كل الفوضى التي ترونها اليوم في عالمنا الإسلامي والعربي هي بسبب أمريكا التي تريد أن تتحكم بمقدراتنا وإمكاناتنا، وتريد أن تدير شؤوننا بما يؤدي إلى مصالحها حتى ولو أدى ذلك إلى تخريب النفوس والبلاد والعباد، هذه الدولة المتغطرسة تدور حول إبقاء إسرائيل فزاعة لكل العرب والمسلمين، وهذه الدولة المستكبرة تعطي وعودًا لزبانيتها وجماعتها بأنها ستقف معهم وستعطيهم بعض المصالح، وبعدها ترميهم دون أن تسألهم عنهم وعن تاريخهم وعن عطاءاتهم لأنهم لا يمثلون شيئاً بالنسبة إليها.
أتحدى هؤلاء إذا كانت وعدت أمريكا وعدًا واحدًا ووفت به في يوم من الأيام، دائمًا تعتذر لأن مصالحها تختلف، وأن التطورات الموجودة تغيرت، ولديها ألف سبب وسبب لتتنصل من مسوؤليتها، وولديها ألف سبب وسبب لتجعل بلداننا خربة.
مشروع أمريكا هو إعادة صياغة الشرق الأوسط الجديد بالدم والخراب، ولكن بكل صراحة فقدت أمريكا زمام المبادرة، ولم تعد قادرة على ضبط الإيقاع، ولم تتمكن الأدوات الطيِّعة من دول وأنظمة وحركات أن تحقق أهداف أمريكا، في المقابل تجاوز الإرهاب التكفيري حدوده وطوائفه وأراد أن يتجاوز الخطوط الحمر التي أرادتها أمريكا المشغلة لهؤلاء التكفيريين، فتحول الوحش الذي أرادوا إخافة الآخرين به إلى وحشٍ يشعرون بأنه بدأ يشكل خطرًا عليهم لأن مطالبه تجاوزت مطالبهم.
نحن الآن في إطار أزمة موجودة في المنطقة، آسف أن أقول أن الأزمة طويلة وبالحد الأدنى لسنوات، وبحسب التحليل الأمريكي لثلاث سنوات من أجل إعداد خمسة عشر ألف مقاتل ليغيروا المعادلة في سوريا (هذه نكتة) فالذين يقاتلون في سوريا منذ ثلاث سنوات بمئات الآلاف ومن كل حدبٍ وصوب ولديهم الحوافز والمبررات الخاصة لأن يقتلوا أنفسهم من أجل قضيتهم، فمن أين سيأتي الأمريكيون بجماعة تغير الواقع.
الأزمة طويلة لسنوات، ولا أفق لحل أي موضوع, وقضايا المنطقة متداخلة ومتشابكة ومعقدة، إذًا نحن أمام مشهد منطقة لا حلول فيها، أي أننا في مرحلة استنزاف وإضاعة وقت وانتظار، وعلينا أن نعرف كيف نعمل في ظل هذه الظروف المعقدة.
ثانيًا: قلنا من اليوم الأول للأزمة السورية: هناك مشروع لتدمير سوريا المقاومة من أجل إنشاء سوريا التي تواكب المشروع الإسرائيلي، ولتحويل الاتجاه لخدمة الكيان الإسرائيلي، وقالوا هي محاولات إصلاح، توجد بعض المقومات التي تريدها المعارضة من أجل إجراء تعديلات في النظام، فماذا تقولون الآن بعد ثلاث سنوات ونصف بعد أن رأيتم حوالي مئتي ألف شهيد وقتيل في سوريا، وهذا التدمير الواسع المستفحل.
قلنا التكفيريون خطر على الجميع وليسوا علينا وحدنا، ولكن تعاملتم معهم كجزء لا يتجزأ من مشروعكم، وحاولتم أن تستثمروا هذه العلاقة، وعقدتم عليهم الآمال ولكن ماذا كانت النتيجة؟ لفظوكم جانبًا وأصبحتم أيضًا مدانين كما الآخرون تمامًا، لأن التكفيريين لا يقبلون أنفسهم ولا يقبلون بعضهم، ولا يطيقون جيرانهم فكيف يطيقونكم أنتم البعيدون عن آرائهم وقناعاتهم.
وقلنا التكفيريون يستهدفون لبنان، وركز بعض السياسيين على تغطية نشاطاتهم والدفاع عنها وتبريرها، وقد انكشف كل المخطط التكفيري من بوابة عرسال، ولا يستطيع أحد أن يقول غير هذا بعد أن تجلت الأمور وأصبحت مكشوفة للجميع.
بكل وضوح: لبنان دفع أخطار الأزمة السورية بحكمة عقلائه، وبصمود وثبات الجيش اللبناني، وأداء حزب الله وحلفائه ولولا هذه المواقف الشريفة والشجاعة لانتقلت المعارك إلى داخل لبنان في كل حيٍ ودسكرة ومنطقة.
سأكرر قولًا قلنا مرارًا: لولا حزب الله لأنجزت داعش إمارتها على الحدود الشرقية للبنان، وكنا أمام منطقة لسعد حداد التكفيرية على غرار سعد حداد الإسرائيلية بأخطارها وأهدافها ، لولا حزب الله لكانت داعش تقيم حواجز في جونية وبيروت وصيدا وفي كل منطقة في لبنان وتخيف الصغير ولبنان، والحمد الله أن وفقنا الله تعالى بأن ذهبنا إلى سوريا وقاتلنا في الوقت المناسب، وكنا حيث يجب أن نكون لنمنع هذا الخطر الكبير ونوقفه عند حدوده الدنيا التي لا يستطيع معها أن يفعل شيء، ولا يستطيع معها أن ينجز شيئًا على الإطلاق بإذن الله تعالى.
أما المطالبة من قبل البعض بخروج حزب الله من سوريا كالمطالبة بإلغاء المقاومة ضد إسرائيل، لأنه يصبح لبنان مرمىً للأعداء على اختلاف مشاربهم، ولقمة سائغة للاحتلالات المتنوعة بأفكارها وآرائها، كيف تدافعون عن لبنان؟ إذا كانوا يريدون تجريده من قوته وإمكاناته وقدرته، لا لن نترك لبنان مكشوفًا لا لداعش ولا للنصرة ولا لإسرائيل كرمى لعيون المهزومين، الذين يبحثون مكانة ودور على حساب الآخرين، والذين لا يراعون مصلحة لبنان ولا مستقبله. ولن نستسلم لمقترحات تجرِّد لبنان من قوته وعزته وكرامته ونصره، هذه المطالب هي أقرب إلى الهرطقة منها إلى المقترحات.
بالله عليكم قولوا لي: إذا خرج حزب الله من سوريا مَنْ يوقف داعش وملحقاته من أن يصل إلى أي منطقة؟ مع كل ما عملناه وأنتم ترون كيف ينتشر الرعب في أماكن مختلفة.
لكن اطمئنكم :إنجازات حزب الله في لبنان ليست عادية هي عظيمة جدًا، إنجازات الأبطال الشجعان والشهداء والعوائل والأمهات والأخوات والأطفال والشيوخ والقرى، إنجازات الأبطال الذين لا يخافون في الله لومة لائم، إنجازات الذين وضعوا حدًا لكل أولئك يفكرون بتخريب لبنان علينا، ومن الطبيعي أن تصاحب هذه الإنجازات تضحيات، وما حصل في عين ساعة وعسال الورد هو جزء من التضحيات الطبيعية التي لولاها ولولا غيرها من التضحيات لما حققنا هذه الإنجازات.
إذا كان البعض يريد أن يعرف واقعنا فنحن نطمئنه إلى النتائج وأننا لسنا قلقين على الإطلاق، بل نتوسع في التحرير ونوقع الخسائر بالتكفيريين ومن معهم, وهم الآن خارج كل قرى القلمون المجاورة للبقاع, وهم في الوديان والجبال مطاردون ولن يتمكنوا إن شاء الله من تأمين ملاذٍ واحدٍ دافيء في القرى التي خرجوا منها ببركة المجاهدين الذين واجهوهم مع أبطال الجيش السوري ومع كل الذين عملوا بمواجهة هذا الخطر الداهم على لبنان.
أما الاعتداء على الجيش التي تقوم به بعض العصابات فهو اعتداءٌ مرفوضٌ بالكامل وهو اعتداءُ على كل لبنان, ودعم الجيش واجب بكل الوسائل والامكانات, ومساندته والوقوف إلى جانبه فرض عينٍ على اللبنانيين من دون استثناء، وأقول لأولئك الذين يتحدثون خجلًا دعمًا للجيش اللبناني مرة في السنة، ويسيئون إليه مرات ومرات بحججٍ واهية، إذا كنتم جديين في دعمكم للجيش فتوقفوا عن التبرير للجماعة التكفيرية وعن حمايتها وعن محاولة إعطاء ضمانات وبيئة سياسية تساعدها على أن تستمر، اكشفوهم وافضحوهم وكونوا إلى جانب جيشكم على الأقل تستطيعون الحصول على مكرمة لطالما كانت بعيدة خلال الفترات السابقة، ولعلَّ هذه المكرمة تكون توبة تجب ما قبلها بسبب الإساءات الكثيرة التي حصلت بحق لبنان وبحق الجيش اللبناني.