محاضرات

عاشوراء والاستقامة / المحاضرة الكاملة في الليلة الثالثة من عاشوراء في27/10/2014

عاشوراء والاستقامة

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، السلام عليكم أيها الحسينيون والحسينيات ورحمة الله وبركاته.
نتعلم من عاشوراء الكثير، ونأخذ من الإمام الحسين(ع) مسارنا الحق في سبيل الله تعالى، واليوم سأتعرض لموضوع الاستقامة مستفيدًا من استقامة إمامنا الحسين(ع) في كل مراحل حياته، وفي كل علاقاته وأدائه على المستوى الفردي والاجتماعي والسياسي والثقافي، ومن قوله تعالى لرسول الله محمد(ص): "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ".
دعانا الله تعالى إلى الاستقامة، والاستقامة أن نسير على خط قويمٍ لا نحيد عنه لا يمينًا ولا شمالًا، وقد عبَّر رب العالمين عن استقامة الخط عندما قال: " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ".
وروي أن رسول الله(ص) عندما شرح هذه الآية الكريمة كانت بيده خيرزانه فرسم خطًا مستقيمًا على الرمل، مشيرًا للخط بأنه صراط الله المستقيم وأي ذهاب يمنة أو يسارًا هو خروج عن خط الله تعالى وخروج عن الاستقامة، ومعلوم أن من خرج عن الاستقامة في أمرٍ بسيط إذا لم يعد مجددًا إلى الخط المستقيم تتراكم الانحرافات، ويبتعد إلى أقصى اليمين أو إلى أقصى الشمال، ولذلك مسألة الاستقامة مسألة أساسية من أجل أن نعبِّر عن إيماننا وديننا ومن أجل أن نقوِّم حياتنا، ونعرفها من أوامر الله تعالى ونواهيه فعندما نبتعد عما نهانا الله تعالى ونقوم بما أمرنا به نجد أنفسنا على الصراط المستقيم.
عندما نزلت الآية الكريمة: " فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ"، روي أن رسول الله(ص) قال " شيبتني هود وأخواتها" يعني ما ورد عن الاستقامة أمرٌ عظيم جدًا.
قال ابن عباس: ما نزل على رسول الله (ص) آية كانت أشدّ عليه ولا أشق من هذه الآية، ولذلك قال لأصحابه حين قالوا له: أسرع إليك الشيب يا رسول الله، فقال: شيبتني هود وأخواتها".
هذه الاستقامة هي عبارة عن المسؤولية، مسؤولية ملقاة على عاتقنا وهي تعتمد على الحق، وتعتمد على أوامر الله تعالى ونواهيه، ونحن مدعوون أن نستقيم لنكون مع محمد وآل محمد(عم).
وقال تعالى: " فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ"، فإذا المطلوب أن نسير مع دين الفطرة، وأن نكون ملتزمين بأوامر الله ونواهيه، وأن نسير بسيرة النبي الأكرم محمد(ص)، وسيرة أئمة أهل البيت(عم)، لنعبر عن الاستقامة بشكل مباشر في حياتنا.
على كل واحد منّا أن يجري جردة حساب لنفسه، هل هو مستقيم أم لا؟ فيمكن لمجموعة من الأخوة والأخوات أن يقولوا: الحمد لله نحن على طاعة الله ودينه، نصوم ونصلي ونقوم بالواجبات. يا ترى هل نقوم بعباداتنا في ما تؤديه من ابتعاد عن الفحشاء والمنكر والتقرب من الله تعالى بما يحصننا من المعاصي ويوصلنا إلى التقوى، ويمكننا من حسن الأداء في حياتنا وفي علاقاتنا مع الناس؟ هذا سؤال مطروح. هل يا تُرى نقوم بعلاقاتنا الاجتماعية ونحن نلاحظ أوامر الله تعالى ونواهيه، أم أننا نلاحظ أهواءنا ورغباتنا بحسب ما نواجهه من تحديات؟ لذلك الاستقامة هي استقامة في كل شيء.
1-الاستقامة على المستوى الفردي:
هل تملك الاستقامة في عقلك وقلبك؟ أن لا تحب إلاَّ لله وأن لا تبغض إلا لله، وأن لا يكون في قلبك إلى حب رب العالمين والنبي وأئمة أهل البيت(عم)، وإنما تحب من أحبهم وتوالي من والاهم، وتعادي من عاداهم، وتتصل بهم بالعاطفة والقلب وفي كل ما يمت إليهم بصلة ليكون قلبك معلقًا بالله تعالى فتشعر بالنور الإلهي في كل حركة من حركاتك، وفي كل عملٍ من أعمالك.
أ‌- استقامة القلب:
عليك أيها الإنسان أن ترى هل يوجد استقامة في قلبك أم لا؟ هل تحب الباطل وأهل الباطل، وترتبط بهم عاطفيًا؟ فإذًا أنت بعيد الاستقامة، ليس ممنوعًا أن يبني الإنسان علاقات مع الآخرين ولكن ألا تلاحظ أن جلوسك الطويل معهم يؤثر على مشاعرك وعواطفك وطريقة تفكيرك اختيارك للأمور. والقرين يؤثر على قرينه، والأخ يؤثر على أخيه، والصديق يؤثر على صديقه، "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ"، فعليك أن تذهب نحو حب الله، وأن تكون مستقيمًا في قلبك وأن لا يكون معلقًا إلاَّ بالله تعالى، كل التعلُّقات الأخرى يجب أن تكون من هذه السنخية، من تعلقك بالله تعالى: التعلق بالأبناء والحب لهم، ورعايتهم. وأمرك الله في علاقتك الزوجية أن تكون هناك رحمة وهذا الحب والتفاعل جزءٌ من حب الله تعالى تنفيذًا لأمر الله تعالى. إذًا يجب أن يكون عندنا استقامة في القلب.
ب‌- استقامة العقل:
واستقامة العقل في طريقة التفكير وفي فهم الأمور، وفي إدراك الحقائق، أنت يجب أن تعلم أن هذه الدنيا معبرٌ للآخرة، هذا هو التفكير العقلي الصحيح. أما من يتعلق بالدنيا: مكانته في الدنيا، وموقعه في الدنيا، ورغباته في الدنيا، يتأسى على حاله لأنه لم يحصل على منصب في الدنيا، حاضر لأن يقوم بما يخالف أمر الله تعالى ليحصل على المكتسبات الدنيوية، هذا لأنه لم يفهم الإسلام حقًا، ولم يقم بالاختيار الصحيح، فالدنيا في محلها لأن صحيفتك ستذهب إلى الآخرة، نظرتك إلى الأمور والشهادة أنك تبجلها وتجللها وتعظمها وهذه الاستقامة في طريقة التفكير. نظرتك إلى أن الحياة مربوطة بالأجل بيد الله تعالى فهذه استقامة في طريقة التفكير.
إذًا علينا أولًا أن يكون لدينا استقامة على المستوى الفردي، هذه الاستقامة على مستوى القلب وعلى مستوى العقل لا بدَّ أن تؤدي إلى الاستقامة على مستوى السلوك، فإذا كانت تصرفاتك ونواياك وقناعاتك كلها استقامة على المستوى الفردي، عليك أن تعرف كيف هي، سأعطي أمثلة على الاستقامة على المستوى الفردي:
لما أمر رسول الله محمد(ص) أمير المؤمنين علي(ع) بقيادة إحدى الغزوات، يروى أن رجلًا قال لأخيه: اغز بنا في سرية علي بن أبي طالب لعلَّنا نصيب خادمًا أو دابةً أو شيئًا نتبلغ به (على أساس أن أمير المؤمنين علي(ع) دائمًا النصر حليفه بإذن الله تعالى)، فقال رسول الله(ص): إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، فمن غزا ابتغاء ما عند الله فقد وقع أجره على الله، ومن غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلا ما نوى". فمن قاتل قربة إلى الله تعالى وفي سبيل الله تعالى فقد وقع أجره على الله، أما من يقاتل في سبيل الغنيمة يعني إذا مات لم يمت شهيدًا في سبيل الله وإنما يموت من أجل الغنيمة، بحسب النوايا الموجودة عند الإنسان. علينا أن نلتفت إلى واجبنا على المستوى الشخصي وعلى المستوى الفردي، حتى على مستوى تصرفاتنا وعلاقاتنا مع الآخرين، أحيانًا الواحد منا يتصرف بلباقة مع شخص حتى يوقعه في مشكلة، أو يحاول أن يمرر له كلمة وهو يعلم أن هذه الكلمة ستؤدي إلى خلافٍ كبير مع أخيه أو ابن عمه أو جاره، الله تعالى الذي يسجل أعمالك ويعلم أنك لست مستقيمًا في هدفك فيما فعلت، فماذا يكون جوابك إذا سألك الله تعالى؟ عليك أن تكون مستقيمًا على المستوى الفردي، لا أن يتصرف الإنسان ويقول لا أحد رآني في عملي الذي قمتُ به، ولا أحد عرف أننا وراء المشكلة التي حصلت، ويستغفر الله ولا دليل عليه، ولكن الله تعالى عنده الدليل، لذلك علينا ان نكون مستقيمين على المستوى الفردي، علينا أن نشتغل على أنفسنا "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا" علينا أن نربي أنفسنا حتى نتمكن من أن نعمل بشكل صحيح مع مجتمعنا ومع إخواننا وفي علاقاتنا الاجتماعية مع كل الناس.
أختي العزيزة: دور المرأة في حياتها الاجتماعية والتربوية والثقافية والأخلاقية لا يمكن أن يتخطاه أي دور آخر، هي الأم التي تربي المجاهدين، وهي التي تربي الصالحين، وطبعًا التأثيرات الأخرى موجودة من العلماء والمحيط والمقاومة والبيئة ومن الأجواء، ولكن يجب أن نركز بأن دور الأم والمرأة العاملة مهم جدًا على المستوى التربوي في مسألة الاستقامة وفي مسألة الطاعة لله تعالى، على الأقل تختصر المسافات وتهيئ هذا الولد من الصغر على حب الله تعالى وحب النبي والأئمة(عم) فعندها يسهل عندما يكبر ان يكون جزءًا من جند الإمام المهدي(عج).
هل يمكن لهذه المرأة أن تعطي هذه التربية على الاستقامة إن لم تكن مستقيمة؟ طبعًا لا أقصد بالمستقيمة أن تصلي وتصوم فالحمد لله الكل يصلي وهذه أهون عمل في الإسلام، والكل يصوم، إنما أتكلم عن الأخلاق وعن النوايا، والموضوعات التي تتحدثها المرأة مع أختها وقريبتها وجارتها، وأتكلم عن الحجاب وانضباطه وشرعيته، وأن لا نعمل عليه حتى يخرج من الحجاب باسم الحجاب، هذه استقامة على المستوى الفردي، إذا كنتِ مستقيمة على المستوى الفردي كما أمر الله تعالى فتقتدين بالزهراء(عها) ستكونين إنسانة عظيمة فيما تخرجين وتربين وستؤثرين في المجتمع تأثيرًا كبيرًا وستكونين جزءًا من هذه الحملة العظيمة لإقامة الدين على وجه الأرض.
عليك أيها الإنسان أن تراقب نفسك على المستوى الفردي، وليس صعبًا أن يقوم الواحد منا بامتحان لنفسه على المستوى الفردي، وهذا الامتحان يقدر أن يقوم به ويعرف نفسه إذا كان ناجحًا أو لا، لأن الأوامر والنواهي معروفة، وكل واحد منا يعرف الضوابط الشرعية، وإذا لم يعرف بعض التفاصيل يستطيع أن يسأل فيعرف النتيجة. فكل إنسان يعرف حاله إذا أخطأ أو قصَّر بعمل ما ولكل شيء حلول ومعالجات لأي موضوع يمكن أن يقع الإنسان فيه. لذلك نحن معنيون أن نعمل على أن نستقيم على المستوى الشخصي.
2- الاستقامة على المستوى الاجتماعي.
أما الاستقامة على المستوى الاجتماعي يعني العلاقات بين الناس، سواء أكان في إطار صلة الرحم، أو في إطار علاقة الجار بجاره، أو الأخ لأخيه، أو في العمل مع صاحب العمل، أو أي احتكام في إطار الحي أو المدرسة أو المعمل أو ما شابه ذلك، هذه كلها علاقات اجتماعية. فعليه أن يحترم شأن أخيه، أن يعطيه حقه، أن لا يأخذ من حقه ظلمًا وعدوانًا. فإذا كان عندك جار، وهذا الجار يقول لك: أنت تزعجني. ما الذي يزعجك؟ يقول: أنت تضع النفايات أمام داري، أو تضع ماء في طريق بيتي، أو في وقت متأخر من الليل تصدر ضجيجًا من عندك، .... فإذا كان عندك استقامة في علاقاتك الاجتماعية بحسب الإسلام عليك أن تمتنع عن كلما يؤذي جارك وأنت قادرٌ عن الاستغناء عن هذه الأمور وليست داخلة ضمن الضرورة ولا ضمن السلوكيات المقبولة في الإسلام، عندها يكون عندك استقامة اجتماعية.
صلة الرحم، العلاقة مع الأخ والأخت والعم والخال الخ...، فلا يزور الأخ أخاه لفترة طويلة من الزمن، لماذا؟ بسبب أخلاق أخي، أو منذ ثلاثة أشهر لم أسلم على أمي، لماذا؟ لأن أمي تتكلم معي بطريقة تجعلني فيها عصبي، ...فصلة الرحم مبنية على التفاهم، ومبنية على أساس أن تتحمل ما يأتي من رحمك قربة إلى الله تعالى، فتتواصل معه لأن الرحم إذا تواصل وحصل التماس وحصلت علاقة رحمية فإن الكثير من العقبات تتذلل ولو لم تتذلل فإن أجرك عند الله تعالى كبير لأنك نفذت أمر الله تعالى في الشؤون الاجتماعية وفي صلة الرحم.
لنرى ما تقول أحكام الإسلام ونعمل على أساس الاستقامة في الأمور الاجتماعية، واحدة من مشاكلنا أننا نحن الذين نصنع ضوابطًا اجتماعية تبدأ ولا تنتهي لا علاقة لها بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد. مثلًا: لماذا اختلفت مع فلان؟ من المفترض أني أكبر منه وعندما أمر بجانبه عليك أن يسلم عليِّ، ولم يسلم عليِّ فاتخذت قرارًا بالمقاطعة، والمقاطعة تبدأ من اليوم وتنتهي بعد مئة سنة إذا انتهت، حتى يعتذر مني ، من أين أتت هذه الضوابط فلم تنزل فيها آية ولا حديث شريف، فيمكن أن يكون الشخص الآخر لم يرك، أو واجهه يا أخي وقل له: مررت من أمامي ولم تسلم عليَّ، فإذا اعتذر عليك أن تقبل، لنا الظواهر وليست لنا البواطن التي لا علاقة لنا بها. لو صممنا علاقاتنا الاجتماعية بحسب ما يقول الإسلام وليس ما نقوله نحن فنرتاح إلى أقصى درجة.
السؤال الأصلي: هل هذا الأمر من أوامر الله تعالى أم لا؟ إذا كان لا فكل يدخل في الاستنساب والمستحب والمباح ويتوكل على الله تعالى ليبني العلاقات الاجتماعية الصحيحة. هذه هي الاستقامة في العلاقات الاجتماعية.
3- الاستقامة السياسية.
يجب أن يكون عندنا استقامة في الموقف السياسي، فاليوم لا يصح أن نسير مع أي شخص يتكلم بموقف سياسي ويعتبر نفسه قائدًا، ويتصدر أمور الناس، والحمد لله أن بيئتنا تلتزم الالتزام بالمحيط مع قائد ملهم هو سماحة السيد حسن نصر الله(حفظه الله تعالى) في هذا الخط الأصيل وهذه نعمة كبرى، ولكن يجب أن نوِّضح للناس ونفهمهم بشكل واضح، فلا يجوز للناس أن يتقيدوا بقائد يدلهم سياسيًا على مواقف خاطئة، ويجب علينا أن نلتزم بما يأخذ من مواقف.
فإذا قال القائد أنه يريد الوحدة بين المسلمين، فيعتبر الملتزمين بأوامر هذا القائد أن هذه الكلام ليس لهم وإنما للسنة، لا هو كلام لكل الناس وأولهم المواليين له، وللسنة وللشيعة، هو يريد وحدة إسلامية بكل ما للكلمة من معنى، ولا علاقة لها بالموضوع المذهبي. إذا كان عندنا استقامة اجتماعية علينا أن نسمع للقيادة الحكيمة ونتوجه بتوجهاتها.
يجب أن يكون لنا استقامة سياسية، واستقامة فردية، واستقامة اجتماعية، استقامة في كل المجالات، إذا حصلت الاستقامة في حياتنا ربحنا.
عن النبي(ص): "إن تستقيموا تفلحوا"، فأنتم تنجحون عندما تستقيمون على خط الله تعالى. "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ"، الاستقامة تؤدي إلى العلو، الاستقامة تؤدي إلى النجاح والنصر والتوفيق وإلى سعادة الدارين في الدنيا والآخرة، لذلك علينا أن نلتفت لنكون مستقيمين في كل حركة من حركات حياتنا.
4- الاستقامة في نصرة الدين.
وأهم استقامة، الاستقامة التي تؤدي إلى نصرة الدين، نقل عن الإمام الحسين(ع) قوله: "إن كان دين محمد لم يستقم إلاَّ بقتلي فيا سيوف خذيني"، استقامة الدين يتطلب أن نعمل له، أن نضحي من أجله، وأن نرفعه راية، فإذا استقمنا على المستوى الفردي يعني قدمنا شخصياتنا وسلوكنا، وإذا استقمنا على المستوى الاجتماعي أوجدنا بيئة ملائمة لطاعة الله تعالى، وإذا استقمنا على المستوى السياسي عرفنا كيف نسير وكيف نختار طريقنا الصحيح، وإذا استقمنا على مستوى إقامة الدين اجتمعنا لرفع الراية، وعندها نكون حقًا من الممهدين لصاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.
جعلنا الله وإياكم من الذين يجاهدون ويضحون ويسلكون هذا المسلك لنكون من جنود الإمام المهدي(عج)، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


الموقف السياسي
يبدو أن الكثيرين لا يعرفون حقيقة تنظيم داعش وواقعه ، داعش هو اتجاه تكفيري لا يقبل أحدًا من المسلمين على الإطلاق سنة كانوا أو شيعة، ولا يقبل أحدًا من العالمين نصارى كانوا أو ملحدين، ولا يرى إلاَّ الدواعش لهم الحق في أن يحكموا، وكل الناس عبيد لهم وتحت إمرتهم. فإن لم يوافق الناس على قيادتهم يقتلونهم بقطع الرؤوس وبقر البطون حتى يوجِدوا الرعب في العالم، فمن بقي معهم بقي تحت إمرتهم خائفًا، ومن تخلى عنهم قُتل لأنهم لا يبقونه في ساحاتهم.
داعش تنظيم غير إسلامي، داعش تنظيم يحمل اسم الإسلام ولكنه يطعنه مرارًا وتكرارًا في كل يوم وفي كل فكرة، داعش نموذج من نماذج الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي(ع) تحت شعار إسلامي "لا حكم إلاَّ لله" وهم لا يعرفون الله لا من قريب ولا من بعيد، ولا يحكمون بما أنزل الله، بل من هم في زماننا ربما يكونون أسوأ ممن كانوا في ذاك الزمان، لأنهم أخذوا كل التجارب السلبية والسيئة وبنوا عليها وتفننوا في إعطاء نموذج جديد سلبي.
هل داعش خطر على المسلمين والعرب والعالم؟ نعم، هو خطر كبير، داعش خطر يمكن الانتصار عليه لأنه اليوم الذي تعرفنا عليه كتنظيم  في منطقتنا هو نتيجة تجمع من ثمانين دولة في العالم أتوا إلى سوريا والعراق، رعتهم أمريكا والدول الكبرى، ودول عربية، ودول إقليمية، وأعطوهم الأموال والسلاح والتسهيلات، ووفروا لهم الموقف السياسي، وكان من نتيجة كل هذا الاجتماع الدولي الإقليمي أن أصبح لدينا وحش منتفخ اسمه "داعش".
فداعش ليسوا جماعة في بلد، وليسوا أغلبية في عاصمة، وإنما هو تجميع دولي من كل أنحاء العالم، وهذه أول نقطة ضعف، أنهم لا يعتمدون على أنفسهم في بلد واحد، وأنهم كبروا بسبب هذا الدعم الكبير الذي توفَّر لهم.
هم يعتمدون على الإرهاب، وعلى التوحش من أجل إخافة الخصم، حتى عندهم كتاب اسمه "إدارة التوحش" يقولون فيه: إذا قطعنا الرؤوس وأرعبنا الناس وأخفناهم، فإنهم إذا ما انتظروا مجيئنا في بلدٍ ما يهربون ويسقطون أو يسلمون من دون أن نقاتلهم، فعندما يعرضون هذه الأفلام عبر وسائل الإعلام والاتصال، إنما يعرضونها لحرب نفسية حتى يخيفوا الناس قبل أن يصلوا إليهم فيوفروا عليهم عملية المواجهة، وبالتالي يشعروا الناس بأنهم استطاعوا تحقيق انجازات معينة، والحقيقة هم دخلوا إلى أماكن فارغة ولم يدخلوا إلى أماكن فيها من يقاتلهم ويواجههم.
احتل داعش مدينة الموصل في العراق خلال ساعات دون أن يُطلق عليهم طلقة نار واحدة، هناك من سلمهم الموصل، وهم لم يقاتلوا ، نعم هناك من تعاون معهم من أجل السيطرة ولكن بعد ذلك أخذت داعش كل شيء بعد أن فرغ الميدان ولم يكن أحد في مواجهتها.
داعش يحدث ضوضاء وإرهاب، ويستخدم التوحش والرعب ليسهل عليه أن يسيطر على خصومه، وحيث تمت مواجهة داعش  كُسر هذا التنظيم، ورأينا إنجازات تتحقق في العراق وفي سوريا وفي لبنان، وبالتالي عندما يكون هناك رجال أشداء أصحاب موقف سيكسرون داعش في أي مكان تواجد فيه هذا التنظيم.
لا أحد يصوِّر لنا بأن داعش كبير ولا يمكن مواجهته، لا، داعش لديه إخفاقات كما لديه إنجازات، إنجازاته عندما هرب الآخرون من أمامه، ولكن عندما يتواجد من يواجهه بشكل موحد وشجاع وصاحب موقف نعم يُكسر هذا التنظيم.
لاحظوا اليوم في لبنان: عندما تحقق الإجماع السياسي، وأيدت الحكومة اللبنانية بكل مكوناتها مواجهة هذه الحركة التكفيرية، ووافقت أطرافٌ كانت سابقًا تميل إلى دعم داعش بشكل أو بآخر، لكن عدَّلوا الآن من موقفهم عندما شعروا أن داعش تشكل خطرًا عليهم قبل غيرهم، ماذا كانت النتيجة؟ ضُرب التكفيريون في كل أنحاء الشمال، ضربة قاسية جدًا بسبب الإجماع السياسي حول الجيش اللبناني، وحول الموقف الموحّد ضد هذا الاتجاه الذي يريد أن يخرب لبنان كما يخرب سوريا والعراق ويريد تخريب العالم.