محاضرات

المحاضرة التي ألقاها في الليلة الثانية من ليالي عاشوراء 1429 في المجلس المركزي في مجمع سيد الشهداء (ع) تحت عنوان "الموقع القوي للمؤمن" 10/1/2008

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد(ص) وعلى آله الطيبين الطاهرين.

السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أصحاب الحسين وعلى أنصار الحسين وأهل بيت الحسين، السلام على ابن بنت رسول الله(ص) عليك مني سلام الله تعالى أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار، السلام عليكم أيها الحفل الكريم ورحمة الله وبركاته.

زاد الإمام الحسين(ع) لا ينضب أبداً،

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد(ص) وعلى آله الطيبين الطاهرين.

السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أصحاب الحسين وعلى أنصار الحسين وأهل بيت الحسين، السلام على ابن بنت رسول الله(ص) عليك مني سلام الله تعالى أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار، السلام عليكم أيها الحفل الكريم ورحمة الله وبركاته.

زاد الإمام الحسين(ع) لا ينضب أبداً، ومعينه مستمر في إعطائنا شحنات متعددة على المستويات كافة، فإذا أردنا الأصالة عدنا إلى الحسين، وإذا أردنا الإيمان بصدقه وعظمته تعرفنا على الحسين، وإذا أردنا أن نتعلم كيف نعطي لنرتقي في مراتب التقوى احتجنا إلى الحسين، وإذا أردنا أن نعمل ليكون سلوكنا سلوك الطهر والعفاف تابعنا بسيرة الإمام الحسين(ع)، كيف لا وهو الإمام المعصوم وهو ابن رسول الله(ص) وابن أمير المؤمنين(ع) وابن فاطمة الزهراء(ع) سيدة نساء العالمين. من خلال كلمات الإمام الحسين(ع) ومواقفه نستطيع استلهام الكثير من الدروس والعبر، اخترت اليوم كلمة الإمام الحسين(ع) في كربلاء وفي اليوم العاشر وهي جزءٌ من خطبته الثانية، قال(ع):" ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منّا الذلة "، وهذا هو الشعار الذي تبنيناه في هذا العام" هيهات منَّا الذلَّة"، ولعلَّ البعض يعتقد أنه تعبيرٌ عن موقف اللحظة في ساحة القتال، لكنه تعبيرٌ عن الموقف الأصيل المستمر من لحظة ولادته إلى لحظة شهادته عبَّر عنه في هذه اللحظة بهيهات منّا الذلَّة، هو منطق القوة ومنطق الحق وموقف صلابة الإسلام واستقامة دين الله جلَّ وعلا، ونحن بحاجة لنأخذ من هذا الشعار منهجاً وسلوكاً يثبت في عقولنا وقلوبنا وسلوكنا منهج القوة ، يعني أن نكون أقوياء، والله تعالى يريدنا أقوياء، أقوياء في كل شيء، لا بالمعنى الذي يفهمه البعض من القوة العسكرية فقط، يجب أن نكون أقوياء في إيماننا، وأقوياء في موقفنا، أقوياء في أخلاقنا، أقوياء في تقوانا، وأقوياء في مواجهة الأعداء، لأن علينا أن نكون أقوياء في كل المواقع من دون استثناء، لاحظوا معي ما قاله رب العالمين ليحيى ، قال:" يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً " أي بجد وفعالية وثقة واطمئنان، لأن الكتاب يمثل المنهج الحق، ولأنه يعطيك ما يسعد حياتك، ولأنك إذا عرضت الكتاب على الخلق أجمعين ما استطاع احد من الناس أن يقف أمام منطقك وأمام سلوكك وأمام القناعات التي حملها الكتاب، وهذا المنطق نتربى عليه على المستوى الإسلامي، ولعلَّ البعض من المراقبين ينظرون إلى المتدين أنه إذا بكى في صلاته فهو ضعيف، وإذا خشع أثناء صيامه وذبُل فهو ضعيف،نسوا أن الصلاة تربطه بالعلي القدير، وتجعل له الصلة بالخالق الأعظم، وتعطيه قوة تضرب في الساحات وفي لحظات الحاجة إلى قوة المؤمن، في موقفه أو جهاد أو سلوكه أو عطاءاته، وقال تعالى:"وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ" ، وقال تعالى أيضاً:"وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "، فالمنهج الإسلامي يركز بشكل مباشر على أن نكون أقوياء في كل رؤيتنا وفي كل موقعنا، ولماذا لا نكون أقوياء؟ أوليس إلهنا هو الله تعالى القوة العظمى التي تعطي القوة للعالم، أوليس إسلامنا الدين الكامل الذي يمتلئ من قوة الإقناع وقوة المنطق ما يقف أمام كل الأحابيل وكل الإدعاءات الفكرية والثقافية التي يدَّعيها الكثيرون تاريخياً وحاضراً ومستقبلاً أيضاً، إذاً نحن أقوياء بهذا الإيمان، وأقوياء بارتباطنا بديننا وعقيدتنا وشريعتنا المقدسة بنبينا وأئمتنا (عم).

هذا يدفعنا إلى كيفية بناء حياتنا ومواقفنا في آنٍ معاً، لا يتصور أحد أن المطلوب هو مقاربة الدين بطريقة ضعيفة وباهتة، وكأن الإنسان يريد أن ينجو خفيفاً بعطاء قليل، لا فالمطلوب أن يكون المؤمن في الموقع القوي، إذا وقف للنقاش كان الأقوى، وإذا وقف في ساحة الجهاد كان الأقوى، وهنا القوة الداخلية هي مهمة قوة العقل والقلب والإيمان، ثم تأتي القوة المادية لتشكل عامل مساعداً، إذ لولا هذه القوة التي تعطي الإرادة لا يمكن أن نصل إلى الموقع الحقيقي والقوي الذي يريدنا عليه الإسلام.

وهنا فوجئ القوم بمقاومتنا من خلال المجاهدين والمجاهدات، لأنهم اعتبروا أن الإيمان الذي نحمله يقعدنا في المساجد وفي الخلوات ويبعدنا عن مسرح الحياة، لكنهم لم يفهموا هذا الدين جيداً، لم يفهموا أن سجودنا هو القوة في المعركة، وأن ركوعنا هو مضاء السيف في المواجهة، وأن تكبيرنا لله تعالى هو أخذ المدد من الله تعالى لنكون أقوياء، ألم يقل تعالى في كتابه العزيز:" وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ "، لماذا نكون الأعلى؟ ولماذا نكون الأفضل؟ لأننا ارتبطنا بقوة الإيمان وعزيمة الشهادة، والتصميم على أن نكون في الموقع الذي يعطينا مجالاً لرفع راية الحق ومواجهة الظلم مهما كان الظلم منتشراً ومهما كان الحق ضعيفاً.

إذاً نحن اليوم نتعرف على الإمام الحسين(ع)، فنجد القوة في موقفه في المدينة في مواجهة والي المدينة، ونجد القوة في وصيته إلى محمد ابن الحنفيه، ونجد القوة في تصميمه الاستمرار إلى كربلاء وهو العالم بالمصير،"شاء الله أن يراني قتيلاً وأن يرى النساء سبايا"، ونجد القوة على أرض كربلاء عندما يحاججهم ويحاورهم ويبيِّن لهم الحقائق، ثم يقف مع الثلة المؤمنة الطاهرة ليقاتل من أجل رفع راية الإسلام خفاقة عالية، علينا أن نبني قوتنا بكل شيء، والمؤمن قوي ولا يستغربنَّ أحد أن يكون قوياً، بل إذا كان المؤمن ضعيفاً يجب أن نتساءل، وطبعاً ليس المقصود الضعف الجسدي الطبيعي، ولا أتحدث عن قلة الإمكانات الطبيعية، أتحدث عن قوة الإيمان وقوة الموقف، وقوة الاستعداد للشهادة، وقوة مقارعة الظالمين، هذا ما أثبته شباب المقاومة عندما واجهوا إسرائيل، ومن خلال إسرائيل واجهوا العالم المستكبر المنحاز، عندما وقفوا في أرض المعركة والأصوات تناديهم من كل مكان: أنكم قلَّة وضعفاء، وليس عندكم الإمكانيات الكافية، وإسرائيل متكبرة متجبرة، تقصف وتقتل ، وأن سلاحها هو الأمضى والأقوى والأقسى، وإذ بهم يخضعون لله تعالى ولا يخضعون لإسرائيل، ويمدون حبلاً من الإيمان بين قلوبهم وطهارتهم مع الله تعالى فيدحرون إسرائيل ويخرجونها من أرضنا ذليلة بإذن الله تعالى. هذه نتيجة القوة في الإيمان، وهذه نتيجة الموقف المتكامل الذي دعانا الإسلام إليه، على المؤمن أن يكون قوياً في كل موقع من مواقع.

تُرى لماذا يجب أن يكون المؤمن قوياً؟ لأنَّه يستمد قوته من الله تعالى، والبعض يستغرب عندما نقول بأننا أقوياء بالله تعالى ، وأن النصر الذي حصل هو نصرٌ إلهي، وأن العزة التي نعيشها ببركة الله وتوفيقه وتسديده، لأنهم لا يشعرون بما يشعر به المجاهدون، ولأنهم لا يعرفون حلاوة الإيمان عند المؤمنين، ولأنهم لا يفهمون معنى أن يخاطب المؤمن ربه وأن يتصل به، وأن يسمع النداء في حياته من خلال سلوكه بأن يشعر بعطاء الله ونعمه وتوفيقه جلَّ وعلا بأساليب مختلفة، قال تعالى:" أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعاً "، من أراد أن يكون قوياً عليه أن يأخذ القوة من الله تعالى، ولا توجد قوة مع غير الله تعالى، أمير المؤمنين علي(ع) يقول:" وكل قويٍ غيره ضعيف"، فمهما كانت قوة الإنسان والاستكبار فهم ضعفاء أمام قوة الله تعالى، نحن نقول في الصلاة "الله أكبر" نحن لا نقولها مجرد كلمات، نحن نقولها لأن الله أكبر من كل شيء وأعظم من كل شيء وأقوى من كل شيء، ولأننا عندما نكبر الله تعالى نكبُر بتكبيرنا ، ونستمد قوة من قوته، وتصبح لنا العزيمة الحقيقية للخوض في الحياة، رُويَ عن الإمام علي بن الحسين(ع) زين العابدين : أن الإمام الحسين رفع يديه للدعاء في كربلاء وقال: اللهم أنت ثقتي في كل كرب ، ورجائي في كل شدة، إلى أن قال : فأنت وليُّ كل نعمة، وصاحب كل حسنة ، ومنتهى كل رغبة"، كل مصادر النعم والعطاءات من الله تعالى، كيف لا يلجأ إليه ، وكيف لا يتقوى به، ما دام يشعر في هذه اللحظة المصيرية أن النعم والقوة والتوفيق والتسديد من الله تعالى، إذاً عاش قوياً واستشهد قوياً ، وترك لنا الآثار التي تقوينا وتقوي عزائمنا باسم الله وفي سبيل الله.

هذا سر قوتنا أننا نستمد القوة من الله تعالى، فإذا فكر البعض منّا أن يستمد قوته من الأجانب والمستكبرين، وأن يصرف النظر عن القوة المعنوية الإلهية لمصلحة القوة المادية فسيخسر خسارة عظيمة، بينما إذا استمر باعتبار الله تعالى مصدر القوة فهذا يعني أنه سيكون فائزاً منتصراً بإذن الله تعالى.

هذه المرأة التي كانت مهجَّرة أثناء العدوان الإسرائيلي الغاشم، وكانت في حالة صعبة، من دون بيت، ومن دون إيواءٍ سليم، وهي تفتقر إلى الزوج والابن والأخ ولا تعرف عنهم شيئاً، يأتيها المراسل ليستصرحها ظناً منه أنها ستتحدث بألم، وإذ بها كانت تقف لتقول: فداءً للإسلام، وفداءً للمقاومة ، وفداءً لقائد المقاومة ، وفداءً للحق وللجهاد، وأنها مستعدة لتقديم الأكثر وأن ما تعانيه قليلٌ جداً ، هي لا تشعر بمعاناتها لأنها تأخذ مدداً من الله تعالى، ومن كان مدده من الله لا يمكن إلاَّ أن يكون قوياً في المواجهة.

سمعت من بعض المعترضين على منطق النسوة في الحرب، وبعض المعترضات خلال بعض المقابلات التلفزيونية كنَّ يعترضن َ لهذه العقلية التي تحملها المرأة المجاهدة، لكن بعد أن انتقدت ما أسمته ثقافة الموت قالت في نهاية كلمتها: لكن بكل صراحة أنا لا أستطيع أن أكون مثلها ، ولا أعلم كيف تصل إلى هذا المستوى، فأقول لها ولأمثالها: من الطبيعي أن لا تعرفنَ ذلك، لأن المرأة المجاهدة عندنا شربت حب الله ، وتعلقت بالنبي والأئمة(عم)، وتعرفت على الحسين وزينب(ع)، ورأت ما حصل في كربلاء ، وتعبأت لتكون قوية ، فهي عند المواجهة تتذكر هذه العطاءات فترى عطاءها قليل وهي تريد أن تنافس من أجل أن تصل إلى الموقع الأعلى، هذه المرأة المجاهدة ذاقت طعم العلاقة مع الله ومع النبي والأئمة(ع) ، فوصلت إلى مستوىً عالٍ جداً لا يمكن لأي كان أن يتعرف عليه إلاَّ إذا دخل في هذا الميدان وتعرف على الحسين(ع) وآل بيت الحسين(ع).

عندما ذهب الرسول(ص) إلى الطائف وواجهه القوم بالحجارة وبالطرد، هم لا يريدون الاستماع للنبي(ص) لأنهم يخافون إن تحدث أن يتأثروا، يركن في جانب (زاوية) ويقول العبارة التي دوِّنت في التاريخ:" إن لم يكن بك عليَّ غضبٌ فلا أبالي، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم". علي الأكبر يسأل والده الإمام الحسين(ع): أولسنا على الحق؟ قال : بلى. قال: إذاً لا نبالي أن نموت محقّين. فالعبرة ما الذي يحمله الإنسان؟ وما الذي يدافع عنه؟ وما الذي يؤمن به؟ وهكذا نرى أن هذا الارتباط بالله تعالى يعطي قوة عظيمة.

عندما يُثبت مجموعة من المجاهدين والمجاهدات أنهم قادرون على هزيمة إسرائيل المدعومة من العالم بحربٍ عالمية باسم إسرائيل بسبب علاقتهم بالله تعالى، وهذا الإيمان الراسخ الذي قوّى إرادتهم، هذا يعني أنهم كما لم يُهزموا في تموز فلن يُهزموا أبداً مهما طال الزمن، ولو تكالبت الدنيا كلها عليهم.

ما هي صفات الأقوى، لأننا سنحمل هذه الصفات ، فالمقارنة اليوم هي القوة، لذا يجب أن تكون واضحة، "روى الإمام الصادق(ع) أن رسول الله(ص) مرَّ بقومٍ يرفعون حجراً (تنافسٌ فيما بينهم)، فقال(ص) ما هذا؟ قالوا: نعرف بذلك أشدنا وأقوانا، فقال(ص): ألا أخبركم بأشدكم وأقواكم؟ قال: بلى يا رسول الله. قال(ص): أشدكم وأقواكم الذي إذا رضيَ لم يُدخله رضاه في إثمٍ ولا باطل، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحقن وإذا قدِرَ لم يتعاطَ ما ليس بحق، هذا هو الأقوى"، وهذا هو الذي يجب نتربى على منهجه وعلى صفاته.

إذاً القوة بالمضمون، القوة بالعلو، أمير المؤمنين علي(ع) عندما يتحدث عن المتقين، يقول : "فمن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين وعزماً في لين وإيماناً في يقين ..."إلى آخر الصفات، لاحظوا أول صفة أنك ترى له قوة في دين، كيف يكون قوياً في دينه، يعني أن يطبق هذا الدين على حياته، يستمع إلى الأوامر الإلهية، الإسلام يقول له هذا حلال فيتوكل على الله ويقول له هذا حرام فيمتنع، لا يسأل عن رغبات نفسه ولا يذلها من أجل معصية تدخله إلى جهنم، هو قوي في دينه يعرف أحكام الله تعالى ويدافع عنها، يتربى على الجهاد، ويجاهد في سبيل الله، وهي تلبس حجابها وتدافع عن موقفها، وتعلم أنها ترفع راية الطهر غير آبهة بما يدعونها إليه من جمال ومنافسة مع الآخرين، فهي تريد منافسة توصلها لأن تكون مع السيدة زينب(ع) والسيدة الزهراء(ع) .

فإذا كنت قوياً في دينك لا يهزك شيء، والبعض يستغرب: ألا يتألم ويتوجع هؤلاء المؤمنون ؟ نعم نتألم ونتوجع ولكن نحتسب ألمنا وأوجاعنا عند الله تعالى، فعندما نتوجع نقول: الحمد لله أن هذا هو الوجع وليس أكثر، عندما نصاب بمصيبة نقول الحمد لله الذي صبَّرنا على المصيبة ولم يبتلنا بمصيبة أكبر منها، فكل شيء نحوله إلى موضوع إيجابي، إذا ضيَّقوا علينا اعتبرنا أنه امتحان واختبار إلهي، وإذا ربحنا في المعركة سجلناه انتصاراً إلهياً، وإذا سقط منّا الشهداء ارتفعوا إلى الرفيق الأعلى في جنة الخلد، وإذا ضاقت بنا السبُل تعدد التوكل في قلوبنا على الله تعالى، ولكن في كل الأحوال لا نتنازل ولا نعطي ولا نتخلى لأننا نريد الحق والاستقامة في درب الإسلام العزيز.

عندما كتب الإمام الحسين(ع) الوصية لأخيه محمد ابن الحنفيه في آخر الوصية هناك كلمتان نحن لا نلتفت إليهم كثيراً ، قال:"فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردَّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين" ، هو يخاطب الناس ويقول لهم أنا أعمل للحق فمن قبلني فهو مقبول عند الله عزَّ وجل، فإذا قبل الحق يعني أنه قبل السير مع الله تعالى، وإذا رفض الحق عليه أن يتهيأ للحساب العسير في يوم القيامة، فما هي هذه القوة الموجودة عند الإمام الحسين(ع)! هذا هو التعليم ، وهذا هو التوجيه، الذي يربينا تربية عظيمة.

السيدة زينب(ع) تقف في مجلس يزيد الطاغية وهي امرأة مفجوعة بأخوتها وأقاربها عدا ما حصل في كربلاء من قطع الرؤوس والسبي وما شابه، تقف في مجلس يزيد بكل جرأة وتقول له: " فإلى الله المتشكى، وعليه المعوَّل ، فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، وهل رأيك إلاَّ فند، وأيامك إلاَّ عدد، وجمعك إلاَّ بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين"، هذا موقف لامرأة بمستوى السيدة زينب (ع) في لحظة صعبة وحرجة ومعقدة، تقف أمام الخليفة الظالم وتحيله إلى الله تعالى بكل جرأة أنك خاسرٌ لم تربح، فهو أسر الأجساد ولكن هل يستطيع أن يأسر القلوب التي ارتبطت بالله تعالى! هو ينكل بهذه الأجساد، ولكن هل يستطيع أن يصل إلى ما حملته من طهرٍ وإيمان لتثبيت الحق! علينا أن نبني صفات الأقوى في قلوبنا، لا يوجد عندنا مؤمن ضعيف نسعى إليه، لا فكل مؤمن يجب أن يكون قوياً، قوياً بمعنى قوة الإيمان بالله تعالى.

يقول أمير المؤمنين علي(ع):"أصل قوة القلب التوكل على الله تعالى"، فعندما يتوكل الإنسان على الله تعالى ويجعل كل علاقته بالله تعالى، عندها يستطيع أن يصل ويستطيع أن يكون الأقوى، لاحظوا دعاء مكارم الأخلاق للإمام زين العابدين(ع) حيث يطلب من الله تعالى طلبات معينة، يقول:"اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعل لي يداً على من ظلمني(اجعلني قوي الجسد والقدرة والبنية والتسلح وكل ما يرافق قوة اليد لأقف بوجه الظلم)، ولساناً على من خاصمني(حتى أتمكن من محاورته بقوة، وأن يكون معي المنطق)، وظفراً بمن عاندني(اجعلني افوز على المعاند لأنه يعاند من غير مبرر وأدلة)، وهب لي مكراً على من كايدني(لأعرف كيف أمكر به لأستطيع النجاح في مواجهته)، وقدرة على من اضطهدني(لمواجهة هذا الاضطهاد)". كل الطلبات التي طلبها الإمام زين العابدين(ع) هي طلبات قوة للمؤمن، فالمؤمن يجب أن يكون قوياً في كل جوانب إيمانه وحياته حتى يتمكن من التصدي بشكل مباشر وفعَّال.

نصل إلى مجاهدة الأعداء ، وهذه أيضاً مطلوبٌ فيها أن نكون أقوياء، وقد أمرنا الله تعالى في القرآن الكريم أن نكون أقوياء فقال:" وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ "، لاحظوا ما هي الطلبات: وأعدوا لهم ما استطعتم، ولم يقل وأعدوا لهم كما أعدوا ، ولم يقل أعدوا لهم بما يشابه قوتهم، لأن الله تعالى يقدّر ويعرف أن الاستطاعة محدودة عندنا، لكن في إطار الاستطاعة ، واعدوا لهم من قوة في الإعلام ، وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة في الفكر والمنطق السياسي، وأعدوا لهم ما استطعتم في سلاح الهندسة والتقنيات والتقدم وفهم الأمور المعاصرة، وأعدوا لهم ما استطعتم في كل المجالات التي تستطيعون الوصول فيها إلى أعلى قوة ممكنة بحسب استطاعتكم، فإذا فعلتم ذلك " تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ "، وليس في المقارنة بالإمكانات، لأن إمكاناتكم مرتبطة بالإيمان وهذا يعطيكم قوة إضافية،" إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ "، فالواحد يصبح بعشرة، لأنه تدرب تدريباً إضافياً وإنما هذا الجسد التي تدرب على المواجهة أخذ شحنة إيمانية أصبحت قيمته بعشرة، هذا سرٌ لن يصلوا إليه لأنهم لا يملكون الإيمان، فلماذا يستغربون كيف انتصر المجاهدون عليهم، وليس الواحد بعشرة فقط وإنما في بعض الحالات الله أعلم قد تكون قيمة الواحد بمئة والله هو الذي يمدّ ويعطي حتى يكون هؤلاء بمقدارٍ يتمكنون معه من الانتصار في المعركة، إذاً عند الإعداد لمواجهة العدو يجب أن نعد العدة والقوة في كل المجالات وليس في مجالٍ محدد.

ليكن معلوماً لديكم أن عدوان تموز على لبنان كان يريد توجيه رسالة قوية تقضي على وجود المقاومة وروح المقاومة، وروح المقاومة هي الأهم، لأنه إذا تمَّ القضاء على هذه القوة في داخل القلب لن تقوم لأحدٍ قيامة في هذه المنطقة، ولكن الحمد لله لم يستطيعوا القضاء لا على الوجود المادي للمقاومة ولا على المعنوي لها، بل رُبح الوجود المادي بتأييد وتسديدٍ من الله فكان نصراً إلهياً وتقوَّى الوجود المعنوي فأصبحت إرادة المواجهة أقوى بكثير عندنا وعند غيرنا ممن يتعلمون من هذه التجربة الإسلامية الرائدة العظيمة.

كانوا يريدون لبنان معبراً لسياسات أمريكا وإسرائيل، ويريدون لإسرائيل أن ترتاح من المقاومة في المنطقة لتمد يدها على كل البلدان العربية، ولولا النصر الذي حصل في تموز لدخلت المنطقة في النفق المظلم، وعاشت مرارات كثيرة جداً، ولكن الحمد لله بهذا النصر استطعنا أن نشق طريقاً، وأعتقد أن التاريخ سيسجل ما قبل حرب تموز وما بعد حرب تموز، فسيكتشفون أن ما بعد حرب تموز هناك خيرات كثيرة للخط الإسلامي المقاوم الأصيل، الذي أسَّس لأول نصرٍ على إسرائيل منذ ستين سنة، إضافة إلى أنه أسَّس بنية نعتقد أنها ستكون صالحة إن شاء الله لتشكل مساراً إلى الإمام المهدي(عج).

نحن رأينا بالعين كيف استطاعت هذه الثلة المؤمنة أن تحقِّق الإنجازات، وهذا لا يحتاج إلى شرح، وهل يمكن أن يتحقق هذا من دون الإيمان! ومن دون هذه التعبئة! دلوني على نموذج للشباب في كل العالم اليوم يشابه الشباب الموجود عند أبناء المقاومة، دلوني على نماذج نسائية تشابه النماذج الموجودة عندنا اليوم من أخواتنا وبناتنا وأمهاتنا، ولا أبالغ إذا قلت أنه غير موجود، ويمكن أن تجد نماذج أقل قليلاً ، ونماذج يمكن أن تصل في المستقبل ، وإن شاء الله الأمة كلها تستطيع أن ترتقي لتصبح كلها بهذا المستوى، هذه آمال نريدها أن تتحقق، وسنعمل لها بحسب إمكاناتنا وطاقاتنا في إعطاء هذا النموذج المعنوي والأخلاق والمادي والجهادي من خلال التجربة، وعلى العالم أن يستفيد من هذه التجربة لأنها ليست خفيه على أحد.

السلام عليك يا أبا عبد الله ، السلام عليك يا ابن رسول الله، وابن أمير المؤمنين وابن فاطمة الزهراء(ع) ،، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.