محاضرات

الإخلاص / المحاضرة الكاملة في الليلة السادسة من عاشوراء في 30/10/2014

الإخلاص / المحاضرة الكاملة في الليلة السادسة من عاشوراء في 30/10/2014
الإخلاص

المحاضرة الكاملة التي ألقاها في منطقة تحويطة الغدير

الإخلاص


بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أبناء الحسين، وعلى أهل بيت الحسين، وعلى الشهداء الذين قدموا لمسيرة الإسلام المحمدي الأصيل منذ آدم إلى زماننا، والذين سيقدمون إلى يوم الدين، والسلام عليكم أيها السادة العلماء، أيها الحسينيون والزينبيات ورحمة الله وبركاته.
ما الذي جعل هذه الجماعة في الكوفة تعطي عهدًا وميثاقًا للإمام الحسين(ع) أن تسير معه لقتال يزيد ثم بعد ذلك تتراجع أمام إغراءات الدنيا وأمام بعض المصالح التي لا تعدو عن كونها حفنة من الأموال أو المناصب أو المكاسب الدنيوية الرخيصة؟ في الوقت الذي يفترض فيه أن يكون المؤمن المجاهد في سبيل الله تعالى متخليًا عن كل ملذة تبعده عن طاعة الله تعالى، وعليه أن يكون منقادًا لقادته خاصة إذا كان القائد هو الإمام الحسين(ع) ابن بنت رسول الله(ص) وسيد شباب أهل الجنة. عندما نحلل ما جرى مع هؤلاء نجد أن الإيمان لم يدخل في قلوبهم بشكل صحيح، وإنما أخذوا قشوره وبقوا على الأطراف، وإلاَّ لو تغلغل الإيمان بالله تعالى في قلوبهم حقًا لما كانوا إلاَّ كأصحاب الإمام الحسين(ع) معه في كربلاء، ولهزموا يزيد عسكريًا وتسلم الإمام الحسين(ع) منصب الخلافة، واستطاع بذلك أن يعطي تجربة جديدة تواكب تجربة أمير المؤمنين علي(ع) بإنقاذ المسلمين.
السبب الأساس هو عدم وجود الإخلاص في قلوب هؤلاء، الإخلاص هو المفتاح، وهو المنطلق، قد تجد جماعة يصلون ويصومون ويحجُّون ولكنهم يفتقرون إلى الإخلاص، قد تجد جماعة ينطقون بالشهادتين ولكنهم يفتقرون إلى الإخلاص، قد تسمع كلمات التوسل لله تعالى والتعبير عن الإيمان بالآخرة وأنهم يلتزمون بشرع الله تعالى ولكنهم يفتقرون إلى الإخلاص، كيف يبرز هذا الأمر؟ عند الامتحان وفي الحالات التطبيقية التي تجري مع الإنسان عند الأزمات وعند المفاصل عندها يُعرف المرء إذا كان مخلصًا أم لا.
1- التوحيد هو الإخلاص.
نحن نعلم أن سورة التوحيد هي سورة الإخلاص، والسبب في ذلك أنها تتمحور حول وحدانية الله تعالى، " قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ"، كل السورة تتحدث عن توحيد الله تعالى، لا شريك له ولا أب له ولا كفء له، يعني هو الواحد الأحد الذي تتمحور حوله كل قضايا الناس وكل أمور الأمة وكل قضايا المؤمن الذي يخلص لله تعالى في إيمانه.
ماذا يعني التوحيد الذي هو الإخلاص لله تعالى؟  يعني أن تكون كل الأعمال مرتبطة بالله تعالى قبولًا أو رفضًا، إذا قبل الله تعالى نقبل، وإذا رفض الله تعالى نرفض، إذا أمر الله تعالى ننفذ وإذا نهى الله تعالى نمتنع، عندها نكون مخلصين لله تعالى التزامًا بأوامره ونواهيه في مقابل الأوامر والنواهي الأخرى التي تأتي من الأصحاب ومن الشيطان ومن الذين نتسامر معهم ومن القيادات المنحرفة إلى ما هنالك من أوامر بشرية، لذلك المقياس عندنا أن نرى أمر الله أين يكون، فإذا صدَّقنا وصلنا إلى الإخلاص وإلاَّ لا يمكن أن نصل، وتعلمون أن بعض الشكليات في تنفيذ أوامر الله تعالى لا تكفي، فيمكن أن يقول أحد: أن فلانًا يصلي وشكل الصلاة يؤديها بشكل صحيح مع الركوع والسجود والقراءة، ولكن نحن ما نراه هو شكل الصلاة، أما المضمون وسبب الصلاة وأهدافها، والإقدام على الصلاة فهي مرتبطة بنية الإنسان والله تعالى يعلم نيته، فإذا كان يصلي لله تعالى كانت صلاته مقبولة، وإذا كان يصلي رياءً أمام الناس ليروا أنه يصلي فلا تكون صلاته مقبولة عند الله تعالى، مع أن الصلاة واحدة، وبين المرائي والمطيع قد لا نميز بينهما، ولكن الله تعالى يعلم بالنوايا، ويعلم بالمنطلقات التي ينطلق منها الإنسان، قال تعالى: " قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ"، لأن العبادة قد يكون لها شكل ظاهري ومنطقي جدًا أنه في طاعة الله تعالى، ولكن في التطبيق العملي لا يكون كذلك، فالمطلوب أن يكون هناك إخلاص حتى يتمكن الإنسان من الوصول إلى الموقع الصحيح الذي يلتزم مع هذا الإخلاص.
من هنا علينا أن نلتفت دائمًا إلى أهمية الإخلاص الذي يوصلنا إلى تحقيق مرضاة الله تعالى وإلاَّ وقعنا في المشكلة، لا يكفي الإسلام ولا الصلاة ولا الصوم ولا الحج، ولا يكفي أن ننطق بالاستغفار والتكبير والتسبيح، وإنما يجب أن تتحول هذه العناوين إلى صلة بالله تعالى تجعلنا في سلوكنا وأخلاقنا وانقيادنا وأعمالنا ننتبه ونلتزم بأوامر الله تعالى وننتهي عن نواهيه.
أمير المؤمنين علي (ع) في أول خطبة من نهج البلاغة يقول: " أول الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الاخلاص له" أول الدين معرفة رب العالمين، فلا يمكن أن تعبد ما لا تعرف، وبعد معرفته عليك أن تصدق بأن الله تعالى هو الخالق الواحد الأحد، وتؤمن بهذا الأمر إيمانًا حقيقيًا، وبعد أن تصدق عليك أن تؤمن بأن لا شريك له، وأن كل العالم والبشر والمخلوقات لا يمكن أن يكونوا في مقابل أو مع رب العالمين في الأوامر والنواهي، فإذا أردت أن تعبر عن التوحيد الحقيقي عليك أن تخلص لله تعالى، هذا اختبار وامتحان لنا.
2- العبادة طريق الإخلاص.
إمامنا الحسين(ع) في كل حركته من انطلاقه من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة وبعد ذلك إلى كربلاء أثناء عبادته كان مخلصًا، وأثناء كلامه كان مخلصًا، وعندما تكلم مع الآخرين ليهديهم ويرشدهم كان مخلصًا، ماذا قال عندما خرج من المدينة المنورة: "إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله(ص)" أريد أن أصلح للأمة وأن أعمل لله تعالى، أغروا بمغريات كثيرة وأخافوه من أن هذا الأمر سيورطه في مأزق، ولكن لم يسأل عن المغريات ولا عن المأزق، هو يسأل عن إحياء وإقامة الدين وهذا إخلاص لله تعالى.
عندما كان الإمام الحسين(ع) يحاور القوم في محطات كثيرة من مكة المكرمة إلى كربلاء كان دائمًا يدعوهم إلى الإيمان وإلى طاعة الله تعالى، أعلن للجميع " يزيد فاسق فاجر شارب للخمر قاتل للنفس المحترمة، كيف تبايعون شخصًا لا يطيع الله تعالى ولا يعبده ويحكم باسم الإسلام، هذا أمر غير ممكن وغير مقبول، بينما إذا أردتم أن تكونوا مخلصين يدب أن تكونوا اتجاه آخر.
وكما روى الإمام زين العابدين(ع) أن الإمام الحسين(ع) دعا في كربلاء عندما أصبح الخيل قريبًا منه، رفع يديه إلى السماء وقال: "اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمرٍ نزل بيّ ثقة وعزة، كم من همٍ يضعف فيه الفؤاد، وتقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك، رغبةً مني إليك عمن سواك ففرّجته وكشفته فأنت وليّ كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة"، هذا إخلاص لله تعالى وهذه عودة لله تعالى، هو يناجيه ربه ويتحدث بكل ثقة ورجاء ويعتبر أنه قام بما عليه وأن الله تعالى هو المنعم والمعطي والقدير وهو الذي تعود إليه الأمور، هذا الإخلاص لله تعالى.
ليلة عاشوراء طلب من القوم عبر أخيه أبو الفضل العباس(ع) أن تؤجل المعركة إلى صبيحة اليوم التالي، ماذا كان سبب التأجيل؟ يريد في هذه الليلة أن يصلي ويقرأ القرآن ويدعو الله تعالى، لماذا سيقوم بهذه الأعمال؟ لأنه يعتبر أن هذا الأمر جزء لا يتجزأ من مناجاة الله والتعبير عن الحب لله تعالى، وتقديم أوراق الاعتماد حتى يقبل الله تعالى حركته، فإذا قام في اليوم التالي وقاتل وقُتل فقد امتلأ قلبه بعز الإيمان والنور الإلهي في لحظة الشدة دون أن يرف له جفن ودون أن يخشى مواجهة العدو قربة إلى الله تعالى وإخلاصًا له.
إذًا موضوع الإخلاص موضوع جوهري وأساسي، بهذا الإخلاص نستطيع أن نضمن حياتنا لنضمن آخرتنا، علينا أن نراقب دائمًا أنفسنا، نحن عندما نحيي عاشوراء نستحضر من الإمام الحسين(ع) تلك المعاني لنكون ثابتين في الأرض ولنكون ملتفتين إلى أبسط الأمور، فنواجه التحديات التي نتعرض لها.
3- علامة المخلص.
يقول النبي محمد(ص): "أما علامة المخلص فأربعة : يُسلم قلبه، وتسلم جوارحه، وبذل خيره، وكفّ شره"، يسلم قلبه لله تعالى فلا يحب إلا لله ولا يبغض إلا لله، ولا يعيش حالة عاطفية إلاَّ ومرتبطة بما يرضى الله تعالى، حتى عندما تحب ولدك تحبه لله تعالى لأن الله تعالى أودع في قلبك باب الحب لتعطيه من الحنان لتربيه على طاعة الله، فحبه في تربيته على طاعة الله حب لله تعالى، وبالتالي القلب يجب أن يكون مرتبطًا لله ويسلم الإنسان أمره إلى الله تعالى، وتسلم جوارحه: السمع والبصر واليد والرجل، أن لا تجترح بهذه الجوارح التي أعطاك الله تعالى إياه المعاصي، هذه الجوارح هي مجالات الالتقاط من الحياة ومجالات الأعمال التي تقوم بها، عليك أن لا تسعى إلى حرام، فإذا سعيت إلى حلال فأنت في طاعة الله وقد أسلمت جوارحك لله تعالى، وإذا تكلمت بكلامٍ يرضى الله تعالى عنه فأنت مع الله، وإذا تكلمت بكلامٍ يُسخط الله من أذية لمؤمن أو غيبة في مجلس أو شتمٍ أو سبٍ أو تصرف لا ينسجم مع أخلاقيات الإسلام فأنت لا تُسلم جوارحك لله تعالى.وبذل خيره: دائمًا يعطي الخير وهو صاحب خير، والناس لا ترى منه إلاَّ الخير، الخير في الجيرة، والخير في الحي، والخير في التصرف والعلاقات. وكفَّ شره: يعني لا يرتكب شرور مع الناس، وبالتالي كل الناس يعرفونه بأنه لا يؤذي أحدًا وليس شريرًا بسبب الأعمال التي يقوم بها عندها يكون هذا الإنسان مخلصًا.
إذًا الإخلاص هو تنفيذ لأوامر الله تعالى ونواهيه في الاستقامة والامتناع عن المحرمات والمنكرات، فالإنسان مطلوب منه أن يتقدم في حياته وليس أن يبقى طوال عمره بنفس العادات ولا يزكي نفسه ويعلمها ويؤدبها "ونَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا"، وعلى الإنسان أن يشتغل ليزكي نفسه حتى يُقوِّم الاعوجاج وحتى تُعالج المشاكل التي تعانيها، ليصل من خلال العبادة إلى أن تغير شخصيتك وأن تراجع طريقة تصرفاتك حتى تتمكن من تحقيق الإخلاص في حياتك.
الإمام علي (ع) يقول: "الإخلاص ثمرة العبادة"، فعندما تعبد الله تعالى بشكل صحيح وتقوم بالواجبات التي أمر بها الله تعالى، تجد نفسك بشكل طبيعي مؤمنًا مخلصًا لله تعالى فالأمر ليس معقدًا، وإذا عمل الإنسان على نفسه يضمن أن يستمر الإخلاص. مشكلة جماعة الكوفة أنهم لم يعملوا على أنفسهم، هم اقتصروا على عبادات شكلية لم تنههم عن الفحشاء والمنكر، هم اقتصروا على صلوات لا تكلفهم شيئًا فعندما واجهوا على أن يكونوا مع ابن بنت رسول الله(ص) أو مع يزيد الفاجر، اختاروا الفاجر لمصالحهم الدنيوية، فلو كان في قلبهم إخلاص لما مالوا هذا الميل ولما ذهبوا إلى هذا الاتجاه الآخر.
هل تريد تحقيق تمام الإخلاص؟ أمير المؤمنين علي(ع) يقول:"تمام الإخلاص تجنُّب المعاصي"، وهذا يتطلب مراقبة ومراجعة، ما الذي يمنع أن يراجع نفسه في اليوم أو في الأسبوع مرة، أو في الشهر مرة، فيعيد النظر في الحسابات وطريقة الأداء، من أجل أن نكون مخلصين، لأن هذا الإخلاص على المستوى الفردي يتحول إخلاص مع الجماعة، فإذا كان إخلاصًا فرديًا وإخلاصًا مع الجماعة وإخلاصًا مع القيادة الحكيمة يمكننا أن نكون جميعًا من الذين ينطلقون بقوة وبشدة لقهر الكافرين، وأن نكون من جند الإمام المهدي(عج).
 هذا الإخلاص يعطيك قدرة استثنائية، يحميك من حبائل الشيطان، هل يستطيع الشيطان أن يفعل فعله مع المؤمنين؟ أبدًا، وهذا كلام الله تعالى، وهو عهد أعطانا إياه رب العالمين والشيطان يعرف هذا العهد تمامًا، عندما رفض الشيطان أن يسجد لآدم تنفيذًا لأمر الله تعالى عصى، فطلب من الله أن يتركه حيًا إلى يوم القيامة، الله تعالى تركه حيًا لأن عنده حكمة من تعرُّض الناس دائمًا للامتحانات والاختبارات حتى يفوز من يستحق، فقال تعالى: "قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ"، وبالتالي لا أستطيع أن أؤثر على هؤلاء المخلصين المؤمنين، وهذا يعني أننا عندما نتحصّن نضمن أن لا يكون هناك تأثير من إبليس وجماعته على المؤمنين، وبعدها قال تعالى: "قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ".
4- نتائج الإخلاص.
 إذًا الإخلاص هو الذي يشكل حماية بالنسبة إلينا، ومن أراد أن يقتدي بالإمام الحسين(ع) يعمل ليكون مخلصًا من أجل أن يحمي نفسه في الدنيا والآخرة، هذا الإخلاص يؤدي إلى خيرات في حياتنا لا تحصى ولا تعد،  ويعطينا نتائج لا نتوقعها، لأن الله تعالى أراد أن يفتح أمامنا دروبًا عظيمة ببركة الإخلاص، في الحديث الشريف: "ما أخلص عبدٌ لله عز وجل أربعين صباحاً إلا جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه"، عندما تجلس في مجلس من المجالس ومع إخوانك وأصدقائك فتتكلم كلمات فيقولون لك من أين أتيت بهذه الكلمات، فهذا الكلام ليس كلامك، أنت مستواك أقل من هذا، ما هذا الكلام الموفق والجميل والمؤثر والذي يدخل إلى القلب ويؤثر في العقل، نعم المخلص لله تعالى رب العالمين يفتح عليه ويوفقه ويعطيه إمكانات، وبالتالي يشعر أنه ينطق بنور الله تعالى، وكلمته هي كلمة الله تعالى، ومساره في الدنيا بتسديد دائمٍ من الله تعالى، والقرآن الكريم يخبرنا بهذا الأمر: "وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى"، يعني أن قوتك الضعيفة الله تعالى يمدها بقوة إضافية، ولكن إذا كنت ترغب أن تعلم أن بعض هذا الدعم الإلهي كما أخبرنا عن أهل بدر: " إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ" يعني الواحد بعشرة، هذه أحد الأدلة التي أبلغ فيها المؤمنين بقوتهم التي أعطاهم إياها على قوتهم، وهناك عطاءات يعطيها الله تعالى للإنسان المخلص لا حساب لها ولا تخطر ببال. هل تعتقدون أن النجاحات التي حصلت من قبل حزب الله ومجاهديه في مواجهة إسرائيل لها علاقة بالعدد والعدة والظروف السياسية؟ أم لها علاقة أولًا بالإخلاص لله تعالى حيث أمدَّ المجاهدين مددًا لم يحسب أحد له حسابًا في العالم، فالعالم يستغرب كيف تحصل هذه الانتصارات لحزب الله على يدي منظمة صغيرة العدد والعدة لأنهم لا يعلمون أن مدد الله تعالى إذا كان موجودًا فإنه لا يتوقف لحظة واحدة ويُحدث المفاجآت الكبيرة التي تقلب المعادلات، فلا يتمكن المحللون أن يفهموا ماذا جرى، ولن يتمكن الدارسون أن يتوقعوا ما يحصل، ولكن الله تعالى إذا رمى فإنَّ المؤمنين سينتصرون وسيكونون أعزاء بإذن الله تعالى وتوفيقه عز وجل.
 إذًا نحن معنيون أن نعمل للإخلاص، وترون نتائج الإخلاص كم هي عظيمة وممتازة، فلا خسران مع الإخلاص، والخسران كل الخسران من يذهب باتجاه الدنيا، عمر ابن سعد منَّى نفسه بملك الري فقاتل ابن بنت رسول الله(ص) فلم يحصل على ملك الري ولا خرج من هذه الدنيا إلاَّ بذلٍ واضح، وبقتلٍ شعر معه العالم بأسره أن هذه النتيجة هي نتيجة الظالمين والمنحرفين والفاسقين والبعيدين عن طاعة الله تعالى، فعبر التاريخ لا يوجد شخص ظالم من القيادات والأمراء والفراعنة والملوك لم يغادر هذه الدنيا إلاَّ والعبرة موجودة في طريقة خروجه كظالم، فمهما علا الإنسان وسما وارتفع في النهاية سيسقط سقطة سيئة في هذه الدنيا قبل الآخرة، أما المخلصون لله تعالى فهم في قمة الشرف، حتى عندما يغادر المخلصون الدنيا يغادرونها برؤوس مرفوعة، ها هو الإمام الحسين(ع) يغادر الدنيا سيدًا للشهداء، يُذكر اسمه عبر التاريخ، يربي الأجيال فردًا فردًا، ويعطي العزة والمعنويات والكرامة، وها نحن اليوم نحيي كربلاء ونشعر أننا كبرنا بكربلاء وأصبحنا عظماء ببركتها، وحتى عند الموت في الدنيا يكون الموت عزيزًا في طاعة الله تعالى ببركة الإخلاص وهذا ما يدعونا إليه الإسلام.


5- التعلق بالدنيا آفة الإخلاص.
 المصيبة الكبرى التي تسقط الإخلاص عن الإنسان هي التعلق بالدنيا، وهذا ما يدعو إليه هوى النفس عند الإنسان، فاتباع طريق الحرام والكسب غير المشروع والانحراف ينقص من عمر الإنسان، فإذاً الدنيا لا تزيد العمر بالمعصية، والدنيا لا تزيد الرزق بالمعصية، والدنيا لا تعطيك موقعًا لم يقدره الله تعالى لك " قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا"، فالمعصية لحظة تطل برأسها إما أن ترتكبها أو لا تتجاوب معها، وفي هذه اللحظة التي لا تتجاوب معها تنتهي المعصية عند حدها وستشعر أنت في داخل نفسك أنك صمدت كثيرًا لأنك انتصرت في هذه اللحظة فيملأ الله تعالى قلبك بالطاعة والراحة والطمأنينة لأنك انتصرت على المعصية التي كانت تجرك إليها.
 أمير المؤمنين علي(ع) يقول: "آفة النفس الوله في الدنيا" يعمني التعلق بالدنيا، وهذا التعلق بالدنيا عند المتدينين خاصة هناك مسرب للشيطان، كالذي يعيش في منزل وسقف المنزل يسرب ماء، فعليك أن تصلح السقف، والمسرب عند المؤمنين خاصة هو الترخيص لأنفسهم، يحتار المتدين إذا كانت هذه الأموال حلالًا أم حرامًا! الآن نتصرف بهم وبعدها نسأل الشيخ! وإذا تبيَّن أنها حرام يكون قد تصرف فيهم وانتهى الموضوع، عليك أولًا أن تسأل وبعدها على أساس الجواب تتصرف، أو هذا التصرف الذي تصرفته مع فلان حلال أو حرام بعد أن أذاه وخرب العلاقات، بعدها يستفيق على نفسه: هل الذي قمت به حلال أو حرام! في الحديث عن أمير المؤمنين علي(ع): " لا ترخصوا لأنفسكم، فتذهب بكم الرخص مذاهب الظلمة، ولا تداهنوا فيهجم بكم الادهان على المعصية"، فلا يجب أن ترخصوا لأنفسكم بل الرجوع إلى أهل الخبرة والمعنيين بهذه الأمور حتى يتبين الأمر الشرعي في أي مسألة من المسائل، عندها يضمن أن لا يظلم ويكون مخلصًا لأنه سأل عن أمر الله تعالى ونهيه فيلتزم به عندها يصبح مخلصًا ويتوفق لهذا العمل الصالح قربة إلى الله تعالى.
 الحمد لله الذي أكرمنا بالإيمان، وجعلنا نتبصر طريقنا بشكل واضح، والحمد لله الذي أنعم علينا بالتمييز بين الحق والباطل فكنا في خط المقاومة في مقابل المشروع الأمريكي الإسرائيلي البعيد عن طاعة الله تعالى، والغارق في الظلام والظلم.
 السلام على الحسين ، وعلى علي ابن الحسين، وعلى أبناء الحسين، وعلى أصحاب الحسين، وعلى الشهداء في كربلاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.