ومما جاء فيها:
تبرز المواءمة بين الدولة والمقاومة من خلال الأمور التالية:
1- لم تباشر المقاومة أي عمل من أعمال الدولة خلال كل هذه الفترة التي قامت خلالها بمواجهة إسرائيل، فلا هي غيَّرت من واقع الحكم أو سيطرت عليه، ولا عدَّلت من قواعد الانتخاب التي تأتي بالممثلين وفق القوانين المرعية الإجراء، والأمن بيد القوى الأمنية والعسكرية، والجباية لأموال الدولة من خلال مؤسساتها المعروفة، والقضاء يقوم بدوره في الفصل في النزاعات ومحاكمة ومحاسبة المرتكبين، وهكذا كل الدولة بكل مؤسساتها وتفصيلاتها تقوم بعملها، والمقاومة في هذا الموقع ملتزمة تماماً بضوابط وقوانين الدولة، ولم تخرج عنها ولم تقف في مواجهتها، ولم تطرح نفسها بديلاً عن هذه المؤسسات.
2- قامت المقاومة بالدفاع عن لبنان بوجه العدوان الإسرائيلي متعاونة مع الجيش اللبناني بقدر ظروفه، ولم تتدخل في صلاحيات الجيش، سواء في الانتشار على الحدود، أو قيامه بالرد في معركة العديسة، أو بمشاركته في صد عدوان 2006، فالجيش يقوم بمهامه بمقدار ما يرى مناسباً وبمقدار ما تستلزم خططه وبرامجه وظروفه الموضوعية، وهذا عنوان من عناوين الفصل الواقع بين المقاومة والدولة.
3- وافقت المقاومة على نقاش الاستراتيجية الوطنية للدفاع، لتحقيق أوسع إجماع وطني حول منهجية واحدة في تكامل المقاومة والدولة، فعرضت رؤيتها وسمعت رؤى الآخرين، على قاعدة تحرير وحماية لبنان، وليس على قاعدة البحث عن تعديل التوازن بين القوى السياسية من بوابة نزع السلاح للقيام بإجراءات تساعد على تغليب قوى على قوى بحجة الاستراتيجية الدفاعية. قلنا بوضوح أن الإستراتيجية الدفاعية هي استراتيجية قوة لبنان للتحرير والحماية، وليست معبراً لتصفية الحساب أو لتعديل موازين القوى، الاستراتيجية الدفاعية هي نقاش الاستفادة من قوة المقاومة لإضافتها إلى قوة الدولة، لتكون قادرة على مواجهة الاستحقاقات وليست استراتيجية إضعاف الدولة من خلال إبطال قدرات أثبتت جدواها ومكانتها، فنقاش الاستراتيجية الدفاعية على قاعدة التحرير وحماية لبنان شكل من أشكال المواءمة بين الدولة والمقاومة.
السلاح من متطلبات المقاومة، كما أن الاتصالات السلكية والتدريب والتجهيز والتنظيم، ولذلك لا يوجد عنوان اسمه مناقشة السلاح، فهو أمر فرعي لأصلٍ أساس هو المقاومة، وسأكون صريحاً: هناك من لا يتجرأ في لبنان أن يُعلن أنه ضد مقاومة إسرائيل، فيتحدث عن السلاح ليُسقط السلاح تمهيداً لإسقاط المقاومة ليرتاح المشروع الاسرائيلي الأمريكي، وإذا كانوا أصحاب موقف جريء وصحيح فليقولوا أمام العالم: لا نريد مقاومة إسرائيل ولو احتلت أرضنا وبقيَت تهددنا، وإلا فهذا الالتفاف من خلال عنوان السلاح هو التفاف مكشوف ومفضوح.
اتجه الطرف الآخر لرفض السلاح، بحجة الإخلال بالتوازن الداخلي، ولكنه في الواقع يرفض المشروع السياسي الذي يرفض تثبيت إسرائيل في المنطقة، نحن من أنصار المشروع السياسي الذي يريد إعادة فلسطين إلى أهلها، ونحن داعمون للمشروع السياسي الذي لا يقبل بشرعنة الاحتلال، ونحن من أنصار المشروع السياسي الذي لا يقبل أن يبقى شبر واحد من الأرض محتلٌّ مهما كلفنا ذلك من ثمن، ولأننا نعتقد أن سقوط إسرائيل حياة لكل المنطقة العربية وللبنان، وبقاء إسرائيل موت للجميع ولو تنفسوا بعض الحياة لفترة من الزمن، لأنها عصا استكبارية تُستخدم من أجل تعطيل إمكاناتنا وقدراتنا ومستقبلنا.
4- التنسيق بين المقاومة والدولة هو الحالة النموذجية، وهذه الحالة أوصلتها الظروف الخاصة التي مرَّت بلبنان، لم يكن لنا علاقة بالتطورات والظروف، وإنما استفدنا منها واستفاد منها لبنان، وتشكلت هذه الحالة. حالة التنسيق اليوم بين المقاومة والدولة هي الحالة النموذجية، حيث لا تتحمل الدولة مسؤولية عمل المقاومة، ولا نوافق على تحميل الدولة مسؤولية عمل الدولة، لأنها ستخضع عندها للضغوطات التي لا تستطيع مواجهتها، وبهذه الطريقة التي نحن عليها من التنسيق، تستطيع الدولة أن تستثمر نتائج المقاومة في التحرير والدفاع، وإلا فأي طريقة أخرى لا يمكن أن تكون صالحة، ولقد سمعنا في فترات عديدة عن ضرورة التناغم بين الدولة والمقاومة، وكانوا يفسِّرون ذلك بأن يصدر الأمر من الدولة والحكومة للمقاومة للقيام بعمليات أو عدم القيام بها، وهل هناك حكومة تستطيع اتخاذ مثل هذه القرارات مع وجود أمريكا ومجلس الأمن والدول الأوروبية، وكل رعاة إسرائيل في المنطقة، الذين يجرون الاتصالات المختلفة بالدولة ويطالبونها بإيقاف الدفاع في مواجهة إسرائيل. من الأفضل للدولة أن تكون عاجزة عن تلبية متطلبات الغرب والدول الكبرى، فهذه مكرمة وقوة لبنان، بحيث تُستثمر المقاومة دون دفع الثمن.
كما تتجلى هذه العلاقة النموذجية بأبهى صورها من خلال المعادلة الثلاثية: الجيش والشعب والمقاومة، هذه العلاقة تعطي التماهي الكامل بين المقاومة والدولة، فلا تضارب في الوظائف والمهمات بل تكامل يخدم التحرير والحماية.