محاضرات

الكلمة التي ألقاها في المعهد الفني الإسلامي بمناسبة ذكرى أسبوع لشهيد الوعد الصادق الشهيد المجاهد محمد عسيلي 21/10/2007 تحت عنوان "الشهادة طريق حياة".

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعز المرسلين مولانا محمد(ص) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه الأخيار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والصالحين إلى قيام يوم الدين.

السلام عليكم أيها الحفل الكريم ورحمة الله وبركاته، نُأبِّنك أيها الشهيد لنحيا، لأن موتك بداية الحياة الحقيقية، هو موت للجسد، ولكنه حياة للعقل والروح،

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعز المرسلين مولانا محمد(ص) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه الأخيار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والصالحين إلى قيام يوم الدين.

السلام عليكم أيها الحفل الكريم ورحمة الله وبركاته، نُأبِّنك أيها الشهيد لنحيا، لأن موتك بداية الحياة الحقيقية، هو موت للجسد، ولكنه حياة للعقل والروح، انتظرناك يا محمد فأتيتنا زاهياً عظيماً مقاتلاً شجاعاً، حقَّقت مع إخوانك المجاهدين نصراً مؤزراً لا يمكن إلاَّ أن يترك بصماته في حياة الأمة لفترات طويلة من الزمن، عندما استقبلنا الشهيد شعرنا مجدداً أن الحياة دبَّت فينا، يخطئ من يظن أننا ننقل رجلاً عظيماً إلى مقبرة تحت الأرض، إنما ننقل جثماناً يشع نوراً ويبقى هذا النور في الأجيال ، ونحن نستمد منه ومن عطاءاته ومن عطاءات الشهداء. كيف أتكلم عن هؤلاء المجاهدين الذين أذهلوا العالم في عدوان تموز، كيف أتكلم عن هؤلاء الشهداء الذين سطرَّوا ملاحم البطولة والفداء، كيف أتكلم عمَّن أعطى دمه وقدَّم في سبيل الله تعالى فتجاوز الكلمات، وأثبت حضوره في القلوب والعقول وبين الناس وبين الأمم، كيف أتكلم عن هؤلاء الذين لم يخافوا أحداً إلاَّ الله فسجدوا لله فارتفعت هاماتهم وأسقطوا إسرائيل باسم الله وفي سبيل الله تعالى، هؤلاء الشهداء هم شعلة الحياة ومركز الفخر والعز.

نحن نعلم أنَّ بعض من راقب ما جرى في عدوان تموز، قد تألم وبكى وشكى من النصر لأنه لم يعتد عليه وإنما اعتاد الهزيمة، لكننا نؤمن أن نوركم بدَّد ظلماتهم جميعاً فأنتم النور المستمر، وإن شاء الله تعالى يستمر هذا النور في حياة أمتنا.

هذه الشهادة التي قدَّّمها مجاهدو المقاومة الإسلامية وكل الشرفاء في هذا الوطن هي شهادة تغيير المعادلات، هي شهادة إبقاء العزة للوطن، هي شهادة الاستقلال والحياة. في مقابل شهادات الموت والوصاية والمذلة والانحراف، شهادتكم أيها المقاومون هي عطاء من نوع خاص، أثبتم في الميدان أنكم الرجال الرجال، لا تخيفكم دباباتهم ولا طائراتهم ولا دعمهم الدولي، أنتم الذين تخيفون الأعداء بصرخاتكم ودعائكم وبسجودكم وببنادقكم، أيها المقاومون سنعلنها أمام الملأ: لنا الفخر أننا نتعلم منكم، أنتم الأساتذة ونحن التلامذة، أنتم النور ونحن الطريق إليكم، أنتم العز ولنا الفخر أن نكون معكم أيها الأعزاء، هذا هو منهجنا ، وهذا هو عطاء المقاومين، كل واحد منهم له قصة، سمعتم بعضها وستسمعون الكثير الكثير، كل لحظة من حياة الواحد منهم هي عطاءات تربِّي، وعطاءات تُشعر بالإنسانية، وعطاءات تبني للمستقبل، هذه الشهادة سماها الله تعالى في القرآن الكريم"قتلاً في سبيل الله تعالى"، ولذلك في القرآن كلمة شهادة استخدمت إجمالاً فيمن يشهد على الناس وعلى الآخرين، بمعنى أن يذكر الحادثة وأن يدل عليها وأن يتكلم بما يعرفه عن الحقائق، أمَّا القتل في سبيل الله تعالى فهو الذي تحدثت عنه روايات كثيرة بأنه شهادة في سبيل الله تعالى ولكن في القرآن الشهادة بشكل عام هي أن يشهد الإنسان على فعل وعلى جماعة وعلى عمل، ولذا عندما تحدث القرآن الكريم عن القتل في سبيل الله تعالى، قال:" الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ "، فهم مجاهدون في سبيل الله، وهم أيضاً مقاتلون في سبيل الله" فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً "، لأن القتال في سبيل الله قد يؤدي إلى الموت وقد يؤدي إلى الغلبة والنصر، وفي الحالتين هو غلبة، فاستخدم الله تعالى تعبير القتل في سبيل الله والجهاد في سبيل الله لمن يقاتل ويُقتل في سبيل الله في المعركة، أمَّا الشهادة فهي شهادة في يوم القيامة على أعمال البشر، ولذا قال تعالى عن الشهادة " وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ"، أي يوم القيامة سيشهد الرسول بأنه بلَّغ ، وسيقول أن فلاناً وصلته الرسالة، والأمة وصلتها الرسالة، وكذلك المؤمنون المجاهدون والمؤمنات المجاهدات يشهدون في يوم القيامة عن أولئك الذين قاموا بأعمال مختلفة، لأنه في يوم القيامة يتحجج الكافر أنه لم تصله الرسالة، فيعتذر بالأعذار المختلفة فيأتي الشاهد ليشهد من المؤمنين، ويقول تعالى:" إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاء وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ "، من أجل أن يشهدوا ، ما معنى الشهادة القرآنية؟ الشهادة القرآنية أن تكون المقياس لتعطي الشهادة لمن يستحق الدخول إلى النار أو إلى الجنة ، وهنا المقتولون في سبيل الله تعالى هم ارقى الشهادة الذين يتخذهم الله تعالى، لأنهم يشهدون بالدليل وبالعطاء وبالدم وبالحضور في الساحات، ولذا هم الأرقى والأعلى بين الشهداء جميعاً .

من هنا سواءً قلنا بأن الشهيد هو من قتل في سبيل الله، أو الشهيد هو من يشهد على الناس في يوم القيامة، فإن المعنى ينطبق على المقتولين في سبيل الله تعالى، لكن ما يجهله الكثيرون أن المقتول في سبيل الله لم يقتل ويمضي لحال سبيله، بل قُتل ليحيا من أجل أن يشهد ويبقى حاضراً في حياة الأمة ومستقبلها ليفرز بينهم ويعطي الشهادات لهؤلاء الذين أحسنوا في مقابل الذين أساؤا عندما تطلب الشهادة منه في كلام ومواقف خاضها البعض عند الحساب في يوم القيامة.

إذاً هؤلاء الشهداء الذين يشهدون على الأمة وعلى الناس هم في الموقع الأعلى، ولذا فإنَّ المقاومة ليست مجرد عمل عسكري يقاتل أعداء الله تعالى، المقاومة شهادة في مواجهة أولئك الذين يقصُون أنفسهم عنها، المقاومة هي عبارة عن موقف لا بدَّ أن يُسأل الناس عنه، ولذا اليوم من الخطأ أن نسأل عن المقاومة وعن مصيرها، يجب أن نسأل عن أولئك الذين لا يقاومون ولا يقاتلون ولا يواجهون الأعداء، فبدل أن يُسأل أولئك الذين يتذمرون عن مستقبل المقاومة علينا أن نسألهم من موقع المقاومة عن مستقبلهم بعيداً عن الكرامة والوطنية والسيادة ومواجهة إسرائيل في مقابل أولئك الذين أعطوا في سبيل الله تعالى، من هنا مقاومتنا استطاعت أن تسجل نصراً مؤزراً عظيماً بدعم الشعب اللبناني والجيش اللبناني وكل الشرفاء، وأين هم هذه المقاومة قلبت المعادلة، وأعطت صورة ناصعة عن لبنان، ولو كان لعدوان تموز أن ينجح لتغيِّر وجه لبنان وأصبح في مهب الرياح الإسرائيلية، لكن بحمد الله تعالى فاز المقاومون وانتصروا على إسرائيل وبالتالي أحدثوا لنا مساراً مميزاً لا يمكن لأحدٍ أن يغيره بسهولة ، ولا يمكن لأحدٍ أن يحرف مساره. هذا النصر الذي حصل في تموز هو نصرٌ \ثابت في الأرض وفي السماء، هذا النصر سيؤسس للمستقبل البعيد وليس للمستقبل القريب فقط، هذا النصر في تموز ثابت خالدٌ مؤثرٌ ونحن معه ندعمه مع كل الشرفاء ليبقى شعلة الحرية في لبنان، التي لن يستطيع أحدٌ أن يطفئها مهما حاولوا ومهما عملوا، وليجربوا حظهم بالطريقة التي يرونها مناسبة، سيجدون الشرفاء المقاومين ثابتين في الموقع وفي الميدان ليدافعوا عن الوطن وعن العزة وعن الكرامة، لقد ولى الزمن الذي نستجدي فيه الاستقلال من الآخرين، وأصبحنا في الزمن الذي نصنع فيه استقلالنا كي لا يكون هناك جميل لأحدٍ علينا، عندها نقول ما نريد ونرفض ما نريد ونصنع استقلالنا وكرامتنا بأيدينا بعيداً عن تأثير الآخرين. هذا هو الموقف وهذا هو الاتجاه، هذا النصر الذي حصل في تموز قلب المعادلة وحقَّق ثلاثة أمورٍ أساسية مباشرة:

الأمر الأول: كشف وهم القوة الإسرائيلية، بإسقاطها.

الأمر الثاني: أربك الساسة الأمريكيين ، وعطَّل مشروع الشرق الأوسط الجديد من بوابة لبنان.

الأمر الثالث: عطَّل طموحات المستأثرين بوطنهم لحساب مصالحهم من اللبنانيين وجعلهم يعيشون حالة من التوتر والإرباك لفشل المشروع الذي ارتبط بأمريكا وإسرائيل بأشكال مختلفة.

من هنا لم يكن النصر عادياً، وبالتالي لن تكون نتائجه عادية، إذا رأيتم هذا الهجوم الكاسح على المستوى الدولي وعلى مستوى الأذناب الدوليين فهذا أمر طبيعي لأن النصر عظيم، هل رأيتم أحداً يعترض على شخصٍ أو على جهة لم تحقق مكسباً! عادة المواجهة عندما تكون مع العظماء، وكلما عظموا كلما كانت المواجهة كبيرة، ولذلك كلما رأيتم هذا التكاتف الدولي والإقليمي والمحلي بنسب مختلفة على المقاومة وعلى المقاومين فاعلموا أنكم بخير لأن هاماتكم عالية جداً، ولأنها عالية يحتاجون إلى السلالم وإلى الحبال ولكن نقول لهم: سلالمكم قصيرة وحبالكم لا تطال فرؤوس المقاومين أعلى وشعب المقاومة أرفع إن شاء الله تعالى.

هذا الانتصار جعل لبنان عصياً على الوصاية الأمريكية، وما ترونه من محاولات أمريكية يومياً لا تتوقف بالتصريح والفعل في مواجهة استقلال لبنان إنما هو ناجم عن عدم قدرة أمريكا على هضم الهزيمة، ونقول لأمريكا أن هذه الهزيمة مستمرة ، وإذا خرجتم الآن من استمراركم توفرون عليكم هزائم إضافية، لأنه من الآن نقول لكم: الهزائم معنا ستستمر لأننا مصممون وليس لدينا نقاش باستقلال لبنان وعزته ومقاومة، ففتشوا عن هذه النقاشات في أماكن أخرى، ولذا كلما حاولتم كلما وقعتم في الأوحال أكثر، ونقول لمن ربط مصيره بالوصاية الأمريكية ربطتم مصيركم بالفاشلين والمنهزمين، تعالوا إلى وطنكم وإلى شعبكم عندها يمكنك أن تنجحوا وأن يمكن أن تنتصروا.