محاضرات

دور عاشوراء في استنهاض الأمة / المحاضرة الكاملة في الليلة الرابعة من عاشوراء في 28/10/2014

دور عاشوراء في استنهاض الأمة

المحاضرة الكاملة التي ألقاها في مجمع المجتبى - حي الأميركان
دور عاشوراء في استنهاض الأمة


بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين، وعلى الشهداء الذين عبَّدوا مسيرة الإسلام منذ بدء التاريخ إلى قيام يوم الدين، السلام عليكم أيها السادة العلماء أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته.
موضوعنا اليوم عن دور عاشوراء في استنهاض الأمة، والاستنهاض هو تغيير الموقع والانتقال من مكان إلى مكان آخر، وإحداث تغيير ينعكس إيجابًا على واقع المسيرة الإلهية، عن الإمام الصادق: ""من تساوى يوماه فهو مغبون"، وعندما نسلك مسار عاشوراء نراها مليئة بعوامل الاستنهاض التي تحرك وتربي وتغير وتنقلنا من حال إلى حال لتثبيت الخط المحمدي الأصيل تمهيدًا لقيادة الإمام المهدي(عج) ليملأ الأرض قسطًا وعدلًا بعد أن مُلئت ظلمًا وجورًا.
كيف تمَّ الاستنهاض من خلال عاشوراء؟
 سأتعرض لمجموعة من العناوين كل واحد منها يشكل عاملًا من عوامل الاستنهاض، لنرى تلك الخصوصية العظيمة التي أحاطت بها نهضة الإمام الحسين(ع) فأوصلتها إلينا نقية خالصة لله تعالى نرى من خلالها بُعدًا إلهيًا واضحًا يصل الدنيا بالآخرة كأفضل ما يكون هذا الاتصال.
أولًا: تحديد الهدف: أي جماعة تريد أن تتحرك يجب أن تعرف هدفها في هذه الحياة الدنيا، وإلاَّ مع عدم تحديد الهدف (يعيش الإنسان خبط عشواء من تصب)، ولا يصل إلى أي نتيجة، وتكون حياته حياة فارغة لا أمل فيها ولا هدف لها، ولا نتائج متوخاة منها، بل هي أوقات يقضيها في هذه الحياة الدنيا إلى أن يأخذ الله تعالى أمانته، لكن عندما يتحدد الهدف ترى المسيرة بأكملها في حياة الإنسان وفي حياة الجماعة واضحة في أبعادها وخطواتها وكل المفاصل الأساسية الموجودة فيها. إمامنا الحسين(ع) ميَّز من كل كلماته كلمة واحدةً كُتبت قبل أن يخرج من المدينة المنورة، وهي التي نُطلق عليها عنوان الوصية، الوصية لمحمد بن الحنفيه (أخاه)، قال(ع): "وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب(ع)، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردَّ عليَّ هذا، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين".
 توجد ميزة أن هذه الوصية كُتبت لمحمد ابن الحنفية، وإلاَّ كان الإمام(ع) يستطيع أن يرسل وراء أخيه ويتكلم معه مباشرة وتنتهي القضية عند هذا الحد، ثم محمد ابن الحنفية ينقل ما قاله الإمام الحسين(ع) إلى الناس، لكن قيمة الوثيقة الخطية المكتوبة قيمة عظيمة، هي أشبه بوثيقة تستمر عبر التاريخ كدليل على الهدف، وكدليل على الخطة التي كان ينطلق منها إمامنا الحسين(ع).
 علَّمتنا عاشوراء أن نحدد الهدف، وفي حياتكم العملية إذا أردتم أن تعيشوا نهضة عاشوراء اذكروا هدفكم في حياتكم، ما هو الهدف؟ من أشرف الأهداف التي يمكن أن يكتبها كل واحد منّا أن يعمل لإقامة الدين على الأرض، لأن الإنسان إذا أقام الدين على الأرض حياته مع أسرته تصبح سعيدة ، دنياه تمتلئ بطاعة الله تعالى، آخرته تمتلئ بالثواب بسبب حسن الأداء في هذه الدنيا، حتى وهو يسير في هذه الدنيا يعرف أين سيصل، وإمامنا الحسين(ع) حدَّد الهدف، وعلَّمنا أن نحدد الهدف، فإذا حددناه نصل إليه، وإذا حددناه فهمنا كم هو متينٌ وكم هو ثابت.
 قال الإمام الحسين: وإنما خرجت لطلب الإصلاح، هذا أولًا، أي إصلاح؟  في أمة جدي صلى الله عليه وآله، ثانيًا، كيف يتم الإصلاح؟ أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب(ع). هذه هي الوسائل التي ستستخدم، ماذا تتوقع أيها الإمام من هذا الهدف؟ "فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردَّ عليَّ هذا، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين"، لم يضع هدفًا قابل للتحقيق بوجوده أو بحضوره، أو هدفًا يتوقع أن يستثمره، أو أن ينجح فيه مباشرة, إنما هو يضع الهدف ليثبت مسارًا من أجل الأمة، وفي النهاية الله تعالى هو الذي يحكم بينه وبينهم. وضع الهدف ليس مرتبطًا بالإنسان وإنما مرتبط بالأمة، ما وجدناه في عاشوراء أن الإمام الحسين(ع) استطاع أن يحقق الهدف بشهادته بتثبيت معالم الإسلام الأصيل، وإسقاط الانحراف وإبقاء الإسلام قائمًا إلى يومنا هذا وإلى يوم الدين، وكل ما عندنا من عاشوراء وبركة الإمام الحسين(ع)، إذًا الهدف تحقق حتى ولو استشهد في كربلاء وغادر هذه الدنيا.
 عاشوراء علَّمتنا أن ننظر إلى الهدف، أن نقول ماذا نريد، واحدة من التطبيقات العاشورائية: الإمام الخميني(قده) قال أنه يريد إقامة دولة إسلامية في إيران، في سنة 1963 حصلت مجازر من قبل الشاه ونُفي الإمام إلى خارج البلاد، وبقي خمسة عشر عامًا إلى أن انتصرت الثورة الإسلامية المباركة سنة 1979، عمل الإمام الخميني(قده) للهدف، أما موعد تحقيق الهدف فهذا بأمر الله تعالى، عاشوراء علَّمتنا أن نضع الهدف وأن نكون واثقين بتحقيقه على مستوى الأمة، وأن يكون الهدف كبيرًا وعظيمًا وواضحًا، وأن يكون في سبيل الله تعالى.
 تجربة أخرى: المقاومة الإسلامية في لبنان، لا تستهينوا بما حصل، سنة 1982 أصدر الإمام الخميني(قده) أمرًا بأن نقتلع إسرائيل من الوجود وأن نتحرك كحزب الله لقتال إسرائيل، وكم كان عدد أفراد حزب الله في ذاك الوقت؟ دخلت إسرائيل إلى لبنان وخرجت المقاومة الفلسطينية المسلحة من لبنان إلى تونس على أساس أنه لم يعد هناك مقاومة، فلم يعد هناك مقاومة في قلب فلسطين أي مقاومة مسلحة، وفي لبنان كذلك الأمر، لم يعد هناك أي باب لمقاومة إسرائيل ولتحرير فلسطين. قال الإمام الخميني(قده): هدفكم تحرير فلسطين، بدأنا نعمل، لم نكن ننظر: هل يمكن أن نحرر نحن أو أولادنا؟ لم نعلم الجواب، ولكن علينا أن نعمل لهدفٍ واضح، الناس تجمعت من حولنا تقول: ماذا تفعلون؟ العين لا تقاوم المخرز، فقلنا: هذا تكليفنا وهذا هدفنا، لأنه إذا لم تكن المقاومة موجودة فهذا يعني أن إسرائيل ستثبت وجودها في الأرض، فلو حققت المقاومة زلزلة إسرائيل كي لا تحقق وجودها في انتظار من يلغي هذا الوجود فهذا هدف كافٍ وجيد، ولكن الله تعالى أنعم علينا بأكثر ما كنا نتوقعه، فتحرر الجنوب سنة 2000، وانتصرنا سنة 2006، وحصلت هذه النتائج العظيمة.
 أول خطوة من خطوات الاستنهاض تحديد الهدف بوضوح على أن يكون الهدف يشمل الأمة من دون أن نتوقع بأن نستثمره مباشرة وإنما الأمر بيد الله تعالى وبحسب التوفيق.
 ثانيًا: عاشوراء قدَّمت لنا قدوة هو الإمام الحسين(ع): والشخص يخجل بأن يقول عندي شهيد أو أتمنى أن أكون شهيد، والذي استشهد الإمام الحسين(ع) وأهل بيته وأصحابه وأولاده ولم يبقَ أحد منهم في سبيل الله تعالى، أي شهادة تعادل جزءًا بسيطًا من شهادة الإمام الحسين(ع)؟  هذه قدوة عملية زُرعت في نفوس محبي أهل البيت(عم)، وربَّت وأثرت وشحنت، وجعلت التضحية في سبيل الله تعالى تضحية عادية معقولة وطبيعية.
 اليوم في أوساطنا المتدينة مسألة أن يذهب الإنسان للشهادة هي مسألة عادية وطبيعية، فيذهب الشخص للقتال في سبيل الله فيمكن أن يُقتل ويستشهد في سبيل الله تعالى، لا ضير فهذا هدفٌ في سبيل الله تعالى، عندما تتكلم عن الشهادة والتضحية في بعض المجتمعات وفي بعض الأفكار والبلدان يموتون رعبًا ولا يتصورون هذا العقل وهذه الروحية التي تفكر بالاستعداد للشهادة، حتى تروا كم أثرت عاشوراء فينا بقدوة الإمام الحسين(ع).
 عن الإمام الصادق(ع): دخل الحسين يوما إلى الحسن(ع)، فلما نظر إليه بكى، فقال له: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال: أبكي لما يصنع بك. فقال له الحسن(ع): إن الذي يؤتى إليَّ سم يدس إلي فاقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل، يدعون أنهم من أمة جدنا محمد(ص)، وينتحلون دين الإسلام، فيجتمعون على قتلك، وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك، فعندها تحل ببني أمية اللعنة، وتمطر السماء رمادًا ودمًا، ويبكي عليك كل شيء حتى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار".
 هذه قدوة عملية لأرقى نموذج من نماذج التضحية، ما يجعلنا نتربى بهذه الروحية لنترجمها في حياتنا، ونُحدث التغيير اللازم، ولولا هذه القدوة لما كان بإمكاننا أن نعيش هذه الحالة الروحية العظيمة في الاستعداد للشهادة.
 ثالثًا: علَّمتنا عاشوراء أن الواجب هو المقياس: والتكليف هو المقياس وليس الربح أو الخسارة، عندما يتوجب علينا أن ندافع عن الحق، علينا أن ندافع من دون النظر إلى المسائل خاصة عندما يأمر الولي بذلك، هذا الواجب هو الذي دفع الإمام المعصوم أن يذهب ويقاتل مع عدد لا يتجاوز الـ 73 مقاتل في مواجهة هذه التحديات الكبرى وفي مواجهة عشرات الآلاف من المجرمين والخارجين عن طاعة الله تعالى، عندنا أداء الواجب هو المقياس. (أذكر أنه في إحدى المرات كثُر الحديث في إيران أن الحرب العراقية الإيرانية سببت الكثير من الخسائر، وبدأ بعض المنظرين وبعض الناس يتكلمون عن الخسائر وما نتيجة هذه الحرب، وكلام من هذا النوع! وكان هذا الكلام يتناهى إلى سمع الإمام الخميني(قده)، فوقف فيهم خطيبًا في مرات عديدة وتحدث بهذا المعنى: أنتم تقاتلون أداءً للتكليف، ولا أعدكم يومًا أنكم ستربحون أو ستخسرون، هذا إمامكم الحسين(ع) خسر المعركة العسكرية ولكنه ربح بقيامه بتكليفه الشرعي في أن قاتل في سبيل الله تعالى لإحياء الدين)، فالموضوع ليس له علاقة بالربح أو الخسارة المادية إنما له علاقة بأداء التكليف.
 عاشوراء علَّمتنا أن نؤدي التكليف، ولذلك يقولون لنا: ماذا تفعلون وإلى أين أنتم ذاهبون؟ نحن نؤدي تكليفنا. ما رأيكم أن نعرض عليكم مكاسب بدل هذا الذي تقولون عنه أنه تكليف؟ نقول: لا.(مرة أتى وفد من الغرب: قالوا لنا: تسلمون سلاحكم، ونعطيكم أربعة مليارات دولار لإعمار الجنوب، وتأخذون مواقع وزارية وسياسية في تركيبة الدولة، ويكون لكم اعتراف على مستوى العالم، وتتربعون على عرش قيادة سياسية في لبنان محترمة ومعترف بها. مقابل: سلموا السلاح، معنى ذلك: وقف المقاومة لترتاح إسرائيل من دون إزعاج) هم يفكرون بهذه الطريقة، ولا يعرفوا أننا جماعة تكليف، وعندما نقول لهم أننا نقوم بتكليفنا فيوصفوننا بالمجانين، نحن تعلمنا هذا من نهضة الإمام الحسين(ع).
 قرأت مرة تقريرًا للأمم المتحدة حيث أتى وفد إلى منطقة الجنوب ليحلل لماذا يقاتل الشيعة؟ ظهرت النتيجة عندهم لأنهم فقراء ولا عمل لديهم وأوقات فراغهم كثيرة خاصة في أجواء القرى، فالاقتراحات العملية لنتخلص من هذه المشكلة: إنشاء مسابح، وافتتاح مدارس، وتقديم وسائل رياضة، وبعض المشاريع، عندها ينصرف الشباب إلى العمل واللهو والتسلية واللعب، فينسون قتال إسرائيل وبذلك يكونون قد حلوا المشكلة. طبعًا الجماعة التي معهم يسيروا يفكرون ببطونهم وأجسامهم ولم يفكروا بهذه الأبعاد التي زرعها الإمام الحسين(ع) في النفوس الأبية، لذلك أداء الواجب هو المقياس وليس الربح أو الخسارة.
 رابعًا: جميع مكونات المجتمع مسؤولة لنصرة الحق: بدءًا من الطفل الرضيع وانتهاءًا إلى الشيخ الكبير مرورًا بالشاب والمرأة والرجل وكل الموجودين في ساحة الحياة، بمعنى آخر: كل الأسرة معنية بنصرة الإمام الحسين(ع)، جميع الأفراد من دون استثناء لهم علاقة بإقامة الدين ونصرته.
فكيف تنصر الأسرة الإمام الحسين(ع)؟ ألم يُقتل عبد الله الرضيع وهو طفل؟ قتل عبد الله الرضيع ووجوده في كربلاء عامل من عوامل انتصار كربلاء، وعامل من عوامل زرع عنوان يفضح أولئك الظلمة الذين لم يراعوا الطفولة ولم يرحموها.
 المرأة كانت في كربلاء، ولم تكن حاملة للسلاح، أثناء المعركة ربما لم يكن واضحًا تمامًا أيُّ دورٍ كبيرٍ لهذه المرأة، كان الدور في المعركة للسلاح وقرقعة السيوف والمواجهات، ولكن بعد ذلك ما نقله لنا التاريخ من مواقف السيدة زينب(ع)، والنساء اللواتي صاحبن مسيرة الإمام الحسين(ع) كانت عبارة عن إعلان سياسي وتربية وتعبئة وتوضيح لمسارات كربلاء، كل واحد له دور في المعركة، عاشوراء تستنهض كل أفراد الأمة، لذلك عند إحياء عاشوراء نؤكد على حضور كل الناس: كبار وصغارًا، رجالًا ونساء، فيدخل حب الإمام الحسين(ع) إلى قلوبهم ويعرفوا المأساة التي حصلت إنما حصلت من أجل عزتهم وكرامتهم. إذًا عاشوراء زرعت في الأمة حالة استنهاضية لكل مكوناتها من دون استثناء.
 خامسًا: حثَّت عاشوراء الأمة على امتلاك عنصر العزة والقوة: المؤمنون بخط أهل البيت(عم) أعزة، هيهات منَّا الذلة، لا نقبل بالذلة ولو كان العالم كله مجتمعًا ضدنا، لأن موقف عاشوراء موقف يعطي شحنة معنوية كبيرة وقوة وعزَّة، من أين أتت هذه القوة؟ لاحظوا الحديث النبوي الشريف: "حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينًا"، أنتم المحبون للإمام الحسين(ع) تحت رايته، وهو جزءٌ لا يتجزأ من مكانة وراية رسول الله(ص)، ومحمد مرسلٌ ومسددٌ من السماء بدعم من الله تعالى لتصبح السلسلة قائمة من الله إلى محمدٍ إلى الحسين إلى المؤمنين المجاهدين، لتصبح هذه الكتلة عزيزة بعزة الله تعالى " وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ"، لذلك عاشوراء تعطينا قوة ومعنويات، فالقوة تبدأ من القلب لا من العدد، ولا من بعض الانتصارات المادية، كم منتصرٍ مادي يعيش حالة إحباط وخوف ورعب، لأن لم يعمل بشكل صحيح، أما مع عاشوراء فالأمر يختلف.
 سادسًا: ميزة عاشوراء أنها كشفت المنحرفين والمنافقين: والبعيدين عن طاعة الله تعالى بعنوان واحد: أنهم خرجوا عن طاعة الإمام المعصوم الإمام الحسين(ع) وما يمثله من نقاء الإسلام، وبالتالي أي واجهة إسلامية لا تعترف بمكانة الإمام الحسين(ع) أنه سيد شباب أهل الجنة، وبسلامة خط الإمام الحسين(ع) أنه إمام قام أو قعد، وبأن الحق معه لأنه على الاستقامة وعلى الجادة التي أوجدها رسول الله(ص). في المقابل يزيد فاجر، فاسق، شارب للخمر، قاتل للنفس المحترمة، مليء بالمنكرات، كيف يصلح هذا أن يكون خليفة للمسلمين وإمامًا عليهم في مقابل الإمام الحسين(ع)؟! والإمام الحسين(ع) وضَّح لنا أنه في حمل الإسلام يوجد مستقيمين ويوجد منحرفين، يوجد أصيلين ويوجد أتباع للأفكار الهزيلة والغربية والمنحرفة والبعيدة عن طاعة الله تعالى.
 سابعًا: البكاء في عاشوراء يحرك عاطفة الإنسان ومشاعره: وهذا جزء لا يتجزأ من الاستنهاض، لماذا؟ لأن الإنسان لا يبكي إلاَّ بحرقة قلبٍ على قضية تعلق بها بشكل كبير وأحبها وتفاعل معها، فمثلًا إذا قالوا لك بأن فلانًا مات متعرفه عن بعد، لا تتأثر بشكل كبير، إنما حين يقولون لك: ابنك مات، يحترق قلبك، لأن الله تعالى خلق لنا مشاعر إنسانية تترجم من خلال هذه العاطفة، كلما كان القرب أكثر كلما كان التفاعل أكثر في الإسلام، عاشوراء نستحضرها لتكون معنا وبيننا وفي بيوتنا ومع أطفالنا وأولادنا وفي حياتنا، نستذكر القصة لنستحضر الإمام الحسين(ع)، لنتفاعل معه ولنتعرف عليه أكثر، نتقرب من سيرته ليصبح قريبًا لنا وأخًا لنا وقائدًا لنا وملهمٌ لنا، كي نختصر المسافات التي أبعدتنا عنه في التاريخ، وبالتالي من خلال هذه المجالس يصبح الحسين بيننا، فإذا بكينا بكينا حسينًا عاش بين ظهرانينا ولم نبكِ حسينًا كان في التاريخ سنة 61هـ.
 هذا البكاء تعزيز للعاطفة، تعزيز للمشاعر، وعندها تتحرك هه المشاعر لتقوم بأداء، والأداء الذي يرده الإمام الحسين(ع) منا هو الإصلاح في أمة جده رسول الله(ص)، يعني إحياء الدين ونصرة الدين، هو لا يريد انتقامًا، ولا يريد أمرًا خاصًا، الجماعة الذين قاتلوا ذهبوا في التاريخ وحسابهم عند الله تعالى، ولكن بكاء الإمام الحسين(ع) يسعّر العاطفة لدينا، فإذا ارتقت هذه العاطفة وعشناها استحضرنا أفكار ومواقف وقناعات الإمام الحسين(ع) لنترجمها في حياتنا العملية، فتتحول العاطفة إلى حركة، وليست بكاءً على الأطلال ولا على أمرٍ حصل في قديم الزمان. وبالفعل تتميز مجالس عاشوراء عن البكاء والمجالس التي تجري من أجل الأحبة أو ذكرى سنوية أو ذكر أسبوع أو ما شابه فينتهي البكاء مع انتهاء المدة، أما العاطفة مع الإمام الحسين(ع) باقية ويشعر الإنسان أنه مقصر إذا لم يغير معادلة التاريخ والحاضر قربة إلى الله تعالى، وهذا قيمة البكاء في عاشوراء، بكاء نهضوي، بكاء محرك، بكاء فيه قلب وعقل، بكاء يوصل إلى الهدف. لذلك نحن معنيون بأن نهتم بهذه الحالة العاطفة لأنها تشكل نهضة حقيقية في حياتنا وفي أدائنا.
 ثامنًا: العناوين الثابتة التي أوجدتها عاشوراء والتي يفترض أن تصبح من الثوابت، وهي التي تساعدنا في النهضة وفي تغيير الواقع:
أ‌- عاشوراء رسمت الصحوة الإسلامية المعاصرة.
ب‌-  عاشوراء علَّمتنا انتصار الدم على السيف.
ج- عاشوراء قالت لنا: فإني لا أرى الموت إلاَّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاَّ برما.
د- عاشوراء استحضرت الآية القرآنية في مجلس يزيد(لعنه الله) " وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ".
كل هذه العناوين المشرقة عناوين عاشورائية، كل هذه العناوين عناوين سمو، أروع اختصار قدمه لنا الإمام الخميني(قده) عن هذه العناوين بقوله: "كل ما عندنا من عاشوراء".
العز من عاشوراء، الجهاد والشهادة من عاشوراء، استقامة الدين من عاشوراء، السير تحت قيادة الولي الفقيه من عاشوراء، اللحمة في تركيبة الأمة من عاشوراء، الصبر على المرارات بانتظار تشكيل قوة قادرة من عاشوراء، التهيئة لجند الإمام المهدي(عج) من عاشوراء.
نحن مدينون لعاشوراء الحسين(ع) باستنهاض الأمة وإعطائها هذه الحيوية العظيمة، وهذه الإنجازات العظيمة التي تحققت ولم تتحقق سابقًا حتى على زمن الأنبياء، إنما هي من بركات عاشوراء.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يعرفون هذه النهضة الحسينية العاشورائية بكل أبعادها.
السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولادص الحسين، وعلى أصحاب الحسين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.