محاضرات

رؤية الإمام الخامنئي(دام حفظه) لدور المعلم في التَّربية والتعليم / محاضرته في 6/9/2014

رؤية الإمام الخامنئي(دام حفظه) لدور المعلم في التَّربية والتعليم

المحاضرة التي ألقاها في لقاء تربوي في قاعة الجنان.


                                                                       بسم الله الرحمن الرحيم
                                                   رؤية الإمام الخامنئي(دام حفظه) لدور المعلم في التَّربية والتعليم



أول آية نزلت على قلب رسول الله(ص): "اقْرَأْ باسم رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ", فالعلم مفتاحٌ لمعرفة أهداف خلق الإنسان والحياة وما يصلح لها، وطريقٌ إلى بلوغ مراتب السعادة وتجاوز المنزلقات، والتَّربية مسارٌ إلزامي لتكوين الشخصية الإنسانية، والاستفادة من مكوِّناتها الفطرية، وهي عملٌ متواصل من الطفولة إلى الممات.
أولًا: أهمية التَّربية والتعليم.
1) التَّربية والتعليم في أعلى لائحة سلّم الأولويات:
 قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "لو أنَّ الإنسان في الواقع أراد أن يقسّم أعمال البلد وقطاعاته المختلفة ويضعها بحسب الأهمية، فإنَّ التَّربية والتعليم توضع في أعلى اللائحة وعلى رأسها".
2) لا يمكن تصنيف مهنة التعليم إلى جانب باقي المهن:
 قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "المعلِّم في الواقع هو الذي يصوغ ويصنع الجواهر الثمينة المتمثلة بأطفال البلاد وأحداثها، ولهذا السبب لا يمكن تصنيف مهنة التعليم إلى جانب باقي المهن.
 وقال سماحته: وصول المجتمع إلى مرحلة الشموخ والرفاه والاستغناء والتَّقدُّم العلمي والشجاعة والتعقل والتحرر والعقلانية منوطٌ بالتَّربية والتعليم الصحيحين للأطفال والأحداث، وجزءٌ كبير من هذا الواجب بالغ الأهمية يقع على عاتق المعلمين...
 العملياتُ العميقة ليست قصيرة الأمد، ولا تؤتي ثمارها بسرعة، ولهذا فإنَّ تنفيذ ميثاق تطوير التَّربية والتعليم بحاجة إلى أعمالٍ بحثية عديدة في مختلف القطاعات, ليتمّ رسم الخطوط والسُّبُل بصورة صحيحة".
3) أهمية "وثيقة التحول البنيوي التَّربوي" بعد إقرارها:
 فقال: "لدينا الآن "وثيقة التحوُّل البنيوي في التَّربية والتعليم"، وهذه الوصفة تحتاج إلى تخطيطٍ دقيق فيما يتعلّق بكلّ بنودها. فإنّ الحديث هو حول التحوُّل البنيوي لا الشكلّي الظاهري".
4) الهدف الرئيس من "وثيقة التحول البنيوي التَّربوي":
 "لماذا نريد إيجاد تحوّل؟ إنَّ السبب البسيط هو أنّ نظامنا الحالي في التعليم والتَّربية لم يُظهر عن قدرات لازمة لتربيةِ وإعداد الأجيال المختلفة. والسبب بالدرجة الأولى هو أنّ هذا النظام وهذه التشكيلات مستوردة وليست نابعة من حاجاتنا الداخلية. وهذا من أكبر مشاكلّنا. ... نحن لا يسوؤنا أن نتعلم من الآخرين ولا نعتبره عارًا. لكن السيئ هو أن نأخذ هذه النماذج المختلفة للشعوب الأخرى والثقافات المختلفة كقطعة واحدة ونطبقها دفعة واحدة بين شعبنا وفي بلدنا دون أن نأخذ بعين الاعتبار المقتضيات والظروف والأرضيات".
5) تقع المسؤولية الكبرى في نظام التَّربية والتعليم على الحوزات العلمية الدِّينية، التي تُحدِّد مسارات التَّربية الإسلامية:
 "إنّ التفكير المتجدّد ضروريٌّ، والإجابة عن الحاجات المستحدثة ضروريّة, وهي تنهمر كالسيل في أرجاء العالم، ويجب أن توفّروا أجوبتها. يجب أن تكون إجاباتكم ناظرة إلى هذا الاحتياج وناظرة إلى الأجوبة التي تقدّمها المذاهب والفرق المختلفة أيضًا. فلو غفلتم عن أجوبتهم، لا يمكن لجوابكم أن يفعل فعله.
6) ... واليوم لحسن الحظ فإنّ وسائل الاتصال السريع تحت تصرّف الجميع. وأنتم قادرون على القيام بشيء ها هنا، فيسمعكم ويستفيد منكم من يعيش في أقاصي العالم في الساعة نفسها.
7) تجنّبوا العرفان الكاذب:
 قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "راقبوا في هذا السياق أيضًا ما يُتداول من أنواع العرفان الكاذب في بيئة الشباب، فمثل هؤلاء يتسلّلون إلى الجامعات خصوصًا. إنّ أحد البرامج هو أن يتسلّل كلّ هذا العرفان الكاذب إلى داخل الجامعات، وهو من الأشياء التي تتسبّب بالشلل. فلو أنّ شخصًا أصبح أسيرًا وابتُلي بهذه المنسوجات الفاقدة للأصل والأساس من هذا العرفان الكاذب - والتي تأتي في الأغلب من مناطق خارج البلد - فإنّها في الواقع ستشلّه. إنّ المعيار الذي نتبعه في حركتنا نحو السموّ المعنويّ، والتقرّب إلى الله هو التقوى والنّزاهة والورع. فشبابنا - سواء بناتنا أم أبناؤنا - لو كانوا منزّهين وأتقياء وسعوا للابتعاد عن المعصية، وأدّوا الصلاة بتوجّهٍ واهتمام وفي وقتها، ولم يقطعوا أنسهم بالقرآن، فإنّهم لن يصبحوا أسرى هذا العرفان الكاذب".
8) يبقى النظام التَّربوي والتعليمي هو الأبلغ أثرًا إذا ما أحسَنَّا صياغته ورسم آلياته التنفيذية الفاعلة:
 قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "إنَّ النظام التَّربوي والتعليمي المتحول على أساس المبادئ الدِّينية والوطنية بإمكانه التأثير على العوائل والإذاعة والتلفزيون أيضًا".

ثانيًا: دور المعلم.
 قال تعإلى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ".
 وقال رسول الله(ص): "فقيهٌ واحد أشد على الشيطان من ألف عابد".
 ولما سُئل أمير المؤمنين علي(ع) عن خير الخلق بعد الأئمة(عم)قال: "العلماء إذا صلحوا".
1) جميع مشكلّات هذا المجتمع ستُحل بأداء المعلِّم المربِّي:
 قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "فلو أنّ المعلّم عمل بشكلّ جيد وصحيح وتدبير وحرص، فسنرى أنَّ جميع مشكلّات هذا المجتمع ستُحل. لا أننا نريد أن نقول إنه لا يوجد عوامل مؤثرة في تربية شبابنا خارج محيط المدرسة، فالأسرة مؤثّرة، ووسائل الإعلام كذلك، والبيئة الاجتماعية العامة - فلا شك في ذلك أبدًا - لكنّ الصانع الأساسي واليد الماهرة الأصلية التي يمكن أن تبني بناءً محكمًا، لا يمكن أن تؤثّر فيه كلّ هذه العوامل المختلفة تأثيرًا جوهريًّا، هي المعلّم، وهذه هي قيمة المعلّم".
2) المعلِّمُ هو الذي يغيِّر العادات:
 "إنّ تأثيركم كمعلّمين في العديد من الموارد هو أكثر من تأثير الوراثة. فالخصائص الوراثية هي التي تلازم الإنسان، ولكن بالتمرين والاعتياد الثانوي يمكن التغلّب عليها. يمكن للمعلّم أن يمنح تلامذته وطلّابه هذا التمرين على الاعتياد الثانوي. إنّكم تقدرون على إيجاد إنسان على الطراز الإسلامي بالمعنى الحقيقي للكلّمة".
3) المعلم هو الأساس، وهو الذي يطوِّع الكتاب، ويسخِّر الأساليب المتنوعة لتحقيق أهداف التَّربية:
 قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "إذا كان المعلّم عالـمًا متحرّقًا من أهل الفكر والابتكار فإنّه سيرمّم النقص في الكتاب لو وُجد. أما إذا كان المعلّم عاجزًا يائسًا فاقدًا للدافعية والمثابرة ويدرّس من أجل المصالح الضيقة حتى ولو كان الكتاب جيدًا فلا نعلم ماذا سيكون نصيب التلميذ منه. فالمعلّم مهمٌّ, والمحور هو المعلّم".
 بوسع المعلم أن يجعل من الحدث أو الطفل إنسانًا متدينًا تقيًّا ورعًا وطاهرًا، أو إنسانًا غير مبالٍ وغير آبهٍ للقيم الأخلاقية والتعاليم الدِّينية. بوسعه التغلب حتى على عوامل التَّربية الخارجية مثل وسائل الإعلام. بل إنَّ التعليم المستمر على مدى سنوات والعمل على هذه المادة الخام والقلب المستعد لتقبّل الأشكال المختلفة، يمكنه التفوق حتى على الدور التَّربوي للوالدين. هذا هو دور المعلم".
4) المعلِّمون هم صُنَّاعُ الإنسان:
 قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "المعلّمون هم صنّاع الإنسان، الإنسان السامي, الإنسان القدوة، الإنسان المتمتع بحظ من التَّربية والتعليم".
5) فحذار أن يتصدّى المعلمون الجهلة:
 قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "لا أمل إلَّا في التَّربية، فحذار أن يتصدّى لأمور التَّربية أناسٌ جهلة, غليظو الطباع, متعصّبون, معقّدون, غير مطّلعين على أصول التَّربية".
 ولا قيمة للمدرسة من دون المعلم التَّربوي الناجح. قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "إن لم يوجد التَّربوي في المدرسة, أو كان غير نشط, تكون نظرتنا إليه كنظرتنا إلى مدرسةٍ من غير معلّم".

ثالثًا: التَّربية والتَّزكية.
 تُبنى التَّربية على تزكية النَّفس، ولذا ركَّز الله تعإلى على دور التَّزكية. قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "لقد حدّد الأنبياء من أولهم وحتى خاتمهم النبي الأكرم(ص) هدف بعثتهم بأنَّه التَّزكية والتعليم, "وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ".
1) وقال: "تقع التَّزكية في الإسلام قبل العلم، فلولا التَّزكية والتَّربية الإنسانية سيتحول العلم إلى أداة للخبث والجريمة".
2) ثلاثة جوانب متكاملة للتَّربية هي: التَّربية العقلانية، والتَّربية الأخلاقية، والتَّربية القانونية:
 قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "هذه البعثة في واقع الأمر هي دعوة النَّاس لميدان التَّربية العقلانية والتَّربية الأخلاقية والتَّربية القانونية. هذه هي الأمور التي تحتاجها الحياة البشرية الهادئة والمتجهة نحو الكمال.
 التَّربية العقلانية بالدرجة الأولى. بمعنى استخراج قوى العقل الإنساني وتسويدها على أفكار الإنسان وأعماله، ورفع الإنسان لمشعل العقل البشري كي يمكنه بهذا المشعل تشخيص الطريق والسير فيه.
 التَّربية الثانية هي التَّربية الأخلاقية حيث يقول(ص): "بعثت لأُتمم مكارم الأخلاق". الأخلاق هي الهواء اللطيف الذي إن توفَّر في المجتمع البشري سيستطيع النَّاس أن يعيشوا حياة سليمة بتنفسه.
 ثم تأتي بعد ذلك التَّربية القانونية والانضباط القانوني".
3) يجب أن تبدأ التَّربية مع الأطفال, وتشكيل بُعدهم الرّوحيّ, لمساعدتهم على تكوين شخصيتهم قبل أن تشوِّشها التعاليم الفاسدة والتَّربية المنحرفة:
 قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "علينا أن نهتمّ بالدرجة الأولى في بناء وتشكيل البُعد الرّوحيّ لأطفالنا. فلو استطعنا أن نشكلّ الهويّة الإنسانية لهذا الطفل منذ نعومة أظافره، ونوجد فيه تلك الأخلاق، فإنّ ذلك سيكون على الدوام نافعًا جدًّا. هنالك عوارض (تعقيدات) تلقي بظلالها وتؤثّر على الأخلاق، إلَّا أنّه لو تمّ بناء وتشكيل شخصيّة الطفل منذ البداية، فإنّ تأثيرها سيتضاءل، وسيكون أيضًا للعوامل المساعدة دورها خلال ذلك".
4) المراحل الابتدائية هي الركيزة الأساس للتربية والتعليم:
 قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "إنّ إيمان النَّاس ومعتقداتهم معرّضة للاهتزاز والتذبذب، وينبغي صياغة هذا الأمر في قطاع التعليم والتَّربية, وأن تنصبَّ الجهود اعتبارًا من المراحل الابتدائيّة".
5) علينا أن نثق بالرصيد العظيم للإسلام، وأن لا نكون مسحوقين أمام الغرب:
 قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "لعلّه كثيرًا ما سمعتم منّي- أنا العبد - أنّني لا أعارض أبدًا اكتساب العلوم من الأجانب. لقد قلت مرارًا إنّه ليس من العار أن نتتلمذ على يد أحد ونتعلّم منه، لكنّ عارنا هو أن نتطلّع باستجداء وأملٍ وشعورٍ بالحقارة الذاتيّة إلى ما في أيدي الآخرين وفكرهم وأعمالهم. هذا هو الأمر السيئ الذي يجب اجتثاثه".


تبصرة
 محاضرة "رؤية الإمام الخامنئي(دام حفظه) لدور المعلم في التَّربية والتعليم" الواردة أعلاه, مستفادة من كتاب "الوَليُّ المُجدِّد" لسماحة نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم, الصادر عن دار المحجة البيضاء, الطبعة الأولى, 1435هـ - 2014م.
1. يمكن مراجعة المتن الأكثر تفصيلًا وتوضيحًا في الكتاب, الفصل الخامس, البحث 18, تحت عنوان "التَّربية والتعليم", من صفحة 405 إلى صفحة 428.
2. كما يمكن الاطلاع على "وثيقة التحول البنيوي للتربية والتعليم" التي أنجزتها الجمهورية الاسلامية وتسير على هديها من صفحة 149 إلى صفحة 156.
3. وكما يمكن الاستفادة من "السياسات العامة للخطة الخامسة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في جمهورية إيران الإسلامية" فقرة  الشؤون الثقافية صفحة 567.
4. أما مصادر كلمات وأقوال الإمام الخامنئي(دام حفظه) التي وردت في المحاضرة فهي مذكورة في هوامش الكتاب في أسفل الصفحات.