وقد حضر الحفل الوزير ماريو عون والنواب حكمت ديب ونوار الساحلي وحشد من المهنيين والنقابيين، ومما جاء فيها:
في هذه الأمسية موضوعان: فالموضوع الأول له علاقة بالمقاومة، والمقاومة هي هذا العنوان الذي رفع اسم لبنان عالياً في المنطقة والعالم، أصبح لبنان يفخر بأن لديه شجعان، أن لديه أناس من الرجال والنساء والشباب والشابات والأطفال، لا يهابون ولا يخافون من أجل حريتهم، وكرامتهم واستقلالهم، ولا يرضون بفتات الدول الكبرى، يريدون أرضهم كاملة، ومعنوياتهم عالية، يريدون التحرير بلا منَّة من أحد، هذا الوطن القوي بجيشه وشعبه ومقاومته، هو مفخرة لنا ومفخرة العرب ومفخرة العالم، سنبقى نرفع لواءه أمام العالم بأسره، لأنها أعطتنا العزة ولا يخجل الإنسان من عزة وإنما يخشى من استسلامه وخنوعه وذله أمام المستكبرين وأمام الأعداء.
هذه المقاومة في زماننا الحاضر مرَّت بثلاث مراحل:
- المرحلة الأولى قبل التحرير في 25 أيار سنة 2000، فكانت المقاومة مشروعاً نحاول أن نقنع به الآخرين، ونحاول أن نثبت جدواه، لكنه بقي في إطار المشروع، الذين يمكن أن ينجح ويمكن أن يفشل.
- أمَّا بعد التحرير بعد 25 أيار سنة 2000، حقَّقت المقاومة إنجازاً أثبت جدواها، فأصبحنا نستطيع أن نخاطب العالم بأسره، بأن المقاومة تحمل قابلية الانتصار، وتحمل قابلية التحرير والاستقلال، لم تعد فكرة وإنما أصبحت حقيقة، ولم تعد مشروعاً وإنما تحولت إلى إنجاز، وبالتالي يمكن المقارنة مع غيرها عملياً للوصول إلى النتائج التي نبتغيها.
- أمَّا ثالثاً: فبعد الانتصار في تموز سنة 2006، أصبحت المقاومة ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها، لأن قيامة لبنان بعد العدوان الإسرائيلي هي قيامة ثابتة راسخة في الأرض لا يتجرأ العدو معها إلاَّ أن يفكر ببعض المناوشات أو الاعتداءات أو بأي عمل يمكن أن يقوم به مستقبلاً، ولكن هذا العدو أدرك كما أدركنا أن احتلال لبنان لم يعد متاحاً أمامه، بإمكانه أن يقتل وأن يعتدي ولكن ليس بإمكانه أن يحتل، لأن الدماء التي سقطت أصبحت سداً منيعاً أمام أي محتلٍ يفكر بغزو لبنان، أبطال لبنان وشعب لبنان لن يسمحوا له، لنا الفخر أننا من هؤلاء ومن هذا الشعب الأبي.
لقد انتقل لبنان من البلد الضعيف إلى البلد القوي، ونحن بحاجة إلى قوة لبنان لهدفين:
أولاً: للتحرير، لتحرير كامل الأرض اللبنانية من دون استئذان، وثانياً وبعد التحرير لمواجهة الخطر الإسرائيلي الجاثم أمامنا على الحدود، والذي يحمل مشروعاً من الفرات إلى النيل. وهذان الهدفان نعلنهما بوضوح وبصراحة، نحن لم نتعود أن نعمل في الخفاء، ولن نتعود أن نطلق شعارات لا مصداقية لها، نحن اليوم أمام مشروع إسرائيلي خطر، وبالتالي علينا أن نبقى واقفين لندافع عن أنفسنا، لنحمي بلدنا، لنؤسس لأجيالنا في المستقبل، من الذي يملك صلاحية إبطال قوته تحت عنوان إرضاء مجلس الأمن أو الدول الكبرى؟ من الذي يملك صلاحية أن يجعل بلدنا موطئ قدم للاحتلال الإسرائيلي يدخل إليه ساعة يشاء؟ من الذي يملك صلاحية أن يعطي الضمانات ليكون لبنان بمنأى عن أطماع هؤلاء؟ صدقوا وأنتم تعلمون وبالتجربة الحيّة أنه لولا بندقية المقاومة لما ارتفع رأس لبنان، وبالتالي لا يمكن أن نتخلى عما يرفع رأس لبنان.
نعم هناك نقاشات، إلى متى يبقى السلاح؟ وهل يبقى من دون أن يساهم الجميع في معمودية الدم وفي المقاومة؟ تعجبنا بعض الخطب التي تتحدث عن رغبتها في المشاركة في المقاومة، ظناً منهم أن المنابر تكفي كرسالة مقاومة، لكن نحن نعلم أن المقاومة سيرٌ في الوعر، وجُرحٌ للأيدي والأرجل، ونومٌ بلا طعام، وقتال فيه جَرح أو شهادة، بالتالي المقاومة ليست أغنية على المسارح ، المقاومة أغنية الدم في ساحة الجهاد في الجنوب وعلى خط المواجهة.
نحن واقعيون، نعتبر أن الإستراتيجية الدفاعية التي تحدث الجميع عنها هي الحل، إذاً إن شاء الله في جلسات الحوار نناقش الإستراتيجية الدفاعية لنستفيد من قوة لبنان، من مقاومته وجيشه وشعبه ولنرى كيف نستفيد من هذه الإمكانات المختلفة، من كان لديه رغبة بأن يدخل من بوابة المقاومة حتى لا تكون حكراً على أحد يستطيع أن يدلي بدلوه على طاولة الحوار ليأخذ المتحاورون بعين الاعتبار أثناء الإستراتيجية الدفاعية كيف يساهم هؤلاء في دورهم في المقاومة. ومن يؤمن بطريقة آخر لتحرير لبنان عليه أن يقدم إثباتاً عملياً مدعماً بالأدلة الحسية، لقد ناقشنا سابقاً طويلاً هل الدبلوماسية تحرر أو المقاومة تحرر؟ ولم يملك أي منّا قدرة الإثبات، لكن بعد التحرير سنة 2000 أثبتنا أن المقاومة حرَّرت، وأن القرار 425 الذي بقي 22 سنة لم يُحرر ولم يُبدل ولم يغير لأننا أمام مجلس أمن ودول كبرى تدعم إسرائيل في متطلباتها وحاجاتها ولا تدعم حقوقنا.
على كل حال، قوة لبنان محل فخر واعتزاز عند الشعب اللبناني بأسره، وهذه القوة هي بالتأكيد مزعجة ومؤلمة لإسرائيل وأمريكا ومن معهما، ولا نستطيع أن نقوم بمقاومة لا تزعج الأعداء، فإذا كان البعض حريصاً أن لا ينزعج الأعداء فهذا غير ممكن، لا بدَّ أن يكون مع شعبه لأن هذا الشعب مأنوس جداً لأنه حرَّر بالدم وثبت أمام العالم.
لا يكفي التصريح السياسي لمنع التوطين، ولا للقيام بواجب الدفاع عن لبنان، ولا بمواجهة المشروع الإسرائيلي، وهذا لا يتحقَّق إلاَّ بالإيمان والإرادة والقوة، نحن نريد أن تعود الأرض المحتلة إلى أهلها، نحن ندعم الفلسطينيين في تحرير أرضهم، وهذا حقٌ مشروع، ويجب أن نكون مع الحق، وهذا شرف أن نكون إلى جانب المظلومين في أي مكان في العالم، وبالتأكيد عندما نناصر بعضنا بعضاً يرى المستكبرون أنهم عاجزون. وأصحاب القضية.
أمَّا بالنسبة لموضوع الحكومة، ليس مطروحاً لدى أحد أي تعديل على آليات تشكيل حكومة لبنانية وفق الدستور، ولم نسمع هذه الأطروحة التي تتحدث عن صلاحيات إلاَّ كنوع من الإثارة الإعلامية التي تخفي في طياتها محاولة إثارة الساحة، لأن لا أحد يريد اليوم أن تتشكل الحكومة إلاَّ وفق الآليات المعروفة لتشكيل الحكومة، تطرح بعض الجهات فلاشات سياسية لإلهاء اللبنانيين وذلك لإثبات حضورهم في أنهم موجودون في الساحة، وللتملص من المسؤولية السياسية، وهدفها إشغال الساحة، وهي ترتكز على إثارة العصبيات الطائفية والمذهبية، وتحرض الناس على بعضها، سينفضح هؤلاء وسيكتشف الناس عاجلاً أم آجلاً الخداع المرتكب، لقد سمعنا شعارات كثيرة قبل الانتخابات النيابية، اختفت بين ليلة وضحاها عند إنجاز الانتخابات، والآن بعض الشعارات التي نسمعها هي من سنخية تلك الحقبة التي مرَّت قبل الانتخابات كمحاولة لإثارة التوتر الإعلامي والسياسي، ولكن هذا التوتر يضر البلد بأكمله، ولا ينفع رواده، ولا يحقِّق لهم أي إنجاز، التوتر الإعلامي السياسي يخرِّب الساحة، ولكنه لا يحقق أي هدف من الأهداف لمن يسعى إليه.
نحن نعتبر أن القضية الوحيدة المطروحة اليوم هي تشكيل الحكومة، ليس مطروحاً استعادة الماضي، ولا مطروحاً التأسيس لاستراتيجيات المستقبل، وكل كلمة مسؤولة ولها تبعاتها، سواءً أن صدرت من المسؤولين الأوائل أو من أتباعهم أو جماعتهم، لا يستطيع أحد أن يتملص من جماعته ويضع لنفسه فاصلاً بأنه يتصرف بحكمة ولكن الآخرين شذاذ آفاق، المسؤولية واحدة وعلينا أن نلتفت بأننا اليوم نحتاج إلى إنهاء حالة التوتر وذلك لمصلحة الجميع، عندما نطالب بالتهدئة إنما نطالب بذلك ليتساعد الجميع في الغرف المغلقة من أجل إنجاز المطلوب لمصلحة لبنان، فالمطالب والنقاشات التي تحصل في الغرف المغلقة مهما كانت حادّة ومهما كانت معقدة تجد لها حلاً وتجد لها تسوية، أمَّا عندما تصبح المطالب مجالاً للتحدي عبر وسائل الإعلام، فبدل أن ننجز مشكلة الحكومة نحتاج إلى خطوة قبلها لإيقاف تداعيات التراشق الكلامي، ولإعادة المعنويات للأطراف المختلفة، وصدقوني أن إعادة المعنويات أصعب من تشكيل الحكومة، ولذا لا داعي لإضاعة الوقت بهذه الطريقة، ولا داعي لإرباك الساحة من دون فائدة، لأننا سنكون عندها عند تدخل إعلامي سياسي نفسي معنوي يُعطل كل شيء.
في الحقيقة كنت أتساءل، ما هذا السر ببراعة البعض في إيجاد نقاط الخلاف من لا شيء، وتوتير الأجواء بلا سبب وهم يستحقون عليها علامة 20/20، بينما عندما نأتي إلى التوافق تراهم عاجزين، لا يستطيعون التقدم خطوة واحدة والتنافس بطريقة موضوعية من أجل المعالجة، ما هو هذا السر؟ هذا دليل ضعف، وإنما يحتاج إلى الظلم الضعيف، وإنما يحتاج إلى إثارة البلبلة من لا يملك المنطق، وإنما يفكر بقلب الطاولة من تعجز حجته، أمَّا من كان لديه الحجة ولديه الدليل يستطيع أن يحاور ويستطيع أن يصل.
إنَّ مسار تشكيل الحكومة اللبنانية معروف، أولاً : الصيغة، ثانياً : توزيع الوزارات، ثالثاً: تحديد الأسماء، رابعاً : البيان الوزاري، خامساً: أخذ الثقة. الحمد لله تمَّ إنجاز أصعب مرحلة وهي مرحلة الصيغة، وهذه الصيغة أُنجزت وهي محل تأكيد جميع الذين يحبون التوافق في هذا البلد، وجميع الذين يدركون أن الحل هو في هذا السبيل، وإن كان يحاول البعض بين الحين والآخر أن يضع العراقيل في طريق التوافق، ولكن يبدو أن الفرصة غير متاحة لهؤلاء، لأن التوافق أقوى، التوافق يدعو له الإنسان الذي يحب اخوانه ويحب بلده، والله تعالى يبارك المتوافقين والمتوحدين والموحدين في آنٍ معاً.
على هذا الأساس من المفروض أن تكون الخطوة الثانية والثالثة هما الخطوتان من أجل إنجاز جزء من مسار الحكومة، وإن شاء الله يتوفق المعنيون والمسؤولون في متابعة هذا الملف، الآن نحن أمام حكومة وحدة وطنية وهذا أمر جيد للجميع، ونحن أمام توافق سياسي على صيغة اتفقنا عليها وهذا أمر مفيد للجميع، علينا أن نتابع وهذه مسؤولية من يتابع تشكيل الحكومة بحسب الدستور من دون تعديل في الصلاحيات، وسنرى إذا كان كل واحد يقوم بمهامه المطلوبة.