هل يمكن أن نحمي وطننا في لبنان إذا لم نحمِ وطننا في سوريا؟
الكلمة التي ألقاها في المؤتمر الإعلامي الدولي لمواجهة الإرهاب التكفيري-دمشق في 24-7-2015.
ومما جاء فيها:
علينا أن نشكر سوريا على رعايتها لهذا المؤتمر الكريم الذي يضم نخبة من الإعلاميين والمفكرين والعلماء وأصحاب الرأي في مجال مواجهة التحديات وأبرز هذه التحديات هو مواجهة الإرهاب التكفيري.
أولاً: سوريا تواجه عدواناً دولياً إقليمياً لتغير اتجاهها السياسي من محور المقاومة الى المحور الأمريكي الإسرائيلي فعندما يشاركُ من دول العالم كل هؤلاء التكفيرين الذين أتوا من أكثر من ثمانين بلداً فهذا ابعد ما يكون من المطالب الإصلاحية الداخلية التي يدّعيها البعض. لقد أخطأ المعتدون في حساب المدّة الزمنية وحساب التكلفة أكانوا يظنون بأنهم ينتهون خلال أشهر وأن التكلفة محدودّة ولكن وجدوا أن إجراء هذا التحول عسيرٌ جداً فقد تبين أن سوريا بقيادتها المتمثلة بالرئيس بشار الأسد وجيشها العربي قائد حرب تشرين وشعبها الذي عرف عنه التمسك بالوطن والقضية الفلسطينية المركزية.
سوريا هذه اثبتت أنها عصية فكسرت مشروع تغيبر الاتجاه ولا يستطيع أحد بعد هذه المدّة الزمنية وهذه السنوات الأربع ونيف أن يكسر إرادة الشعب السوري وجيشه وهذه الخطوات العظيمة الذي قامَ بها المقاومون من أبناء هذا الشعب ومن معه.
نحن اليوم امام سوريا التي تجاوزت خطر التحول وتغيير الاتجاه .لم يعد بالإمكان أن تسقط سوريا ولم يعد بالإمكان أن تتجه خارج دائرة محور المقاومة وهي الان في مرحلة إعادة دورها المحوري تمهيداً لمعالجة نتائج الحرب عليها وقد شارك محور المقاومة إلى جانب سوريا بكل فخرٍ واعتزازٍ، واضح أننا لم نختبئ عندما شاركنا في التصدي للمؤامرة بينما اختبأ أولئك الذين دعموا التكفيرين ظنّاً منهم انهم بذلك يحققون المكتسبات ثم يتربعون على العرش وإذا بعروشهم تسقط وستسقط ان شاء لله تعالى. أسأل هنا كيف يحق لمحور الشرق أن يجمع كل وحوشه ومجرميه لضرب سوريا المقاومة ثم يستنكرون علينا أن يجتمع محور المقاومة لدعم سوريا المقاومة، سوريا التاريخ والمستقبل سوريا الأسد، سوريا الشعب العربي.
لقد لمسنا بالدليل والبرهان أن تماسك محور المقاومة كان سبباً رئيساً لانتصارات عظيمة حصلت في منطقتنا، وليكن معلوماً ونحن نفتخر بذلك. لم يكن حزب الله لينتصر في مواجهة إسرائيل سنة 2006 لولا دعم محور المقاومة وعلى رأسهم إيران وسوريا، ولم يكن لغزة فلسطين أن ترفع رأسها لولا دعم محور المقاومة، ولذا نقول لهم سيبقى محور المقاومة متماسكاً ولو كره الكافرون ولو كره المنافقون.
بكل وضوح محور المقاومة ليس كبيراً لا بعديده ولا بعدته وإمكانياته محدودة ومع ذلك حقق هذه الانجازات العظيمة في مواجهة العدوان الاسرائيلي والاحتلال الاسرائيلي والامريكي والتقسيم ومشروع الشرق الأوسط الجديد والإرهاب التكفيري القادم من خلف النفط والغرب.
لقد بدأت التحولات في منطقتنا بدءاً من الانتصار في تموز سنة 2006 وهذه ستستمر بشكل تصاعدي والأدلة واضحة أمامنا بما يجري في سوريا والعراق وباقي المنطقة، ولطالما دعونا الى الوحدة العربية والوحدة الإسلامية على أساس حقوقنا المشروعة وأن نلتف حول القضية الفلسطينية وعندها سينجز الجميع الكثير وسيربح الكثير لأن أيَّ ربحٍ لجزء من المحور هو ربح للجميع لكنهم لم يستجيبوا وسيدفعون ثمن هذا الموقف.
ثانياً: إيران ركنٌ مركزي في محور المقاومة وقد تحملت الكثير الكثير منذ انتصار الثورة الإيرانية المباركة سنة 1979 على يد ومحيي الدين الإمام الخميني (قده)، تحملت أمام محاولة القضاء عليها في مهدها ثم ضربها بالعدوان العراقي الدولي ثم محاولة تفتيتها من الداخل بإثارة القلاقل وعبر الحرب الناعمة، واستمر الحصار عليها أربع وثلاثون سنة لتستسلم ولكن إيران انتصرت ووقفت شامخة أمام العالم لتكون قبلة للأحرار حتى ولو لم يرَ أولئك الجاحدون نور الشمس الساطعة من إيران الى كل العالم.
لقد أنجزت إيران اتفاقاً بينها وبين دول العالم الكبرى فكانت الند للند مع كل هذه الدول التي اجتمعت واعترفت بحق إيران لتخصيب النووي السلمي من دون ان تغير إيران مواقفها المبدئية والسياسية وهي تجاهر بذلك ليل نهار وتمارس هذا الامر عملياً بالقيادة الواعية الحكيمة المسددة لإمام الخامنئي (حفظه الله). فيا أيها العرب ويا أيها المسلمون ويا أيها الاحرار اتعظُ مما ترونه في ساحة المواجهَ.
ثالثاً: التكفيريون صنيعة أمريكا والنفط الخليجي، لقد أعطوهم كل التسهيلات لارتكاب الجرائم البشعة ضد الشعب السوري ليعبروا من خلالها للسيطرة على سوريا لكنهم فشلوا، ثم تحول الآن الى وحشٍ لمواجهة مشغليهم ولكن لم يتعظ الغرب حتى الآن نحن نقول لهم لا يمكنكم تجنب وحشية التكفيريين في بلدانكم وان لم تكونوا جديين في مواجهتهم قبل فوات الأوان فستدفعون أثماناً باهظة بسبب هذا الوحش الكاسر الذي لا يطيق نفسه فكيف يطيق الاخرين. محور المقاومة هو الذي يواجه بجد الإرهاب التكفيري وبفعالية في سوريا والعراق ولبنان والمنطقة، وعلى كل حال نحن نرى أن النتيجة لمصلحة هذا المحور إن شاء الله، وسيسقط هؤلاء التكفيريون ولو بعد حين متمثلين بما قاله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) عندما قاتل الخوارج فجاءه من يقول لقد انتهوا وهلكوا جميعاً فقال لهم كلا والله انهم نطف في اصلاب الرجال وقرارات النساء كلما نجمَ منهم قرنٌ قطع حتى يكون آخرهم لصوصًا سلابين! فإن شاء الله نحن في المرحلة الأخيرة مع اللصوص والسلابين.
لدى مشروع المقاومة عاملا قوة كبيرين الحق بالأرض والحرية والكرامة والشعب الذي يلتف حوله ويؤمن بمصيره والمستقبل، ولدى المحور المعادي عاملا ضعف: الباطل لأنهم يعتدون ويريدون التسلط على الآخرين والاجرام بالوسائل الوحشية الذي يستخدمها، وعادةً ما يكون النصر للحق والشعب ولا يمكن أن بكون للباطل والاجرام، هذه سنة الله تعالى على ارضه قال تعالى (انا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) وبالتالي هذا النصر إن شاء الله نراه قريباً في هذه الدنيا.
رابعاً: الاعلام يخدم مشروعاً يضعه نصب عينيه سواء كان الاعلام موجهاً بطريقة إيجابية أو موجهاً بطريقة سلبية، الحمد لله أن اعلام المقاومة يملك رصيداً مهماً في أنه اعلام الحقائق، هذا الاعلام من مسؤوليته أن يعرض الحقائق بحِرَفية وسرعة واسعة الانتشار وعندها يكون الخبر الأول ويفرض نفسه رغم كل الأكاذيب والأضاليل التي يحاولون بثها بأن يعرض الحقيقة، والحقيقة قادرة أن تكشف زيف الآخرين. وعن رسول الله (ص)"أتقى الناس من قال الحق فيما له وعليه" وهذا ما عليه إعلاننا إن شاء الله تعالى. أخبارنا الإعلامية أقوى بصدقها من أخبارهم و أكاذيبهم وعلينا تظهيرها والتركيز عليها، يقولون بأنهم يعملون من أجل الحقوق السياسية للشعب السوري، ونحن نقول بأن حق سوريا أن يختار شعبها ما يريد من دون تدخل خارجي وهذا القول أقوى من قولهم، يقولون سوريا تدعم الإرهاب أي المقاومة ونقول لهم سوريا تحمي استقلالها وتدعم القضية الفلسطينية وهي رأس المقاومة والمقاومة هي المنتصرة إن شاء الله تعالى، يقولون سوريا مع إيران في مواجهة النظام العربي ولكننا نقول: سوريا وايران في محور المقاومة في مواجهة مشروع إسرائيل وهذا أرسخ وأقوى وأثبت من أفكارهم.
خامساً: السعودية ترتكب جريمة العصر الكبرى بحق اليمن والعالم كله متواطئ، خاصة أن الجيش والشعب في اليمن يجاهد من أجل حريته وقراره، وفي نهاية المطاف سينتصر رغم كل التضحيات. السعودية للأسف بذلت الكثير لتخريب سوريا والعراق ولبنان والمنطقة لو بذلت نصف ما بذلته دعماً للقضية الفلسطينية لاقتلعنا إسرائيل من الوجود منذ زمن طويل، ولكن هم جزء من المشروع. ما الفرق بين داعش وإسرائيل والسعودية وأمريكا؟ داعش تقتل أفراداً ذبحاً وإسرائيل تقتلهم بالطائرات والسعودية تمارس الأداء الإسرائيلي مع اليمن وأمريكا ترعى منظمة الإدارة والدعم والحماية. نحن معنيون أن نستمر رغم كل هذه الصعوبات والتضحيات.
أقول لكم نحن نراهن على شعوب المنطقة، الشعب العراقي طرد الاحتلال الأمريكي ووجه ضربة قاسية لداعش وأوقف مشروعها العدواني التوسعي، البحرين نموذج المطالبة السلمية للحقوق السياسية المشروعة وهو يستحق أن يقف كل العالم معهم و أن يستجيب النظام لمطالب شعبه العادل وفي هذا مصلحة لنظام والشعب، مصر مستهدفة من الإرهاب التكفيري ودورها محوري ومهم في عملية المواجهة أما في لبنان فالاستقرار الذي يتحدث عنه البعض بأنه اقرب الى المعجزة مع كل هذه الصعوبات الموجودة في المنطقة ، لا، الاستقرار في لبنان ليس معجزة، الاستقرار في لبنان صناعة ثلاثي الجيش و الشعب والمقاومة وإلا لعصفت أزمة المنطقة على لبنان كما يجري وجرى في التاريخ القريب. إن قوة حزب الله في لبنان أنجزت تحريراً وانتصاراً وحمت لبنان من العدوان وإمارات التكفيريين واجرامهم، هذه القوة نريدها لمصلحة لبنان والوطن، هذه القوة في خدمة مشروع المقاومة، وأي جزء في هذا المحور يتضرر يتضرر أجزاؤه، وأي جزءٍ ينتصر ينتصر المحور بكامله، وهذا ما نعمل له من أجل أن نكون فائزين بحقّنا وعندها يربح جميع من في المحور وهذا حقّنا. لا بد من أن نرسل تحية الى روسيا لموقفها الفعال في دعم سوريا، هذا الموقف النبيل مليء بالأرباح مقابل الخسائر للمشروع الأمريكي، نحن نوجه تحية الى الشهداء، شهداء المقاومة في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق واليمن وفي كل موقع من المواقع.
أما في الختام، فسأتحدث بجملٍ سريعة عن رؤيتنا المستقبلية: الحل في سوريا يجب ان يكون سياسياً وبين أبناء الشعب السوري مع علمنا أن الخيارات السياسية الآن مقفلة، وذلك لعدم قدرة العدو على استثمار عدوانه المتنقل في المنطقة، وهو لا يريد أن يعطي سوريا منحةً بعد هذه الفترة الطويلة من العدوان ولكن حتى لو انتظر لأكثر من شهرٍ أو سنة ففي النهاية الخيار سياسي والشعب السوري هو الذي سيختار ولن يستطيع أحد أن يملي عليه أي شيء وهو في موقع المقاومة.
نحن مستمرون كحزب الله في دعم سوريا المقاومة وسنكون في كل موقع يتطلبه مشروع المقاومة فهذا موقفٌ وطنيٌ قوميٌ واسلامي، لا تعلمون أين نكون وأين لا نكون، يعتبرون بأن حزب الله خرج عن وطنيته بخروجه من لبنان، وهل يمكن أن نحمي وطننا في لبنان إذا لم نحمِ وطننا في سوريا؟ وهل يمكن أن نحمي وطننا لبنان إذا لم نخرج إسرائيل من وطننا فلسطين؟ كل هذه المنطقة وطن واحد لنا فلا تلعبوا لتفرقوا بيننا سنكون يدًا واحدة وسلاحًا واحداً. شهداء المواجهة مع التكفيريين هم أنفسهم شهداء المقاومة ضد إسرائيل ونحن نعتبر أن التكفيريين جزء من المشروع الإسرائيلي المعادي وهما من مدرسة الإرهاب الواحدة.
لعله من المفيد ان نستخدم مصطلح المشروع الإسرائيلي التكفيري لأننا وجدنا تماهياً، مع العلم أن الأمر كبير على الإرهاب التكفيري لأنه ذراعٌ بسيطة في إدارة إسرائيل، وإن شاء لله تقطع هذه الذراع قريبا. خسائر المشروع الآخر تتراكم وارباح مشروعنا المقاوم تزداد وهذا ما يشجعنا. نحن ندعو الأنظمة العربية أن تعيد النظر في سياستها و أن تتدارك الموقف وتقلل الخسائر على شعوبها كما ندعو الى جبهة واسعة عربية إسلامية لمواجهة الخطر التكفيري، وندعو لأن تكون فلسطين دائماً هي الأولوية وقلب المشروع لأن كل مصائبنا من إسرائيل.
أختم بالقول: سوريا لن تخضع لمشروع شرق أوسط جديد وإن شاء الله ستكون دعامة مشروع شرق مقاوم يستطيع أن يضخ العزة والكرامة في هذه المنطقة.