... السلام عليكم أيها الحفل الكريم ورحمة الله وبركاته.
لا بدَّ في البداية من توجيه تحية خالصة للشهداء الذين عبّدوا الطريق وعرّفونا معنى الحياة، فقد كنّا نقرأ عن الحياة ونستلهم من التاريخ عِبَره، لكننا بعد أن عِشنا معهم أصبحنا أكثر إدراكاً لمعنى الحياة، هكذا فهمناهم، وهكذا عرّفونا الشهادة، فإلى الشهداء الأبرار، وإلى سيدهم وشيخهم، إلى محيي النهضة والجهاد الإمام الخميني (قده)، إليهم جميعاً وكلّهم سادة نهدي ثواب السورة المباركة الفاتحة.
1- مشروع المقاومة:
ليست المقاومة ردّة فعلٍ اعتباطية أو عاطفية، بل هي مشروع تحرير وممانعة، هكذا أردناها، وهكذا بدأناها. ولعلّ الالتباس الحاصل عند الكثيرين عن هذا المعنى للمقاومة، إنما هو ناشئ عن بعض التجارب التي حاولت أن تستخدم المقاومة بطريقة ظرفية تبعدها عن أسسها وجذورها وتدخلها في حالة يومية تتماهى فيها مع تطورات الموقف وتكتيكات السياسية.
هذه المقاومة التي قامت في لبنان كنتاج طبيعي لتجربة غنية من مقاومات سبقتها فأخذت منها، وجذّرت في أدائها، فأتقنت ما استلهمته من عِبَر، وأصّلت ما اكتشفته من تجربة، بناءً على المنطلقات الثقافية والفكرية التي انطلقت منها هذه المقاومة، نحن نرفض أن تُنزع مقاومتنا الإسلامية من سياق الفعل المقاوم في منطقتنا وفي العالم، بل نرفض أن تنزع من سياقها التاريخي الممتد إلى الأنبياء والرسل والأحرار، لأن الرفض والممانعة ومواجهة الاحتلال هي أعمال مطلوبة لمن تجلّت الإنسانية في شخصه وفكره وأدائه.
على هذا الأساس، فإن مقاومتنا الإسلامية والوطنية هي حق مشروع، لأنها تمثّل الدفاع عن الوجود والقرار الحر، وترجمتها من خلال إخراج المحتل من أرضنا وحمايتها كي لا يعود مجدداً إليها، فهي ليست عملاً آنياً بردّة فعل، إنما هي عملٌ يؤصّل الممانعة والمواجهة.
2- مجتمع المقاومة:
والمقاومة بالنسبة إلينا، هي رؤية مجتمعية بكل أبعادها، فهي مقاومة عسكرية، وثقافية وسياسية وإعلامية، هي مقاومة الشعب والمجاهدين، هي مقاومة الحاكم والأمة، هي مقاومة الضمير الحر في أي موقع كان، وعليه, كنّا ندعو دائماً لبناء مجتمع المقاومة ولم نقبل يوماً بمجموعة المقاومة، لأنّ مجتمع المقاومة يحمل الاستمرارية، أما مجموعة المقاومة فأداؤها ظرفي، وبما أننا انطلقنا من جذور الإنسان في حريته، فلا بدّ أن تمتدّ حريته للتواصل مع بني الإنسان، وإلا أصبح في جزيرة معزولة، وهذا ما لا نريده وهي ليست مقاومتنا، فمن كان يطارد مجموعة المقاومة سيتعب كثيراً لأنه سيواجه مجتمع المقاومة.
برز هذا الأمر بشكل جلي أثناء حرب إسرائيل الواسعة في تموز 2006 على لبنان، والتي ردّ عليها لبنان بالوعد الصادق، فكان المقاتل في الجبهة محميّاً بالمرأة تحمل عذابات التهجير، وبالطفل يحمل أمل المستقبل، وبالشيخ يفتّش عن الرعاية والإطعام، وبشعب لبنان الأبي الذي أثبت للعالم أن كل حبة تراب وأرض فضلاًَ عن الروح والدم هي مقاومة، في كل بقع لبنان وليس في بقعة واحدة. هذا نموذج لمجتمع المقاومة، لو لم تكن المقاومة في ضمائر هؤلاء الناس لما رأيناها في كل بقعة من بقاع لبنان، ونحن نرفض من يحاول مقاربة الموقف بالشفقة على المهجرين، فأثناء عدوان تموز لم يكن هناك مهجرون، إنما أبطال انتقلوا من مكان إلى مكان آخر فتلقّاهم الصامدون من الشعب اللبناني لتعزيز بطولة من قاتل في بنت جبيل ومارون الراس والجنوب...
3- الشهادة طريق إلى الهدف:
نعم، نحن نؤمن بالشهادة، لكننا نؤمن بها طريقاً لتحقيق الهدف، فهي تتطلّب رعاية ضوابط دقيقة للوصول إليها، ومخطئ من يظن أن هدفنا الشهادة، لأن هدفنا هو سبيل الله تعالى، والشهادة طريق إلى هذا الهدف، كما إنفاق المال طريق إلى هذا الهدف، وكما الاستقامة طريق إلى هذا الهدف، وعليه عندما نؤمن بهذه الشهادة طريقاً إلى الهدف نخرجها عن دائرة التصلّب والعصبية، ونبعدها عن كونها هدفاً بحد ذاته، لأن من اتخذها هدفاً ضاع وضيّع الطريق، إذ أصبح يبحث عن الموت كيفما كان، إنّما كان يريد أن يصنع الحياة، هذه الشهادة استطاعت أن تدفعنا إلى المقدّمة، وأعادت لنا بُنية تربيتنا، هي ضد المحتلين والظالمين، وهنا يجب التمييز بين الاستعداد للشهادة والإقدام عليها، فليس المقصود من ثقافة الشهادة أن تنحصر حركة المؤمنين باتجاه السعي للشهادة وإنّما باتجاه توفر الاستعداد الكامل لتضحية بالنفس، عندما يتطلّب الموقف ذلك، وهنا، تمثّل الشهادة آخر خطوة بعد استنفاذ كل الجهود، لتكون السلاح الأمضى في المواجهة في حال عدم تكافؤ القوى، وهي النتيجة الطبيعية للدفاع المشروع عن الموقع وتحصين الهدف.
فالشهادة مع كونها أمنية القرب الأرقى من الله عز وجل، لكنّها مقيّدة بالزمان والمكان المناسبين، هي جزء من التكليف الشرعي بضوابطه وتصبح واجبة عند انحصار الخيارات بها، كما حصل مع الإمام الحسين (ع) عندما قال: "إن لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً"، إذ انحصرت الخيارات بإثنين، فكان لا بدّ من أحدهما، وبطبيعة الحال، السعادة مع الشهادة العزيزة خيرٌ من الذل والاستسلام.
هذا الإمام العظيم، سيد الشهداء الذي قاتل في كربلاء، هو الذي صبر مع أخيه الحسن في حكم معاوية، لأنّه كان يرى خيارات أخرى قبل الوصول إلى خيار الشهادة، وبما أن أمانة النفس الإنسانية عظيمة عند الله، لا يمكن لأي إنسان أن يستهتر بها، ولا أن يتسرّع في زجّها في مواقع الخطر والموت، أو أن يتخذ قراره بالشهادة في كل حادثة أو صعوبة تواجهه، فالعطاء النبيل للشهادة وثمرة الدفاع المشروع في التوقيت والزمان المناسبين بقرار من القيادة الشرعية الحكيمة المسؤولة التي تحمل مسؤولية الدماء، إذ لا يستطيع أي فرد من الأفراد أن يذهب ويقدّم نفسه كيفما كان، بل يجب أن يكون جزءاً من المقاومة، وجزءاً من المشروع المجتمعي العام، وجزءاً من علامات الانتصار، وإلا فَقَدَ الاستشهادي معنى شهادته إذا انعزل عن قيادته وجماعته، إذ أنّ المطلوب توحيد الجهود وأن تتجه لتصيب وتتراكم كي نصل إلى النتيجة المرجوّة من خلال الشهادة.
هذه الشهادة هي مبادرة اختيارية، المقاومة تأسيساً لما بعدها، ولا تنتهي بانتهاء حياة المُقبل عليها، لأنها خطٌّ وليست أداءً آنياً يمكن أن ينتهي مع انتهاء الجسد بسبب بقاء العنوان.
إنّ الدرجة العليا للشهداء عند الله تعالى، تجعل الشهادة في هذه الموقعية والأهمية، وتحفّز المؤمنين للطموح إلى تحصيلها قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾(1)، وفي الحديث الشريف عن رسول الله (ص): "فوق كل ذي برٍّ برّ حتى يُقتل الرجل في سبيل الله فليس فوقه برّ". وفي خطبة السيدة زينب (ع) في مواجهة ابن زياد قالت: "الحمد لله رب العالمين الذي ختم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة"، فالشهادة خط متواصل مع الحياة الحقيقية.
إن الانتصار على النفس بالاستعداد للشهادة يختصر طريق الصراع مع النفس الأمّارة بالسوء ليحوّلها إلى نفس مطمئنة، ويرقى بالإنسان إلى أعلى درجات الاستقامة، ويساعده في استيعاب دوره ومكانته في هذه الدنيا كمعبرٍ إلى الآخرة. وبما أنّ الموت مرتبط بالأجل ﴿فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾(1)، فخيرٌ له أن يختار طريقاً يمكن أن يوفّقه للشهادة، من أن يموت على فراشه وهو قادرٌ أن يصنع طريقه إلى الموت من أجل الحياة، إذا وفّقه الله تعالى لذلك، لأن الأمور مرتبطة بالأجل، والأجل بيد الله تعالى.
4- سبيل الله يشمل الحياة:
هذه الشهادة هي جزء من مشروع سبيل الله، ولعلّ البعض لا يعرف تماماً معنى هذه العبارة التي نستخدمها دائماً، مفهوم سبيل الله تعالى هو مفهوم واسع يستوعب الحق الإنساني، والنّبل، ورفض الظلم والعدوان هو مفهوم لا يترك مفردة إيجابية في حياة الإنسان، إلا ويتطرّق إليها، هو رفض للاتجاه السلبي للباطل والانحراف والعدوان والقهر، من هنا قال تعالى: ﴿فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾(2).
لم يقل في الآية الكريمة بحصر الجهاد، وإنما تحدّث عن الجهاد بسعته في الحياة العامة للناس، وفي كل مفردات الحياة، وقال تعالى أيضاً: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾(3)، إذ قد لا تكون النتيجة سريعة في علمية الجهاد والمقاومة فتتطلب صبراً وعطاءً، في المقابل حدّثنا عن نماذج عدة في سبيل الله تعالى قال: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾(4)، وقال: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾(5)، إذن، فالموضوع أشمل بكثير من مجرد القتال. وهذا يعني أننا حينما نتحدث عن سبيل الله لا يقتصر فهمنا على الخصوصية الدينية التي لها علاقة بعباداتنا، وإنما يمتد امتداد الإنسانية في حياة الإنسان.
من هنا حب الوطن والموت في سبيل الأرض كتعبير من تعابير سبيل الله يتمازجان بامتزاج يصعب انفكاكه مع سبيل الله تعالى، فلا يمكنك القول لمن مات في سبيل موته واستحضر سبيل الله أنه خارج عن هذه الدائرة، لأن سبيل الله ممتدّ في الحياة.
جاء أعرابيّ إلى رسول الله (ص) وقال له: يا رسول الله الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليُذكر، والرجل يقاتل ليُرى مكانه فمن في سبيل الله؟ فقال رسوال الله (ص): "من قاتل لتكون كلمة الله هي أعلى فهو في سبيل اله". وكلمة الله أعلى يعني الحق والاستقامة والتحرير والوطن وكل هذه المعاني التي ذكرناها.
هنا يتشوّق المرء إلى الشهادة، وربما عاش عقدة بسبب عدم الحصول عليها، لكنَّ رسول الله (ص) يبشّره: "من سأل الله الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه". لأنه بنى فكره ومشروعه على قاعدة هذا السبيل الحر الوطني والإيماني الذي يوصل إلى طرد المحتل.
5- سرُّ قوتنا:
نصل إلى قيم الشهادة، وهي نبيلة وهي ثقافة الحياة الحقيقية والعزيزة في مقابل ثقافة الموت، قيم الشهادة نبيلة، الشهادة حياة، والتبعية والذل موت. السيادة حياة، والوصاية موت. تحرير الأرض حياة والخضوع للاحتلال موت. قال الإمام علي (ع): "فالموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين". هكذا نفهم الحياة.
هنا يذكّرني الشاعر الكبير عمر أبو ريشة بوصف أعطاه لأحد مؤتمرات القمة العربية، قال:
جلسوا على أرائكهم سبحان خلقهم عاشوا وما شعروا ماتوا وما قبروا
(هكذا نفهم المائز بين الحياة والموت).
على هذا الأساس تأتي المواجهة بين الحق والاستقامة والتحرير والفضيلة والعدالة، في مقابل الظلم والعدوان والاحتلال والفساد والطغيان، عندما لا تملك الأمة أو الثلّة المخلصة فيها القدرة المادية والعسكرية لمواجهة الكثرة وإمكاناتها، وعندما تقف الأمة أمام خيارين: إما الاستسلام وإما الربح والوقوف ولاصمود، حيث لا بدّ من اختيار الصمود مهما كلّفها، وهنا يأتي دور الجهاد ودور الشهادة.
فالشهادة إذن، تعالج خلل التوازن في الإمكانات، ومع الاستعداد للشهادة يبطل مفعول القوة بالتخويف بالقتل والموت. ما يعطي قوة إضافية للمؤمنين، ويربك العدو العاجز عن إخافتهم، ويقوّي عامل الرفض في الأمّة ما يجعلها عصيّة على مؤامرات الأعداء، ولا نبالغ عندما نعطي هذه القيمة الكبيرة للاستشهاد، لأن التجربة الواقعية قد أثبتت فعاليتها. هنا لا أكشف سراً عندما أقول: اكتشفنا سر قوتنا، كما اكتشفوا سرّ قوّتهم، اكتشفنا أن سر قوّتنا بالجهاد والمقاومة والمواجهة العسكرية والشهادة وهذه المعاني مليئة بالإنسانية والحق، واكتشفوا سرّ قوّتهم بالتقنية والقدرة العسكرية والتقدم التكنولوجي واجتمعوا على قوّتهم بالظلم والطغيان.
هنا حصلت المواجهة بين سر قوتنا وسر قوتهم، فاستطعنا بسرّ قوتنا أن نهزم سرّ قوّتهم، لأن قوّتنا حق إنساني مع شهادة، أما قوتهم فمادة وإمكانات مع جبن وخوف، وهكذا تبيّن أن سرّ قوّتنا ينتصر على سرّ قوّتهم إذا عرفنا كيف نراكم هذا السرّ في داخل الأمة، لأن المسألة مرتبطة بالاستعداد، وعلينا أن نراكم بنيان الشهادة لمواجهتهم، وفي كل مراحل التاريخ كان الإنسان ينتصر دائماً على القوة والمادة عندما تكون له الإرادة، وعندما يرتبط بالله تعالى.
وهذا ما يفسّر السؤال الذي كان يُطرح دائماً، لماذا لا ننتصر طالما أنّ عندنا هذه المعاني وهذا السرّ؟ وهنا أؤكد على ضرورة تراكم هذه الإمكانية لمواجهة التراكمات الأخرى. وحذارِ أن نذهب إلى سرّ قوّتهم لنتمثّل بها، لأنهم إذا جرّونا لنعادلهم برمز قوّتهم فسنفشل. علينا أن نأخذ من سرّ قوّتهم ما يقوّي سرّ قوّتنا بالشهادة، لا أن نلغي سرّ قوّتنا لنندمج في أطروحتهم، وإلا نخسر ولا تقُم لنا قائمة. يجب أن ننتبه بأن لا نقع أسرى مفردات يحاولون جرَّنا إليها. كأن يقولوا لنا: تعالوا إلى السياسة وهم عندهم السياسة، ويقولون: تعالوا إلى التفاوض وهم متسلّطون بالتفاوض، ويقولون: لنرى من هو أقوى وهم يتميزون بالقوة، هنا علينا أن نقول لهم: تعالوا إلى سرّ قوّتنا من أجل أن نُضعف موقعهم ومكانتهم، فقد نحصل على اعتراف بحقّنا ووجودنا، عندها نحصل على السيادة بلغة القوة لا بلغة الاستجداء، والاستجداء مفردة يمكن أن ينتصروا علينا بها، أما القوة فمفردة نحملها بإرادتنا وعزيمتنا.
6- إنجازات المقاومة:
وهذا ما يطرح أمامنا الخطر الكبير الذي تعاني منه منطقتنا، فإسرائيل عدوّ شرس، وخطر توسّعي لن يكتفي بفلسطين، وإنما يمتد إلى العالم العربي والإسلامي، بل إلى العالم. وأميركا خطر استعماري طويل المدى، ومجلس الأمن ألغى وظيفته في السلام العالمي وأصبح موظفاً للسلام الإسرائيلي، وهو يسخّر العالم لسلام إسرائيل، معنى ذلك أننا أمام مصيبة دولية حقيقية على مستوى الإنسانية، كيف نواجه هذا الاحتلال يجب مواجهة هذا الواقع بالمقاومة، وبكل أنواع المقاومة وعلى رأسها المقاومة العسكرية.
هذه المقاومة أنجزت تحريراً للأرض، واستطاعت بحمد الله تعالى أن تقدّم لنا مجموعة من العناوين والقواعد المهمّة جداً في منطقتنا، سأذكر خمسة من هذه الإنجازات:
أولاً: أبرزت المقاومة معادلة القدرة الكامنة الموجودة في أمتنا لرفض الاحتلال.
ثانياً: أعادت المعنويات لمنطقتنا في مواجهة الإحباط وعدم الثقة بالقدرة على التغيير.
ثالثاً: إعادة إحياء المقاومة الفلسطينية في هذا الشعب الفلسطيني الأبيّ والشجاع.
رابعاً: أثبتت صلابة الممانعة لمواجهة مشروع الشرق الأوسط الجديد.
خامساً: نقلت المقاومة لبنان من الدولة الضعيفة إلى الدولة الصامدة، ونحن نريد أن نتابع لتنتقل إلى الدولة القادرة إن شاء الله تعالى.
ما الذي تحقق بالمقارنة بين المقاومة والعمل السياسي؟
المقاومة حقّقت إنجازات عظيمة والعمل السياسي لم يحقّق شيئاً، كنّا نقول دائماً بأننا سنصبر من أجل أن نتابع خطواتنا وليتابعوا خطواتهم، لكن تبيَّن بأن خطواتهم هي الفاشلة.
هنا، المقاومة أثبتت جدواها، ولم يعد السؤال، المقاومة ستبقى أم لا؟ لأن الظروف تستدعي بقاءها، بل السؤال، كيف ينخرط باقي المجتمع في المقاومة، ومن أجل أي مشروع لا يريد البعض استمراريتها؟
وهنا سؤال آخر، هل يستطيع لبنان تحمل تكلفة المقاومة؟ وأنا أسأل: هل يستطيع لبنان تحمل تكلفة الاحتلال ومفاعيله؟ ليس النقاش حول المقاومة وسلاحها، بل أي لبنان نريد؟ إذا أردنا لبنان السيد الحر المستقل، إذن، يجب أن يكون قادراً للدفاع عن نفسه، لدينا المقاومة كقدرة دفاعية جاهزة، فلنعمل على تقوية الجيش اللبناني، ولنضع استراتيجية دفاعية تستفيد من عوامل القوة المتوفرة وتنظّمها بطريقة تحقق الهدف.
تعالوا نتفق لبناء الدولة القادرة العادلة، ومن الخطأ أن نتخلّى عن أسباب قوّتنا، من هنا نؤكد أن لا تعارض بين الدولة والمقاومة لأن اتجاه المقاومة هو الدفاع عن الأرض ومواجهة الاحتلال وهو في صلب اهتمام الدولة، فالمقاومة تعتبر سنداً للدولة وليست منافسة، المقاومة تعتبر دعماً للدولة وليست بديلة عنها. نأمل أن تتوقف حرب النظارات المقفلة لمصلحة لبنان واللبنانيين.
أختم بالشكر الكبير لمعهد المعارف الحكمية ولدار الهادي على إتاحة مثل هذه الفرصة لهذا المؤتمر الكبير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.