محاضرات

كيف ننتصر في مواجهة الحرب الناعمة؟ / الكلمة الافتتاحية لمعلمي المدارس للعام الدراسي 2013/2014

كيف ننتصر في مواجهة الحرب الناعمة؟ / الكلمة الافتتاحية لمعلمي المدارس للعام الدراسي 2013/2014
كيف ننتصر في مواجهة الحرب الناعمة؟



بسم الله الرحمن الرحيم
كيف ننتصر في مواجهة الحرب الناعمة؟
كلمة افتتاحية لمعلمي المدارس  للعام الدراسي 2013/2014



1- تذكيٌر بخطر الحرب الناعمة:
الهدفُ الأساس من الحرب الناعمة علينا هو تثبيتُ الإتِّجاه المادّي في الحياة، والذي يُغرِقُ الإنسان في اللَّذة والهوى والأَنا، متجاوزاً لتوازن الجسد والروح، ولأي بِناءٍ روحي يُنقذُ الإنسانَ ويُصوِّب طريقَهُ ويُرشدُه إلى سعادته الحقيقية في الدنيا والآخرة.
ومن أجل تثبيت هذا الهدف كمقياس، تخوضُ الحربُ الناعمة معركةَ الشرعية، الشرعية الدولية والشعبية والإعلامية والثقافية، وذلك بقلبِ الحقائق، وجعلِ المعروفِ منكراً، والمنكرِ معروفاً، وتغليبِ المصلحةِ مقابلِ الحق، وسيطرةِ القوَّةِ مقابلِ العدل... ثم تعمل لإثبات أحقيَّةِ هذه العناوين، وكما قال روبرت رايلي مدير إذاعة صوت أميركا: "إنَّ الطبيعةَ الحقيقيةَ للصراع اليوم, هو صراعُ المشروعية في عقول وقلوب الناس والرأي العام، وليس صراع القوى العسكرية، إنَّ الحروبَ تُخاضُ ويتم تحقيق النصر أو الهزيمة فيها في ساحات العقول والقلوب قبل أن تصل إلى ميادين القتال".
وتخوض الدوائر الشيطانية حملات مركَّزة لتحقيق ثلاث غايات:
1- استمالة جزء من هذا الجمهور نحو مشروعهم، وتوجيهه للانقلاب والارتداد على شعاراته وأفكاره السابقة.
2- بلبلة الأفكار وتشويش النفوس لتعطيل وتجميد نشاطات وطاقات جزءٍ من جمهورنا من خلال الدعوة لنظريات ومواقف الحياد.

3- إحداث حالة من التردد المفضي إلى اللامبالاة والتقاعس عن نصرة الحق.
فالمستهدف هو العقل والإرادة, قال الإمام الخامنئي(دام حفظه): "في الحرب العسكرية يكون هدف العدوّ أن يبيد ويدمّر مواقع الطّرف المقابل أو البلد الذي يهاجمه، وفي الحرب الاقتصادية الهدف هو القضاء على البُنى الاقتصادية التحتيّة، أما في الحرب الناعمة فيكون الهدف قلوب وعقول الشباب وإرادتهم، أي أنّ العدوّ يريد تبديل إرادتهم".
2- بعض مفاهيم الحرب الناعمة:
تحاول الحرب الناعمة فرض مفاهيم وقواعد كمرجعية للاتجاهات التربوية والسلوكية  والمواقف المشروعة! ومنها:
1) فرض مفهوم الحرية الشخصية في إعطاء الجسد كلَّ رغباته, ورفض تقييده بالحرام, أو ضوابط غض البصر, أو ستر المرأة ...
2) فرض مفهوم مواكبة العصر التي تعني إلغاء ثوابت السلوك والأخلاق، وسيادة الموضة وأساليب الحياة الغربية في المخاطبة وطريقة اللباس ونوعية الطعام, وإلغاء الحواجز بين الجنسين في الاختلاط المحرَّم, و إلغاء حواجز وضوابط العلاقة الإنسانية بينهما.
3) فرض مفهوم ثقافة الحياة الذي يؤدي إلى الهروب من الجهاد والدفاع عن الأرض والإستقلال والوطن, بحجة المحافظة على الحياة، وهو المعنى الآخر للاستسلام في مقابل ثقافة الحياة العزيزة التي تؤدي إلى التحرير والعزة والكرامة، والتي يسمونها ثقافة الموت.
4) فرض مفهوم إرادة المجتمع الدولي أي الإلتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي وما تقرّره مصالح الدول الكبرى, حيث تصبحُ إسرائيل شرعية، والعقوبات على الدول الممانِعة شرعية، وتقسيم البلدان أو غزوها أو السيطرة على سياساتها واقتصاداتها شرعية، مقابل إرادة الشعوب وحقوقها.
5) فرض مفهوم التربية الحديثة وما فيها من مفاهيم غربية, تؤدي إلى التفكير والحياة المادّيين في مقابل التربية الإسلامية التي تُوازن في السلوك الإنساني.
3-  من أين نبدأ؟
علينا أن نحدِّد الهدف، لنضع نصب أعيننا ما نريد الوصول إليه، مهما كان صعباً، ومهما كانت العوائق في طريقه، لأنَّه الحق، ثم نرسم الخطط الاستراتيجية والمرحلية للوصول إلى هذا الهدف، ونُهيِّئ الإمكانات اللازمة التي تحقق لنا الفوز، فلا نستسلم، ولا نتذرَّع بضعفِ الإمكانات, ولو تَطلَّبَ الأمرُ مزيداً من الجهد والوقت، ولا نبحث عن تسويةٍ تخلطُ بين الحق والباطل، ولا نُبرِّر إخفاقَنا أو تقصيرَنا بصعوبة المهمة...
نبدأُ من القاعدة الأساس التي تحكم كلَّ أدائنا:
قال تعالى: "وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ"(آل عمران 85).
ونعمل بحرصٍ وإقبالٍ وحيوية: "وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ"( آل عمران 133).
والمهم أن نقوم بواجبنا ونُهيِّئ بقدر استطاعتنا، وعلى الله الإتِّكال: " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ .."(الأنفال 60).
4-  القدوة الحسنة:
دورُ المعلم المربي أساس، فهو قطبُ الرّحى، وهو الذي يملك قدرة التأثير في توجيهِ تلامذته، ولن ينجحَ إلاَّ إذا امتلكَ الصفات التي تؤهله ليلعب هذا الدور، وكما قَالَ أمير المؤمنين علي(ع): "مَنْ نَصَبَ نَفْسَه لِلنَّاسِ إِمَاماً فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِه قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِه, ولْيَكُنْ تَأْدِيبُه بِسِيرَتِه قَبْلَ تَأْدِيبِه بِلِسَانِه, ومُعَلِّمُ نَفْسِه ومُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالإِجْلَالِ, مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ ومُؤَدِّبِهِمْ"(1).
ولذا على المعلمين أن يلتفتوا إلى صفات المعلم الرسالي الرئيسة، ليكونوا قادةً في مواجهة الحرب الناعمة، والتي تتمثَّلُ في "ملمح  الأستاذ في مدارس المصطفى(ص)"، فهو:
1- كفوء تعليمياً.
2- تربويٌ هادف.
3- سلوكُهُ إسلامي:    أ- مظهره ولباسه يراعيان الضوابط الشرعية.
       ب- تعبيره وألفاظه وخطابه وحواره بحسب توجيهات الإسلام.
       ج- يعدل بين تلامذته (في توزيع الاهتمام بهم جميعاً، وإنصافهم في التقييم ..)
        د- يطبِّق الثواب والعقاب بضوابطهما التربوية وبمعايير موحَّدة.
4-  مبادرٌ لا يحتاج إلى حث, وباذلٌ طلباً للأجر من الله تعالى.
5-  متكاملٌ مع الفريق, يشد أزره وينجح مع الجماعة.
6-  ناقدٌ بنَّاء حيث ينفع النقد, ومع أصحاب العلاقة والمؤثِّرين, ومن دون تشهير.
7-  مستمرٌ في تنمية ذاته, دينياً وعلمياً.

5-  مفاتيح العمل:
1) العمل على النفس الإنسانية بتربيتها على القواعد الصحيحة:
إنَّ نقطة الانطلاق الأهم في التربية، والسر المحوري للهداية في مواجهة الضلال، العمل على صلاح النَّفس الإنسانية, ومخالفةُ الهوى والرغبات المنحرفة.
فلنُرغِّب تلميذنا بالنتائج الإيجابية العظيمة لمخالفة الهوى, قال(ص): "من عرضت له فاحشة أو شهوة، فاجتنبها من مخافة الله عزَّ وجل، حرَّم الله عليه النار، وآمنه من الفزع الأكبر، وأنجز له ما وعده في كتابه، في قوله: "وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ". ألا ومن عرضَت له دنيا وآخرة، فاختار الدنيا على الآخرة، لقي الله يوم القيامة وليستْ له حسنة يتَّقي بها النار, ومن اختار الآخرة على الدنيا، رضيَ الله عنه وغفرَ مساوئ عمله، ومن ملأ عينَه من حرام, ملأ الله عينَه يوم القيامة من النَّار، إلاَّ أن يتوب ويرجع"(2).
ولنحذِّره من إضاعة الفرصة, قال أمير المؤمنين علي(ع): "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَانِ: اتِّبَاعُ الْهَوَى, وطُولُ الأَمَلِ. فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ, وأَمَّا طُولُ الأَمَلِ فَيُنْسِي الآخِرَةَ"(3).
ولنُعرِّفهُ على حقيقة المعاناة التي تهون مع رضوان الله تعالى, ففي حديث المعراج, قال تعالى: "يموتُ الناسُ مرةً، ويموتُ أحدُهُم في كلِّ يومٍ سبعين مرة من مجاهدة أنفسهم، ومخالفة هواهم والشيطان الذي يجري في عروقهم، ولو تحرَّكتْ ريحٌ لزعزعتهم. وإنْ قاموا بين يديَّ كأنَّهم بُنيانٌ مرصوص، لا أرى في قلبهم شغلاً لمخلوق، فوعزَّتي وجلالي لأُحيينَّهم حياةً طيِّبة"(4).

2) مواجهة أخطاء وتشوهات تطبيق الإسلام بالعمل البنَّاء:
وذلك بسلوك قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد افتتح الإمام الخميني(قده) كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في "تحرير الوسيلة"، بجملةٍ من الآيات والروايات حول الموضوع، بقوله: "وهما (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) من أسمى الفرائض وأشرفها، وبهما تقام الفرائض، ووجوبهما من ضروريات الدين، ومنكِرُه مع الالتفات بلازِمِه والالتزام به من الكافرين, وقد وَرَدَ الحثُّ عليهما في الكتاب العزيز والأخبار الشريفة بألسِنةٍ مختلفة، قال الله تعالى: "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" وقال تعالى: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ", إلى غير ذلك، وعن الرضا(ع): "كان رسول الله (ص) يقول: إذا أمتي تواكلت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فليأذنوا بوقاعٍ من الله". وعن النبي (ص): "إنَّ الله عزَّ وجلَّ ليبغضُ المؤمن الضعيف الذي لا دِين له، فقيل: وما المؤمن الضعيف الذي لا دِين له؟ قال: الذي لا ينهى عن المنكر"(5).
وعلينا أن لا نتساهل مع المنكر, قال أمير المؤمنين علي(ع): "أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّه(ص) أَنْ نَلْقَى أَهْلَ الْمَعَاصِي بِوُجُوهٍ مُكْفَهِرَّةٍ"(6)، ليدركوا أخطاءهم، وعدم موافقتنا لأفعالهم، وإصرارنا على دعوتهم إلى الخير. وقال(ع): "أدنى الإنكار أنْ يلقى أهل الْمَعَاصِي بِوُجُوهٍ مُكْفَهِرَّةٍ "(7).
فإذا ما عوَّدنا ودرَّبنا تلامذتنا على السهولة, وعدم الاكتراث لارتكابهم الصغائر, وعدم نهيهم عن الحرام واتباع الشهوات، انغمسوا فيها, وانحرفوا وخسروا خسراناً مبيناً، أمَّا إذا عوَّدناهم على الطاعة لله تعالى ومواجهة الانحراف وسوء الخلق, واتِّباع الأوامر الالهية والانتهاء عن النواهي, وأعناهم على ذلك، فسيرتقون وينجزون الأمور العظيمة والمفيدة.
3) الاستفادة من الوسائل الحديثة بما يتناغم مع تحقيق الأهداف:
تحمل وسائل التواصل الحديثة المنافع الكثيرة والمضار الكثيرة أيضاً, فلنكن حذرين عندما نوجِّه تلامذتنا إلى بعض الأنشطة, ولنعرِّفهم على المخاطر المحتملة ليتجنَّبوها, ففي الإنترنت مشكلة الإباحية, ومشكلة الألعاب التي تحوِّل التلميذ إلى مدمنٍ في إضاعة الوقت وجمود العقل, وفي الدردشة والتواصل عبر الهواتف الذكية قتلٌ للوعي والوقت والنمو, وإهمالٌ المطالعة والتواصل الاجتماعي والاهتمام المدرسي.
4) تحمل التعب والأعباء الإضافية بسبب ضغوطات الحرب الناعمة وصعوبة الاستجابة:
مهمتُكم ليست سهلة, وأعباء التربية في العصر الحديث مُضنية, وضغوطات الحرب الناعمة تحيط بكم من كل الجهات, وقلة الاستجابة عند التلامذة تُعقِّد العمل, ولكنَّها مهمتكم وخياركم, وبإمكانكم أن تنجحوا, فالله هو المسدِّد والمعين, واستمعوا إلى نصيحة الامام القائد الخامنئي( دام حفظه): "أعزّائي، إنّ القضية العمدة هي الأمل. إنّني أقول للشباب إنّ أخطر ما نواجهه هو قتل الأمل. فاسعوا إلى الحفاظ على حياة الأمل فيكم. ومهما أمكنكم احفظوا شعلة الأمل في قلوبكم وقلوب مخاطبيكم. فبالأمل يمكن التقدّم. وخاصة الأمل الذي تمنحنا إيّاه الوقائع بشكل صحيح".
1- نهج البلاغة, ص 480.
2- الشيخ الصدوق، الأمالي، ص:514.
3- نهج البلاغة، ص:83.
4- العلامة المجلسي, بحار الأنوار, ج 74, ص: 24.
5- الامام الخميني، تحرير الوسيلة، ج 1، ص: 439.
6- الشيخ الكليني، الكافي، ج 5, ص: 59.
7- الشيخ الطوسي, تهذيب الأحكام, ج 6, ص: 177.