محاضرات

’الاتقان في العمل .. الوقت، التكلفة، المتابعة’ عنوان محاضرته في 2015/1/20

’الاتقان في العمل .. الوقت، التكلفة، المتابعة’ عنوان محاضرته في 2015/1/20
الشيخ نعيم قاسم: عندما ندمج بين إدارةٍ حسنة وإنسانيةٍ رائده فإنَّ الإنجاز الإداري يُثمر

المحاضرة التي ألقاها في معهد لقمان للتنمية الإدارية

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على رسول الله وآله الأطهار.
في البداية, أبارك لكم ولادة النبي الأكرم محمد(ص) الذي نوّر حياتنا وأداءنا ودنيانا تمهيدًا لآخرتنا, ونسأل الله تعالى أن نحسن الإقتداء برسول الله سيد البشرية جمعاء محمد(ص), وكذلك التهنئه بولادة حفيده الإمام جعفر الصادق(ع), الذي أتحفنا بعلم آل محمد, وأوصله إلينا نقيًا صافيًا نغرفُ منه ما يساعدنا على الإقتداء به في الطريق .
أشكر معهد لقمان على هذه الجهود الخيِّرة والمباركة, معهد لقمان فكرة تطويرية إستراتيجية, لها تأثير كبير في تنمية قدراتنا ومواردنا البشرية, لأداء أفضل يتخطى التقليد الإداري لمصلحة الإنجاز الإنساني, لأنَّنا عندما ندمج بين إدارةٍ حسنة وإنسانيةٍ رائده فإنَّ الإنجاز الإداري ينطبع بثمرات لا يمكن تحصيلها إذا ما عمل الإنسان بطريقة إدارية بحتة, ولا من دون هذه الروحية الإسلامية التي ترفع المعنويات وتزيد الهمم وتعطي الدافع, ليخرج الإنسان من الوظيفة المكلف بها الى الوظيفة التي يشعر أنه مسؤول عنها أمام الله تعالى قبل ان يكون مسؤولًا أمام أي أحدٍ أخر.
     فهنيئًا للمعهد إدارة ومدربين وعاملين ومتدربين, الذي يحصل على واحدة من ثماره في هذا اللقاء المبارك لتخريج ثلة من العاملين.
أحببتُ ان أتحدث عن موضوع قد يساهم فيما تقومون به في هذا المعهد, من خلال هذا القليل من الوقت المتاح, وله علاقة بالقواعد الأربعة الأساسية ليكون العمل صائبًا وحكيمًا وناجحًا ومبدعًا في آن معا.
أولًا: قاعدة الإتقان.
إذا لم يتقن الإنسان عمله الذي يقوم به, وكانت فيه ثغرات وشوائب, فهذا يعني انه لم يحقق الهدف المطلوب. الإتقان هو تحقيق الهدف بحسب ما يرسم المخططون لما يريدون إنجازه ولما يريدون الوصول إليه, وسأختار بعض آيات القرآن الكريم التي تواكب فكرة الإتقان, قال الله تعالى: "وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ" (النمل:88). الملفت في هذه الآية: أنَّ الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً, ولكنَّ الهدف منها ليس هذا الجماد الذي نراه, وإنما حفظ توازن الأرض اثناء حركتها, هذه الحركة المنتظمة للأرض التي تدور معها الجبال فتُنتج الليل والنهار والفصول الأربعة, فإذًا هناك وظيفة للجبال يجب أن نعرفها. هل يريد الله تعالى للجبل أن يكون جامدًا أمامنا, وصلبًا كبيرًا ضخمًا وعظيمًا له هذا الشكل الذي تتحطم عنده الأشياء؟ أو أنه يريد من هذه العظمة أن تتماسك مع الأرض لتضبُط الدوران بطريقة دقيقة تراعي الدقائق والثواني؟ يقول الله عزّ وجل لنا بأنَّ هذه الجبال ليست لشكلها الجامد, بل لإحداث التوازن أثناء حركتها السريعة والمسؤولة عن الدّقة في الوقت وفي الثواني, وهي بهذا الدور تقوم بوظيفةٍ خلف ما نراه, وهي أنها تمر مر السحاب.
نتابع قول ربُّ العالمين: "صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ", ما معنى أتقن كل شيء؟ وضع كل شيء في محله الصحيح, وهيأ مقوماته التي تنسجم مع الوظيفة المطلوبة. إذًا علينا أولًا أن نعرف ماهية الوظيفة التي نريد الوصول إليها قبل ان نحكم, إذا ما كان العمل متقنًا ام لا, وليس مهمًا أن يرى الآخرون الظاهر أو الحقيقة, بل علينا أن نتقن عملنا.
أذكر منذ حوالى عشر سنوات تقريبًا, دعاني أحد الأخوة إلى محاضرة في مركز من المراكز, كان جديدًا ومؤلفًا من شقتين, وكل ما فيه جديد من الدهان إلى العفش وكل التفاصيل الأخرى, قال لي: ما رأيك مولانا في هذا المكان؟ صمتُ قليلًا وأحترتُ في أمري ثم قلت لا جواب لدي! مولانا أنظر إلى دهان الحيطان, وإلى جمال وترتيب المكاتب. قلت: بصراحة رأيت كل هذا ولكني لم أكوِّن الصورة الدقيقة والصحيحة. فقال هذا جيد أم لا؟ طبعًا أنا أردت ان أوصل له رسالة, فقال والله أربكتني! قلت: قبل أن أعطي رأيي, أريد ان أعرف ما هو الهدف من هذا المركز؟ وما هي التكلفة التي صرفت؟ وما هو عدد الأفراد العاملين عليه؟ وما هو الوقت الذي تطلبه العمل؟ فإذا ما جمعنا هذه الأمور جميعًا عندها يتبين إذا ما كان عملك ناجحًا أو فاشلًا, لأن كلفة هذا المكان مثلًا 100000$,  فلو افترضنا انك وضعت 200000$, فهذا يعني الفشل, واذا كان وقت إنجاز هذا العمل ثلاثة اشهر, فلو أنجزته في ستة اشهر فهذا يعني فشلٌ أخر, فلذلك إعذرني, الظاهر هو جميل ولكن لا استطيع ان اقول لك بأنَّ عملك كان متقنًا ام لا, يجب ان نحدد الهدف وكيفية الوصول إليه, وكيف ننسق الأمور بشكل دقيق لنتأكد إذا ما أتقنا العمل أم لا.
أنظروا الى الجبل الظاهر, فهو جامدٌ لا يتحرك, يكسر ولا ينكسر, ولكن تبيّن أن الجبل يمر مر السحاب, على قاعدة ان له وظيفة أخرى غير الوظيفة التي نراها, يجب ان نفهم ما هي الوظيفة التي نريدها من أي عمل بصرف النظر عمَّا يظهر أمام الناس.
     إمامنا علي سلام الله عليه يرشدنا إلى خطوة مهمة جدًا في الإتقان, يقول: "من أكثر الفكر فيما تعلم أتقن علمه، وفهم ما لم يكن يفهم", طوّل بالك, وفكّر قليلًا, ولا تتكلم قبل أن تفكر, ولا ترم الفكرة بمجرد أن تخطر ببالك, فلا تكون ناضجة ولا معقولة, إصبر وفكر دقيقة أو دقيقتين, أحيانًا تحتاج أن تفكر ليوم أو يومين وإذا ما تأملتَ ودرستَ جوانب الموضوع كافة, ومزَّقتَ الخرائط والأوراق المسوَّدة, فهذا أفضل من أن تبني ثم تهدم الحيطان, لأن الخرائط لا تكلفة مهمة لها, فاذا لم تعجبك الخارطة الأولى والثانية والثالثة فتمزيقها أسهل من تهديم حيطان كلَّفتك ثلاثة أو أربعة أشهر. من أكثر الفكر في ما تعلم, أتقن عمله وفهم ما لم يكن يفهمه, فمن فكر قليلًا وتأمل أتقن, حيث تنكشف أمامه أمور لم كانت متوقعة, ولذلك طوّل بالك قبل أن تقرر عمل أي شي, تأمل قليلًا وفكر قليلًا, راجِع مصادر الكتب, وإسأل مسؤولك وأصحاب الخبّرة, فمن شاور الناس شاركهم في عقولهم, لتصل إلى النتيجة الجيدة.
عندما توفي سعد بن معاذ لحَدَه رسول الله(ص), قال الإمام الصادق(ع): "إنَّ رسول الله(ص) نزل حتى لحد سعد بن معاذ وسوى اللِّبن عليه، وجعل يقول : ناولني حجرًا، ناولني ترابًا رطبًا، يسد به ما بين اللِّبن، فلما أن فرغ وحثا التراب عليه وسوى قبره, قال(ص): إني لأعلم أنه سيبلى ويصل إليه البلاء، ولكن الله يحب عبدًا إذا عمل عملًا أحْكَمَه".
فلنعمل عملنا بشكل صحيح, حتى ولو كانت مهمة البلاط فوق القبر أن يتلقى التراب الذي ينهال عليه, لماذا لا يكون البلاط منظمًا ومنسقًا؟ لماذا نترك الفراغ بينها ليدخل التراب من هنا وهناك؟ صحيح أن النتيجة لن تكون ظاهرة فهي تحت الأرض, لكن إذا سويت بين البلاط فهذا أفضل, وهذا هو الإتقان في العمل. قال رسول الله(ص): "إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه", وبالتعبير الإسلامي, كل ما نتعلمه ونعمله لنصل إلى أفضل المستويات وإلى الكمال, ونستهدي بما قاله الله تعالى فهو الكمال: "وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ" (الحجر:21), أما خزائنه فلا تنقص وإمكاناته لا حدَّ لها, وهذا توجيه لكل مسؤول لديه قدرات ورصيد وإمكانات, وتحت إمرته مجموعة من العاملين, الى أخره ..., بأن يستفيد لما يحتاجه العمل بقدر, فلا تُشغل الناس بإنجازات واهية, وإذا كنت بحاجة لثلاث اوراق فلا تستخدم خمسة, ولا تُشّغِل العاملين بما لا يحتاجه العمل, الهدف أن تعمل وتحصل على المعلومات المطلوبه التي تساعدك في عملك من دون زيادة أو نقصان وهذا هو الاتقان.
لدي ملاحظة تتكرر تقريبا 95%, فمثلًا من يطبع بعض المستندات لا ينظر إلى آخر ورقة, التي غالبًا ما يكون فيها سطرٌ واحد أو نقاط أو كلمة..., لماذا لا يتم تنسيق الكلمات وعدد الأوراق؟. يرسل بعض الإخوة نسخة سي دي فتصل إلى صاحب العلاقة فارغة من أي محتوى!...لماذا لم تراقب نسخها وتتأكد قبل أن ترسلها؟ هذا مخالف لأبسط قواعد الإتقان, فالإتقان هو ان تضعها مره أخرى وتتأكد من النَسخ  ومن ثم ترسله. مثال آخر عن علم المحاسبة حيث يتم اعتماد القيد المزدوج, باحتساب القيود عاموديًا وافقيًا, فيُكتب القيد مرة واحدة ثم تظهر النتيجة بطريقتين, حيث تُجمع عاموديًا وافقيًا والمفروض أن يكون جواب المجموع واحدًا. وإلا كيف تعلم إنك أخطأت؟ ومن دون القيد المزدوج يصعُب اكتشاف الخطأ بسبب الأُلفة التي تنشأ مع النص أو العمل فلا يكتشفه العامل, بل يكتشفه غيره, لذا المطلوب دائمًا الاستفادة من القيد المزدوج أو المراجعة الثانية أو التأكد من المضمون قبل تسليم العمل إلى صاحبه. افتح السي دي وانظر إلى مضمونه قبل إرساله, إقرأ النص وراقب تنسيقه وصحة معلوماته قبل إقفال الملف, لاحظ جمالية الرسالة وتنسيقها, عنون الرسالة واعطها رقمًا لتصبح معروفة ومحددة, ولا تنس كتابة التاريخ لضبط وقت الانتهاء منها ...
بإمكانك أن ترى الإتقان من عدمه, وأن تأنس بحسن الإنجاز أو تكشف عيوبه, عليك أن تتقن كل ما يحيط بك, القلم, والرسالة, وترتيب المكتب, ومحتوى الجارور, وطريقة العمل, وطريقة جلوسك خلف المكتب, واعتنِ بالشكل واللون, وخاصة في الأمور المتكررة والتي تلازمك يوميًا ودائمًا. مثلًا شكا موظف من التليفون, فهو لا يسمع منه بشكل جيد, ويتقطع الصوت أثناء الكلام, وهو على هذه الحالة لمدة سنة! لماذا؟ لو كنت تستخدمه مرة واحدة كل سنة لكان الأمر مبررًا, ولكنك تستخدمه يوميًا عشرات المرات! إعمل بكل وسيلة لحل المشكلة, غيِّر الشريط, بدِّل المكنة, أحضِر من يُصلحه!...
يقول أمير المؤمنين(ع): "من كبُرت هِمته كبُر إهتمامه". فإذا تبيَّن أنَّك مُربك وغير منظم وكثير الأخطاء, فهِمَّتُك تحت المعدل, ولا محلَّ للإتقان في عملك, نحن معنيون بأن نهتم بالإتقان لينجح العمل وينقلنا إلى مرحلة تالية, ليس مناسبًا أن تبعث برسالة ثم تُرد إليك بسبب أخطائها أو عدم إكتمالها, مرة, ومرتين, وثالثة,... ثم تدَّعي بأنَّ المسؤول أو المرسل لم يوضِّح التعليمات, فتبقى الورقة بين شهرين وثلاثة أشهر وما بين أخذٍ ورد تتأخر المعاملة! إتَّصل بصاحب المعاملة أو المسؤول هاتفيًا أو بلقاء مباشر, واستوضح التفاصيل, لتتقن عملك.
ثانيًا: الوقت.
نحن معنيون بتنظيم وتقسيم الوقت, وقد وضع الإمام الكاظم(ع) قواعد تقسيم الوقت فقال: "اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، وساعة لأمر معاشكم، وساعة لمعاشرة الأخوان والثقاة الذين يعرفون عيوبكم ويُخلصون لكم في الباطن، وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم، وبهذه الساعة تقدرون على الساعات الثلاث". لماذا ركَّز الإمام على ساعة اللذة؟ لأنها جزء من متطلبات الانسان في حياته, وهي تحقق له الراحة الجسدية والنفسية, فينطلق بفعالية أكبر, على أن لا يكون مسرفًا فلكل شيء حدود, وبمعنىً آخر: لكل ساعة حقها.
إذا إلتفتنا لأوقاتنا, وأحسنَّا تنظيمها وتوزيعها وتنسيقها, نستطيع أن نحقق إنجازات كبيرة. نرى ملفات كثيرة عند أحدهم, وهي تتراكم ولا تنتهي, لماذا؟ يقول: الشغل إلى فوق رأسي... بالإذن منك لا أحد الشغل إلى ما فوق رأسه إلاَّ ما ندر, المشكلة هي في سوء تنظيم الوقت, يجب وضع جدول لإنجاز الملفات. يقول: الإجتماعات كثيرة... عليك أن تنسِّق بينها, وحاول أن تُنجز ما يتناسب مع أوقات الفراغ بين الإجتماع والآخر, فلا تبدأ بقراءة ملف خلال خمس أو عشر دقائق من دون أن تُنجزه, هذا الوقت ليس للملفات بل لترد على ثلاثة أو أربعة إتصالات حصلت أثناء غيابك, أو لتعطي ثلاثة أو أربعة أوامر لتسيير امور العمل, وأجِّل الملف الذي يحتاج إلى وقت لساعة أخرى. طبعًا لكل واحد طريقته في إدارة الوقت بالشكل المناسب, والمهم هو تنظيم الوقت الذي يساعد على تشغيل العاملين, والإجابة عن أسئلة المراجعين, وعدم التأجيل المتكرر, وعدم التلهي بمسألة تتحمل التأجيل في مقابل مصالح مجموعة كبيرة من المراجعين.
سألني بعض الإخوة أسئلة شخصية عن كيفية إدارة وقتي بما يساعدني على التأليف على الرغم من تعدد وكثرة إنشغالاتي؟ العلاج هو تنظيم الوقت, بحيث أعطي المواعيد وأنظم الاجتماعات ضمن برنامج محدد, ومن ضمن البرنامج أحدد وقتًا للتأليف فلا أعطي فيه أي موعد, فيكون للتأليف ساعات عدة كما لغيره من الأعمال, وبذلك أتمكَّنُ من التأليف. ومن تنظيم الوقت, الطلب من الإستعلامات عدم تحويل الاتصالات خلال التأليف أو وقت الاجتماع, إلاَّ في الحالات الطارئة, على أن يُسجل لي أسماء المتصلين, وزمن إتصالهم, ثم أبادر عند الانتهاء من عملي إلى الاتصال بجميع من اتصل بي. ومن تنظيم الوقت, أنصحكم بأن لا تلتزموا ما لا تستطيعون انجازه خلال الوقت المحدد لكم, ولا تعطوا وقتًا لا تكونوا صادقين في الإلتزام به, فإذا ما كان الملف يتطلَّب ثلاثة أسابيع, فلا تلتزموه بأسبوعين, وإلاَّ أصبحت مقصرًا لعدم إنجازه في الوقت المحدد.
ثالثًا: التكلفة.
يجب أن نراعي الإمكانات الموضوعة بين أيدينا وما يتطلبه العمل حول مقدار الكلفة المالية والبشريّة والمادية بالورق وبكل شيء, فنجاح العمل أو عدمه يرتبط بكيفية استثمار هذه الإمكانات بحدودها الملائمة له, فإذا ما كانت الكلفة عالية لعمل لا يستحق هذه الكلفة, فهو فشلٌ في مكانٍ ما, يجب ان ندرس كل شيء بدقة, وأن ندرس كل الترتيبات بما فيها دراسة الجدوى, ويجب أن نقف في بعض المحطات لنراجع ما نقوم به والآليات المتبعة, لنعدِّل بما يوفر الكلفة لمصلحة اإنجاز المتقن.
لفترض وجود دائرتين في العمل, إحداهما لديها آلة تصوير والأخرى لا تملك واحدة, يجب أن نضع كل ما تستخدِمهُ الدائرة الثانية من تصوير وأوراق في خانة "إرتباط مالي" في قيود المحاسبة, بناء على مراسلات تبين كمية الاستخدام وكلفته, وذلك لمعرفة مقدار الصرف عند كل دائرة, فلا تتضخم الكلفة في دائرة بسبب دائرة أخرى, وهذا ما يساعد على حُسن التقييم, فلا تخلط الأمور مع بعضها, لتتمكن من تقييم انجازك بشكل صحيح, ومدى سلامة دورة العمل.
رتِّب مواقع المكاتب بما يخفف الكلفة والوقت والجهد, ضع مكتب المدير في المكان المناسب, وكذلك مكتب أمين السّر, ومكتب أمين الصندوق... بما يخفف الكلفة التي تكون أعلى عند تنظيمها بطريقة أخرى, كل شيء له تأثير في التكلفة.
يأتيك أحدهم بمعاملة, فتقول له: إذهب ونحن نتصل بك عندما تنتهي! هذا الأداء فاشـل ومكلف, لماذا؟ إذا كنت لا تعرف متى تنتهي المعاملة, فاحتسب السقف الأعلى للوقت المطلوب لأنهائها, كي لا يرهققك صاحب المعاملة بمراجعاته, وكي لا تضيِّع وقته بنتيجة مجهولة لا تتطلب كل هذا الوقت والكلفة, وكي لا تنهال عليك الإتصالات والمراجعات من المسؤولين ومن كل حَدَبٍ وصوب, كان الأجدر أن تنهي الأمر منذ البداية بتحديد وقت وآلية المراجعة.
طبعًا أنا أتكلم عن شكوى عليكم في وحدة شؤون الأفراد. لنرجع إلى المثال, يجب ان يعلم صاحب المعاملة متى يحصل على نتيجتها, عليك أن تجيبه, أو تدله عن كيفية متابعتها ومع من, فاذا كان الأمر ينقضي بإتصالٍ هاتفي, فما المانع أن ينتظرك قليلًا لإجراء الاتصال وإنهاء الموضوع؟ لا تؤجل الإجابة, وإلاَّ صرفت وقتًا كثيرا, فهو سيتصل بك مرة ثانية في الغد, وقد لا يجدك, أو تكون قد نسيت المتابعة, ثم تتصل به بعد غد فلا تجده, وأخيرًا تتم الإجابة بعد أربعة أيام وبعد صرف جهود لمرات أربعة, أنجز عملك بوقتٍ أقل وكلفةٍ أقل لتستفيد من إمكاناتك لمزيد من الإنجاز.
رابعًا: المتابعة.
لدينا مشاكل كثيرة في كيفية المتابعة, بل لدينا أزمة متابعة لكثير من أعمالنا. يرمي الأخ مسؤولية التقصيرعلى غيره, مثال: قرر المسؤول الأول إقامة إحتفال في مناسبة محددة, يتصل بمسؤول القطاع ويطلب منه إقامة الإحتفال, بعد يومين يتصل به فيسأله عن التحضيرات, فيكون الجواب: كل شي جيد. ثم في يوم الإحتفال, اليافطة لم تُعلق في مكانها, ولم ينتهِ ترتيب الكراسي, وتأخر قارىء القرآن, ولم يوضع المياه والمحارم في أماكنها للجمهور... كل هذا الخلل بسبب عدم المتابعة أو طريقتها الخاطئة.
يجب أن نلغي من قاموسنا أنَّ كل شيء ماشي, وكل شيء جيد! وأن نعبر عن الإنجاز بالأرقام, وأن نتابع كل خطوة بتفاصيلها المناسبة, وأن نتعرف على مقدار ما أُنجز وما بقي, عندها يمكننا تدارك الأخطاء أو التقصير وإنجاز العمل بإتقان.
قصة: روي أن ملكًا كان يعتمد على وزير من غير أقربائه, وهو متمسك به لأهليته ونجاحه, فضغطت العائلة الحاكمة على الملك تعيّن أحد الأقارب, فأجابهم لطلبهم على سبيل التجربة لمدة شهر, ثم يتم تقييمه واتخاذ القرار المناسب. طلب الملك من قريبه أن يسأل عن مصدر باخرة القمح التي وصلت إلى المرفأ, فأخبره بعد نصف ساعة بأنَّها من اليونان, فرحت الحاشية كثيرًا بهذه السرعة (كان الوزير السابق يغيب ساعتين), فسأله الملك عن وزن القمح على متنها؟ فقال: لا أعلم, فطلب منه أن يذهب للسؤال, فذهب عائدًا بالإجابة, فسأله الملك عن مدة بقائها في الميناء؟ فقال لا أعلم, فطلب منه أن يذهب للسؤال, فذهب عائدًا بالإجابة, ثم سأله عن عدد الركاب, ثم عن الحمولة التي ستأخذها من المملكة, وهكذا..., فقضى كل النهار جيئةً وذهابًا للإجابة عن أسئلة الملك. نادى الملك الوزير السابق وسأله عن مصدر الباخرة؟ فغاب الوزير لساعتين, وأجاب بعدها عن كل أسئلة الملك. نحّن نحتاج إلى المتابعة على طريقة الوزير, فننجز أعمالنا بشمولية وإحاطة وتنسيق وتنظيم, ونجيب أصحاب المعاملات بأقل كلفة ووقت وحسن المتابعة, أي بإتقان.