محاضرات

عاشوراء والتغيير / المحاضرة الكاملة التي ألقاها في الليلة العاشرة من ليالي عاشوراء 1435هـ في قاعة الجنان في 13/11/2013

عاشوراء والتغيير / المحاضرة الكاملة التي ألقاها في الليلة العاشرة من ليالي عاشوراء 1435هـ في قاعة الجنان في 13/11/2013
عاشوراء والتغيير

عاشوراء والتغيير 



 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعز المرسلين حبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد(ص) وعلى أهال بيته الطيبين الطاهرين.
 السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا ابن رسول الله، وابن أمير المؤمنين وابن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، السلام عليك وعلى الأرواح التي حلت بفنائك، عليكم مني سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم.
 السلام عليكم أيها الحفل الكريم ورحمة الله وبركاته.
 موضوعنا: عاشوراء والتغيير، لعلنا نعيش فكرة التغيير بسبب ما تراكم من تحليلات خلال مئات السنين السابقة حول عاشوراء، لكن في البحث نجد بعض الخفايا التي تبرز من خلاله عظمة عاشوراء، فتضيء لنا المزيد من الطريق فتعرفنا على هذه الحقيقة العظيمة التي هي الحسين(ع) والتي تمد أداءنا بعطاءات جديدة وبحيوية دائمة تستمر ما استمرت الحياة على هذه الأرض إلى ظهور صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء).
 هذا التغيير الذي أحدثته عاشوراء له آثار علينا، وقد انعكس بشكل مباشر على الأمة الإسلامية وعلى العالم، لأن حضور الحسين(ع) هو حضور الرسالة، والرسالة ليست للمسلمين فقط " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"، بل لإحداث التغيير في الأمة وفي العالم وفي كل البقاع.
 قد نحتاج إلى بعض التدقيق من أجل أن نتلمس آثار هذا التغيير في الأمم المتحدة، ولكن في الواقع لا يمكن لرسالة السماء إلاَّ أن تنتشر بأساليب مختلفة وأحياناً ببعض أجزائها في كل الأمم كما هي الفضائل التي انتشرت ولم يكن لها مصدر إلاَّ رسالات السماء.
 هذا التغيير سأتناوله ببعدين:
 البعد الأول هو التغيير البنيوي الفكري العقائدي، الذي صوب معالم أفكار الإنسان، ليعيدنا إلى الأصالة وليعيدنا إلى رسالة محمد(ص) بنقائه ودقتها واستقامتها وكمالها. والبعد الثاني هو البعد البنيوي العملي، الذي يرتبط بانعكاس التغيير على أرض الواقع من خلال ثمار عملية مباشرة.
 البعد الأول: التغيير البنيوي الفكري: سأتناول في هذا البحث مجموعة من النقاط التي اعتبرها تغييراً حقيقياً مؤثراً. لم يكن هذا التغيير ليحصل لولا الإمام الحسين(ع)، ولما تمتعنا بعظمة هذه الاستقامة في زماننا لولا الإمام الحسين(ع)، ولذا اعتبرناه تغييراً لأنه أحدث تعديلاً في بنية الأمة وفي فكر الأمة وقناعاتها بهذا الموقف العظيم وبهذه النهضة الحسينية الرائعة.
 أولاً: التعبئة التي قام بها الإمام الحسين(ع) لتثبيت أصالة الإسلام من خلال العناوين العقائدية والفكرية والتربوية التي بثها ابتداءً من انطلاقته من المدينة المنورة وانتهاءً بخطبته الثانية في كربلاء، حيث كان يتحدث دائماً عن أهدافه وعن رؤيته، ويحاول إنقاذ الآخر، يحاور أصحابه ويحاور أعدائه، ويعطي وصيته لمحمد ابن الحنفية ويدعو ما بينه وبين الله تعالى، فإذا تلمسنا هذه الكلمات التي قيلت ابتداءً من انطلاقته من المدينة المنورة إلى شهادته في كربلاء سنجد أننا أمام مجموعة من الأفكار المصوبة الأصيلة التي يُبنى عليها لقاعدة ما بعد الإمام الحسين(ع).
 وهذه التعبئة برزت واضحة من خلال وصيته إلى أخيه محمد ابن الحنفية، عندما قال: "وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا ظالماً ولا مفسداً، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي محمد(ص) وأبي علي(ع)"، هذه الوصية ركزت هدفاً تغييراً أساسياً، لا بدَّ أن يصاحب الأمة في كل حركتها وفي كل زمانها "إنما خرجت لطلب الإصلاح"، أريد الإصلاح، أين يكمن الإصلاح؟ في المجالات التي فيها فساد وانحراف، إذاً لا تطمئنوا أيها المسلمون بأن رسول الله(ص) قد أتاكم بدين، وآمن به عدد كبير من المسلمين، وخرج من بين المسلمين علماء يتحدثون به، إذ قد تسمع من هؤلاء فكراً إسلامياً محوَّراً لا يلتزم بالإسلام الأصيل، فانتبهوا، فتِّش دائماً عن الإصلاح في أمة رسول الله(ص)، ولاحق الفكرة الصحيحة والانطلاقة الإسلامية الأصيلة، ولا تتقبل الإسلام كيفما كان من المسلم أو من غيره، فالإمام(ع) عندما قال: "إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله" والفترة الزمنية الفاصلة عن رسول الله(ص) ليست كبيرة، هي فترة وصلت إلى خمسين سنة تقريباً من السنة 10 للهجرة إلى السنة 61 للهجرة، مع ذلك وصلت التراكمات إلى درجة تحتاج معها إلى الإصلاح، والإصلاح الذي يأخذ طابعاً إنقلابياً يؤدي إلى حالة من الثورة تصل إلى درجة أن تحصل تضحية بالنفس والمال والأولاد والأقرباء قربة إلى الله تعالى، في موقفٍ مذهل من صمت المسلمين وابتعادهم عن المسار.
 إذاً التغيير هنا أحدثه إمامنا الحسين(ع) لنبقى دائماً في انتباهٍ أن الأصالة في الإصلاح، وأن علينا أن نلاحق هذا الاتجاه، ولا يمكن أن نقبل كل ما يطرح من شؤون الإسلام والمسلمين، وقد تبيَّن بالدليل العملي أنه بعد الإمام الحسين(ع) جاء من يستعيد أمجاد يزيد ومعاوية وهذا الاتجاه، ويخرب في الفهم الإسلامي، ويطرح أفكاراً بعيدة تماماً عن الإسلام، بل جاء ليبتدع أموراً لم تكن موجودة أصلاً، إذاً ماذا نفعل؟ علينا أن نأخذ بهذا الإصلاح الذي رسمه الإمام الحسين(ع)، والذي يُعتبر المعلم الأساس الذي نعود إليه.
 فالإمام(ع) سلك مسلك التعبئة بهذه الأفكار التي حملها، وكما قلنا: عندما يتكلم في المدينة المنورة وفي مكة مع الناس مع الحجاج مع أصحابه والمسافرين، ثم في الطريق مع كل من التقى به، ثم مع معسكر ابن زياد، ومع هؤلاء جميعاً، كل هذه النقاشات والحوارات ليثبت معالم التغيير بشكل مباشر من خلال التعبئة لتثبيت أصالة الإسلام.
 وبعد انتهاء الإمام من صلاة العصر وقف خطيباً وقال: " أمَّا بعد أيها الناس فإنكم إن تتقوا الله وتعرفوا الحقَّ لأهله، يكن أرضى لله، ونحن أهل بيت محمد(ص) أولى بولاية هذا الأمر عليكم، من هؤلاء المدَّعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان"، هذه أصالة، وهذا تغيير، عليكن أن تتقوا الله، وعليكم أن تعرفوا الحق لأهله، لا يكفي أن تعرفوا الحق، بل القوة أن تنسبوه إلى أهله وأن تعودوا أهله، من هم أهله؟ وكيف يكون أرضى لله تعالى، ونحن أهل بيت محمد(ص) أولى بولاية هذا الأمر عليكم، إذاً إمامنا الحسين(ع) حسم الأمر في رسم معالم التغيير الحق، ليقول في تعبئته للأمة: يجب أن تصلحوا، وما ترونه ليس صحيحاً وهناك فساد، أيها الناس إن اتِّباع أهل البيت(عم) هو الحل، أيها الناس انسبوا الحق لأهله، وهكذا دخلت عملية التعبئة الفكرية والتوجيهية والتثقيفية ليعيد أصالة الإسلام، وهذا نمط من التغيير البنيوي الذي يؤكد أيضاً على ضرورة أن نعمل دائماً للتعبئة لهذه العناوين التي طرحها إمامنا الحسين(ع).
 الثاني: قيادة المسلمين، من الذي يمثل الإسلام؟ ومن الذي يقوده؟ الخليفة أو العالم المرجع، أو صاحب الشعارات أو من يتسلط على الحكم، أو من؟ الآية الكريمة واضحة: "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ"، وهذه الآية نزلت في سيد الأوصياء أمير المؤمنين علي(ع) عندما تصدق بخاتمه في المسجد، وهذه الرواية معروفة عند جميع المسلمين.
 " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا"، الولاية لله وللرسول وللإمام، يعني الولاية للكمال وللعصمة، وليست الولاية لأي كان، عجيب أمر هؤلاء الذين يفسرون الولاية بالخلافة أكان لبرٍّ أو لفاجر، قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ"، أهؤلاء الذين يحكمون هم أولي الأمر الذين قصدهم الله تعالى ولو كانوا فسقة ولو كانوا فجرة؟! وعلى المسلمين أن يطيعوهم على قاعدة الالتزام بالآية الشريفة ولو كانوا كاذبين وظالمين لأن تسميتهم طبقت على الآية خطأً ولم تكن منسجمة مع تعابير الإسلام.
 جاء الإمام الحسين(ع) ليقول أن القيادة هنا عند أئمة أهل البيت(عم)، القيادة ليست تلك التي نصبت بظروف مختلفة، أو لأسباب غير مقبولة وغير معقولة وغير ملتزمة مع تعاليم الإسلام، هذه القيادة للمسلمين مسؤولية جميع الأمة أن يلتزموا بها، هذه القيادة للمسلمين يجب أن تكون واضحة لأنها ليست مرتبطة على الإطلاق بالمناصب والمراكز، هي مرتبطة بالتشريع والاعتقاد، يعني بحسب تعاليم زماننا القيادة هي التي يتم اختيارها بانتخاب الشعب، أو في بعض الاحيان بالوراثة، أو في بعض الأحيان بطرق أخرى بانقلاب أو ما شابه ذلك. في الإسلام القيادة لولي الأمر الذي يمثل تعاليم الإسلام بكامله أو بدرجة تقترب من الكمال، وكما نعبِّر أن يكون تاليا المعصوم، يعني عنده درجة عالية جداً حتى يستحق أن يكون ولي الأمر، وهذا خاضعٌ لتقواه ومستواه وارتباطه بأئمة أهل البيت(عم) والدور الذي يمكن أن يحمله، وبالفعل ما أراد الإمام الحسين(ع) أن يثبته أن قيادة المسلمين هنا عند الإمام المعصوم، عند ولي الأمر الذي يلتزم مع خط الإمام المعصوم، هو يليه في القوة والقدرة والمكانة والإباء، وهذا كدليل حقيقي ترسخ في عقل الأمة وبقي حاضراً، مقابل الأفكار الأخرى التي طرحت عن الخلافة والولاية وكيفية إدارة شؤون المسلمين، فقوة التغيير عند الإمام الحسين(ع) أنه ثبت هذه الوصية بتضحية عظيمة لتصبح حاضرة أمام الطروحات الأخرى، وبالتالي قيمة التغيير هنا أنها حاضرة وتناسب بالمنطق وبالشرع وبالعقيدة وبالحوار لتكون مؤثرة في كيفية الترويج لقيادة المسلمين من خلال الإمام المعصوم أو من يليه.
 وهذا النمط من التغيير في الواقع متجه إلى عامة المسلمين أكثر مما هو متجه إلى خاصة المسلمين، لأن الخاصة يستطيعون إدراك هذا الأمر من خلال تعاليم الإسلام، ولكن عامة المسلمين يحتاجون إلى معرفة وفاق هذا الاتجاه، جاء الإمام الحسين(ع) ليقول: أنا مع قلة قليلة من موقعي المعصوم تصديت ووقفت، إذاً قيادة المسلمين هنا بصرف النظر عن حجم التأييد وحجم الارتباط الشعبي، وما يمكن أن يكون عليه هؤلاء الناس في أي وقتٍ من الأوقات، وهذا طبعاً أحدث أثراً مهماً بقيت الفكرة ماثلة وبقيت مؤثرة وأنتجت بحمد الله تعالى فيما بعد وكانت مؤثرة في حياة الإنسان.
 الأمر الثالث: تثبيت الاستشهاد كمسار أساسي يبقى حاضراً على طاولة الحوار ليُقدَّمَ عندما نحتاج إلى تغيير لا يحصل إلاَّ سلوك هذا المسار، لأن هنا علينا أن نميز بين الشهادة  كنتيجة للجهاد في سبيل الله تعالى وبين الشهادة كخيار يلتزمه الإنسان كاستعداد ويقوم بإجراءات الجهاد في اللحظة التي يجب فيها الجهاد، كل المسلمين معبئين بأن الجهاد واجب في سبيل الله تعالى، ولكن العبرة متى يجاهدون؟ (يمكن أن يبقى إنسان مؤمن بالجهاد كل حياته ولا يذهب ولا مرة إلى معركة ولا يخوض معركة وتحصل تطورات كثيرة في حياته من انحرافات وفساد، وتقول له: يا أخي ألا تؤمن بالجهاد في سبيل الله تعالى؟ فيقول: طبعاً، وتقول له قم بالجهاد في سبيل الله تعالى، فيقول: إن الجهاد من المفروض أن يؤدي إلى نتيجة ومصلحة، نحن لن نقدر بهذا الجهاد أن نصل إلى نتيجة)، جاء الإمام الحسين(ع) ليقول: الجهاد الذي يؤدي إلى نتيجة تغييرية ولا يؤدي إلى نصرٍ مادي، ومن المحسوم مسبقاً أن هذه الطريق لا توصل إلى النصر المادي المباشر، عليكم أيها المسلمون أن تسلكوا هذا الطريق إذا استلزم الأمر تغييراً وحماية للإسلام حتى ولو أدى في نهاية المطاف إلى الشهادة التي تشمل جميل من يواجهون هذه الحقبة من الزمن. طبعاً هذا أمر مهم، فرقٌ كبير بين جهادٍ فيه نصر وشهادة وبين جهادٍ محسوم الشهادة.
 الإمام الحسين(ع) قدَّم لنا نموذج الجهاد محسوم الشهادة، ليقول لنا: هذا النموذج مطلوبٌ منكم عندما تحتاج الأمة إلى تغيير لا يمكن أن يحصل إلاَّ بهذا النموذج لأنه لا يوجد تكافؤ في الفرص، ولا تكافؤ في الإمكانات المادية، ولا إمكانية لتغيير المعادلة، وسدت الأبواب، والانحراف متواصل ومتراكم إلى درجة لا يمكن أن نبحث به بعد ذلك، هنا لا بدَّ من الجهاد المحسوم الشهادة من أجل عملية التغيير إذا وجدنا أن الأمر يتطلب ذلك. وبالفعل جهاد الإمام الحسين(ع) باتجاه النتيجة المحسومة وهي الشهادة غيَّرت المعادلة، وأحدثت صدمة كبيرة في الأمة الإسلامية، وأسست لتداعيات في المعسكر الآخر، وسددت نقاشاً وحضوراً وتأثيراً لا زال يفعل فعله في الأمة منذ كربلاء، وكل النتائج العظيمة الخيرة التي برَّزت راية الإسلام العظيمة في زماننا، والتي ستهيئ لصاحب العصر والزمان(أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) هي من بركات هذا الجهاد محسوم الشهادة الذي أدى إلى التغيير الجذري والذي سيبقى مواجهاً لكل الانحرافات التي ستمر بنا إلى قيام يوم الدين.
 هذا الأمر مهم جداً (دائماً ألفت النظر في بعض كلماتي أن الإمام الحسين(ع) لم يخرج إلى كربلاء من أجل أن يستشهد، هذا خطأ قاتل، هو ذهب إلى كربلاء ليحيي الإسلام بالجهاد في سبيل الله تعالى محسوم الشهادة) هذا الفرق، هو ذهب ليحيي الإسلام، ولو كان بإمكانه أن يحيي الإسلام بغير هذا الطريق لسلكه، ولكن لا مجال.
 رابعاً: القدوة الفاعلة: الإمام الحسين(ع) في عملية التغيير أراد أن يترجم لنا القدوة الفاعلة ميدانياً لنرتبط بها ونشعر بقربها منا، لاحظوا، الإمام الحسين معصوم، مهما وصلنا سنصل إلى مرتبة من مراتب المعصوم، ماذا فعل الإمام الحسين(ع)؟ وقف في القيادة، أحضر الأصحاب وأهل البيت والنساء والرجال وهذه التنويعة المختلفة، وخاض فيها كربلاء بقيادته، أعطانا نموذج عن الاقتراب المسلمين بتنوعهم من قيادة المعصوم، والتماهي بينهم وبينه في الجهاد المحسوم الشهادة في إطار عطاء يثبت أن المعصوم عندما يكون قائداً فإن التباعد بيننا وبينه في درجة التقوى عندنا لا تحول بأن نشعر أننا جزءٌ لا يتجزأ منه ومن حركته ومن توجهاته، حتى كأن الواحد منا هو الحسين(ع). فالموضوع لا يجب الاستهانة به، فإذا قيل بأن القدوة هو المعصوم فلا يجب أن نقول أين أنا من المعصوم؟ لا، المعصوم أدَّى اداءً رفعك إليه إلى درجة تشعر معها بهذه القوة وبهذه الفاعلية، عليك أن تنظر إلى كمالاته كهدف ولا تنظر إليه كاملاً فتشعر أنك بعيد عن الهدف، هناك فرق بين الأمرين: مرة أنظر إلى الإمام الحسين(ع) وأقول: بأن الإمام الحسين(ع) كامل ولا نستطيع أن نصل إليه، لا، لا تنظر إليه وإلى شخصه وتعيش هذه الحالة، بل انظر إلى كمالاته كهدف وتسعى إلى أن تصل إلى أقرب نقطة ممكنة، عندها تتفاعل مع شخصه وكأن الأمر لا بون شاسع فيه، وهذا ما يُحدث التغيير الحقيقي في الإنطلاق.
 الإمام الحسين(ع) عندما خطب في البيضة، قال: "أيها الناس، إن رسول الله(ص) قال: "من رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحُرَم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله(ص)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يُدخله مدْخَله". ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرَّموا حلاله، وأنا أحق من غيَّر"، الإمام الحسين(ع) طرح باب: أنا أحق مَنْ غيَّر، يعني أنا القدوة الفاعلة، أنا تصديت لأني مسؤول، ولأني تصديت لأني أستطيع أن أغير، وهذه التعاليم لا يمكن أن يغير فيها إلاَّ الإمام المعصوم، ولكن الإمام المعصوم ليس مسؤولاً وحده عن عملية التغيير، كلنا مسؤولون في عملية التغيير ولكن القيادة له. فيصبح أي واحد منا يشعر بأنه قادر من موقعه أن يعمل عملية التغيير كما فعل أصحابه وكما كانوا معه وكما تماهوا معه.
 خامساً: التغيير يتطلب صبراً, فهو عملية طويلة وشاقة، فيجب أن يصبر على هذا الأمر، اسمعوا تعبير الإمام(ع) في وصيته لمحمد ابن الحنفيه، وكل كلمة في هذه الوصية بحث قائم بذاته، بنهاية الوصية يقول الإمام الحسين(ع): " من قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردَّ عليَّ ها أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين"، أي أن حركة الإمام الحسين(ع) ليست مبنية أنه يجب أن يحصل تغيير ويلمس نتائجه ويكون فائزاً به، لا يمكن أن تطول المسألة، فالحسين(ع) يقوم بالزرع ويقوم قربة إلى الله تعالى، وعلى مهل، الإمام يصبر، ولكن المهم أن الإمام الحسين(ع) عمل ليقبل الله تعالى والله أولى بالحق. فهنا التغيير يتطلب صبراً وهو عملية شاقة طويلة يحتاج إلى أن يتأثر القوم أو يتغير القوم " إنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ"، ولكن الأمر بحاجة إلى الصبر، يقول تعالى: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً"، فعليك أن تصبر أنت والجماعة التي تعمل معهم، فالتغيير يحصل، لذلك بعض الأخوة أحياناً وهم يتحادثون: يقولون: تأخر الإمام المهدي(عج)، هل عندكم معلومات عن هذا الأمر، هذه السنة أو بعدها..؟ على نهج الإمام الحسين(ع) اصبر، متى يظهر الإمام لا أحد يعلم وعندها لا يلحق أحد أحداً، المهم أن تكون مؤمناً بالتغيير بقيادة الإمام المهدي(عج)، وأن تكون مؤمناً أنك في الطريق الذي رسمها الإمام الحسين(ع)، وأن تصبر للوصول إلى هذه النتيجة.
 السادس:ضرورة كشف مكامن ضعف الأمة: حتى نكون واقعيين، ولا نعيش حالة طوباوية، في الأمة انحراف وفساد، وهناك أشخاص يظنون بأنهم على موقع مهم جداً، تكتشف أنهم خلاف ذلك، الإمام الحسين(ع) قال: "الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درَّت معايشهم، فإذا محصوا بالبلاء قلَّ الديَّانون"، العبرة بالبلاء، عندما يقع البلاء أين يصبح هؤلاء! ولكن لاحظوا معي: على الرغم من كل الفساد الموجود في الأمة والأمر معروف، بقي معلم خط الأصالة عند الإمام الحسين(ع) موجوداً، بمعنى آخر: ليس مشكلة أن يكون هناك فساد في الأمة، فهذا طبيعي، وباعتقادي بأن الله تعالى ذكر لنا المنافقين في المدينة المنورة وسورة براءة كاملة، وحدثنا عنهم وأفعالهم والنبي(ص) يراهم ويعرفهم ولم يقم بأي أمر معهم، ليقول لنا: حتى مع المسلمين الأول على يد رسول الله(ص) كان هناك ثغرات كثيرة، ولكن المهم أن محمداً(ص) موجود، المهم أن علي والحسن والحسين وأئمة أهل البيت(عم) موجودون، طالما أن معلم التغيير حاضر ومرسوم وله تعاليمه وجماعته ومؤيدوه فلا تعيش حالة من الاستسلام أو الانهزام أو التوتر أن الفساد منتشر في الأمة، لا، في المقابل انظر إلى الصلاح الموجود في الأمة.
 كنت اسمع من بعض المحللين حول طريقة العمل الإسلامي، كان في طريقة العمل الإسلامي بعض الثغرات العملية، يعني مثلاً من العاملين في الإسلام من اهتم بالجانب الفكري وأهمل الجانب العاطفي، ومنهم من أغرق نفسه في الجانب العاطفي وأهمل الجانب الفكري، منهم من أخذ من مجالس عاشوراء أشكال وأساليب من قصص وروايات لا تخطر على بال ولا يقبلها عقل وكان يقوم بالترويج لهذا الموضوع، وكان بعض الأخوة يعيش حالة من التوتر، مع الحسين(ع) كل هذه الثغرات تتصوب بشكل عادي وطبيعي، لأن صوابية خط الإمام الحسين(ع) وفكر الحسين وقناعته ستكشف بأن هذه أعمال ضعيفة أو فيها انحراف أو فساد أو أخطاء لعدم الدقة، لأن عندنا المعلم الأساسي والله تعالى وفقنا لتغيرات وتعديلات رأيناها في زماننا، لم يكن أحد يتصور أن بإمكاننا إحياءنا اليوم بهذه الصيغة سيكون على هذه الصيغة، وكيف كانت الإحياءات تجري بطريقة ضعيفة في مجالات كثيرة وأوقات كثيرة.
 أما البعد الثاني: التغيير البنيوي العملي سيكون محدوداً، وسأقوم بتطبيق، لقد اهتزَّ الواقع الأموي، فقامت ثورات عديدة، كثورة التوابين، وثورة المدينة، وثورة المختار سنة 66 الذي قُتل كل من شارك في كربلاء من معسكر يزيد وبالآلاف، وبعد ذلك حصلت ثورة مطرق بن المغيرة، وثورة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، وثورة زيد بن علي سنة121. وهكذا  حصلت تداعيات عملية كثيرة لهذا الاتجاه الحسيني.
 أهم من هذا، أن ما رسمه علماء أهل البيت(عم) رغم كل الصعوبات والتضييقات التي حصلت، وما أنتجوه وما قدَّموه بعد الأئمة(عم) وخاصة في زمن الإمام الباقر(ع) والإمام جعفر الصادق(ع) لجمعهم هذه الثروة العظيمة وأعطونا الكثير الكثير، لاحظنا أن هذا الخط تعزز واستمر بشكل كبير وحفظ نتائج الثورة الحسينية وتبلور بشكل عملي ومؤثر.
 حقيقة نستطيع أن نقول بأن كل النتائج العملية هي من الحسين(ع)، "حسينٌ مني وأنا من حسين أحب الله من أحبَّ حسينا"، ولو لم تكن من هذه النتائج إلاَّ نتيجة واحدة هي إقامة الدولة الإسلامية في إيران على يد الإمام الخميني(قده) لأدركنا كم أن الأمر عظيم، وقد عبَّر الإمام(قده) بشكل مباشر: "كل ما عندنا من الإمام الحسين(ع)".
 وهذه النتيجة التي رأيناها في إيران هي ثمرة تراكم، وليست نتيجة استثنائية تولدت كيفما كان، لا هناك عمل علمائي عبر التاريخ وعمل الأئمة(عم)، وتضحيات أُعطيت في إيران وفي العراق وفي لبنان وفي مناطق مختلفة من العالم، تبلورت بهذا النجاح العظيم على يد الإمام الخميني(قده) الذي أعاد لنا الصياغة المنهجية لبنيوية التغيير للإمام الحسين(ع) وقدمها لنا، وبسرعة نحن تأثرنا بالإمام الخميني(قده) لماذا؟ لأن جذور التربية موجودة عنده وعندنا ثغرات معينة كيفية معينة وبطريقة معينة وجدنا أنفسنا نقتدي بالإمام الخميني(قده) ووجدنا أنفسنا نُحدث عملية التغيير في سلوكياتنا وشخصيتنا وطريقة تفكيرنا وقناعاتنا، بمعنى آخر عدنا متأثرين بالإمام الحسين(ع) في حركة التغيير التي قام بها.
 بكل صراحة كنا في لبنان في فترة من الفترات جامدين مع عاشوراء، يعني طريقة التعاطي مع المجالس كانت طريقة ليس فيها الفعالية الكافية، حب أئمة أهل البيت(ع) أصبح له طعم آخر مع الإمام الخميني(قده)، فهمنا كيفية العمل في الساحة وكيفية الدعوة إلى الله تعالى فأصبح هناك فهم آخر، فإذا أردتم أن تعرفوا أثر هذا التغيير العظيم: انظروا إلى صورة إسلام الحسين(ع) من خلال الإمام الخميني(قده)، والإسلام الذي يُطرح هنا وهناك من خلال قطع الرؤوس، هناك فضيحة اليوم أن هذا الإسلام المطروح من هؤلاء رسخ مئة بالمئة، ولا تنظروا إلى الناس الذاهبين بشكل عاطفي ومتأثرين بهذه المنهجية فهؤلاء هم همج رعاع لا يؤثرون، انظروا إلى المشهد العام: ماذا عندنا في العالم؟ على الرغم من رفض العالم لإسلام الإمام الخميني(قده) الإسلام المحمدي الأصيل، وقيام التآمر على هذه الدولة الإسلامية منذ نشأتها، وكل ما حصل عليها من ضغوطات وتشويهات وأعمال شنيعة بقيت نوراً في العالم، إذا أراد أحدٌ من الناس أن يعرف إسلام رسول الله(ص) فلا بدَّ أن يمر عبر الإمام الخميني(قده)، في المقابل الصورة بشعة، بشعة عن المسلمين، وبشعة عند الكافرين، وبشعة عند كل العالم، هناك أهمية التغيير الذي أحدثه الإمام الحسين(ع).
 أو الصورة الأخرى على المصغر: صورة المقاومة الإسلامية في لبنان، هذا يظهر هذا النموذج الرائع، هل تعتقدون أن غضبهم منا كمقاومة لأننا نحمل سلاحاً، غضبهم منا لأننا نحمل فكراً مضيئاً، وإيماناً راسخاً بدأ ينتشر ويدخل في العقول والقلوب ويحطم أفكار أخرى المنحرفة، ويثبت نفسه بقابلية عظيمة ليجمع الأمة مجدداً حول قضاياها المركزية الكبرى من منطلق الإيمان الصادق بنموذجٍ أخلاقي رائع، وبتضحية تعرف أين تضع الدم قربة إلى الله تعالى، وكيف تحجبه ولا تبذله إلاَّ في مكان بقناعة وأداء يمثلان أرقى ما يمكن أن يقدمه إنسان، وهذا من نتاج الإمام الحسين(ع).
 السلام على الحسين، وعلى علي ابن الحسين، وعلى أبناء الحسين وأصحاب الحسين، وكل شهداء كربلاء، وكل شهداء المقاومة الإسلامية وشهداء الإسلام، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.