بسم الله الرحمن، الحمد لله رب العالمين، والصلاة على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
السلام عليك يا أبا عبد الله، يا ابن رسول الله وابن أمير المؤمنين وابن فاطمة الزهراء، سلام الله عليهم أجمعين.
السلام عليك وعلى الأرواح التي حلت بفنائك، عليك مني سلام الله ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم.
السلام عليكم أيها السادة العلماء، أيها الحسينيون والزينبيات ورحمة الله وبركاته.
كلما نهلنا من عطاء كربلاء كلما شعرنا بأننا نتزود جديداً وطاقة حيوية تدفعنا إلى الهدى والنور، ووجدنا أن الدروس والعبر تبدأ ولا تنتهي، وما استفدناه هو ذخرٌ لنا وما يمكن أن نستفيده يضيء طريق الهدى بشكلٍ مستمر.
لا حاجة لأن نفصل بأن كربلاء تخلدت في التاريخ وفي الحاضر وهي خافية في المستقبل، لأننا نتلمس بشكل مباشر كيف تعطي وتعطي وتعطي، بحيث نرى في كل عام زيادة من العطاء، وكأن الأمور تتجه إلى القمة وهي كذلك، ومع العطاء الأعلى يظهر صاحب العصر والزمان(عج).
قال رجلٌ من همدان: خطب الحسين بن عليّ(ع) غداة اليوم الذي استشهد فيه، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: "عِبادَ اللهِ ! اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مِنَ الدُّنْيا عَلى حَذَر، فَإِنَّ الدُّنْيا لَوْ بَقِيَتْ لأِحَد أَوْ بَقي عَلَيْها أَحَدٌ، كانَتِ الاْنْبِياءُ أَحَقَّ بِالْبَقاءِ، وَأَوْلى بِالرِّضى، وَأَرْضى بِالْقَضاءِ، غَيْرَ أَنَّ الله تَعالى خَلَقَ الدُّنْيا لِلْبَلاءِ، وَخَلَقَ أَهْلَها لِلْفَناءِ، فَجَديدُها بال، وَنَعيمُها مُضْمَحِلٌّ، وَسُرُورُها مُكْفَهِرٌّ، وَالْمَنْزِلُ بُلْغَةٌ، وَالدّارُ قُلْعَةٌ، فَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى، فَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".
المطلع ينصح إمامنا الحسين(ع) الناس بتقوى الله، ولاحظوا الارتباط: " اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مِنَ الدُّنْيا عَلى حَذَر" معنى ذلك أن الذي يعتنق التقوى بشكل أساس هي الدنيا، ولا يمكنك أن تجمع بين حب الدنيا وتقوى الله تعالى، التقوى تعني الحذر من المعصية، يعني رعاية الرقابة الإلهية من أجل أن تكون مستقيمة، يعني الابتعاد عن الحرام لتتقي ما يمكن أن يؤدي إلى عقاب شديد في يوم القيامة، ونحن إذا أردنا أن ننجح علينا أن نتقي الله تعالى، وأولو باب من أبواب التقوى الحذر من الدنيا، يعني أن نرى كل تجذبنا أنفسنا إلى المعاصي والأهواء فنترك الأهواء طاعة لله تعالى وبذلك نكون على الطريق الصحيح.
الله تعالى عندما حدثنا عن فعالية القرآن الكريم وأثره قال: " ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ"، غير المتقين لا يستفيدون من القرآن الكريم، لأنه سيقرأون آيات لها معانٍ ظاهرية لا تدخل في أثر النفس ولا تفعل فعلها، أما من اتقى الله تعالى ودرَّب نفسه على تقوى الله تعالى يكون مستعداً وقابلاً لاستيعاب آيات الله تعالى والالتزام بأوامره فيكون القرآن هدىً للمتقين الذين بنوا استعداداتهم على تلقي النور الإلهي ثم يفتح الله تعالى عليهم بعد أن تلقوا هذا النور بأن يكفيهم إلى الصراط المستقيم. إذاً مسؤولية التقوى مسؤولية جديدة وعظيمة وهي المفتاح، وهي التي جعلت أصحاب الإمام الحسين(ع) يسيرون معه إلى نهاية المطاف لأنهم يعرفون النتيجة مسبقاً. لأنهم اتقوا الله تعالى صمدوا مع الإمام الحسين(ع) واهتدوا إلى كربلاء ، لأن كربلاء يحتاج إلى من يهتدي إليها، أما الآخرون فليسوا موفقين لأنهم لم يهتدوا إلى التقوى ولم يتقوا الله تعالى، لاحظوا الجبهة الأخرى: ما هي مبرراته لعدم القتال إلى جانب الإمام الحسين(ع): المال، اشهدوا لي عند الأمير، موعود بملك الري، كل المكتسبات التي يتحدثون عنها هي مكتسبات دنيوية، ليس فيها ولا موقف يقول أننا نريد أن ننصر الله تعالى أو نسير على الحق أو ندعم الاستقامة، أبداً كلها مصالح شخصية لها علاقة بالأهواء التي تؤدي إلى أن يسروا تحت لواء الظالم في مقابل إمام الأمة وقائدها وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين(ع).
وطبعاً هذا الأمر ينطبق على كل حياتنا، ولا أحد يفكر أن هذا المجاهد الذي يصل إلى الاستعداد للشهادة، إنما وصل لأنه أخذ قرار بأن يكون مجاهداً وشهيداً في سبيل الله تعالى، لا، سبقته التقوى، وبنى نفسه وإيمانه واستقامته فوصل إلى اللحظة التي انكشف فيها النور له فذهب ليجاهد وقاتل وقتل في سبيل الله تعالى. لا تتصوروا أن هذه المرأة التي تزينت بحجاب العفة وأتقنت حجابها وصلاتها واستقامتها وأخلاقها وتربيتها، لم تكن لتصل إلى هذا المستوى إلاَّ بتراكم خطوات التقوى التي كانت في حياتها فوصلت إلى هذا المستوى، وإلاَّ لا يقدر أيُ أحد أن يقول قررت ويذهب ليعمل! لا، هناك طريق طويل عليه أن يقطعه من المعاندة للنفس، من الاستماع إلى أوامر الله تعالى، من ترك الهوى، من عدم الاستماع إلى أقاويل الناس ووسوسات الشيطان، تتأمل أن الآخرة أفضل من الدنيا، وأن الطاعة أفضل من المعصية، وأن الربح لا بدَّ أن يأتي بعد حين، هذا كله بحاجة إلى تربية ليصل الإنسان إليه. لذلك موضوع التقوى هو الذي يوصل إلى الموقع الحسيني وإلى الموقع الزينبي، فإذا أردنا أن نكون حسينيين وزينبيات علينا سلوك طريق التقوى.
إمامنا علي(ع) يوضح معنى التقوى فيقول: " التقوى أن يتقي المرء كلما يؤثمه"، كل شيء في إثم ابتعد عنه تصبح تقياً، أحد العرفاء يقول: أطيعوا الله وقوموا بالعبادات، وامتنعوا عن المعاصي، يكفي أن يقول: امتنعوا عن المعاصي فيتحقق الهدف، لأن الإنسان إذا امتنع عن المعاصي فمن الطبيعي أن يقوم بالطاعة والعبادات لله تعالى. لأنه يمكن للشخص أن يقوم بالعبادات ويخلطها بالمعاصي، فمثلاً: يصلي ركعتين زيادة, ويصوم ,...هذه صفقة، ويقوم بالمعاصي أيضاً، فإذاً الابتعاد عن ما يؤثم الإنسان هو الذي يؤدي إلى التقوى.
وفي صفين بعد أن خرج من المعركة أمير المؤمنين علي(ع) ودُفن هؤلاء القوم الذين انحرفوا في قبورهم خاطبهم الأمير(ع) قائلاً: "أمَّا لو أُذن لهم في الكلام لأخبروكم أنَّ خير الزاد التقوى"، فهم يسمعون ولكن لا يستطيعون الكلام.
ما هي الأعمال التي تؤدي إلى التقوى؟
لنقل أن هناك برنامج عمل إذا قام به الإنسان يراكم هذه النتائج ويصل إلى التقوى، كما إذا أراد الإنسان أن يقوم ببناء مبنى نقول له: راكم الحجارة فوق بعضها وضع الحديد في هذا المكان والأمور التي تربط بين المفاصل في هذا المكان فيصبح عندك مبنى، ما هي الأمور التي إنْ راكمناها تؤدي إلى التقوى، الله تعالى يقول: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"، إذاً الصوم مدماك من مداميك التقوى.
ويقول تعالى: "اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى"، أن يكون في حياتك عدل: تعدل بين الأولاد، تعدل بين الناس، تعطي الحق لصاحبه، لا تنحاز إلى قريبك أو ولدك أو نفسك، إنما تعطي صاحب الحق حقه ولو كلفك ذلك وخسرت، لأن العدل هو أساس، العدل في المعاملة، العدل في الناس، العدل في العلاقات الاجتماعية، العدل في الحكم بين الناس، كل حياتنا تحتاج إلى فصل خصومات وفصل قضايا وهذا يحتاج إلى أن يكون الإنسان منصفاً، حتى عندما وجهنا رسول الله(ص) في العلاقة مع الأولاد قال: "إن الله تعالى يحب أن تعدلوا بين أولادكم حتى في القُبل"، عليك أن تعمل بالعدل، وتلاحظون أن العدل في كل شيء، فإذا عدلت يعني أنك تقترب من التقوى، هذه طريقة ثانية.
ثالثاً: " وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى"، اليوم إذا أخطأ ولدك عفوت عنه، أخطأت زوجتك عفوت عنها، أخطأ جارك عفوت عنه، شخص ارتكب معك عمل أزعجك لم ترد بالمثل عفوت عنه، كل أنواع العفو من مكارم الأخلاق، فهذا العفو دليل سماحة، والإسلام يريد منك أن تكون سموحاً ومعطاءاً، وبعد أن تعفو في هذه الأمور وغيرها ستقرب القلوب منك وستشعر بسعادة قلبية لأن يدك من فوق وليس من تحت وينير الله تعالى قلبك فتشعر بالسعادة بالعطاء، هذه هي توجيهات الإسلام في مكارم الأخلاق. وهذا مدماكٌ آخر .
رابعاً "ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ"، تعظيم شعيرة الحسين(ع)، تعظيم شعيرة الصلاة، تعظيم ولادات ووفيات أهل البيت(ع)، تعظيم مكانة المسجد، تعظيم مكانة الأولياء والصالحين والطائعين لله تعالى، الشعائر قد تكون بعض الأعمال أو نصرة لأشخاص، أي إبراز لعناوين الإسلام العظيم هذا تعظيم لشعائر الله تعالى، الحج من شعائر الله تعالى، كل هذه العناوين من شعائر الله تعالى، كرَّمت البنات المكلفات من أجل أن تشجع الأخريات على الحجاب وأعطيتهن جوائز فهذا تعظيم لشعائر الله تعالى. وأيضاً الاحتفالات واللقاءات والمكافآت ومحاولات للسرور والسعادة من شعائر الله فهذا تعظيم لشعائر الله تعالى، وهذا من الأعمال التي تؤدي إلى التقوى.
خامسا: الرسول(ص) يعطينا مفتاح يفتح على كل حياتنا، ويعطينا المكتسبات التي لا حد لها، يقول: "اعمل بفرائض الله تكن أتقى الناس"، يعني الله تعالى فرض علينا الصلوات الخمس، وشهر الصيام في السنة، والحج إلى من استطاع إليه سبيلاً، ...فإذا قمت بالصلاة من دون مستحبات وإضافات تكن من أتقى الناس، ونحن عندما نقوم بالمستحبات من أجل تسكير الفراغات لأن الفرائض يمكن أن تكون غير كاملة أحياناً فنقوم بالمستحبات لسد الثغرة، وإذا أتقن الإنسان المؤمن الفرائض بشكل دقيق يجد نفسه مشدود للمستحبات بشكل أتوماتيكي، لأنه يذق طعم الصلاة. علينا أن نزيل الأمراض النفسية والعملية حتى نستطيع أن نعيش هذه الفرائض ونأخذ المكتسبات.
سادساً: أيضاً أمير المؤمنين علي(ع) يدلنا على مفتاح يحل لنا كل المشاكل، ولكن بحاجة إلى جهد، يقول: "رأس التقوى ترك الشهوة"، ما تشتهيه نفسك في الحرام ابتعد عنه، عندها يمكنك أن تصل إلى رأس التقوى وغلى المكانة العظيمة.
سابعاً: بابٌ آخر من أبواب التقوى، دلّل عليه أمير المؤمنين علي(ع) بصرح كلامه البليغ عندما قال: "أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ, فَتَحَه اللَّه لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِه وهُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى, ودِرْعُ اللَّه الْحَصِينَةُ وجُنَّتُه الْوَثِيقَةُ"، فالذي يجاهد في سبيل الله تعالى لبس التقوى، فما هو الشيء الذي هو أعظم من الجهاد في سبيل الله تعالى؟ فوق كل ذي برٍ بر حتى يقتل الرجل في سبيل الله فليس فوقه بر، فإذا أنت استعديت للجهاد وذهب للجهاد، يعني أنك لبست لباس التقوى، ومن لبس لباس التقوى قام بالحماية الكاملة لنفسه ولجسده ولروحه ولعقله، لأنه ترجم هذا الأمر في ساحة كربلاء في مواجهة المعاصي والمنكرات والظلمة وهذا من أعلى المراتب، وهذا هو لباس يوصل إلى مكانة عظيمة إلى مكانة التقوى التي يدعونا الله تعالى إليها.
ثامناً: أمير المؤمنين علي(ع) يقول: "التقوى ثمرة الدين، وأمارة اليقين"، من دون تعقيد في الحسابات، عندما تطبق تعاليم الله تعالى، صلاة وصوم وصدقة والتزام وأمر إلهي... هذه كلها أوامر إلهية، عندما تطبق الأوامر الإلهية وتلتزم بالدين فالسجل الموجود عندك يتراكم من دون أن تجري أنت الحساب ليصل إلى مستوى من مستويات التقوى، فعند الله تعالى أنت تعمل ويتراكم العمل وبعد فترة تجد نفسك أنك وصلت إلى أعلى مستويات التقوى، كلما عملت كلما ارتقيت.
الإمام الخميني(قده) يقول: "ظاهر الشريعة يؤدب الإنسان، وبعد انكشاف النور لا بدَّ من الاستمرار في التأديب بظاهر الشريعة"، فالأوامر التي أمرنا بها الله تعالى تكفي إلى أن نصل إلى مستوى التقوى؟ البعض يقول أنه علينا أن نقوم بأمور روحانية استثنائية، وأساليب معينة، وبعض المسلمين للأسف ذهبوا إلى الرقص على أساس أنهم يرقصون حول محورية الطاعة لله تعالى! بعض المسلمين ذهب إلى طرق معينة لم ترد في الشريعة، فيقول الإمام(قده): " ظاهر الشريعة يؤدب الإنسان" الأوامر التي أمركم بها الله تعالى قوموا بها : "وبعد انكشاف النور لا بدَّ من الاستمرار في التأديب بظاهر الشريعة"، دائماً دائماً الالتزام بالصلاة والصوم والعبادات التي أمر بها الله تعالى هي التي توصلكم إلى أعلى مراتب التقوى، فلا لزوم للتعب ولا للبحث عن طرق ليست منصوص عليها وغير موجودة في الشريعة المقدسة.
هذه المداميك الثمانية توصل إلى التقوى، هل يستطيع الإنسان منَّا أن يكون تقياً ؟ نعم يستطيع والأمور ليست معقدة وليست صعبة، والحمد لله تعالى أنتم من أهل التقوى، فيكفي أنكم بايعتم الإمام الحسين(ع) لتكون أول مقدمة عظيمة من مقدمات التقوى، ويكفي أنكم واليتم محمد وآل محمد(عم)، هذه مقدمة مهمة جداً لتصلوا إلى النتائج.
دائماً اعتبروا أن المشكلة تأتي من حب الشهوة، الله تعالى ينصحنا كيف نواجه الشهوات التي يمكن أن تحرقنا، يقول: "وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"، خطر على بالك خاطر محرم، فلا تتأمل فيه اطرده لحظات وانتهى المحرم، فلا يستطيع الإنسان أن يبني نفسه إلاَّ بهذه الصيغة.
من هم المتقون؟
عادة أنقل رواية فيها فحص، وهذه آلة الفحص يجب أن تكون عند كل واحد منا، يقول الرسول(ص): " جماع التقوى في قوله: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ"، كل التقوى في هذه الآية الكريمة، وفي هذه العناوين الستة، فهل أنتم من الذين تنطبق عليكم هذه العناوين الستة؟ فإذا كان هناك أربعة فقط فاعملوا على الباقي، فهذه فرصة وتذكرة، بالتالي يمكن أن نصل إلى النتيجة المرجوة.
أمير المؤمنين علي(ع) عنده طريقة أخرى للفحص وعناوين أخرى وكلها توصل لذات النتيجة، يقول: "للمتقي ثلاث علامات: إخلاص العمل، وقصر الأمل، واغتنام المهل"، أن يكون مخلصاً لله تعالى، وأن لا يؤجل العمل إلى الغد ويعيش في الأمل، واغتنام الفرص التي تعيش فيها، اليوم عندك قوة وقدرة وحياة وقرار استغنم هذه الفرصة لأن هذه الفرصة يمكن أن لا تتكرر.
إذا كنا أتقياء ما هي النتيجة؟ للأسف أحياناً الناس لا تعرف أن هذه التقوى ثمارها عظيمة في الدنيا قبل الآخرة، فعندما نقول اعمل للآخرة فليس معنى ذلك أنك لا تأخذ الدنيا بحلالها وإيجابياتها وطاعتها واستقامتها وملذاتها المحللة، يقول تعالى عن الدنيا: " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ"، أنتم المؤمنين ستربحون في الدنيا، وستنتصرون في الدنيا " رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً" يعني أننا سنأخذ في الدنيا، ونتائج التقوى ستظهر إيجابيات، صحيح أننا نقاتل ونجاهد في سبيل الله ونقدم الشهداء ولكن الله تعالى أعطانا نصراً عظيماً لم يحصل في التاريخ، ورفع من مقامنا وأشعرنا بالسعادة والعزة، لو صرفنا ما على الأرض بأسره لما وصلنا إلى ها المقاوم العظيم ببركة التقوى وببركة دماء الشهداء، هذا موجود في الدنيا قبل الآخرة.
نحن نلتزم بخط أهل البيت(عم) وهم الذين يعرفوننا الإسلام الحقيقي الصحيح، الذي ينفتح على سعادة الإنسان في الدنيا، وعلى ثواب الإنسان في الآخرة، هذا الإسلام هو خير الإنسان، من أجمل التعابير عندما يقول تعالى: " ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ"، فأنت تهتدي، اليوم الجماعة المتدينين يعرفون ماذا يعملون، ويعرفون إلى أين سيصلون، ويعرفون مقدارهم في الدنيا ويعرفون مقدارهم في الآخرة، كل شيء مكشوف لهم، أما الجاهلون فلا يعلمون شيئاً لا في الدنيا ولا في الآخرة فهم يعيشون الأمراض النفسية وعملية ولا يربحون شيئاً في ظلمهم وانحرافهم ثم في جهنم وبئس المصير.
الحمد لله الذي وفقنا أن تعرفنا على هذا الإسلام العظيم الذي هو النعمة الكبرى التي رضيها الله تعالى لنا وعرفنا على قيادتنا المتمثلة بمحمد وآل محمد(عم)، وعرفنا بالولي الفقيه القائد الخامنئي(حفظه الله ورعاه) ومن قبله الإمام الخميني(قده)، لأننا بذلك عرفنا التقوى عملياً، وعرفنا درب الحق في شؤوننا العامة وفي شؤوننا الخاصة.
نحن في السياسية نعمل بالتقوى ولا نكذب على الناس، ولا نتصرف بالأساليب التي يمارسها الآخرون، نلتفت إلى الضوابط الشرعية بأساليب العمل، وقد حصل الانتصار في سنة 2000 وكان من أروع الانتصارات، ولكننا لم نجهز على جريح، ولم نلاحق هارباً، ولم نقتل أسيراً، ولم نتصرف بخلاف ما أمرنا الله تعالى به، لأن يوجد تقوى، وديننا لا يسمح لنا. هكذا تعلمنا أن نكون أتقياء في حياتنا الخاصة وفي حياتنا العامة.
أريد أن أسأل جماعة 14 آذار: ما هي الفائدة التي يجنونها من تعطيل كل مؤسسات البلد، وعدم الموافقة على تسيير أي مرفق من هذه المرافق؟ وما الذي يتوقعونه حدوثه في لبنان والمنطقة بتغيير الواقع والمعادلة حتى يقفوا عند هذه المواقف المعلبة والتي لا تقدم شيئاً من أجل الحل؟
كل المؤشرات تدل على استقرار الوضع الإقليمي والدولي في اتجاه أثبت فشل المعارضة المسلحة متعددة الجنسيات في سوريا، وأثبت أيضاً الوضع الدولي مربك في كيفية التعاطي مع الملفات المفتوحة في منطقتنا بأسرها، وأن مشروع المقاومة استطاع أن يحقق صموداً وثباتاً يؤشر لمكتسبات سيحصل عليها كلما مرَّ الزمن إلى الإمام وأن النظام السوري نجح في الصمود أمام الهجمة الإقليمية والدولية التي يواجهها. إذاً ماذا ينتظرون.
وأسألهم أيضاً: لقد فتحتم أزمات عديدة في لبنان، قولوا لي أي أزمة فتحتموها ثم أغلقتموها أو وصلتم من خلالها إلى نتيجة؟ كل الأزمات التي فتحوها بقيت مفتوحة، كل الأزمات التي سببوها انعكست سلبيات تتراكم يوماً بعد يوم ولا يوجد أي حل.
ما هي مكاسب لبنان من تأجيل بتِّ مراسيم النفط في مجلس الوزراء؟ هل النفط لكل اللبنانيين وليس لفريق واحد، هذا النفط للأجيال، نعم أقول السبب: السبب أنهم لا يريدون أن يُسجل في التاريخ بأن الوزير جبران باسيل والمجلس النيابي الحالي ومجلس الوزراء الحالي قد أطلق النفط لمصلحة لبنان، الآن لو تأخر هذا النفط لسنة أو لسنتين سيقال أيضاً في التاريخ بأن هؤلاء لهم الفضل بأنهم بدأوا بمشروع النفط وفتح له الطريق، إذاً ما الذي سيتغير؟ ولماذا هذه الممانعة التي لا معنى لها؟ لماذا لا ترتفع الأصوات عالياً اليوم ضد الخروقات الإسرائيلية براً وجواً وتنصتاً علينا في لبنان؟ كان في المفترض أن تمتلئ الصحافة والإعلام بالبيانات المستنكرة من كل حدبٍ وصوب ومن كل الجهات، بينما عندما تحصل حادثة فرعية في زاروب في داخل بيت في الغرفة الصغيرة فيه وتحت الدرج بحيث لا يعرف فيها أحد من العالم تصبح قضية القضايا وتتصدر البيانات، أما إسرائيل تجول وتصول وتعتدي فلا أحد يتحدث عن إسرائيل على قاعدة أن الأولويات ليست مواجهة إسرائيل، هذا خطأ كبير يجب أن نزعج إسرائيل بصراخنا، يجب أن نسمع مجلس الأمن كل العالم باستنكاراتنا ليعرف الجميع أن إسرائيل معتدية وأنها هي سبب المشكلة، وهي سبب الأزمات التي تحصل في منطقتنا.
يوجد حلَّان في لبنان للحكومة اللبنانية ولا يوج ثالث: الحل الأول طرحه جماعة 14 آذار وهو مبني على تشكيل حكومة حيادية أي لا لون لها ولا طعم ولا رائحة ولا تمثل القوى الموجودة، وهم يقولون هذه الحكومة الحيادية تخرجنا نحن وتخرجكم أنتم، ولكن إشكالنا على هذه الحكومة أنه لا يمكن أن يقوم البلد إلاَّ بأناس ممثلين سياسياً ووازنين في البلد ليؤثروا على جماعاتهم كي ننهض جميعاً في بناء البلد، وإلاَّ جماعة لا يمثلون أحد سيواجههم الجميع ولن يتوفقوا بأي حال. أما الحل الثاني طرحوا جماعة 8 آذار وحلفائهم، وقالوا نريد حكومة تمثيلية جامعة فيها بالحد الأدنى الثلث الضامن لـ 8 آذار والثلث الضامن لـجماعة 14 آذار، وكيلا الجماعتين (8 و14) لا يملكان أكثرية نيابية وازنة تستطيع أن تقرر، كلا الجماعتين لديهما أقلية نيابية، يعني كلا الجماعتين عاجزتان عن أن تقررا وحدهما، علماً أن تسويق فكرة الحكومة الجامعة أصبح لها تأييد يتجاوز النصف في المجلس النيابي، ولكن لأننا لا نريد أن نتفرد في الحل، ولأننا لا نريد حكومة أمر واقع كما كانوا سيلعبون، ولو استطاعوا أن يفرضوا حكومة أمر الواقع لفرضوها، ولكن بالنسبة إلينا نحن لا نريد حكومة كيفما كان، نريد حكومة يشارك فيها الجميع من أجل أن ننهض بالبلد لأن هذا البلد بحاجة إلى تعاون، وهذه الحكومة الجامعة هي فرصة، فرصة للبلد ولكل الأحرار، ولا يوجد حل آخر، الحكومة الحيادية مستحيلة، والحكومة الجامعة ممكنة، ومع عدم الموافقة على الحكومة الجامعة يعني أن حكومة تصريف الأعمال ستبقى لأشهر.
نحن نطرح دائماً الحل التعاوني، قلنا لهم ونقول مجدداً: إذا أردتم أن نسارع في تشكيل حكومة جامعة فنحن حاضرون، وإذا أردتم أن نبدأ حواراً لنتفق على كيفية الوصول إلى حلول فنحن حاضرون، وإذا أردتم أن تكون هناك حوارات ثنائية بين عدد من الأفراد لتتكامل بعد ذلك بحوار جامع من أجل أن نتفق على الحل، وإذا أردتم الحوار قبل الحكومة أو بعد الحكومة فنحن حاضرون، أي حلٍ يؤدي إلى تشابك الأيدي معاً نحن نوافق عليه لا من موقع الضعف إنما من موقع الحرص على أن ننتهز الفرصة لننقذ لبنان في إطار الصراعات الموجودة في المنطقة والتطورات التي لا يمكن أن نلحق بها.
أما التراشق الإعلامي واستنفار المحازبين والأنصار والمطولات في محاولة اتهامنا فهي في الواقع لن تنفع إلاَّ صراخاً في الهواء، لأن الاصطفافات السياسية في لبنان من الصعب أن تتغير، لا أنتم ستقنعوا جماعتنا ولا نحن نقنع جماعتكم، فخير لنا أن نفتش عن طريق يقرب الأمور، لأن الشتائم لا يمكن أن تؤدي إلى نتيجة ولا يمكن أن تحل المشكلة القائمة.
نحن نؤكد على أن منهجنا هو منهج رعاية الحق، وحفظ مكانة لبنان، قدمنا الشهداء من أجل أن نكون أعزة وأعزنا الله تعالى بالتحرير ولا يمكن أن نفرط باستقلال بلدنا، ومهما كانت التطورات التي تحيط بنا فإن علينا أن نبقى أقوياء في مواجهة الاستحقاقات الخارجية لنحمي بلدنا منها ومن تأثيراتها.