بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته،
لفتة كريمة اختيار هذه المناسبة مناسبة ولادة الإمام الحسن المجتبى(ع)، لأننا قلَّما نحيي هذه المناسبة، فالإمام الحسن(ع) إمامٌ مظلوم نظراً لما مرَّ به بالتاريخ، وأيضاً لوجود بعض الانطباعات الخاطئة الموجودة عند الناس عن الإمام الحسن(ع)، من هنا فإنَّ إحياء ذكرى ولادته في الخامس عشر من شهر رمضان المبارك في السنة الثالثة للهجرة يُعتبر أمراً مهماً لنتحدث قليلاً عن معاناة هذا الإمام المعصوم وعن نظرتنا إليه.
تعلمون أن أغلب الروايات التي وردت عن رسول الله(ص) كانت تتحدث عن الإمامين معاً:"الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا"، "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"، وعندما نزلت الآية الكريمة آية الرجو" إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً "، حيث كان أهل الكساء الخمسة: رسول الله(ص) وأمير المؤمنين علي(ع)، وفاطمة(عها) وولداهما الحسن والحسين(عما)، إذاً في كل حديث وفي كل موقع أساسي وخاصة في آية التطهير، نرى أن الإمامين معاً، هذا يعني أن ما ينطبق على الإمام الحسن ينطبق على الإمام الحسين، الإمام الحسن معصوم والإمام الحسين معصوم، الإمام الحسن سيد شباب أهل الجنة والإمام الحسين سيد شباب أهل الجنة، الإمام الحسن له مقامه في سلسلة الأئمة والإمام الحسين له مقامه في سلسلة الأئمة، إذا نحن نتعامل مع إمام معصوم له مكانته ونعتبر أن دوره أساسيا في سلسلة الأئمة الاثني عشر الذين ثبتوا مسيرة الإسلام والتي ستنتهي بقيام الحجة(عج). وهذا يفترض بنا أن ننظر إلى الإمام الحسن(ع) من موقعه كإمام، عندما نقول إماماً معصوماً يعني أن كل ما يفعله هو أمرٌ صحيح وسليم، لأن المعصوم لا يخطئ ولا ينسى ولا يسهو، كل ما يقوله هو من عند الله تعالى ، إمَّا بالوحي كما عن النبي(ص)، وإمَّا بالإلهام كما مع الأئمة(عم)، وبالتالي كلامهم كلامٌ إلهي، وموقفهم موقف إلهي، فمن قاتل من الأئمة قاتل ليقوم بواجبه كما أمر الله تعالى، ومن صالح من الأئمة صالح ليقوم بواجبه كما أمر الله تعالى، ولا نستطيع أن نعتبر أن الإمام الحسين(ع) استشهد يعني أن موقفه كان أفضل من موقف الإمام الحسن(ع) -لا سمح الله- فلو كان الإمام الحسين مكان الإمام الحسن(ع) في زمانه وظروفه لصالح معاوية كما صالح الإمام الحسن(ع) معاوية، ولو كان الإمام الحسن في ظرف الإمام الحسين(ع) في كربلاء لقاتل واستشهد في سبيل الله تعالى كما استشهد الإمام الحسين(ع)، فالفرق أن كل واحد عنده ظرف وخصوصية لا بدَّ أن يراعيها قبل أن يأخذ الموقف.
ما هي الخصوصيات التي أحاطت بالإمام الحسن(ع)؟
استشهد أمير المؤمنين علي(ع) في سنة 40 للهجرة، فخلفه الإمام الحسن(ع)، وبايعه الناس في المدينة والكوفة وبعض المناطق، ووقف الإمام الحسن(ع) إنطلاقاً من الكوفة يريد أن يجمع الناس حوله وإذ به يعلم أن معاوية من الشام حشد جنداً وجماعة وذهب باتجاه العراق لأنه يريد الخلافة لنفسه، وتعلمون أن معاوية بقي أكثر من عشرين سنة والٍ في المنطقة(الشام)، حتى أن أمير المؤمنين علي(ع) اضطر أن يخوض معه معركة صفين لأنه لم يرضَ أن يترك الولاية في الشام بعد أن عزله عنها، كان معاوية عقدة، وكانت بلاد الشام عقدة، أراد معاوية الخلافة لنفسه فأخذ الناس وحشد كما تقول الروايات حوالي 60 ألف جندي متجهاً إلى العراق، فلم ينتظر معاوية حتى يأخذ الإمام الحسن(ع) الموقف منه فأخذ القرار وقرر أن يحارب الإمام(ع)، هنا دعا الإمام الحسن(ع) الناس أننا نريد أن نحارب للمحافظة على الخلافة الإسلامية، اجتمع الناس من حوله بصعوبة، حتى أنَّه حدَّد مكاناً اسمه "النُخيلة" ليجتمع المقاتلون هناك من أجل أن ينطلقوا لصد جماعة معاوية، ذهب قسم إلى النخيلة بعد أحاديث وخطب وتحريض من الصحابة، يعني ذهبوا متثاقلين لا همة لديهم، وفي بعض الروايات أنه اجتمع حوالي 15 ألف رجلاً، وعاد الإمام(ع) أدراجه ليذهب إلى الأماكن المختلفة من أجل أن يحرِّض الناس ويقنعهم ويقول لهم أنه ابن بنت رسول الله(ص) وأنه أهل للخلافة، وأنه يجب حماية الدين من خلال مواجهة معاوية، فبدأ يجمع الناس من هنا وهناك ، وقرَّر أن يرسل اثنا عشر ألفاً رجل من الذين اجتمعوا في النخيلة باتجاه منطقة اسمها "مسكنة" على نهر الدجيل، استعداداً لمواجهة معاوية إذا وصل إلى ذاك المكان، وكان على رأسهم عبيد الله ابن العباس، وهو ابن عم الإمام الحسن(ع)، فالمشهد واضح: بصعوبة ذهبوا إلى النخيلة، وكان الإمام الحسن(ع) بصعوبة يجمع الناس من الأقطار المختلفة، وطليعة الجند 12 ألف رجلاً في "مسكنة". أرسل معاوية إلى عبيد الله ابن العباس بأني معطيك ألف ألف درهم (مليون درهم)، عبيد الله ابن العباس كان من أهل الدنيا ولم يكن من أهل الآخرة، فغرَّه بالمال، ووعده بأن يحكم في مقاطعة معينة، وأن يكون له راتباً مستمراً، وأن يأخذ كل الهدايا والاعطيات التي يريدها شرط أن يكون مع معاوية، ماذا فعل عبيد الله ابن عباس؟ في الليل ذهب إلى معاوية، وأخذ معه من الجند 8 آلاف رجل، فبقي 4 آلاف رجل، والتحقوا بجند معاوية، فجاء سعد بن قيس بن عباده، وتأمَّر على الجند لأنه كان الرجل الثاني بعد عبيد الله ابن العباس حسب طلب الإمام الحسن(ع)، تضعضع الجند، وبدأت الأخبار من هنا وهناك بأنَّ الإمام الحسن(ع) صالح معاوية ولم يعد يريد القتال، وأن سعد ابن قيس (الثاني في القيادة) أيضاً التحق بمعاوية مثل عبيد الله ابن العباس، وأن معاوية قادم وسيستقبله الناس بالورود، استغل معاوية الفرصة فأرسل وفداً من قبله إلى الإمام الحسن ليعرض عليه الصلح، الإمام الحسن(ع) رفض، والجماعة عند الإمام الحسن(ع) أحسوا أن هناك عرض اسمه الصلح، فأصبحوا يمارسون ضغطاً على الإمام الحسن(ع) للقبول بالصلح، وحتى لا يتحمل الإمام الحسن(ع) المسؤولية أمام هؤلاء الذين لن يقاتلوا، جمعهم وقال: "إنَّ معاوية قد دعا إلى أمرٍ ليس فيه عزٌ ولا نصفة، فإن أردتم الحياة قبلناه منه، وأغضضنا على القذى، وإن أردتم الموت بذلناه في ذات الله، وحاكمناه إلى الله"، فنادى القوم بأجمعهم بل البقية للحياة.
أكثر من هذا: خلال هذه الفترة تعرض الإمام الحسن(ع) لثلاث محاولات إغتيال: مرة عندما كان يصلي إمام جماعة جاءه سهمٌ من الخلف لكن كان الإمام يلبس درعاً فلم يصب، المرة الثانية اقترب منه رجل وضربه بخنجره على رجله فشق رجله، وفي المرة الثالثة حصل ضغط وتدافع على الإمام في محاولة لإغتياله، فالظروف كانت صعبة ومعقدة وسيئة، فرب سائل: لماذا لم يقم الإمام الحسن (ع) بما قام به الإمام الحسين(ع) بالعدد الذي بقي معه ؟ الفرق أن معاوية في نظر المسلمين كان إنساناً معتبراً، وبالتالي إذا قاتله الإمام(ع) سيتبيَّن أن الإمام خرج على خليفة المسلمين، فلن يترك أي أثر قتل الإمام الحسن(ع)، بينما الإمام الحسين(ع) رفع شعاراً ماذا قال فيه: " ويزيد فاسقٌ شاربٌ للخمر قاتل للنفس المحترمة، ومثلي لا يبايع مثله"، يعني لا يستطيع يزيد أن يطرح نفسه كخليفة للمسلمين لأنه لا يملك أي صفة من صفات الخليفة، بينما معاوية طرح نفسه للمسلمين ويقدر أن يقول بأنه له 20 سنة في الشام ونصَّبني على هذا الأمر خليفتان من خلفاء المسلمين، وبالتالي ستكون نظرة الناس مختلفة، إذاً موت الإمام الحسن(ع) لن يكون في محله ولن يؤدي إلى تغيير المعادلة.
عندما وقف الإمام الحسن(ع) أمام هذه الظروف الصعبة، فكر بالصلح، واعتبر أن الصلح الذي عرضه معاوية إذا اشترط فيه شروطاً يمكن أن يحسِّن بعض الأمور، ماذا كانت شروط الصلح؟ 1- أن يكون الخليفة بعد معاوية الإمام الحسن(ع)، فإن مات الإمام الحسن(ع) فالإمام الحسين(ع).
2- أن يتوقف سب أمير المؤمنين الإمام علي(ع) عن المنابر.
3- أن يسير بسيرة النبي(ص) والخلفاء الصالحين.
4- أن يقرر ميزانية مالية للإمام الحسن وكل هؤلاء الذين معه حتى لا يحرمهم من حصتهم من بيت مال المسلمين.
5- أن لا يتعرض لأنصار الإمام الحسن(ع) في أي مكان من الأمكنة.
اعتبر الإمام الحسن(ع) أن هذه الشروط تساعد على الضبط، وبالتالي هي تشكل الحد الأدنى المعقول رغم قناعته بأن هذا أمر لن يحصل لأن معاوية كاذب ولا يمكن أن يعطي للمسلمين، ولكن الإمام الحسن(ع) يريد أن يرفع المسؤولية ويرفع عنه الحجة أمام الله تعالى وأمام الناس.
الذي حصل هو أن معاوية أخلف بهذه الشروط، ولم يراعِ لها حرمة وعاش الإمام الحسن (ع) في ظروف صعبة جداً، إلى أن دسَّت له زوجته "جعدة ابنت الأشعث" السم في العسل، بناءً على توصية من معاوية على قاعدة أنها إذا قتلت الإمام الحسن(ع) سيكرمها ويعطيها المال حسب الروايات مائة ألف درهم إضافة إلى أنه سيزوجها من ولده يزيد، فقتلت الزوجة زوجها، وكان ذلك في سنة 50 للهجرة، كان عمر الإمام تقريباً حوالي 47 سنة.
في هذه الظروف المعقدة كان الإمام الحسن(ع)، فما هي الخيارات المتاحة أمامه؟ الإمام الحسن (ع) من شدة المظلومية واجهه أصحابه الذين كانوا معه، يروى عن الجراح ابن سنان وكان من أصحاب الإمام الحسن(ع) المتدينين الطيبين، لكنه لم يقدر أن يستوعب لماذا لم يكن هناك قتال، ولم يقدر أن يفهم موقف الإمام(ع)، قال له: الله أكبر، أشركت يا حسن كما أشرك أبوك من قبل . حجر ابن عدي الصحابي الجليل العظيم والمشهور والمحب لأمير المؤمنين علي(ع)، قال: أما والله لوددت أنك مت في ذلك اليوم ومتنا معك. هناك أناس يعيشون حالة من الحرارة وهم مستعدون أن يقاتلوا كيفما كان ولكن لا يريدون هذا الذل.
موقف الإمام الحسن(ع) في الصبر هو أعظم من مواقف الشهادة، لأن الشهادة فيها العز والجاذبية والموقع والتوفيق والتسديد، أمَّا موقف الصبر ففيه المعاناة والألم والمرارة وعتب الأصحاب فضلاً عن النتائج التي تحصل، من هنا نحن نقول: أن الإمام الحسن(ع) قام بواجبه كإمام معصوم، وبالتالي لا يجوز أن نتكلم عن موقفه بأنَّه موقف تخاذل فهذه إساءة للعصمة، وإلاَّ كيف نفسِّر ما فعله الإمام الحسين(ع) في زمن معاوية، فعندما استشهد الإمام الحسن(ع) في سنة 50 للهجرة، وتولى الإمامة الإمام الحسين(ع)، وبقي معاوية خليفة للمسلمين من سنة 50 للهجرة حتى 60 للهجرة، عشر سنوات خليفة المسلمين معاوية والإمام الحسين(ع) سار بسيرة الإمام الحسن(ع) في كيفية التعاطي مع معاوية، متى تحرك الإمام الحسين(ع)؟ عندما مات معاوية في سنة 60 للهجرة، ونصَّب يزيد فتحرك الإمام الحسين(ع) فاستشهد الإمام الحسين(ع) في أول عشرة أيام من سنة 61 للهجرة في العاشر من محرم الحرام. فالإمام الحسين (ع) تحت حكم معاوية تصرف كما تصرف الإمام الحسن(ع) خلال عشر سنوات تحت حكم معاوية أيضاً، من سنة 40 إلى سنة 50 للهجرة كان الإمام الحسن(ع)، ومن سنة 50 إلى سنة 60 للهجرة كان الإمام الحسين(ع)، ما يدل أن موقف الإمام الحسن(ع) كان صحيحاً وإلاَّ لما استمر عليه الإمام الحسين(ع)، وعندما تبدلت الظروف اتخذ الإمام الحسين(ع) موقفاً آخراً في كربلاء مع يزيد، وكانت شهادته العظيمة التي يصدح فيها التاريخ، والتي حفظت مسيرة الإسلام، ولولا صلح الإمام الحسن(ع) لما وصلنا إلى شهادة الإمام الحسين(ع)، ولولا هذه السلسلة في صبر أمير المؤمنين علي (ع) وجهاده لما استطعنا أن نسمع بحفظ مسيرة الإسلام على يدي أئمة أهل البيت(عم).
جاء أحد الأشخاص وهو أبو سعيد عقيصا يحاجج الإمام الحسن(ع)، وقاله له:يا ابن رسول الله لما داهنت معاوية وصالحته، وقد علمت أن الحق لك دونه وأن معاوية ضالٌ باغٍ؟
" قال الإمام الحسن(ع): يا أبا سعيد: ألستُ حجة الله تعالى ذكره على خلقه، وإماماً عليهم بعد أبي علي ابن أبي طالب(ع)؟
قال: بلى ، يا ابن بنت رسول الله.
قال(ع): ألست الذي قال رسول الله(ص) عني وعن أخي"الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا"؟
قال: بلى.
قال(ع): فأنا إذن إمام لو قمت(جاهدت في سبيل الله)، وأنا إمام إذا قعدت(قعدت عن القتال، صالح، صبر) .يا أبا سعيد علَّة مصالحتي معاوية علَّة مصالحة رسول الله(ص) لأهل مكة حين انصرف من الحديبية.<( وفي الحديبية: وقف بعض المسلمين يقول: يا رسول الله أتعمل صلحاً مع المشركين؟ تبينَّ أن صلح الحديبية نتج عنه فتح مكة من دون قطرة دم وانتصر المسلمون، فبعض الناس لا تُدرك أبعاد الأمور فالنبي(ص) يدرك والأئمة (عم) يدركون.ثم يقول الإمام الحسن(ع)>. أولئك(في الحديبية) كفار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل. يا أبا سعيد: إذا كنت إماماً من قبل الله تعالى ذكره لم يجب أن يُسفَّه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة، وإن كان وجهه الحكمة فيما أتيته ملتبساً، ألا ترى الخضر(ع) لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى(ع) من فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي بذلك، وهكذا أنا سخطتم عليَّ بجهلكم بوجه الحكمة فيه، ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض إلاَّ قتل".
فإذاً نحن عندما لا نعرف الأسرار التي سبَّبت موقف الإمام الحسن(ع) نستنكر، ولكن عندما نعلم هذه التفاصيل ونعلم أن الإمام الحسن(ع) هو الذي مهَّد للإمام الحسين(ع) وكان موقفه عظيماً عندها نطمئن ونرتاح ونعلم أن الإمام الحسن(ع) هو ركنٌ عظيمٌ من أركان أهل البيت(ع) ونحن لا نميِّز بين إمام وإمام ، كلهم أئمة معصومون ، هم الذين فتحوا لنا أبواب الهداية، وهم الذي ربطوا بين مسيرة محمد(ص) ومسيرة الإمام المهدي(عج) جعلنا وإياكم من أنصاره .