى وضع لنا حدود الحلال والحرام لنعرف كيف نعيش حياتنا، فلنرجع ونعيش هذه الحدود من أجل أن نعرف حياتنا بدقة.

السلام عليك يا أبا عبد الله، والسلام عليك يا ابن رسول الله، وابن أمير المؤمنين وابن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، السلام عليك وعلى الأرواح التي حلَّت بفنائك، عليكم مني سلام الله ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم، السلام عليكم أيها الحسينيون والزينبيات ورحمة الله وبركاته.