محاضرات

التحرير منعطف ثقافي وسياسي وبداية لرسم خارطة الشرق الأوسط المقاوم / اللقاء السياسي الذي نظمته وحدة المهن الحرة مع المحامين في قاعة الجنان في 24/5/2013

التحرير منعطف ثقافي وسياسي وبداية لرسم خارطة الشرق الأوسط المقاوم

 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد(ص) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
 السلام عليكم أيها السادة، أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته.
 أبارك لكم عيد المقاومة والتحرير، لأنه عيد كل محبٍ للمقاومة وجهادها ونصرها وآلامها ومستقبلها، وأنتم كذلك تحتفلون، وأنتم أهل المقاومة والتحرير. كما أبارك بولادة أمير المؤمنين علي(ع) الذي يصادف في مثل هذا اليوم في الثالث عشر من شهر رجب، وهو الشخصية الثانية بعد رسول الله(ص)، والذي كانت له الصولات والجولات، وكان النموذج الأول للمقاومة في مواجهة التحديات.
 أولاً: مشروع المقاومة. 
في 25 أيار سنة 2000م، تحقق نصرٌ استثنائيٌ في لبنان وفي المنطقة في مواجهة العدو الإسرائيلي، انعكس بالمنافسة بين رئيسين للوزراء مرشحين للانتخابات الإسرائيلية، كل واحد منهما يقرِّب مدة الهرب من لبنان ليكون أكثر مقبولية عند شعبه في مواجهة المقاومة، ولكن الموعدين خابا، فخرج الإسرائيلي مرغماً وفي وقت مُبكر, ببركة بعض التظاهرات الشعبية التي انطلقت بداياتها من بلدة الغندورية في 21 أيار، واقتحمت حاجز القنطرة، ثم بدأت القرى تتساقط واحدة بعد الأخرى إلى أن هرب الإسرائيلي في ليل 24 أيار، فسجلت المقاومة الانتصار الكبير على هذا العدو المتغطرس الذي طالما حاول أن يُبرز نفسه بأنَّه القوة التي لا تقهر، فتبين أنه يمثل القوة التي تتقهقر.
 في 25 أيار عام 2000، كان تسطيرٌ لأول ملحمة فيها إنجاز كبير في مواجهة إسرائيل الغاصبة التي جثت على صدور العرب والمسلمين والمنطقة وبشكل رسمي منذ سنة 1948 برعاية استكبارية، وبغطاء من مجلس الأمن. حصل التحرير بأقل التضحيات في يوم التحرير، ومن دون قيد أو شرط، ومن دون أي اتفاق مع العدو الإسرائيلي، هذا التحرير هو ثمرة جهاد المجاهدين والمجاهدات والشعب المقاوم والجيش، وكل الذي قاموا بواجب المقاومة ضد إسرائيل بالدم أو القلم أو الدعاء أو المساعدة أو الاحتفال أو الموقف...
يمكننا أن نقول: بأنَّ يوم 25 أيار سنة 2000 هو منعطفٌ ثقافي وسياسيٌ مؤسِّس ومؤثِّر في منطقتنا، هو تأريخ مفصلي لا بد أن نناقش ما قبله وما بعده بروحية التمييز بين مرحلتين: مرحلة ما قبل التحرير، ومرحلة ما بعد التحرير، ذلك لأن الانتصار الذي تحقق قدم نموذجاً لم يكن متوقعاً، وقدَّم نتيجة لم تكن مأمولة، وبالتالي نحن أمام مرحلة جديدة في تاريخ أمتنا.
قبل 25 أيار سنة 2000، كانت المقاومة فكرة يمكن أن تنجح ويمكن أن تفشل، كانت المقاومة مشروعاً للتطبيق، يمكن أن تتعثر ويمكن أن تتقدم، لكن بعد 25 أيار سنة 2000 المقاومة أنجزت، وأصبحنا نؤرخ في 25 أيار سنة 2000 السنة الأولى للمقاومة التي سطَّرت ملاحم البطولة والاستقلال والحرية. هذا اليوم هو بداية رسم خارطة الشرق الأوسط المقاوم، في مقابل خارطة الشرق الأوسط الأمريكي، وخارطة الشرق الأوسط المقاوم هي الخارطة التي تنبني على عوامل التحرير والاستقلال والتغيير.
أما التحرير: فلأنَّ خطوات تثبيت المشروع الإسرائيلي بدأت من هذا التاريخ تنهار تدريجياً لمصلحة إحياء فكرة فلسطين المحررة، بعد أن كاد الناس ينسون بأنَّ فلسطين يمكن أن تعود حرَّة، ويمكن أن تعود لأهلها.
وأما الاستقلال: فالمواجهة التي حصلت مع المشروع الاستكباري أعاقت أجندته، واستطاعت أن تقول من بوابة لبنان الضعيف: أن لبنان ليس ضعيفاً، أنتم أضعفتموه بهيمنتكم والمقاومة أنقذته وقوَّته بشعبها ومقاومتها وجيشها، ولذلك نحن أمام استقلال حقيقي باتخاذ القرار في لبنان في مواجهة التحديات الموجودة في المنطقة، لم يعد لبنان صالحاً ليكون معبراً للتوطين، ولم يعد صالحاً ليكون جزءاً من تسوية سياسية يدفع ثمنها، ولم يعد ممكناً أن يكون ملجأً لمستوطنات إسرائيلية تحتاجها إسرائيل للتوسع في جغرافيتها، لبنان لم يعد مكسر عصا، وهذا هو الاستقلالٌ الحقيقي ببركة المقاومة وجيشها وشعبها.
وأما التغيير: فقد برز ببناء منظومة ثقافية جهاديةٍ لم يألفها الناس في منطقتنا، ولم يتعرفوا عليها قبل ذلك، هذه المنظومة تطرح أهدافاً تُوائم قناعاتنا وحاجاتنا ومتطلباتنا لنكون أحراراً في عبادتنا لربنا وحكمنا لأرضنا واستعادة المقدسات.
هذه العوامل الثلاثة: التحرير والاستقلال والتغيير، برزت بشكل مباشر كبداية لرسم خارطة الشرق الأوسط المقاوم، وبدأت الانعكاسات على كل المنطقة، وكلكم يعلم بأنَّ الانتصار المسلح في فلسطين كان أولى نتائج التحرير في أيار سنة 2000، بعد أشهر قليلة، ما أعاد إلى الواجهة المقاومة الفلسطينية كطريقٍ لتحرير فلسطين.
انطلقت هذه المقاومة من ردة الفعل، الى المشروع الدفاعي المتكامل، أي عندما انطلقت في سنة 1982 كانت تعبيراً عن الرفض والمواجهة للاحتلال، ومحاولة تحرير بعض الأرض، وهذه كلها ردات فعل على الاحتلال والعدوان، ولكن بعد عام 2000 أصبحنا أمام مشروعٍ دفاعي متكامل، لذا أخطأ أولئك الذين دعونا للاستراحة، فقلنا لهم: نحن مرتاحون بمشروع الدفاع، بينما أرادوا أن يرتاحوا من كل المقاومة، لكن أقول لهم: المقاومة لن تريحكم إذا كنتم في الخندق الإسرائيلي، ولكنكم سترتاحون إذا كنتم في خندق المقاومة.
آمنَّا ولمسنا بالتجربة والبرهان، أنَّ بناء منظومة القوة أساسٌ لحماية خياراتنا، ولا يمكن للحق أن يعلو من دون قوةٍ تسانده وتدعمه، إذ لمن نلجأ في إثبات حقنا؟ هل نلجأ إلى وسيط مزوَّر يحاول أن يهيمن على العالم ولا يقرأ حضورنا ولا إنسانيتنا؟ أم نلجأ إلى مجلسٍ للأمن، هو المخرب للأمن، وهو الذي يغلب القوي على الضعيف، ويعطي الظالم على حساب المظلوم، ويساند إسرائيل في مقابل الحق الفلسطيني؟ أم نلجأ إلى القوانين التي إذا احتجنا إلى تفسيرها عدنا إلى ظلمة الأرض ليفسروها لنا، وكلكم يعلم "أُذُن الجرَّة يضعها الفاخوري حيث يريد"، وبالتالي بإسم العدالة يمارسون الظلم علينا، وبإسم الحق الدولي يحتلون أراضينا، وبإسم السلام العالمي يقتلون أطفالنا بقنابلهم المتفجرة، ولكن إذا كنا أقوياء فلن يتجرأوا لأنهم أجبن من أن يواجهوا حقاً مدعوماً بالقوة، نحن لا نريد قوةً لإثبات وجودنا، نحن نريد قوة لاستعادة حقوقنا، وهذا ما آملنا به وبدأنا نعمل له، لتكون المقاومة قوية جاهزة وقادرة على التصدي، ولولا هذه الجهوزية وهذه القدرة لاخترقت إسرائيل بعد سنة 2000 وكذلك بعد سنة 2006 بلدنا مراراً وتكراراً وقتلت وجزَّرت، ولكنها وبكل فخرٍ أقول: أنَّها تخاف من المقاومين الذين يسجدون لله تعالى، ويحملون البندقية، ويصرخون باسم الله وفي سبيل الله, فالسائيليون يعلمون بأن المقاومين لا يخضعون، وهم يريدون الحق، ومن كان مع الله فالله معه "إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ".
إذاً نحن في مرحلة جديدة، هذه المرحلة هي في الواقع مرحلة الصراع بين مشروعين، لهما مساران مختلفان على مستوى الأهداف وتراكم التكتيكات: مشروع المقاومة, ومشروع أمريكا وإسرائيل. لا يمكن أن نتصرف بسذاجة فنناقش أمورنا وكأن هذين المشروعين لا يتصارعان ولا يتواجهان، هذان مشروعان متصارعان بكل ما للكلمة من معنى، من هنا أسَّس حزب الله خياراته ورؤيته الإسلامية على قاعدة أنه في خندق المشروع المقاوم المستقل المؤمن بالتغيير في مواجهة المشروع الاستكباري الإسرائيلي الذي يريد الاحتلال والهيمنة وسلب الحريات، وقد أسَّس حزب الله هذا المشروع على أساس رؤية إسلامية ووطنية مبنية على أولوية مواجهة إسرائيل وتحقيق الاستقلال والعزة والقدرة رفضاً لأي وصاية ومصادرة لحقوق الآخرين.
من هنا المقاومة دفاع مشروع عن حقوق الإنسان، وعن حرية الخيارات، والأولوية في مواجهة إسرائيل، هي أولوية تحرير وحماية، نهيئ لها كل المستلزمات وكل الجهوزية حيث نعتقد أن هذه الأولوية هي التي تحمي لنا كل الأولويات الأخرى، هل يعتقد أحدكم أنه بإمكاننا أن نبني لبنان كما نريد وإسرائيل تهددنا وتخترق أجواءنا ولها مشروعها في منطقتنا؟ هل تعتقدون بأن الاوتوسترادات التي نرغب بتوسيعها لتكون صلة وصل بين بلدان المنطقة ستكون سالكة إيجابياً وإسرائيل تبني أوتوستراداتها؟ هل تعتقدون بأن بلدنا الضعيف بموارده وإمكاناته يمكن أن يصمد أمام درعٍ أجنبي في منطقتنا يُراد له أن يكون منصَّة للهيمنة على كل خيراتنا؟ هؤلاء الذين يغطون أعينهم تغنياً بجمال لبنان وأرزه لا يعملون بشكل صحيح لحماية هذا الجمال وهذا الأرز، البندقية والقوة هي التي تحمي الجمال وهي التي تحمي لبنان.
ثانياً: تجربة حزب الله.
قدَّم حزب الله كمقاومة تجربة جديدة لم يألفها الناس في منطقتنا، بل أدَّعي بأن الناس لم يألفوها في العالم، وقد قرأتم بالتأكيد عن المقاومات الدولية، ولكنكم رأيتم مقاومة ليست كالتي قرأتم عنها، هذه المقاومة نتجت عن إيمانٍ والتزام، وتميَّزت بالانضباط الكامل في مسارها وحركتها، تحمل أخلاقاً لا يبرِّر التخلي عنها حالة المعركة، فالأخلاق في داخل المعركة وفي خارجها واحدة لا تتغير. قدَّمت المقاومة نموذجاً خاصاً ومميزاً عن كل المقاومات الأخرى، وأسوق لكم مثلين لتبيان نموذج هذه المقاومة:
المثل الأول: عندما كان إخواننا في الجنوب يخطِّطون لعملية من العمليات، ويرون أن طفلاً أو امرأة أو عجوزاً أو شخصاً بريئاً مرَّ في الأثناء, فإنَّهم يوقفون العملية ويغيِّرون توقيتها كي لا يُقتل هذا البريء، وإذا فترضنا أنهم قاموا بعملية وبمحض المصادفة مرَّ مدنيٌ فقُتل، كنَّا نبحث عن عائلته بعد ذلك ونطبق الحكم الشرعي الإسلامي: بوجوب دفع دِيَّة القتل الخطأ، فنرسل الدِّية إلى عائلته.. أيُ مقاومة في العالم تقوم بهذا الأداء؟!.
والمثل الثاني: عندما كنا يضطر المقاومون في بعض الحالات أثناء عملهم المقاوم أن يدخلوا إلى بيتٍ للسكن فيه فترة من الزمن وأهله غائبون عنه، يضطرون لأكل (المكدوس والزيتون والزعتر والمونة الموجودة في داخل البيت) لعدم القدرة على الخروج لإحضار تموين إلى هذا المكان، خشية الانكشاف... كان الأخ المسؤول مكلفاً أن يكتب ما الذي أكله وأخذه وخرَّبه في هذا البيت، ثم يرفع تقريراً إلى المسؤولين، ويضع ورقة في مكان ما في المنزل ليراجعوا حول المفقودات على رقم الهاتف التالي، ثم يتم التعويض المالي بدل الطعام والتلف, بما ينسجم مع أخلاقيات هذه المقاومة الشريفة التي تقدِّم في سبيل الله تعالى. تأكدوا أن نموذجنا في المواجهة والقتال نموذج متدين يراعي الضوابط الشرعية, لأنَّنا نرى الله تعالى رقيباً علينا.
هذه المقاومة بأخلاقياتها وأدبياتها برزت بخطِّها الإسلامي، وشعبها المجاهد، وبيئتها الصالحة، وأهدافها السليمة، وسلوكها المستقيم، من الطبيعي أن تنجح لأنها وفَّرت عوامل الأرض وعوامل السماء. أما الآخرون فقد وفروا عوامل الأرض وقطعوا حبالهم مع السماء، فكُنَّا مع حبلٍ من الله وحبلٍ من الناس، فانتصرنا على حبلهم مع الناس لأنَّ الله أكبر.
لم نميِّز في مقاومتنا بين موقع وآخر، لأننا لم نجزِّء في حركتنا لتكون لنا مشروعات مختلفة، لذا كل شهدائنا في أي موقعٍ كانوا هم شهداء الواجب الجهادي، ولعلَّ هذا التعبير لا يُعجب البعض، ولكنَّه يعبِّر عن حقيقة أن شهداء المقاومة هم شهداء المواجهة مع إسرائيل ومشروعها ومع كل الأذناب الذين رضوا أن يكونوا جزءاً من هذا المشروع؟، وهذا أمرٌ لا نخفيه ونفتخر به، ليس لدينا موقفٌ مقاوم وآخر غير مقاوم، وليس لدينا جناح عسكري وآخر سياسي، هؤلاء الأوروبيون يضحكون على أنفسهم تقليداً لبريطانيا التي ميَّزت بين جناحٍ عسكري وجناحٍ سياسي لأنهم بحاجة إلى العلاقة معنا، وهم يناورون على شعوبهم بأنهم يتحاورون مع السياسيين وليس مع العسكريين، ونسوا أنَّ الطفل عندنا عسكريُ وسياسي في آنٍ معاً.
لن نتفرج على التجمع الدولي الإقليمي، ومن كل حدبٍ وصوب يتآمرون على المشروع المقاوم ونحن ننتظرهم في خنادق محصنة ليباغتونا أو ليجرُّونا إلى خطواتهم، سنستخدم كل الإمكانات المتاحة في المكان المناسب، والزمان المناسب، لنواجه أولئك الذين يستهدفون ضرب المقاومة مباشرة أو بشكل غير مباشر، ولن نكون جزءاً من خطوات الاعتراف بإسرائيل وتوسيع نفوذها وسيطرتها في منطقتنا.
ثالثاً: الأزمة السورية.
ينتقل مشروع ضرب المقاومة من مكان إلى آخر بحسب تقديرات الدوائر الاستكبارية وإسرائيل في قدرتهم على مواجهته، بدأوا بمحاولة ضرب هذا المشروع في لبنان من خلال حرب تموز 2006، وهم يعتقدون أنهم يضربون اليد المباشرة للمقاومة، ففشلوا. ثم كرَّروا المحاولة في فلسطين لضرب غزة سنة 2008-2009 ففشلوا. عندها فكَّروا أن يذهبوا الى الرأس المقاوم والمؤثِّر، فافتعلوا مشكلة النووي الإيراني، وكادوا مراراً وتكراراً أن يخوضوا حرباً ضد إيران، وفي زمن رئاسة "جورج بوش" كان الفاصل عن الحرب أسابيع عدة، ولكنَّها إرادة الله تعالى أن يبتلي الأمريكيون في جورجيا مع الروس، وأن تنهار المنظومة الاقتصادية داخل أمريكا، فيتلهون بمشاكلهم إضافة إلى حذرهم من ردة الفعل الايرانية, فمرَّت تلك المرحلة، وبقي هذا الرأس قائماً يناور معهم ويواجههم ويواجهونه من دون أن يحققوا الإنجاز المطلوب. عندما وجدوا بأن الأيدي حرة في سلوكها، والرأس يضخ إمكانات المقاومة في كل مجالٍ تحتاج إليه، وجدوا بأن ضرب جسر العبور هو الحل، فقرروا قطع هذا الجسر بضرب سوريا لضرب الموقع المقاوم. لذا فإنَّ إسقاط النظام في سوريا يهدف إلى ثلاثة أمور:
1) إراحة إسرائيل.
2) تعطيل مستقبل المقاومة وإسقاط آمال التغيير والاستقلال.
3) تسهيل رسم خارطة المنطقة أمريكياً وفق مصالحها.
 قال البعض: أنَّ المشكلة في سوريا هي مشكلة نظام وإصلاحات، ولكن ما نراه لا علاقة له بالإصلاحات لا من قريب ولا من بعيد! أية إصلاحات تستدعي أن تتدخل الدول الكبرى تمويلاً وتسليحاً وإعلاناً ومواقف يومية ومؤتمرات ومؤامرات من أجل معالجة الوضع في سوريا! أية إصلاحات تستدعي أن يشارك مقاتلون من 29 دولة لتحقيق الإصلاحات المنشودة في مواجهة السلطة!. نحن نسمع تصريحاتهم، هم يريدون إسقاط سوريا، يريدون إسقاط المشروع السوري في عملية المواجهة، وإلاَّ فالإصلاحات يمكن أن تحصل بالضغوطات السياسية والحوار والتظاهرات والأساليب المختلفة، ويمكن التفتيش عن إبداع في كيفية المواجهة السياسية المشروعة، ولكن ما نراه هو تآمرٌ دولي بكل ما للكلمة من معنى لضرب الموقع المقاوم في سوريا. ولا علاقة لما يجري بحق الشعب السوري المشروع في أن يكون له إصلاحات وأن يكون حراً في خياراته, ولكن ليست المواجهة الدولية - الاقليمية المسلَّحة هي الطريقة التي يمكن أن توصل إلى نتيجة!.
ما يجري في سوريا لا علاقة له بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد، ولا علاقة له بالخلافات المذهبية، ولا بالمطالب الإصلاحية ولا بحقوق الشعب، بل هو تدمير منهجي كحلقة من حلقات ضرب المقاومة، وإلاَّ فليجلسوا على طاولة واحدة ليتحاوروا.
رابعاً: لبنان وقانون الانتخابات.
لبنان ليس متروكاً، فعينُ الدول على لبنان، وليتَهُم يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ عنه, فهذا أرحم للبنان. أمَّا الحياد الذي يتحدثون عنه في لبنان فضوابطه الاستثمار الدولي، وهل تظنون بأنَّ الاستقرار الذي يتحدثون عنه هو كرمى لعيون اللبنانيين! هم يتحدثون عن استقرارٍ  في لبنان يمنع سوريا من أن تستفيد من لبنان في معركتها ومشروعها مع الاستكبار، ولو كانت المصلحة غير ذلك لأثاروا الفوضى في لبنان تحت عنوان مصلحة لبنان.
إنَّ محاولات جر لبنان إلى الفتنة لم تتوقف، والذي لم يأخذ لبنان إلى الفتنة هو الطرف المقاوم الذي واجه الفتنة بصبرٍ وتحمُّل. المفتنون يشتموننا فلا نرد، ويخرج بعض وعاظ السلاطين فنشكو أمرنا إلى الله تعالى، ويحاولون إثارة البلبلة والمشاعر المذهبية والتحريض من أجل أن يتحرك شعبنا فنصبِّر الناس ونوعِّيهم ليروا حجم الأهداف الكبرى والإنجازات العظيمة التي لا يجوز أن تضيع في زواريب بعض المتسلقين الذين يريدون مناصبهم ومكاسبهم على جماجم الآخرين.
نحن نؤمن بالاستقرار ونرفض الفتنة، ونعلن دائماً بأنَّنا نريد التعاون مع الجميع من أجل أن ننقذ بلدنا لبنان، وليكن واضحاً: لا نقبل لبنان المزرعة، ولا نقبل لبنان الطائفة المهيمنة أياً كانت هذه الطائفة، بل نريد لبنان الوطن لجميع أبنائه ونحن جزءٌ من أبنائه، أتحدَّى أن دلوني على موقفٍ لم نعمل فيه ضمن هذه القواعد!.
كنَّا مرنين إلى أقصى حد في مناقشة قوانين الانتخابات على قاعدة المعايير الواضحة والمحدَّدة، ورفضنا الإستنسابية المُفرطة التي تقيس الرضا بالقانون على قاعدة المحافظة على المكتسبات، لقد أصبح قانون الانتخابات المطلوب تطبيقه في موعدها ليس قانوناً للاختيار الشعبي الحر، بل لتجاوز الاستحقاق الانتخابي مع الإبقاء على المصالح التي كانت قائمة، بالتركيبة المزوِّرة لإرادة الشعب.
في انتخابات سنة 2009 أجرى أحد مراكز الدراسات إحصاءات بعدد الأصوات، وعدد النواب، فتبين أن 45% من أصوات الشعب اللبناني حصلت على 55% من المقاعد النيابية، وأن 55% من الأصوات حصلت على 45% من المقاعد النيابية، وكان الفرق 146000 ناخب، هذا ظلم!، وهذا القانون غير عادل. بكل صراحة: كل القوانين العادلة تعطينا أغلبية وهذه مشكلتهم، وكل القوانين الظالمة تعطيهم أغلبية، ولكن لا تقولوا لنا بأن القوانين الظالمة عادلة، لقد صرَّح أحد أركان المستقبل, وأهنئه على هذه الجرأة, قائلاً بأنَّ جماعة 8 آذار تريد قانوناً للانتخابات يخسر معه حزب المستقبل نصف المقاعد النيابية، وأقول له: صدَقْتَ في هذا القول، فالقانون العادل يخسِّركم نصف المقاعد النيابية وهي مقاعد المسيحيين التي لا يحصلون عليها بسبب القانون المعتمد، فقانون  الستين يعطي المسيحيين 40 نائباً من أصل 64 نائباً، أي أنَّهم لا يختارون 24 نائباً، ولكن بقانون النسبية وبأضعف حساباتها يحصلون بالحد الأدنى على 58 إلى 60 نائب، أما إذا كانت النسبية دائرة واحدة على مستوى لبنان فيحصلون على حقوقهم بالكامل.
أما قانون مختلط القوات والمستقبل فهو مختلط بين قواتٍ تريد مستقبلاً تحت خيمة تيار المستقبل وعلى حساب شعبها، وهذه تركيبة مفرطة في الاستنسابية والمحافظة على المكتسبات، وهي تركيبة فاشلة، وأقول بصراحة: حزب الله لا يتأثر بكل الخيارات الانتخابية، وحركة أمل أيضاً لا تتأثر، نعم يتأثر حلفاؤنا وكذلك لا يكون التمثيل عادلا, ونحن مهتمون بعدالة التمثيل وهي منسجمة في الواقع مع متطلبات حلفائنا.
إنَّ الإجماع على رفض قانون الستين مسرحية سمجة لا معنى لها، فالأغلب يريد الستين، فإن أرادوه فلينتخبوا على الستين، فنظرنا ليس إلى عدد النواب وإنما نظرنا إلى موقع لبنان في المنطقة والمستقبل، ولن نجعل لبنان مطية لأحد, وسيبقى لبنان مرفوع الرأس بجيشه وشعبه ومقاومته. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.