محاضرات

الكلمة التي ألقاها نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في حفل تخريج للهيئات النسائية الذي أقيم في مركز الإمام الخميني(قده) الثقافي

الدورات باسم السيدة زينب(ع) والعنوان هو الإعداد، والهدف هو الإسعاف، والعاملات متطوعات، عناوين أربعة كل واحد منها يحمل معنى نبيلاً شريفاً وعظيماً يصلح أن يكون بذاته هدفاً قائماً أمامنا، فالسيدة زينب(ع)، ونحن في ذكرى ولادتها، هي أم المصائب التي تميزت بحمل آلامها وجراحاتها وصعوبات المسار في كربلاء...

03/07/2003م
الدورات باسم السيدة زينب(ع) والعنوان هو الإعداد، والهدف هو الإسعاف، والعاملات متطوعات، عناوين أربعة كل واحد منها يحمل معنى نبيلاً شريفاً وعظيماً يصلح أن يكون بذاته هدفاً قائماً أمامنا، فالسيدة زينب(ع)، ونحن في ذكرى ولادتها، هي أم المصائب التي تميزت بحمل آلامها وجراحاتها وصعوبات المسار في كربلاء...

وتابعت مسيرتها بكل جرأة وثقة بالله تعالى وحققت الأهداف لثورة الإمام الحسين(ع)، فلم تؤثر فيها الجراح ولم تقعدها الآلام وإنما بقيت في ساحة العمل قوية نشيطة معطاءة بارزة بما يتطلبه الدور الذي قامت به، فالسيدة زينب(ع) هي المؤمنة المجاهدة العاملة العابدة التي تتميز بأرقى الصفات، هي التي قال عنها الإمام الحسين(ع) عندما خاطبها:" يا أختاه لا تنسيني في نافلة الليل"، وهذا يدل على عبادتها وأدائها وعلى تفاعلها مع الله تعالى، وهي التي ذهبت معه إلى كربلاء، فكانت في كربلاء نموذجاً للنصير والمساعد فلم تتحول إلى عبء وإنما تحولت إلى سند حقيقي يساعد في العطاء وفي الجهاد، وأخذت دورها بعد كربلاء بشكل واضح في الإعلام عن الثورة وفي توضيح أحداث كربلاء، حتى قال علماؤنا وأجمعوا على هذا، لولا الدور الإعلامي للسيدة زينب(ع) لطمست المعالم الكثيرة لكربلاء، فكان موقف الإمام الحسين(ع) في الجهاد والشهادة عنواناً لأهداف كربلاء وإعلام السيدة زينب(ع) هو العنوان الآخر الذي تمم العنوان الأول وترافق معه وسانده وأيده، وهي في آنٍ معاً لم تتحرك بدافع العصبية أو العائلية وإنما تحركت بدافع المعنى الإسلامي العميق الذي حملته،وقد وقفت عند يزيد بكلمات أتمنى أن تطلعوا عليها بدقة فهي تبين عمق الثقافة الإسلامية والوعي الإسلامي الذي تحمله هذه السيدة الجليلة، وهي تعرف ماذا تفعل وإلى أين ستصل وكيف ستحقق الأهداف؟ فمما قالت له وهو الخليفة المتجبر:" لئن اتخذتنا مغنماً لتجدنا وشيكاً مغرماً حين لا تجد إلاَّ ما قدمت يداك وما ربك بظلام للعبيد"، فلا تظن يا يزيد أنك ربحت فأنت خاسر لأن العبرة في الحساب عند الله تعالى وهناك تقيم الأعمال لا بمقياس النجاحات المؤقتة التي يشتبه بها البعض ويعتبرها نجاحاً لكنها تكون خسارة حقيقية، فالغنم في نظر يزيد هو غرم حقيقي، والغنم في نظره بالنسبة للسيدة زينب(ع) ومن معها هو غنم في يوم القيامة، مهما تحدثنا عن هذه السيدة العظيمة سنجد أننا نستفيد من علمها وعبادتها ومواقفها ودقتها في رصد الموقف وفي اتخاذه وتحديده، ومن يطلع بدقة على حياتها يجد بأنها(ع) برزت حيث يجب، فنحن تعرفنا على زينب(ع) من كربلاء وما بعد كربلاء، أمَّا ما قبل كربلاء فسيرتها محدودة جداً ولم تصل إلينا تفاصيل دقيقة لها علاقة بحياتها، لأن الموقف في كربلاء استلزم منها أن تكون في المواقع المتقدمة، ولكن المواقف الأخرى قبل كربلاء لم تستلزم منها ذلك فلم تكن في تلك المواقف، وهذا مؤشر على طريق عمل المرأة في أن تتصدر حيث يجب وأن تكون في الموقع الذي تؤدي فيه الدور، لا أن تنافس كيفما كان على موقع ودور لا ينفع ولا يقدم شيئاً، فالسيدة زينب(ع) هي النموذج والعطاء.‏

أما الإعداد وهو العنوان الثاني فهو عمل شريف وضروري في آنٍ معاً، من أجل أن نحمل قدرة ومهارات تساعدنا بشكل مباشر على القيام بواجباتنا ومتطلبات ساحاتنا، إذ لا يكفي أن نحمل الإيمان ونفتخر به، وإن كان الإيمان مطلوباً فهو يعالج جانباً من الجوانب التي لها علاقة باختيار طريق الهداية وبالطاعة لله تعالى، ولكن عندما نعمل في الساحة في كل الحقول فنحن بحاجة إلى مهارات تنسجم مع هذه الحقول التي نعمل فيها، إذ لا يمكن أن تنجح مستشفى من دون أطباء وممرضين وممرضات يحملون الاختصاصات الملائمة، ولا تنجح مدرسة إذا لم يكن فيها المعلمون والمعلمات والإداريون وأصحاب الاختصاص في هذا، ولا ينجح مبنى نريد بناءه إذا لم يكن قد أشرف عليه المهندس والبناؤون وأصحاب الاختصاص، إذاً في كل حقل من حقول حياتنا نحتاج إلى التعلم لاكتساب المهارات ونحتاج إلى الإعداد لإمتلاك القدرة على التعبير، وإلاَّ لا يمكن ان نبلسم الجراح بأن نكثر من الصلاة وإن كانت الصلاة ضرورية ومؤثرة ومفيدة، وإنما يجب أن نتعلم كيفية بلسمتها بشكل مهني وعملي ثم نضيف إلى هذا دعاءنا وصلاتنا واتكالنا على الله تعالى لنطفي على هذا العمل قوة معنوية إضافية تساعد في حسن إنجازه وحسن أدائه.‏

فالإعداد ضروري من أجل اكتساب المهارات، ولا ينقصنا شيء في أن نأخذ هذا الإعداد بعين الاعتبار، وأن نمكن ساحتنا من أن تتمكن من التأثير والفائدة وبناء مقومات المجتمع المقاوم الذي نعمل من خلاله، وإلاَّ بقينا نعتمد على الآخرين وإذا استقلنا من مهماتنا في المواقع المختلفة، فهذا يعني أننا عاجزون عن أداء جيد ينسجم مع متطلبات موقعنا ودورنا، فلذا يعتبر الإعداد ضرورياً وهو طريق من طرق النجاح المباشر في عملنا الإسلامي وهذا أمر مطلوب يجب أن نجمع بين إيماننا وإعدادنا في المجالات العلمية المختلفة، يجب أن نجمع بين صلاتنا وإمتلاكنا للمهارات العملية المؤثرة، يجب ان نجمع بين رساليتنا وإتقاننا للقدرات الفنية التي تنسجم مع الاختصاص او العمل من أجل أن ننجح ونقدم النموذج ومن اجل أن نخطو إلى الأمام، فلا يكفي أن نحقق النجاحات في المقاومة أو نحقق النجاحات في رؤيتنا الفكرية من دون ان نحقق النجاحات في كل المجالات الأخرى التي يجب ان نكون فيها أوائل، وأن لا نكتفي في مجال واحد دون آخر.‏

نحن نعمل من أجل مجتمع المقاومة، ولو لم نكن مجتمع مقاومة لما استطعنا أن نحقق النجاحات الباهرة في طرد إسرائيل من الجنوب والبقاع الغربي في القسم الأكبر من لبنان، ولولا البناء على مجتمع المقاومة لما استطعنا أن نشكل حلقة تكامل من أجل الفوز، فالمجاهدون يقومون بالعمل العسكري المباشر لطرد المحتل، ولكنهم بحاجة إلى خلفية تساندهم وتعينهم، وهذه الخلفية تتمثل بالقدرة السياسية والقدرة العملية وبالدعم المؤسساتي وببلسمة الجراحات ورعاية عوائل الشهداء والاتصال والتواصل والعمل مع الأطراف لتشكيل إجماع حول المقاومة، وهكذا فالتكامل بين العمل العسكري والأعمال الأخرى بأقسامها المختلفة هو الذي أعطانا هذه القوة وهو الذي حقق لنا هذا النجاح، ولا يمكن الفصل بين هذه الأمور على الإطلاق، لو لم نكن مجتمعاً فاعلاً مع بعضنا البعض في المجالات كافة لما انتصرنا، فالبندقية وحدها لا تحقق نصر، أمَّا البندقية التي تنطلق من إيمان ودعم شعبي وتعاون بين الأفرقاء ومدد في المجالات المختلفة واستفادة من الاختصاصات والقدرات وبذل للمال والإمكانات، عندها يمكنها أن تحقق الإنجازات الكبرى ويمكنها أن تتقدم إلى الأمام.‏

إن معركتنا مع إسرائيل معركة طويلة جداً، ولا يظن البعض أنها يمكن أن تنتهي بأيام أو أشهر أو سنوات، هي طويلة جداً بطول تدخل الاستكبار الأمريكي في منطقتنا، وبطول الظلم الذي يمارس على منطقتنا، وبطول التقاعس الموجود عند الكثير من الأنظمة والحركات والمنظمات التي لا تقوم بواجباتها على مستوى العالم العربي والإسلامي، وهذا لا يجعلنا في الموقع المتريث، ولا يجعلنا في الموقع المستسلم وإنما يجعلنا في الموقع الذي نكثف فيه إعدادنا لنعوض هذا النقص القائم، ولنشجع الآخرين ونحفزهم من اجل أن يسلكوا نفس المسلك كي نتمكن من تشكيل القدرة الكافية للتصدي للعدوان الإسرائيلي في أي وقت أتى وفي أي وقت كان، كي نكون حجر عثرة أمام مخططاته، وإلاَّ كان يمكن أن يصيبنا الانهيار وأن تتحقق الخسائر الكبرى.‏

في معركتنا مع إسرائيل لا خيار أمامنا إلاَّ أن ننتصر أو ننهزم ولا يوجد بين هذين الخيارين خيار ثالث، في معركتنا مع إسرائيل إما أم نكون أقوياء لندافع عن أنفسنا ونأخذ حقنا، وإمَّا أن يسيطر علينا الاستكبار لأن مصالحه مع إسرائيل وليست معنا بحسب القواعد المعمول بها حتى الآن.‏

في معركتنا مع إسرائيل إمَّا أن نطرد المحتل وإمَّا أن يأخذ أرضنا ويطردنا منها كما طرد الملايين من الفلسطينيين من داخل فلسطين، ولا يمكن الاعتماد على أي قرار دولي، أو خارطة طريق، أو تدخل استكباري، لأنها عوامل في طريق مواجهة مشروع الاستقرار ولمصلحة المشروع الإسرائيلي، ولا خيار أمامنا إلاَّ أن نعد أنفسنا دائماً لنكون أقوياء في مواجهة التحديات وفي المجالات كافة لتتكامل مع بعضها كي نواجه هذه الصعوبة وهذه المشكلة المستعصية الموجودة في منطقتنا والتي تعنونت بعنوان إسرائيل.‏

فالإعداد مطلوب ولا حد له، والإعداد يجب أن يكون متقناً، وحذار أن تكتفوا بالقليل من الإعداد، والإعداد يجب أن يكون متخصصاً وحذار أن تقبلوا بأمور سطحية عادية أثناء الإعداد، والإعداد مسؤولية فلا يمكن أن يتصرف الإنسان ويتصدى كيفما كان، فالإعداد مهمة جليلة وعظيمة.‏

أما العنوان الثالث فهو الإسعاف، فالإسعاف بلسمة للجراح، وتقديم للآخرين، وإعطاء في لحظة الحاجة، فهذا الجريح الذي ينقذه مسعف أو مسعفة في اللحظة التي يحتاجه فيها، أو يبلسم جراحه ويخفف من آلامه يكون بذلك قد قدَّم خدمة جليلة لهذا الإنسان وأنتم تعلمون أن الجسد إذا كان مريضاً أو معاقاً أو جريحاً فإنَّ قدرات الإنسان تتعطل وتُربك، فضلاً عن واجبنا اتجاه هذا الجريح لأنه قدَّم في موقع متقدم، ولأنه ضحى أمامنا وجرح نيابة عنَّا، ولأنه ساهم في هذا المشروع الكبير فلا بدَّ أن نكون إلى جانبه، فعمل الإسعاف وبلسمة الجراح هو عمل شريف ونبيل.‏

أمَّا العنوان الرابع وهو التطوع، فالتطوع يتشابه مع ما نقول عنه في فهمنا الشرعي العمل الذي يبغي الأجر من الله تعالى بكل معاني الأجر سواء كان يدخل فيه العنوان المادي أو المعنوي أو الدنيوي أو الأخروي، فالأجر عنده الله تعالى هو الذي ييَّسره الله تعالى للإنسان بطريقة أو بأخرى، فالتطوع هنا عمل يساهم في سد ثغرات كثيرة وفي إعطاء إمكانات إضافية لساحتنا حتى لا نتوقف عند حدود وجود الإمكانات المادية او ضعفها، وكي نتمكن من الاستفادة من طاقات كثيرة موجودة في المجتمع وهذا إن شاء الله تعالى يدخل في الأجر الذي يعطي الله تعالى عليه ويثيب الله جلَّ وعلا كل من ساهم وأعطى وقدَّم.‏

وأقول بكل وضوح: قوتنا في لبنان أننا عملنا كجماعة مترابطة وقوة في كافة الميادين، ولو عملنا كمقاومة عسكرية فقط لفشلنا لأننا سنتحول عندها إلى مجموعة من المسلحين والمكاتب المنفصلة عن حياة الناس وعن شؤون الناس وعندها يسهل ضرب هذه المجموعة لأنها مجموعة مقطوعة عن جذورها وعن تفاصيل حياة الناس، أمَّا عندما كانت حركتنا منسجمة مع تعاليم الإسلام ومضمونه الذي يلبي احتياجات ومتطلبات الشيخ الكبير كما يلبي احتياجات الطفل، ويتعاطى مع الرجل والمرأة في أدوارهما، فلولا أن فهمنا للإسلام كان مرتبطاً بهذه الرؤية الشمولية التي استمدت من الإمام الخميني(قده) حيويتها وحركيتها وفاعليتها في المجتمع وفي الحياة وامتدت إلى كل مفاصل المجتمع وإلى كل اختصاصات الحياة وغلى كل الأنشطة وإلى كل الفئات لما استطعنا أن ننجح في مقاومتنا للعدو الإسرائيلي.‏

نحن بحاجة إلى كل طاقة وإلى كل عنصر وإلى كل أخت في كل المجتمع ليكون جزءًا لا يتجزأ من مجتمع المقاوم، نحن لا ندعو إلى مجتمع مقاومة يؤسس أثناء الحرب ثم يتوقف بعد ذلك، بل ندعو إلى مجتمع مقاومة دائم لأننا في حرب دائمة مع إسرائيل إلى أن نقتلعها من منطقتنا وأن نتخلص من شرورها وآثامها والتي تعم كل هذه المنطقة، وعليه يجب أن تكون كل الطاقات محشودة في هذا الاتجاه من الطفل إلى الشيخ إلى المرأة إلى الشاب والشابة، ولا يمكن أن نحيِّد أي إنسان في هذه المعركة بل يجب أن يكون الجميع مساهمين في هذا الأمر وهذا تكليفنا ودورنا، وفي أي موقع من المواقع يمكن أن يقدم فيه الإنسان شيئاً إيجابياً من أجل أن نكون جميعاً في هذه المسيرة المقاومة فهذا يعني أننا نقدم مساهمة، ولا تنظروا إلى موقع هذه المساهمة بل انظروا إلى تقييم الله تعالى بأنها في سبيل الله.‏