من حقنا أن نقول أننا انتصرنا في تموز ، وأستغرب أن البعض يقول : لماذا تتكلمون عن الانتصار؟ لماذا تفتخرون بالانتصار؟ بماذا نفتخر!؟ أنفتخر بهزائمكم ؟ أنفتخر باستسلامكم ؟ أنفتخر بتبعيّتكم وبالخمول الذي أصابكم ؟ من حقنا أن نفتخر بالانتصار وبالوحدة وبالتعاون، وبهذا الشعب الطيب في لبنان ، بالاهل، بالشجر، بكل الصمود ، من حقنا أن نرفع رأسنا عالياً ونقول لكل الأمة ولكل الاحرار : نعم ، هزمنا اسرائيل وحطمناها في لبنان ، وأخرجناها ذليلة ورؤوسنا عالية ، لأن علوّ رؤوسنا هذه تساعد لتُعطي المدد لأجيالنا حتى يرفعوا رؤوسهم كما ارتفعت رؤوس المقاومين والشهداء . نحن طلاب ثقافة الشهادة التي تعطي حياة في الدنيا والآخرة ، ولسنا طلاب ثقافة الحياة التي يريدونها فحياتهم ليس فيها حتى حياة في هذه الدنيا ، نحن مع الشهادة بالحياتين، وهم بالحياة بلا حياة .
سنعمل دائماً من أجل أن نكون أقوياء ، وسنقول للعالم بأننا سنمكِّن أنفسنا أكثر لنكون مؤهّلين لأي مواجهة يمكن أن تحصل في المستقبل . كيف يحق لأمريكا أن تتقوى ؟ وكيف يحقّ لاسرائيل أن تتقوى ؟ ولا يحقّ لنا أن نكون أقوياء ؟ كيف يشهرون للملأ بعض ما يعدُّونه للاعتداء على الانسانية ؟ ولا نُشهر للملأ بعض ما نعدُّه لحماية الانسانية.
من هنا ، إذا كنتم تنتظرون في السياسة مستقبل المقاومة ، أقول لكم أن مستقبل المقاومة هو استمراريتها وثباتها وزيادة قوتها ورفعة شأنها وتعميمها ، وإن شاء الله لا يبقى بيت حرّ إلا ويكون مقاوماً في مواجهة الاعداء .
إذا كان البعض يعتبر أن المقاومة تشكل عبئاً ، أقول له أن الوصاية هي اللعبء والاحتلال هو العبء ، ودليلي على هذا أن التحرير عندما حصل سنة 2000 ، أي عندما أُخرجت اسرائيل بالقوة من لبنان ، بدأ لبنان يزدهر ، بينما كان في جو الاحتلال غير مزدهر ، وإذا انتكس لبنان مرة أخرى فبسبب العدوان ، وبإمكاننا معاً أن نجعله يزدهر ، إلا إذا وُجد من لا يريد له الازدهار لأنه يعيش حالة الالتزام مع الوصاية الامريكية التي يريد أن يُدخلها إلى لبنان . نحن ندعو الجميع لأن نكون معاً من أجل ازدهار لبنان مجدداً .
في هذه الايام يحتفل الجيش اللبناني بعيده ، ونحن في حزب الله نحيّي هذا الجيش على مواقفه الشجاعة مع أهلنا ومقاومتنا وبلدنا في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي ، ليس فقط أثناء الوعد الصادق في سنة 2006 ، وإنما أيضاً في مواقع أخرى ، في عدوان نيسان 96 وفي مواجهة أنصارية ، كان الجيش اللبناني إلى جانب المقاومة بقدر ما تتحمّل المواجهة ، وبقدر الظروف الموضوعية التي يعيشها هذا الجيش . نحن نعتبر أن عقيدة الجيش اللبناني في هذه المرحلة التي هي عقيدة مقاومة تواجه اسرائيل وترفض التسليم لها ، هي عقيدة جيدة نؤيدها وندعمها، ونؤيد الجيش وندعمه. نحن لم نطالب بتغيير عقيدة الجيش ، غيرنا طالب بذلك ، نحن لم نعترض على أداء الجيش ثم بعد ذلك وافقنا عليه عندما قام بعمل اعتبرنا أنه سياسياً يصبّ في مصلحتنا ، نحن لم نبدِّل بين يوم وآخر ، تارة معه وتارة ضده، نحن نتعامل مع الجيش على أساس عقيدته وإيمانه ، أما هم فيتعاملون معه على أساس مصالحهم وعلى أساس ما يحققونه من مكتسبات . من هنا ، هذه المزايدة في تأييد الجيش من البعض لا تقدِّم ولاتؤخّر بالنسبة إلينا ، ما يهمُّنا أننا نعتبر أن هذا الجيش الذي قاوم اسرائيل مع المقاومة والشعب اللبناني، هو جيش مقاوم يدنا بيده في موقع واحد وفي مواجهة واحدة ، وإن شاء الله نستمر كذلك من أجل تحقيق كرامة وسيادة لبنان .
أمريكا اليوم تحاول أن تفتعل أعداء وهميين في منطقتنا ، وأن تفتعل معارك وهمية من أجل أن تجرّ المنطقة إلى مشروعها ، ولتغطي أيضاً سياساتها الفاشلة ، وتُشعل معركة المحاور الاقليمية الوهمية التي لا أساس لها ولا وجود لها ، لأنه لا يوجد في المنطقة العربية والاسلامية معتدلين ومتشدّدين ، هؤلاء جميعاً في المنطقة العربية والاسلامية يريدون العيش معاً والتعاون معاً ، وكل البلدان لها صلات ببعضها وبينها اتفاقات ، وتنمو بشكل كبير . أمريكا هي التي تفتعل الاعتدال والتطرف ، أمريكا هي التي تحاول أن تقسِّم بين البلدان ، وهي التي تركب موجة المشاكل في منطقتنا ، ما سمعناه عن التسليح في المنطقة هو التسليح لاسرائيل فقط ، لأن العرب عندما يتسلّحون يدفعون ثمن الاسلحة التي يأخذونها ، بينما إسرائيل عندما تتسلّح لا تدفع قرشاً واحداً ، بل أكثر من هذا ، فتسلّح اسرائيل يأتي من أرباح التسلح العربي ، وبالتالي إذا كانوا يعتقدون العرب أسلحة ، نقول لهم : أنتم لا تعطونهم ولا جميل لكم ، وهذا السلاح العربي لا يُعتبر مشكلة ونحن لا نخاف منه ، ولكنكم تسلِّحون اسرائيل من أجل أن تعتدي ، وتاريخها معروف بالاعتداء ، وأنتم تناصرونها ، فأمركم مكشوف أمام المنطقة العربية والاسلامية ، فإذا اعتقدتم أنكم تخيفوننا بهذا المستوى من التسلح ، نقول لكم : لن ينفعكم هذا المستوى لأن اسرائيل التي تعطونها السلاح تخاف من اسم حزب الله ومن المقاومة وليس من سلاحها . نحن الآن أمام محورين في المنطقة ، محور المقاومة والممانعة ، محور الشرف والافتخار ، ومحور الشيطان الذي تمثِّله أمريكا واسرائيل وأعوانهما لضرب السلم والاستقرار في منطقتنا وفي العالم ، هذه هي المواجهة الحقيقية ، بين محور المقاومة والممانعة ومحور الشيطان ، ولا توجد أي محاور أخرى ، وتظاهرة أمريكا التي حاولت افتعالها في الايام الماضية إنما هي أهم مؤشرات الفشل للسياسة الامريكية . ربما قرأ البعض هذا الاجتماع بموقف مهم ، واعتبر أن هذا الاجتماع دليل على خطط خطيرة وعلى تقدّم في المسار الامريكي في المنطقة ، بينما رأيت من هذا الحشد سداً لنقطة الضعف التي تعانيها أمريكا بعد الفشل في العراق وفلسطين ولبنان وسوريا وإيران ، وإن شاء الله لا يبقى منطقة تدخل إليها أمريكا وتعتدي عليها إلا وتفشل فيها ، وعلى كل حال لقد سمعنا استطلاعات الرأي حول "بوش" حيث تقول أنه أنجح فاشل في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية .
أما في الوضع الداخلي ، سأكون واضحاً في رسم الخطوط التي نعتقدها بناءة ومفيدة ، حيث لا تنفع التهم ولا تنفع الشتائم . لا يستطيع فريق السلطة أن ينهض بلبنان وحده ، ولا تستطيع المعارضة أن تنهض بلبنان وحدها ، من دوننا لن يتقدّموا خطوة واحدة ومن دونهم لا نستطيع أن نتقدم ، إنما الجمود والانهيار والتراجع ، نحن جميعاً نحتاج إلى تسوية تعيد الثقة المفقودة ، وتعطي الالتزامات المتبادلة التي تطمئن الطرفين ، خاصة أن الاستمرار بالواقع الحالي هو استمرار بالافق المسدود والطريق المسدودة . لقد جرّبتم لمدة ثمانية أشهر وحتى الآن ، وفشلتم فشلاً ذريعاً في إدارة البلاد ، ولا تنفع إضافة شهرين أو ثلاثة بل لا تنفع إضافة سنة أو سنتين ، إذاً لا تُتعبوا أنفسكم لأنكم إن استمرّيتم بهذه المنهجية ، فسيستمر الفشل وستتحمّلوا الاعباء الكثيرة، وسيُسجِّل التاريخ أنكم حكمتم متفردِّين لمدة من الزمن كانت أسوأ فترة في تاريخ لبنان ، وستكون أسماؤكم مسجلة في هذه السنة التي كان الفشل فيها هو الرائد ، ليس من مصلحتكم أن تنجحوا كأول فاشلين في تارخ لبنان .
نحن ننصحكم أن نعود إلى أجواء الثقة ليُعين بعضنا بعضا ، ويقيِّده أيضاً بالشراكة المفترضة فيما بيننا ، فإذا كنتم تخافون منا على أساس أن نلجأ إلى مواقف وقواعد وأعمال لا تُعجبكم ، فعندما نكون شركاء تستطيعون أن تسقطوا رأينا بالتصويت ، وإذا قمتم أنتم بإجراءات لا تُعجبنا أيضاً نُسقط رأيكم بالتصويت ، عندها لا ينجح في مجلس الوزراء إلا الرأي المتَّفق عليه بيننا ، فنكون قد وفَّرنا على الناس أن يكون التطاحن في البلد ، فيكون التطاحن في داخل مجلس الوزراء ، فتُخرج المطحنة ما ينفع الناس . إقتراحنا من موقع القوة وموقع الصبر والتحمّل حتى ولو طال الامر ، أن نقرَّ بالمشاركة، وأن نعمل من أجل نكون معاً ، فنقطة البداية لإعادة الثقة هي المشاركة ، وأول المشاركة حكومة الوحدة الوطنية ومن دونها لا يمكن أن نحافظ على لبنان معاً ، ولا يمكن أن ننجح ، تعالوا نتّفق أن نلتزم بالشراكة من خلال حكومة الوحدة الوطنية، لننطلق معاً من أجل المحافظة على قواعد الدستور ، وتعميم السلم الاهلي ، والعمل بما ينفع لتقوية الجيش وتقوية الممانعة في لبنان ليكون سيداً مستقلاً ، ونمنع معاً الوصاية الاجنبية بكافة أنواعها ، إقليمية أو دولية ، ونحافظ على استقلال لبنان بتشابك الايدي معاً ، هذا هو اقتراحنا لكم : أن نبدأ بنقطة الحكومة ، وبعدها نعالج كل شيء ، أن نجلس وجهاً لوجه في داخل الحكومة ونتحاور في كل شيء ، نحن إيجابيون ومنفتحون على الحل ، لا نريد أن نلعن الماضي ، ولا نريد أن نحمّلكم المسؤولية تلو الاخرى فالناس يرَون ، لكن بكل صراحة ، نحن ندعوكم إلى حل عملي وواقعي ، لا نقبل بصوَر تذكارية ، بل نريد أعمالاً تُذكِّر الناس بشجاعة الموقف الذي يمكن اتخاذه ، ليس المطلوب أن نعقد الحوار من أجل الحوار ، وإنما المطلوب أن نجتمع معاً من أجل الحلول الاخرى ، ولذا من معبر الحكومة الوطنية نتحاور ونقترب ونلتقي ، ونجتمع ثنائياً وجماعياً من أجل أن نصل إلى الحلول المرجوّة . أنتم تتهموننا أننا أدوات ، ونحن نتّهمك أنكم أدوات ، أنتم تتهموننا أننا نخدم إيران وسوريا ، ونحن نتهمكم أنكم تخدمون أمريكا وتساعدون المشروع الاسرائيلي ليتحقق في المنطقة ، لن أدخل في الردود المتبادلة ، لكن إذا دخلنا إلى حكومة وحدة وطنية نكون قد أعطيناكم شيئاً وأعطيتمونا شيئاً ، أعطيتمونا المشاركة الفعلية ، وأعطيناكم الغلبة وفق قواعد عمل مجلس الوزراء ، لتحكموا ولتتمكّنوا من أن تقودوا البلاد بالتعاون معنا ، وبالتالي تحصلون على شيء ونحصل على شيء ، لأننا لا نريد الحكم في مجلس الوزراء إلا من خلال قواعد الدستور ، خذوا حصّتكم دستورياً ونأخذ حصّتنا دستورياً ، فنحن لا نفتّش عما إذا كنتم تربحون أو لا ، نحن نفتش عما يُربِح الوطن ، باعتقادنا أن عوامل الثقة لا تبدأ إلا من خلال حكومة الوحدة الوطنية ، وتذكروا كلامي : إذا لم تحصل حكومة الوحدة الوطنية اليوم وحصلت بعد شهر ، سنكون قد خسرنا شهراً ، وإذا حصلت بعد ثلاثة أشهر سنكون قد خسرنا ثلاثة أشهر ، وإذا لم تحصل إلا بعد سنتين سنكون قد خسرنا سنتين ، لأنه لا خيار إلا بإعادة الثقة من نقطة الانطلاق ، نحن مصممون على نقطة انطلاق إيجابية، فلا تأخذونا إلى نقاط سلبية لتعيقوا هذا الانطلاق . نحن نمدّ اليد بشكل عمليّ وفعلي ، وبالتالي نحن نريد أن نعمل معاً لننجح معاً بإذن الله تعالى .